البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات محرر بوابتي
مقالات محرر بوابتي

التفسير بالعامل الإيديولوجي لوجود الجماعات المسلحة: تأصيل فلسفي

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8652


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يصر الكثير على ترديد تفسير غير مبرهن عليه، لوجود الجماعات الجهادية ولالتحاق الشباب بتلك التنظيمات، وهم يقدمون رأيا يقول أن الفقر والوضع الاقتصادي عموما هو السبب لكل ذلك.

التفسير المادي للأحداث بل وللتاريخ، هو فلسفة المذهب الماركسي و اليساري ككل، الذي يفهم الوجود على أنه إنعكاس لصراعات واقعية طبقية ومادية، وهو لذلك يفسر المشاعر و الثقافة بل و حتى الدين على انها نتاج للواقع المادي، ويقولون في ذلك أن البنية التحتية (الواقع وصراعاته وآليات الإنتاج وكل ما هو مادي عموما) هي التي تنتج البنية الفوقية (الفكر والدين و الثقافة)، بل أن اليساريين العرب وخاصة شقهم الثوري يفسرون الاسلام -الذي بالمناسبة لا يعترفون به ويعتبرونه مجرد حركة زعاماتية- يفسرونه أنه أحد تمظهرات الصراع الطبقي المادي بمكة.

ليس غريبا أن يكون اليسار متناسقا مع أطروحاته الفلسفية ويتبناها كأداة ومرجعية عقدية لتفسير التاريخ والأحداث، ولكن الغريب أن يتخلى أصحاب الطرح الاسلامي ويتناسوا فلسفتهم ورؤيتهم التي يفترض ان تحكم مفاهيمهم، ويقبلوا بدلها الفلسفة الماركسية لتفسير الواقع ولتحديد مواقفهم منه.

الرؤية الاسلامية تحكمها فلسفة مناقضة للفلسفة المادية الغربية ومنها المادية الماركسية، والتناقض يقع تحديدا في مستوى الأصالة، هل هي للفكرة أم للواقع، وهو المعنى الذي يورده بعض الفلاسفة بمصطلح آخر حيث يقولون أصالة الماهية مقابل أصالة الوجود، فمن يقول بأصالة الماهية سيقول حتما بأصالة الفكرة، وهو طرح يناقض من يقول بأصالة الوجود أي أصالة المادة ومنهما أصالة الواقع (الوضعية الفرنسية)، وإن كان الماركسيون يقولون بالجدلية، فإن تلك الجدلية هي أمر لاحق عن الوجود، الذي هو لديهم أصالة الواقع في كل حال.

يجب القول أن المتأثرين بالفلسفة الوضعية الفرنسية من غير اليساريين (وهم يمثلون جانبا كبيرا من المتحكمين في ادوات تشكيل الأذهان بتونس في مستوياتها المختلفة: تعليم، إعلام، ثقافة)، يفهوم أيضا الأمر على معنى أصالة الواقع، حيث هو المرجع في تقييم صوابية الأفكار وليس العكس.

مفهوم الأصالة أنه الجانب المعتمد إليه وعليه في الحكم وتقييم الآخر، فأصحاب أصالة الفكرة والماهية، يحكمون على الواقع ويقيمونه نسبة لمرجعيتهم وقيمهم الثابتة (عادة في شكل دين سماوي او وضعي)، أما أصحاب أصالة الوجود أي المادة أي الواقع، فهم لا يوجد لديهم مفهوم القيم الثابتة، وصلاحية القيمة هي ما يحدده الواقع، لأن القيم ومنها الدين، -كما فسرت سابقا - إنعكاس للواقع وتفاعلاته، فقيمة جيدة اليوم يمكن ان تتحول و تصبح سيئة غدا والعكس بالعكس، وكل ذلك يعد مقبولا لديهم مادام الواقع قبل ذلك التحول ولم ير فيه خطرا.

لو تأملنا حالنا بتونس زمننا الآن، لوجدنا مثل هذه الانقلابات في القيم (الفساد الأخلاقي، التفكك الأسري، غياب القيم الاسلامية...) وتحول معانيها ومحاولات التطبيع مع انحطاطها بزعم ان الواقع يفرض علينا التأقلم، ولكن المسالة في الحقيقة هي انعكاس لصراع فلسفي، بين فلسفة اسلامية تؤمن بأصالة الفكرة أي ثبات مفهوم القيم، وبين فلسفة غربية تؤمن بأصالة الواقع واعتبار تغيير القيم أمرا مقبولا، ولما كان حملة مشعل الغرب هم من يتحكم في ادوات تشكيل الأذهان بتونس، فإنهم يناصرون فلسفة أصالة الواقع على فلسفة أصالة الفكرة، أي يناصرون الإيديولوجيا الغربية على الإيديولوجيا الإسلامية.

رجوعا لمسألة الجماعات المسلحة الجهادية، فإن عامل تكونها لم يكن يوما ولن يكون اعتبارت مادية، بل هي مسألة عقدية وفكرية، المسالة من حيث دواعي وجودهم كما يصرحون، غيرة على الدين وأهله من أن ينتهك من طرف الغرب أو ممثليه المحليين الذين يحكمون بلدان المسلمين، هذا أصل المحرك، لا يغير من هذا كون بعضهم يتحرك لاعتبارات مادية أو إجتماعية، فتلك عوامل مكملة وليست عوامل إيجاد، لكن يبقى العامل العقدي هو الشرط الذي من دونه لا يمكن أن تتواجد تلك الجماعات.

أصحاب الفكر الغربي ومنهم بقايا فرنسا لا يفهمون ولا يستطيعون الخروج من أسر الماديات التي تطوقهم و أفق أفهامهم الفلسفية، ولذلك لا يقبلون مفهوم أن الناس يمكن ان تموت من اجل الدفاع عن مبدأ، ولذلك يلجؤون لتفسيرات مادية تقنعهم حول تكون الجماعات الجهادية، والحال ان الامر أقل من هذا التعقيد الذي يشتت أفهامهم، الأمر سهل فهمه لدى كل مسلم، الأمر يتعلق بتحرك وموت من أجل المبادئ، بقطع النظر عن صوابية فهمهم لذلك المبدإ من عدمه، فذلك مستوى آخر للنقاش، إذ نحن نتحدث عن أصل الدافع إبتداء.

وحينما تنتهك تلك المبادئ التي هي أصيلة كما فسرت في الفلسفة والعقيدة الإسلامية، أي هي المرجعية المعتمدة لفهم الواقع والحكم عليه وتقييمه، حينما تنتهك مثلا من طرف بقايا فرنسا المتحكمين في تونس منذ عقود أو من طرف الدول الغربية، فان ذلك مدعاة لان تستفز غيرة المسلمين، وهذا يمكن ان يكون سببا للعمليات المسلحة، وهو ما يقع حقيقة.

بمعنى آخر، فإنه لفهم العمليات المسلحة يجب النظر في العوامل التي تثير رد فعل المسلمين الغيورين على دينهم، وهي عادة أعمال يأتيها حملة الفلسفة الغربية التي ترى أصالة الواقع ولا تعترف بأصالة الفكرة أي لا تعترف بالدين عموما والإسلام خاصة.

إذن واضح أن النقاشات التي تتناول الجماعات الجهادية المسلحة بشكلها الحالي في وسائل الإعلام، فاسدة منهجيا، لأنه لم يقع الاتفاق على تحديد اطارها الفلسفي ابتداء، ذك أنه لا يمكن أن يلتقيا سويا طرفان يعتمدان فلسفتين متناقضتين، أقصد انه لا يعقل أن يجتمع حملة مشعل الفلسفة الغربية التي لا تعطي قيمة للإسلام وتعتبر الواقع هو الاصل في التقييم، مع من يقولون انهم يتخذون الاسلام مرجعا، وهم جماعة الاسلام الوسطي من احزاب وشخصيات مضافا اليهم الذين يتخذون الحديث في الإسلام مهنة ومصدر رزق، وهم عموم من يمثل مؤسسات الدولة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، بقايا فرنسا، الجماعات الجهادية، الجماعات المسلحة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-11-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
وائل بنجدو، رشيد السيد أحمد، عبد الله زيدان، جاسم الرصيف، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن عثمان، محرر "بوابتي"، مجدى داود، أنس الشابي، رمضان حينوني، عواطف منصور، أبو سمية، د. عادل محمد عايش الأسطل، عزيز العرباوي، محمد شمام ، الهادي المثلوثي، طلال قسومي، صالح النعامي ، أحمد ملحم، صباح الموسوي ، د. خالد الطراولي ، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، محمود فاروق سيد شعبان، محمد العيادي، محمد أحمد عزوز، خبَّاب بن مروان الحمد، صفاء العربي، عمار غيلوفي، عبد الرزاق قيراط ، رضا الدبّابي، محمد اسعد بيوض التميمي، مصطفى منيغ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. صلاح عودة الله ، ياسين أحمد، العادل السمعلي، محمد الطرابلسي، رافع القارصي، د.محمد فتحي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، د - شاكر الحوكي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، نادية سعد، سفيان عبد الكافي، فتحـي قاره بيبـان، ماهر عدنان قنديل، حميدة الطيلوش، د - المنجي الكعبي، فتحي العابد، الناصر الرقيق، منجي باكير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحي الزغل، أشرف إبراهيم حجاج، حاتم الصولي، يحيي البوليني، عمر غازي، مصطفي زهران، محمود سلطان، د. طارق عبد الحليم، خالد الجاف ، سليمان أحمد أبو ستة، صلاح الحريري، د- جابر قميحة، أحمد بوادي، عبد الغني مزوز، عراق المطيري، كريم السليتي، د- محمود علي عريقات، كريم فارق، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد بشير، تونسي، إيمى الأشقر، أ.د. مصطفى رجب، أحمد الحباسي، ضحى عبد الرحمن، محمد الياسين، الهيثم زعفان، رافد العزاوي، سلوى المغربي، مراد قميزة، سيد السباعي، صفاء العراقي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - مصطفى فهمي، سامح لطف الله، إياد محمود حسين ، محمد يحي، عبد الله الفقير، حسن الطرابلسي، د- محمد رحال، د - صالح المازقي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سلام الشماع، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- هاني ابوالفتوح، د - عادل رضا، محمد عمر غرس الله، د. أحمد محمد سليمان، فوزي مسعود ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يزيد بن الحسين، صلاح المختار، أحمد النعيمي، محمود طرشوبي، سعود السبعاني، فهمي شراب، علي الكاش، د - محمد بنيعيش، المولدي الفرجاني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء