البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

عن الثورة والإسلام في التوطئة

كاتب المقال أنس الشابي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6711


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


نشرت الصحافة في الفترة الأخيرة نصّ توطئة الدستور الذي هو بصدد الإعداد، وبعد الاطلاع عليه رأينا من المفيد مناقشة بعض ما ورد فيه من مفاهيم ومصطلحات وصياغات مستحدثة أدّت إلى تقديم نصّ مفكّك الأوصال ضعيف البناء تكدّست فيه الشعارات السياسية وغابت عنه أسس التواصل بين أبناء الوطن الواحد.

عن الثورة


ورد في السطر الأوّل في وصف النواب أنفسهم بأنهم:"منتخبون باستحقاق ثورة الحرية والكرامة والعدالة" وهو وصف جانب فيه محرّر التوطئة الحقيقة من جهتين:
أولاهما أن عددا لا يستهان به من نواب مجلس 23 أكتوبر ظهروا لأوّل مرّة في قصر باردو ولم نعرف لهم مساهمة في الحياة السياسية قبل 14 جانفي فبعضهم جاء من وراء البحار وبعضهم خرج من البيوت بعد فرار الرئيس السابق... علما بأن الانتخابات في حدّ ذاتها لا تترجم فعليا عن حقيقة القوى الفاعلة في الساحة العمومية إذ التبست بالمال السياسي والمعارك المفتعلة والشعارات المضللة والبرامج المزوّرة فضلا عن أن هذه الانتخابات جرت وفق قانون أقصى فئة من المواطنين وميّز فئة أخرى بتعلات أوهى من الواهية في الحالتين.

وثانيتهما الحديث عن "الثورة"، حيث درج استعمال هذا اللفظ وأصبح كاللازمة لدى العييّ، ومن حقنا أن نسأل هل أن ما حدث فيما بين 17 ديسمبر و14 جانفي يصحّ علميا وواقعيا وصفه بـ"الثورة"؟، ففي غياب القيادة والبرنامج والجهاز السياسي المؤطر تسود العفويّة والقفز من الموقع إلى الآخر والسطو على المؤسسات، ما حدث يوم 14 جانفي إثر فرار الرئيس السابق ـ وهو فرار لم يعرف له التاريخ الإنساني شبيها ـ وانهيار الحزب الحاكم وسقوط المؤسّسة الأمنية إنما هو نتيجة لِما يصحّ وصفه بالهبّة والتمرّد والهوجة والعصيان والانتفاضة التي تدلّ جميعها على تحرّك فئة من الناس احتجاجا على وضع ما دون تحديد برنامج واضح وخطوات معلومة لهذا التحرك أو مداه.

شعار واحد رُفع في كامل أرجاء الوطن وردّدته الجماهير أيّامها في مختلف المظاهرات لخّص فيه مبتكره ببلاغة يُحسد عليها مطالب الشباب المنتفض في قوله:"التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" وهو شعار عاد الشباب إلى رفعه هذه الأيام بعد سنة ونصف من أحداث 14 جانفي، هذا الشعار الذي لخّص مطالب جيل كامل رمى به النظام السابق في أتون البطالة ينحرف به محرّر التوطئة ليصبح "ثورة الحرية والكرامة والعدالة" وهي ألفاظ لم تجل بخاطر شبابنا في القصرين وفي سيدي بوزيد وفي غيرهما لأنها ألفاظ عامة لا تحمل أي دلالة آنية ويصحّ أن ترفع في كل الأزمان والأوقات والأمكنة، وشتان بين حُسن بيان ووضوح ودقة شعار رفعه المكتوون بنار سياسات حمقاء وشعار صيغ في المحلات المكيّفة وعلى المقاعد الوثيرة.

التحرّر من الاستعمار


جاء في التوطئة :"واستجابة لأهداف الثورة التي توّجت ملحمة التحرّر من الاستعمار"، بعد أن حدّد محرّر التوطئة أهدافا لما سمّاه "الثورة" ادّعى أنها أي الثورة توّجت مرحلة التحرّر من الاستعمار، وهو كلام في غير محله إذ قلبنا الأمر على مختلف وجوهه فلم نجد أي رابط بين أحداث 14 جانفي والحركة الوطنية التي أدّت إلى الاستقلال وإعلان النظام الجمهوري، فنقاط الافتراق بين الحدثين والمرحلتين تندّ عن الحصر من بينها:

أ) أثناء توقيع معاهدة باردو وقف المرحوم محمد العربي زروق معترضا على استعمار وطنه تحت أيّ مُسمّى فكان بذلك أوّل منافح عن استقلال وطن لم يحفظ له طيّب الذكر لحدّ الساعة، أما في السابع من نوفمبر فقد خرجت الجماهير مهللة ووقفت نخبها تدعو للسلطة الجديدة وتمجّد رئيسها.
ب) قاوم التونسيون الاستعمار الفرنسي طوال 75 سنة جرّب فيها أسلافنا كلّ أشكال النضال التي أذكت فيهم روح الاعتزاز بالوطن وربّتهم على معاني الالتزام بقضايا المجموعة والإيثار والانتصار للمبادئ، أما أحداث 14 جانفي فلم تتجاوز الشهر الواحد الذي انتهى بفرار الرئيس السابق ونهب المغازات وسرقة القباضات وغيره ممّا لست أذكره فظن ظنا ولا تسأل عن الخبر.
ت) أفرزت فترة مقاومة الاستعمار نخبة في مختلف الاختصاصات ما زلنا لحدّ الآن ننهل من تراثها ونعيش عليه مسرحا وغناء وشعرا ونثرا وصحافة... كما أهدت وطنها قامات من وزن عبد العزيز الثعالبي وأبي القاسم الشابي والشيخ محمد الطاهر ابن عاشور والزعيم الحبيب بورقيبة والصحفي اللامع الهادي العبيدي... وغيرهم ممّن نحتوا صورة الوطن في وجدان الأجيال وشرّبوهم حبّه، أما فترة السابع من نوفمبر فقد تركت البلاد قفراء بلقع جرداء ولم تستطع إفراز نخبة فظهرت كتابات كغثاء السيل بعضها ناقد للوضع القائم فقيرة فقرا مدقعا في معناها وفي مبناها وبعضها الآخر صفحات تمجيد تفنن بعض أساتذة الجامعة في صياغتها استنادا إلى صفاتهم الإدارية وقد وصل الإسفاف بالبعض إلى حدّ تشبيه الرئيس السابق بالفيلسوف هايديغار.
ث) بانتصار الحركة الوطنية وخروج الاستعمار قامت النخبة أيامها ببناء الدولة الجديدة فأنشأت المؤسّسات وشرّعت القوانين وبنت المدارس والمستشفيات والطرقات والمصانع... وعرف الوطن أيامها نهوضا وإن عاش جيلي أواخره فإن التاريخ حفظ لجيل الاستقلال وسواعد أبنائه كلّ الفضل، أما بعد 14 جانفي فالحال مضحك ومخز للأعاجيب التي نعيشها.
لكلّ ما ذكر أعلاه نرى أن الربط بين أحداث 14 جانفي والتحرّر من الاستعمار يحمل الكثير من التمحّل فضلا عن ظلمه لمرحلة هي من أزهى المراحل التاريخية التي عرفها وطننا وتوّجت باستقلال ما زلنا ننعم بالكثير من مزاياه.

ثوابت الإسلام ومقاصده


جاء في الفقرة الثانية ما يلي:"وتأسيسا على ثوابت الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال" الأمر الذي يعني أن هذا الدستور سيتأسّس على:
1) ثوابت الإسلام.
2) ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال.

فبالنسبة لثوابت الإسلام حاولت أن أجد ما يجمع بينها وبين الدستور فخاب مسعاي، ذلك أن المقصود بثوابت الإسلام هو ما اصطلح على تسميته بالسمعيات أي العقيدة والعبادات التي لا يتحقق العلم بها إلا عن طريق السمع ولا مجال فيها للظن أو الأخذ والردّ الذي هو محلّ الاجتهاد، فما دخل الإيمان بالملائكة أو السعي بين الصفا والمروة أو عدد الركعات في الصلاة بأحكام الدستور؟ إن اتفقنا أن الدستور عقد يحدّد الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم بصفتهم مواطنين ففي أي باب تندرج عقيدة المواطن وعباداته؟.

