البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. الجريمة والقصاص

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1073



تعيش البلاد على وقع أخطر كارثة صحية في تاريخها؛ فالمواطنون يموتون أمام المستشفيات ويتساقطون على الطرق والأرصفة ولا من مغيث. فلا وجود لدولة ولا لسلطات مسؤولة ولا لبنية صحية، فالمستشفيات أشبه بالمسالخ البشرية والأطقم الطبية قد تجاوزتها الكارثة وصارت هي نفسها ضحية فساد الدولة وتفشي الوباء.

الصور القادمة من تونس أكثر من صادمة، فهذا إطار أمني يتلوّى من المرض أمام مستشفى القيروان ثم يموت على الرصيف ولا من مغيث وهو الذي قضى عمره في خدمة الدولة والمجتمع. وهذا مواطن فقير يحمل أمه على عربة يجرها حصان إلى المستشفى البعيد ويقف بها في أشعة الشمس الحارقة في انتظار الموت فلا إسعاف ولا أسرّة طبية ولا أجهزة تنفس.

أين الدولة؟ أين الرئيس؟ أين الوزراء؟ أين المسؤولون؟ أين الإعانات والهبات والقروض المليارية التي قدمتها الدول الداعمة؟ أين ذهبت أموال الشعب ومن هو المسؤول عن الجريمة؟

نهاية الأكذوبة

أساطير كثيرة عششت في الوعي الجمعي التونسي وروّج لها المقاول الأكبر الحبيب بورقيبة ورسخ دعائمها الوكيل الثاني بن علي وآلته الإعلامية الجبارة، ومنها أن شعب تونس شعب مثقف وأن تونس بلد ثلاثة آلاف سنة من الحضارة وأننا خير من يمشي على حصى. أكاذيب كثيرة وأساطير لا تُحصى كانت أبواق الاستبداد تروّج لها زورا وبهتانا حتى جاءت الثورة وكشفت المستور وعرّت زيف سرديات الاستبداد ونخب العار المرتبطة به.

تونس ليست دولة ولم تكن دولة في يوم ما من تاريخها الحديث، فمنذ الاحتلال الفرنسي إلى اليوم لم تعرف البلاد استقلالا حقيقيا في قرارها وسيادتها وثرواتها وأمن مواطنيها، بل كانت دائما رهينة القوى الخارجية باحتلال ناعم إلى حدود انفجار ثورة الحرية الكرامة يوم 17 كانون الأول 2010 في ريف سيدي بوزيد الفقير.

كيف تكون تونس دولة وثرواتها تتقاسمها الشركات الأجنبية منذ قرن من الزمان بالتواطؤ مع العصابات المحلية؟ كيف تكون دولة ووطنا وشبابها لا يحلم بغير الهرب منها بحرا بعد ما عانى ويلات الفقر والبطالة والتهميش والسجن والتعذيب؟ كيف تكون دولة ولا يجد المريض فيها فراشا يموت عليه بكرامة؟

تونس منذ أكذوبة الاستقلال محميّة خاصة سيطرت عليها عائلات متنفذّة عملت وكيلا اقتصاديا وماليا وعقاريا لصالح العصابات الدولية، فاستولت على الأراضي والعقارات والثروات وهيمنت على كلّ الدورة الاقتصادية. هذا الاستنتاج هو خلاصة التقرير الذي صرّح به ممثل الاتحاد الأوروبي في تونس عندما سئل عن سبب تخلف الاقتصاد بعد الثورة.


وضَع الوكيل الاستعماري بورقيبة أسس هذا الفساد لكنّ طاعون الفساد عرف انفجاره الأكبر في عهد المستبد بن علي الذي حوّل البلد إلى مزرعة للعصابات العائلية التي تحيط به واجتهد في تدمير المؤسسات ونسف المكاسب الاجتماعية وهو الأمر الذي أوصل البلاد إلى الانفجار الكبير في 2010.

المجرمون والقصاص

بلغ الفساد في تونس مستويات مفزعة تدفع بالبلاد إلى الانهيار الكبير وهو الأمر الذي يوجب اليوم وضع الفساد موضع التهديد الأوّل للأمن القومي. تونس لا يهددها الإرهاب فهو كما يعلم الجميع صناعة دولية بأدوات محلية هدفه إفشال المسار الانتقالي وإسقاط مكاسب الثورة. الإرهاب الحقيقي والصانع الأساسي له هو الفساد بل إن الإرهاب فرع من فروع الفساد وباب من أعظم أبوابه.

لا أحد في تونس يناقش هوية المجرمين الذين تسببوا في انهيار البلاد ووصولها إلى حافة الهاوية وهم بالأساس رجال النظام القديم ومنظومة العصابات المرتبطة به بما هي المالك الحقيقي لكل ثروات البلاد تتصرّف فيها كما تتصرف في ممتلكاتها الخاصة. لم تُحاسب الثورة أحدا منهم بل آثر أهل السلطة خلال السنوات التي تلتها نهج الوفاق والمصالحة ظنا منهم بأن الثورة تجبّ ما قبلها، فتم الالتفاف على قانون تحصين الثورة ومكّنوا المجرمين من الإفلات من العقاب.

نشطت هيئة الحقيقة والكرامة في مسار تبييض الفاسدين وحققت لهم عن قصد أو عن غفلة أكثر مما كانوا يحلمون به وكذا فعلت بقية الهيئات وسط شلل تام لمنظومة العدالة الانتقالية. عادت الدولة العميقة ومنظومات الفساد أكثر شراسة للانتقام من الثورة ومن مسارها عبر الاغتيالات والعمليات الإرهابية وتعطيل الإنتاج وإرهاب المجتمع ونشر الجريمة والمخدرات وتدمير القدرات الصحية للبلاد وتعطيل الحياة السياسية ومحاولة إلغاء البرلمان. استفادت الدولة العميقة من هوس رئيس الجمهورية بالسلطة وهو المحاط بأشرس الكتل الانقلابية الأمر الذي وصل به إلى محاولة إلغاء دستور الثورة والعودة إلى النظام الرئاسي المطلق بدستور 1959.

ليس الرئيس وحده المسؤول عن تردي الوضع السياسي فهو نتاج من نتائج تردي المسار الانتقالي وهو كذلك أحد عناوينه الأبرز. نجحت الأحزاب التي كانت محسوبة على التيار الثوري في إسناد البرنامج الانقلابي كحزب التيار الديمقراطي الذي طالب بتدخل الجيش لوقف العملية السياسية أو حزب حركة الشعب القومي الذي طالب بإعادة النظام الرئاسي المطلق وإلغاء العملية الديمقراطية نكاية في خصومه من الإسلاميين. في الجهة المقابلة يكاد يكون الصف الثوري يتيما من الكلّ تمثيل إعلامي فاعل إثر تشظي الفواعل الثورية وصراعها على المناصب بدل السعي إلى تحقيق المطالب التي من أجلها سقط شهداء ثورة الحرية والكرامة.

ما هو الحلّ الممكن اليوم؟

لم يعد ممكنا المواصلة على نفس النهج بل إن الوضع الخطير للبلاد يفرض التحرك العاجل من أجل إلغاء كل مظاهر الاحتقان الاجتماعي والسياسي التي ينفخ الإعلام في نارها يوميا. لن يكون ذلك ممكنا إلا بتفعيل أدوات الحوار الوطني ومراجعة النظام الانتخابي وتركيز الآليات الدستورية أو الذهاب إلى انتخابات مبكرّة وإعادة الأمانة إلى الشعب علّه يصحح الأخطاء التي اقترفتها نخبه لمنع السقوط في منزلق لا خروج منه.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، بقايا فرنسا، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-07-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- جابر قميحة، د. طارق عبد الحليم، فتحي العابد، صالح النعامي ، سعود السبعاني، أ.د. مصطفى رجب، د- هاني ابوالفتوح، محمد أحمد عزوز، عواطف منصور، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافد العزاوي، فتحي الزغل، محمود سلطان، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد العيادي، محمود طرشوبي، سليمان أحمد أبو ستة، إيمى الأشقر، سامر أبو رمان ، د - صالح المازقي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - عادل رضا، عمر غازي، حميدة الطيلوش، صفاء العراقي، فوزي مسعود ، كريم فارق، د. أحمد محمد سليمان، الناصر الرقيق، محمود فاروق سيد شعبان، ياسين أحمد، علي عبد العال، عراق المطيري، منجي باكير، د - الضاوي خوالدية، محمد يحي، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني، جاسم الرصيف، يزيد بن الحسين، د.محمد فتحي عبد العال، تونسي، صفاء العربي، أشرف إبراهيم حجاج، أنس الشابي، أحمد النعيمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد اسعد بيوض التميمي، حاتم الصولي، د. عادل محمد عايش الأسطل، نادية سعد، د. صلاح عودة الله ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله الفقير، إسراء أبو رمان، محمد شمام ، عبد الله زيدان، د - مصطفى فهمي، رافع القارصي، عزيز العرباوي، إياد محمود حسين ، مراد قميزة، مجدى داود، أحمد الحباسي، وائل بنجدو، ضحى عبد الرحمن، صلاح المختار، خبَّاب بن مروان الحمد، كريم السليتي، د - محمد بنيعيش، فتحـي قاره بيبـان، د- محمد رحال، محمد عمر غرس الله، رمضان حينوني، محرر "بوابتي"، سيد السباعي، د. خالد الطراولي ، محمد الياسين، د - المنجي الكعبي، عبد الرزاق قيراط ، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، د- محمود علي عريقات، حسن الطرابلسي، حسن عثمان، أحمد بوادي، رشيد السيد أحمد، د. عبد الآله المالكي، عمار غيلوفي، مصطفي زهران، مصطفى منيغ، طلال قسومي، سلوى المغربي، عبد الغني مزوز، الهيثم زعفان، علي الكاش، سفيان عبد الكافي، رضا الدبّابي، أحمد ملحم، أبو سمية، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح الحريري، سامح لطف الله، يحيي البوليني، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - شاكر الحوكي ، ماهر عدنان قنديل، العادل السمعلي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسني إبراهيم عبد العظيم، فهمي شراب، محمد الطرابلسي، سلام الشماع،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة