البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس
   رأي 217

حواس تولد من رحم المادة: قراءة في أعمال الفنان التونسي إبراهيم العزابي

كاتب المقال شريفة بنزايد - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3595


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


انّ العمل الفنّي لايكون خصبا إلا عندما يتضافر فيه الفكر و المعنى مع أسلوب التنفيذ المادي ، الذي يتم من خلاله ترجمة رؤية الفنان ة المتلقي ، لتتحول اليد الى أداة أبداع و معرفة تتلمس و تتحسس المادة تماشيا مع مقولة أن فكر الفنان يتجلى في أصابعه وهو يلامس المادة ، فحركة اليد بحدّ ذاتها تشكل فلسفة و ليس مجرّد وسيط بين فكر الفنان و غايته عند تفاعله مع الحيّز التطبيقي و هو ما يكشف النظام الداخلي الذي ينشأ وفقه العمل الفنّي ، بحيث يتمحور أساسا على جدلية صراع قائم بين الفنان و المادة و الفضاء ، فيما يحتويه هذا الصراع من حميمية و تنافر ليتخذ البحث منحى فلسفي حول علاقة الجسد لحظة إنشاء العمل مع المادة و الفضاء بكل تشكلاتهما ، و العزابي يحاول إقتناص لحظات من هذا الصراع لتأسيس رؤية خاصة رغم كونه لا يخرجه عن المنطق المنهجي و التأمل الدقيق حول ما يمكن أن تهبه له المادة من قادح فكري في محاولة لتوليد فكر خلاق في صورته المادية ، فالسطح و الفضاء و المادة و الملمس مفاهيم تحرك الحواس المدركة لها اي العين و اليد لتنشأ هذه العناصر علاقات تشكيلية لا يغيب عنها المعنى الذي يكشف عن قيمة ما ينتجه الترابط بينها و لأن البحث الفني لدى العزابي يتخذ مسارا أكثر توغلا يعنى بالفضاء و الملمس المادة ، فإنّ أعماله أضحت مخصوصة تبحث في ماهية المواد ، فكل مادة محسوسة لها خصوصية ، فرغم التنافر الذي يصل بها حدّ التناقض فإنّ هذا لا ينفي ألفة و تجانس حين تجتمع على فضاء واحد بإعتبارها وليدة تجريب و إختبار ف:’المحسوس هو الذي يبدع الموضوع المتمثل ، فهو الذي يظهره و يمنحه صوتا ينطق به ، و يجعله يقول شيئا آخر غير ذلك الذي يقوله بطريقة نثرية للإدراك النفعي ‘ .

إنه تدفّق مستمر يعيشه المحمل عبر الإدراك الحسّي في تفاعله مع المادة المتلفة فعملية الإنشاء عند العزابي إرتكزت غالبا على تقنية التلصيق و الإضافة و التراكم و التكديس و التركيب ، فالورق و القماش الممزّق و اللّوح الخشبي و الأتربة ، هي أدوات لمقاومة صمت المحمل عبر التركيز في إظهار هيكلة المادة السائلة و العجائن اللونية لتأسّس وحدة فيما بينها بتشققاتها و إنفلات الخيوط من نسيجها القماشي ، يضبطه المنطق الفنّي الذي يخاطب العين لتلامس مختلف المواد ، فالعين هي أول ما تصطدم بماهية المادة لتغري اليد بدورها للملاحظة و التلامس مختلف المواد ، فالعين هي أول ما تصطدم بماهية المادة لتغري اليد بدورها للملاحظة و التلمس عبر إختلاف مستوى النتوءات و الملامس بحضور الظّل و الغائر و البارز ، وهو ما يكسبه حركية و ليونة ضمن العلاقات الداخلية بين مختلف سطوح اللوحة وهو تدخل في معمارية الفضاء أي :’جعل اللوحة بما تتضمنه من ألوان و خطوط تجسيد لمدى فضائي متعدد الأبعاد.

فحضور شكل المادة و أثر الفرشاة ،أدخل المنظومة البصرية في الفضاء المسطح ، فكان الإنتشار في كل الإتجاهات تنصهر مع فضاء المحمل في تطلع الى الامتداد بحضور الشكل المفتوح فيه إدماج للكتابة الخطية و النحت ، ففي حركة اليد إتجاه كتابي و تسجيل لخط متواصل فأين وجهت اللوحة أو تغيّر أساسها الإدراكي ، حركت حضورها في الذاكرة في إحالة على علامة أو رمز لحركة الحرف الخالصة حتى و إن تحوّل الحرف إلى منظومة من اللّطخات و آثار الفرشاة ، لتصبح المادة المشكلة له ، مادة تعبيرية تتجاوز غلافها الخارجي الى نحو أعمق ، إلى وضع هذا الارث في صورة جديدة دون قطع لماضيه و في وصل لحاضره:’أشكال لكلمات جرّدت من خصائصها المعنوية و فرّغت من أيّة دلالة ، وليس ما يذكرك بالكتابة غير نسيجها الخطي غير حركتها و إنسيابها ‘.

أصبح المحمل فاعلا وتصميما على نجاعته في الفعل و إستجلاب نوع آخر في تفعيل المحسوس في اطار استجابته للمادة و التي تماهت مع فعل الطي في اعمال العزابي ، و ما ينسحب عن مفهوم الانطواء من احتواء و كشف و مواراة ، تموجت فوق هذه الطيات خطوط تتجول بحريّة في مزيج مختلف بين الاتجاهات و السمك يتغير أحيانا مسارها في حركة عفوية، استمات خلالخا العزابي في تجريب و إختبار مواده المتلفة تكون ذاهبة نحو الفناء و ما تعانيه من اقتطاع و بتر اهتراء لتأسيس العمل على مادة تعيش حلقة داخلية تكون شيئيتها المحسوسة ، بين التناقض و التآلف و هي حركة تخترق الادراك بعد الصراع بين الاندثار و التلاشي ، فالخامات و المواد خاضعة لموقفها النحتي ، والى تصميم أعده الفنان بفضل مخيلة ابداعية يتجه إهتمامها الى جوهر هذه المادة المتلفة فاستعمال الحجارة و الخشب و الاتربة و الاوراق بمختلف أنواعها ، يكوّن مدّ بصري فيه تكشف لوحدة و إنسجام المادة :’يضفي على هذه المادة صورة ما تصبح فيها المادة بمثابة الاساس الوجودي .’
ففي لوحة العزابي تتعدد القراءات و تتشكل الرؤى الفنية لا تكاد تغيب فيها المرجعية الثقافية في اطار استغلاله لتراثه المحلي مع تأثره بالحركات الفنية كونه يعيش في خضم الفن عامة .

فهاجسه يكمن في ابراز المادة الذي خبرها في فضاء ثنائي الابعاد يكتسب مع تكدس للمواد المختلفة و يتحول الى فضاء ثلاثي الابعاد بحضورها النّحتي مع التأثير القوي لشكل اللطخات السميكة و الغليظة و المشبعة بالأصباغ اللونية لها ثقل و وزن ، يضعنا في عالم بفضاءاته المختلفة ، يوهمنا بعمقه الحقيقي و يشعرنا بتلك المادة القوية التي تخلق حيوية و نشاط في نظام حواري لمدّ بصري تتوزع فيه الكتل و المساحات لتتكثف المعاني و تتدفق تعطي أهمية للمادة كمؤسسة للفعل التشكيلي . فالبقع العرضية و الهفوات اللونية لا يمكن التفريق فيها بين الشكل و اللاشكل فهي عبارة عن خطية أحادية اللون بين العجينة اللونية و المساحة ،ليتألف المشهد الفني الجامع بين الخط المتصل و المنقطع و المساحة الملونة و المسطحة و الناتئة المعتمدة على الآلية العفوية ، ولكنها لا تنفصل عن عالم المرئيات فهذا الاسترسال المتواصل سمح بإقحام حركية تحتكم الى تصوّر و تخيّل للأشكال التي إتخذتها تلك المادة ، لتنشأ فيها خطوط منحنية و حادة لها حضور و قوة و ثبات فأعمال العزابي التشكيلية تندرج ضمن تنظيم بصري يراعي الملمس من ناحية المادة و الشكل . بحيث تكون في اللوحة الواحدة أكثر من لوحة بل أنّ كلّ جزء فيها يشكل لوحة لتظهر جدلية بين الظاهر و الباطن و بين المحتجب و الجلّي .

في عالم مادوي أراده العزابي نمط يومي يمارسه و يتفاعل معه، فالتراب المعجون و القماش و الرمال المسحوقة و العجائن ... إختلف مصدرها و أتاها فيها استجابة لرغبة الاكتشاف لعوالم أتلفت و خيّلت لنا أنها إنتهت وتجاوزها العصر تإحداثياتها الجديدة ، مواد حشدها العزابي و جعل اللوحة مسكنها ، فكيف أمكن للعزابي أن يسري الحياة و الروح داخل هذه البقايا ، بقايا ربّما لا يخطر على المخيلة أنّ مسكنها سيكون على محمل اللوحة التشكيلية :’عالم يتكون في يدي بنّاء أمكنة وهمية و عالم يشهد كل يوم ميلاده المتجدّد ، كل فجر و أعمال تكتمل اليوم في مكان ما في تونس وراء الباب الضيّق الذي يفتح على مساحة مغشاة بالعلامات ، تحتل قمة مأوا لدهاليز ثمرة صراع مع المادة...صراع يومي يترك آثار و بصمات أو ما تبقى من جراح بل خطوطا عميقة مهمتها الأولى أن توقع النّور في فخّها ... ذلك النّور الذي بدونه يغزو الليل و النّهار’ .


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

دراسات فنية، بحوث فنية، بحوث جامعية، الفن، ابراهيم العزابي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-04-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الله زيدان، فتحـي قاره بيبـان، سلام الشماع، فهمي شراب، مجدى داود، طلال قسومي، العادل السمعلي، محمد الياسين، الناصر الرقيق، حاتم الصولي، ضحى عبد الرحمن، رشيد السيد أحمد، رافد العزاوي، كريم فارق، أحمد الحباسي، د. عبد الآله المالكي، أحمد ملحم، فتحي الزغل، د- محمود علي عريقات، صلاح الحريري، أنس الشابي، سليمان أحمد أبو ستة، سلوى المغربي، نادية سعد، علي عبد العال، محمد شمام ، رافع القارصي، عزيز العرباوي، عراق المطيري، د. مصطفى يوسف اللداوي، الهيثم زعفان، د. طارق عبد الحليم، خالد الجاف ، محمود طرشوبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رمضان حينوني، رضا الدبّابي، إسراء أبو رمان، فوزي مسعود ، إيمى الأشقر، محمود فاروق سيد شعبان، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله الفقير، محمود سلطان، عبد الرزاق قيراط ، د - عادل رضا، محمد يحي، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، صفاء العربي، المولدي الفرجاني، ماهر عدنان قنديل، أشرف إبراهيم حجاج، حميدة الطيلوش، سامر أبو رمان ، فتحي العابد، مصطفى منيغ، د - المنجي الكعبي، عمار غيلوفي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد اسعد بيوض التميمي، سيد السباعي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عواطف منصور، عمر غازي، د. أحمد محمد سليمان، حسن الطرابلسي، صباح الموسوي ، حسن عثمان، د. أحمد بشير، تونسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- هاني ابوالفتوح، محمد أحمد عزوز، د - محمد بن موسى الشريف ، جاسم الرصيف، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الغني مزوز، وائل بنجدو، كريم السليتي، د - مصطفى فهمي، محمد عمر غرس الله، صلاح المختار، د. صلاح عودة الله ، ياسين أحمد، د - محمد بنيعيش، محمد الطرابلسي، صفاء العراقي، إياد محمود حسين ، د- جابر قميحة، حسني إبراهيم عبد العظيم، سامح لطف الله، علي الكاش، رحاب اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، أحمد بوادي، مصطفي زهران، يزيد بن الحسين، محرر "بوابتي"، صالح النعامي ، محمد العيادي، سعود السبعاني، الهادي المثلوثي، د- محمد رحال، د. خالد الطراولي ، د - صالح المازقي، د - الضاوي خوالدية، منجي باكير، يحيي البوليني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء