عندما قدمت ماكروميديا للعالم برنامجها الأسطوري "فلاش"، صار للجرافيكس معنى آخر، فهذا التطبيق الثوري جعل من واجهات مواقع الويب والوسائط المتعددة مادة حية تنبض بالأفكار الخلاقة. وعندما غيرت ماكروميديا منحى تصميم مواقع الويب ببرنامجها التحفة "دريمويفر" الذي هو بالفعل "حائك الأحلام"، صارت الشركات العملاقة تنظر بعين الريبة إلى هذه الماكروميديا التي بدأت تكبر وتبدع بسرعة، وزادت الريبة للتحول إلى مخاوف من الأكتساح، فماكروميديا طورت تطبيقاتها مع إصداراتها الثورية التي تحمل الإصدار"أم إكس"، فبرنامجها "فريهاند" صار بديلاً كاملاً عن تعقيدات برنامج أدوبي "إليستريتر"، و"فايرووركس" تصدر قائمة الحاصلين على الجوائز في برامج تهيئة الصور للويب ليترك "إيماج ريدي" من أدوبي بعيداً في الدرك الأسفل.
هذه الأنباء المتسارعة بدأت تزعج عملاق الجرافيكس "أدوبي"، التي جمعت فريق مهندسيها ومبرميجها لوضع حد لإبداعات ماكروميديا، فقامت الشركة على الفور بتشكيل فريق عمل أنفقت عليه عشرات ملايين الدولارات لتطوير برمجيات مشابهة لتطبيقات ماكروميديا، فتم إصدار برنامج تحرير مواقع الويب "غولايف"، وخفضت الشركة أسعار برمجياتها بل وقبلت على مضض جمعها في حزمة أطلقت عليها "كرياتيف سويت" وبيعها بأقل الأسعار. لكن ذلك لم يضعف ماكروميديا التي بدأت شعبيتها تزداد حول العالم طالقة شعارها "ما يجب أن يكون عليه الويب" الذي هو بالفعل إسم على مسمى.
كان الخبر الصاعقة الذي نزل على "أدوبي": ماكروميديا تصدر ثورة جديدة في تطبيقاتها، إنه الـ"فلاش بايبر"، تقنية جديدة لتناقل الملفات بصيغة أفضل وأروع من ال"بي دي أف",وهنا جن جنون إدارة أدوبي، كيف لهذه الماكروميديا أن تكسر حاجز احتكار أدوبي لتقنية نقل الملفات ال"بي دي أف"، فقررت الشركة أن تضع خطة عمل للقضاء وإلى الأبد على ماكروميديا خاصة بعد فشل برمجيات كـ ال"قو لايف" وغيره من البرامج التي تكبدت فيها الشركة خسائر جسيمة، فأخذت أدوبي الأميركية تلعب اللعبة الأميركية الأولى: رأس المال.
أكثر من 3 مليارات دولار، وتعويضات خيالية وضمانات لايحلم بها أحد، كانت كفيلة بوضع نهاية مأساوية لمبرمجي ومهندسي ماكروميديا وللحلم الجارفيكي والبشارات التي نعم بها مصممو الجرافيكس حول العالم، فقد وافقت إدارة الشركة على عرض أدوبي الخيالي بشراء شركة ماكروميديا، وهو في واقع الأمر ليس ابتياع كما نعهد في ضم الشركات، ولكنه وقف تام لنشاطات هذه الشركة وبرمجياتها، وهو نوع صارخ من الأحتكار والحقد.
واليوم هانحن نفتقد الإبداع، ماذا جرى، توقف الدريمويفر، وتطبيقات الويب الرائعة والحلول التي لن يوجد لها نظير، وفقط صارت الأرقام تتغير في "مملكة الشمس المشرقة" (أدوبي تعني بالأسبانية الشمس المشرقة)، جاءت حزمة من أدوبي ال"سي أس" ولم يتغير شيء، مجرد تغلب على أخطاء في الحزمة ويقولون لك إصدار جديد، وما أكبر الفرق لو كانت تطبيقات ماكروميديا مستمرة الآن، فعلى الأقل سيكون "دريمويفر" وحده قادراً على قيادتك لإنجاز نظام إدارة محتوى كامل ال"سي أم أس"، فالبرنامج كان واعداً وقوياً وخلاقاً. واليوم صارت أدوبي بخجل تبيع برامج ماكروميديا في حزمة "الأستوديو" وتقول لك أن حزمة"سي أس" الفاخرة "بريمييم" تأتي معها بعض تطبيقات ماكروميديا مجاناً، وأشد الأمور إيلاماً هم مهندسو ماكروميديا ومبرمجيها الذين كان مصيرهم الشارع، وهم في الأغلب مبدعون من الهند وشرق آسيا.
قصة نهاية ماكروميديا تذكرني برجل كان فاحش الغنى وعظيم الخلق، مات وترك أولاده من بعده، أخذ أولاده يبددون ثروته، إلى أن لم يتبقى منها إلا أواني وملبس، صاروا ينزلون إلى السوق ويبحثون عن من يشتري خفي فلان أو قميص فلان. يال الأسف.. يال الأسف.