واللافت للانتباه أن كاتب التوطئة قيّد ثوابت الإسلام بـ"مقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال" وفي ذلك تصريح ضمني قاطع منه بوجود مقاصد أخرى تتسم بالانغلاق والتطرّف، وهو كلام غير منضبط علميا لأن مقاصد الشرع كلها رحمة وكلها خير وكلها صلاح قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في ص 63 من مقاصده إن:"مقصد الشريعة الاصلاح وإزالة الفساد وذلك في تصاريف أعمال الناس" وقال علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال وأحد أبرز قادة الحركة الوطنية المغربية في ص 46 من مقاصده:"والمقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة ومن صلاح في العقل وفي العمل وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع".

ولأن محرّر هذه التوطئة استهدف إقصاء صنف من الإسلاميين في إطار الخصومات السياسية الدارجة التجأ إلى التصرّف في المصطلحات والخروج بها عن معانيها المتعارف عليها وإكسابها دلالات لا تنبني على أساس من العلم الصحيح.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الدستور، توطئة الدستور،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-11-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
وائل بنجدو، سفيان عبد الكافي، سيد السباعي، سليمان أحمد أبو ستة، عمار غيلوفي، أ.د. مصطفى رجب، علي عبد العال، صفاء العراقي، حسن الطرابلسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامر أبو رمان ، د - محمد بنيعيش، الهادي المثلوثي، محمد اسعد بيوض التميمي، حاتم الصولي، مصطفى منيغ، عبد الغني مزوز، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الرزاق قيراط ، طلال قسومي، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، صلاح الحريري، نادية سعد، سلام الشماع، رمضان حينوني، إيمى الأشقر، عبد الله زيدان، عراق المطيري، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الناصر الرقيق، ضحى عبد الرحمن، رشيد السيد أحمد، عمر غازي، محمود طرشوبي، د- محمود علي عريقات، ياسين أحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد العيادي، د. أحمد بشير، د- محمد رحال، الهيثم زعفان، أحمد ملحم، د - مصطفى فهمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - شاكر الحوكي ، العادل السمعلي، فتحـي قاره بيبـان، مصطفي زهران، محمد الياسين، أشرف إبراهيم حجاج، فتحي العابد، يزيد بن الحسين، أحمد الحباسي، أحمد النعيمي، د. عبد الآله المالكي، فهمي شراب، إسراء أبو رمان، سامح لطف الله، كريم السليتي، د- جابر قميحة، سعود السبعاني، إياد محمود حسين ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد محمد سليمان، صالح النعامي ، جاسم الرصيف، د.محمد فتحي عبد العال، خبَّاب بن مروان الحمد، يحيي البوليني، د. صلاح عودة الله ، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، د. طارق عبد الحليم، محمد أحمد عزوز، محمد عمر غرس الله، تونسي، علي الكاش، أبو سمية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صباح الموسوي ، محمود فاروق سيد شعبان، عزيز العرباوي، كريم فارق، حسني إبراهيم عبد العظيم، فوزي مسعود ، محمود سلطان، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بن موسى الشريف ، رافد العزاوي، حميدة الطيلوش، محمد شمام ، سلوى المغربي، رضا الدبّابي، مجدى داود، المولدي الفرجاني، محرر "بوابتي"، خالد الجاف ، د - المنجي الكعبي، مراد قميزة، صفاء العربي، محمد الطرابلسي، د- هاني ابوالفتوح، عواطف منصور، حسن عثمان، صلاح المختار، فتحي الزغل، د - الضاوي خوالدية، د - صالح المازقي، د. خالد الطراولي ، محمد يحي، منجي باكير، رافع القارصي، أحمد بوادي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء