البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

توحّش السلطة هو آخرُ أطوار الاستبداد العربي

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1042



قد يكون من المستحيل اليوم حصر الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها المواطن على امتداد الرقعة العربية بل قد لا نبالغ إن قلنا إنّ بلاد العرب هي اليوم موطن القمع والتنكيل بلا منازع. تختلف الوسائل وتتباين أشكال القمع قصفا بالطائرات أو تعذيبا حتى الموت أو الإعدام شنقا أو حتى السحل في الشوارع حتى تنقطع أنفاسك.

سيكون من المستحيل حتما حصر الطريق إلى الموت في بلادنا لكنّنا بلغنا في هذا المضمار ما لم تبلغه الأمم الأخرى، في مؤشر خطير على تآكل الأمة من الداخل. في مصر يعدمُ خيرة أبنائها وقيادييها وفي تونس يُسحل المواطن عاريا في الطريق حتى يلفظ أنفاسه أما في سجون البلاد العربية فإن الموت أقرب إلى الإنسان من باب الزنزانة.

لن نخوض هنا في المعارك والحروب والنزاعات أو في ما يرتكبه الصهاينة في فلسطين من جرائم أو ما تقصفه الطائرات الروسية والأمريكية ومختلف المليشيات الأجنبية في بلاد العرب، لكننا سنتحدث في ما ترتكبه الدولة بما هي الضامن لحرية الفرد وسلامته الجسدية.

ما الذي يدفع الدولة العربية ـ إن سلّمنا جدلا بوجود الدولة ـ إلى توحش القمع؟ لماذا لا تتحرك المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لحماية المواطن؟ لماذا يفشل الخارج دوما في منع الجرائم المتعلقة بالتعذيب أو انتهاكات حقوق الإنسان؟ وما هي النتائج الطبيعية لتوحّش الدولة العربية؟

مشاهد القمع

لا تزال مصر تحت صدمة جديدة إثر تثبيت محكمة النقض الحكم بالإعدام على عدد من قيادات الشرعية التي انقلب عليها العسكر هناك صيف 2013. في تونس مثّل مشهد سحل شاب حتى الموت مجردا من ثيابه مؤشرا خطيرا على عودة دولة القمع والتعذيب التي ثار ضدها التونسيون في 2010.

المشهدان لا يغطيان كل ما يحدث من جرائم بشعة في حق المواطن العربي من العراق إلى موريتانيا، حيث لم يعد في المعجم ما يكفي من المصطلحات لتوصيف فنون التنكيل بالبشر في بلاد العرب والمسلمين. لكنهما من جهة أخرى يعكسان حجم البشاعة التي وصل إليها نظام الحكم وأدواته بعد أكثر من عقد على ثورات الحرية التي طالبت بنهاية القمع.

في مصر يسعى النظام الانقلابي إلى تحقيق هدفين لتثبيت نفسه وضمان ديمومته:

أما الأول فهدف خارجي عبر التطبيع مع فرقاء الأمس مثل تركيا وقطر وهما الدولتان اللتان وقفتا دون تحفظ مع المطالب الشعبية الجارفة خلال ثورات الربيع.

ثانيا يسعى النظام إلى إرهاب خصومه عبر تفعيل آلية الانتقام القصوى وهي الحكم بالإعدام على غريم سياسي تشفيا منه وتحذيرا لكل من تسوّل له نفسه تهديد الانقلاب مجددا.

قد لا نملك الأدوات الوصفية الكافية لرسم ما يحدث داخل الزنازين المصرية فهي دون شك جحيم لا يوصف ومقبرة للأحياء بعلم ومعرفة المنظمات الحقوقية والدولية التي تغض الطرف عن هذه الجرائم. هذه الجرائم لا تقتصر على المعارضين السياسيين أو النشطاء والصحفيين أو حتى من صفّق للانقلاب بالأمس بل هي جرائم تطال كل من لا يسير في ركب النظام ومن لا يبارك قمعه.

يختلف الأمر في تونس، حيث نجحت الثورة في حماية النشطاء السياسيين وفي ضمان حدّ كبير من حرية التعبير الذي هو أهم وأعظم مكاسب الثورة. صحيح أن التجاوزات ومحاولات تكميم الأفواه والعودة إلى النسق القديم لا تزال قائمة لكنها لم تنجح في تحقيق الهدف الذي تسعى إليه.

بقطع النظر عن بعض التسريبات التي ترى في الجرائم الأمنية مخططا مكشوفا من بعض القوى السياسية المرتبطة بالدولة العميقة لإشعال الشارع ودعم مخطط الرئاسة في الانقلاب على الحكومة والبرلمان فإنّ سلوك النظام بشكل عام لم يتغيّر ولا تزال عقلية النظام الاستبدادي تسيطر على سلوكات الدولة الفردية والجماعية.

صورة المواطن في وعي النظام

إن قراءة جذور وعي القمع وسلوكاته في البلاد العربية تحيل إلى مرجعين أساسيين يتعلّق الأول بنشأة ما يُسمّى زورا الدولة الوطنية والتي لم تكن في الحقيقة إلا واجهة الوكالة الاستعمارية. ويرتبط الثاني بغياب الشرعية عن الأنظمة الحاكمة التي لا تستند في أغلبها على شرعية شعبية بل تتأسس على الانقلابات العسكرية أو التحالف مع القوى الأجنبية الضامنة لوجودها. وليست الانتخابات إلا خير دليل على ذلك حيث تكون وسيلة النظام لضمان شرعية دولية زائفة مثل مسرحية الانتخابات الأخيرة في سوريا.. وفي حال وصول أطراف لا تحظى بدعم دولي يكون الانقلاب العسكري الدامي وسيلة النظام العالمي للقضاء على الشرعية الوطنية. تقودنا هذه المسارات إلى تبيّن صورة المواطن أو الفرد العربي في وعي النظام وهي الصورة التي تسمح بالبحث في جذور القمع وانتهاك حرمة الإنسان.

لمّا كان النظام لا يستمدّ شرعيته من الشعب نفسه بما أنه قائم على القوة المسلحة وعلى التحالف مع القوى الأجنبية فإنه من الطبيعي أن لا يعير لهذا الشعب قيمة أو شأنا. لكنه من جهة أخرى يُدرك أنه لا يستطيع أن يحكم ويمارس السلطة وينهب الثروات دون إخضاع الجماهير سواء بالوسائل الناعمة أو بالوسائل الخشنة.

يمثل المواطن في صورته الفردية أو الشعب في تصوّره الجماعي كابوس النظام لأنّه يشكل مدار السلطة ومدار الثروة ومضمون الحكم نفسه. لذا فإنّ إخضاع المواطن أو الشعب يعدّ أهمّ التحديات التي تشغل بال السلطة وتؤرق أجهزتها القمعية والرقابية.

لكن من جهة ثانية هل يصحّ الحديث عن الشعوب العربية مثل الحديث عن بقية شعوب العالم المتحضر؟ وهل يليق بالفرد العربي مصطلح المواطن بما يتضمنه مفهوم المواطنة من حقوق وواجبات؟ أليست الشعوب العربية أقرب إلى الرعية منها إلى الشعب؟ ما قيمة المواطن العربي في بلده هذا إذا اعتبرنا أنّ له قيمة أصلا؟

إعدامات مصر أو سحل المواطن حتى الموت في تونس أو زنازين التعذيب المفتوحة على طول البلاد العربية هي أخطر المؤشرات على انهيار قيمة الإنسان العربي في بلاده. لا قيمة له في بلد الانقلابات أو في بلد الثورة ولا قيمة له في النظام الملكي أو في النظام الجمهوري ولا قيمة له في الدولة الغنية أو في الدولة الفقيرة.

لن تتوقف دوامة توحش النظام حتى تعود للإنسان قيمته وكرامته على أرضه مؤسسةً على شرط الحرية والوعي بأنه لا بديل عن الثورة بعد أن رفض النظام الرسمي القبول بحتمية التغيّر التاريخية. إنّ ما يحدث اليوم من إمعان السلطة العربية في القمع والتنكيل ليس إلا آخر أطوار الانتحار في بنية سياسية استوفت كلّ شروط وجودها بعد أن قادت شعوبها وأوطانها إلى الخراب الكبير.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

النظام العربي، الظلم، الفساد، مصر، السيسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-06-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ماهر عدنان قنديل، محمود طرشوبي، إسراء أبو رمان، منجي باكير، د - الضاوي خوالدية، نادية سعد، أحمد الحباسي، يحيي البوليني، د. أحمد بشير، صفاء العراقي، جاسم الرصيف، محمد أحمد عزوز، سلوى المغربي، علي الكاش، رافد العزاوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، سيد السباعي، أحمد بوادي، العادل السمعلي، إيمى الأشقر، عمر غازي، محمود سلطان، أحمد النعيمي، مراد قميزة، تونسي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد محمد سليمان، رمضان حينوني، عبد الله الفقير، محمد الياسين، محمد عمر غرس الله، رشيد السيد أحمد، محمد شمام ، الهيثم زعفان، محمد الطرابلسي، عبد الرزاق قيراط ، المولدي الفرجاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عراق المطيري، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، مصطفي زهران، سليمان أحمد أبو ستة، فتحـي قاره بيبـان، فتحي الزغل، أ.د. مصطفى رجب، يزيد بن الحسين، طلال قسومي، كريم السليتي، كريم فارق، فوزي مسعود ، وائل بنجدو، د - صالح المازقي، رضا الدبّابي، حسن عثمان، سلام الشماع، د- هاني ابوالفتوح، عواطف منصور، محمد يحي، أنس الشابي، د- جابر قميحة، سعود السبعاني، عبد الغني مزوز، صلاح المختار، د- محمد رحال، حاتم الصولي، محمود فاروق سيد شعبان، ياسين أحمد، أشرف إبراهيم حجاج، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حميدة الطيلوش، صباح الموسوي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، عبد الله زيدان، صلاح الحريري، د. خالد الطراولي ، رافع القارصي، عمار غيلوفي، سامح لطف الله، محمد العيادي، د. طارق عبد الحليم، د - المنجي الكعبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أبو سمية، الهادي المثلوثي، سفيان عبد الكافي، عزيز العرباوي، صفاء العربي، حسن الطرابلسي، أحمد ملحم، مجدى داود، د. عبد الآله المالكي، محرر "بوابتي"، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - محمد بنيعيش، د - محمد بن موسى الشريف ، د.محمد فتحي عبد العال، فهمي شراب، مصطفى منيغ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - عادل رضا، د - مصطفى فهمي، فتحي العابد، صالح النعامي ، سامر أبو رمان ، إياد محمود حسين ، خالد الجاف ، د- محمود علي عريقات، ضحى عبد الرحمن، د. صلاح عودة الله ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة