البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: اضمحلال فكرة الدولة من النفوس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1233



نجد ضرورة إعادة طرح سؤال في عمق مسألة فكرية ونفسية في آن واحد، وهي مسألة تمثُّل الناس عامة والنخب خاصة للدولة. كيف يعيشون علاقتهم بهذا الكيان الذي ينتمون إليه بالجغرافيا وبالثقافة، والذي يتدبر حياتهم إذ ولدوا فوجوده؟

سبب التفكير في المسألة أننا نرى الناس يتحركون في المجال العام، ويؤثرون على قرارات الحكومات ويكيّفون سلوكياتهم بطرق لا تشي بانتمائهم إلى جماعة يمكن تسميتها بالشعب أو أبناء الوطن أو مواطني الدولة.

ظهر لنا هذا السلوك الذي سنصمه بأنه سلوك غير منتمٍ، في فعل النقابات، ثم رأيناه يتمدد إلى النخب السياسية، ثم رأيناه يتفشى في سلوك الأفراد اليومي، بحيث تجتمع كل هذه المظاهر لتكشف ازدراء مطلقًا بالتعايش طبق القانون كما تضعه الدولة، وكما يفترض بمواطني شعب واحد أن يلتزموه.

دائرة الرئيس المقربة لا تؤمن بالدولة
كتبنا كثيرًا عن مطلبية النقابات القطاعية ودورها في تخريب العمل النقابي، وفي استنزاف الموازنة العامة بما يفوق طاقتها على الدفع، إلى حين وصول النقابات إلى قرصنة موارد الدولة قبل قبضها من المواطن. لذلك سنؤجل حديث النقابة لنبدأ من دائرة الرئيس المنتخب، طبقًا لقوانين دولة ديمقراطية.

سبب ذلك ما عشناه في الأشهر الأخيرة من أفعال غريبة، لا يمكن توصيفها إلا بألاعيب أشخاص استهانوا بمكانتهم وأدوارهم وقيمة مواقعهم، فغاب عنهم تمثل الدولة كحالة التزام بخير جماعي، فظهر منهم ما يدل على أنهم ليسوا سياسيين يقودون دولة لكل مواطنيها، بل هم أقرب إلى طغمة من غير الرشداء سياسيًّا أو مواطنيًّا.

تشيع دائرة الرئيس أن الوزيرة مديرة مكتبه تتعرض إلى مؤامرة تسمم، ثم يتوقف الأمر عند الإشاعة، كأن تسميم شخص في مكانها وفي دورها أمر هيّن يمكن السكوت عنه.

ثم ينشر أحد قادة حملة الرئيس الانتخابية وثائق ويدلي بتصاريح للإعلام ثم للمحاكم، بأن حملة الرئيس الانتخابية كانت مشبوهة، ويسكت الرئيس ودائرته المقربة كأن المتحدث يعني غير شخص أو هيئة.

ينشر نائب شعب منتخب وثائق مشابهة، تمس من سمعة الرئيس وسلوكه ثم يختفي عن الأنظار، وتسكت التحقيقات البرلمانية عن سلوك النائب ويسكت القضاء، فلا نسمع أثرًا لما قيل ولا عن مصداقية محتواه.

وكانت قمة الأفعال الكافرة بالدولة ما بدر من الرئيس في محفل دولي خارج بلده، إذ حط من قيمته وشكك في قدراته على العمل والنجاح، رغم ظروف البلد التي تحتاج إلى النجدة.

إذا جمعنا هذه الأفعال وكثير يشببها، سنجد خيطًا رابطًا بينها، لا أحد من هؤلاء الفاعلين بمن فيهم الرئيس المنتخب يؤمن بالدولة ويقدر أنه جزء من جماعة اجتماعية، تسمى الشعب التونسي ويتصرف على هذا الأساس.

الانقلابات لعبة مسلية؟
لا يمر شهر في تونس إلا وتسيطر على الساحة رغبة البعض في قطع طريق الديمقراطية بواسطة العسكر أو الأمن، حيث يظن بعضٌ أن حقه في الحكم يمر طبقًا لرغبته الخاصة، وليس لقرار الصندوق الانتخابي، أي صوت الشعب.

يرغب بعضٌ في السلطة ولكنه لا يذهب إلى الشعب يستفتيه، ولا يتخذ طريق العمل السياسي الديمقراطي الطويل النفس، كما يجري الأمر لدى كل شعب يؤمن بالدولة وليس جزءًا من عصابة، بل يتجه إلى القفز بواسطة العسكر أو الأمن ليقصي غيره ويستولي على الحكم.

وكان آخر المتكلمين في أمر القفز على السلطة، عسكري متقاعد وصل درجة أميرال بحرية ولم يخض حربًا في مياه مالحة، اللهمّ السباحة في حوض مياه عذبة بفيلته الفخمة التي تدبرها بخدمة الدكتاتورية.

برلمانيون منتخبون يخططون لانقلاب، يتكلمون بحماية الدستور وينسقون مع الفاشية الانقلابية المعادية للثورة والدستور الذي أنتجته، ويتآمرون لإلغاء نتائج الصندوق الذي أوصلهم إلى البرلمان. كيف يستقيم هذا؟ إنه علامة كاشفة لعمق الإيمان بالديمقراطية، أي الإيمان بالدولة ذات المؤسسات. لقد انكشف أمامنا أعداء الديمقراطية، أي أعداء الدولة.

لقد قضينا أكثر من 40 سنة في تونس نسمع خطابًا واحدًا، يصدر عمن في السلطة وعمن في معارضتها، فحواه إن الإسلاميين ينافقون الدولة ويزعمون الإيمان بالديمقراطية، وما إيمانهم إلا تقية، فإذا وصلوا إلى الحكم انقلبوا على الديمقراطية وعلى الدولة ومارسوا ممارسة الحزب النازي.

وحلت الديمقراطية بفضل الثورة والشهداء، فإذا بمن كان يرجم الإسلاميين بالتقية الديمقراطية، يسفر عن وجهه الانقلابي بلا قناع. وحتى اللحظة المضطربة التي نعيش لا نرى إلا الإسلاميين حريصين على استمرار التجربة الديمقراطية، لبناء الدولة القوية والعادلة.

هؤلاء الذين يشتهون السلطة بأقصر الطرق لا يؤمنون بالدولة، ولذلك لا فرق بينهم وبين نقابيين يستنزفون الموازنة لمصلحة قطاع مهني دون غيره. ولا فرق بينهم وبين من يتجاوز الضوء الأحمر في الجولان، ويسبب كوارث لمن يجاوره في الطريق.

هل من سبب لهذه الروح الانقلابية؟
فكرة الدولة كما علمناها في دروس الفلسفة وعلم الاجتماع، هي فكرة انتماء جماعي واعٍ بنفسه ويطور نفسه من خلال الدولة، فالانتماء قبول بالتعايش، والرضا مسار تنازلات، لكن ما شهدناه بعد الثورة كشف وجود أفراد يعيشون على الأرض نفسها ولا يفكرون كمواطنين، بل كذوات فردية تهتم بمصالحها الخاصة، بغض النظر عن خسارات الآخرين من حولهم، فهم ليسوا مواطنين معهم وإنما أفرادًا ينافسونهم على الغنيمة.

وأرى هذا نتيجة مباشرة لتربية الدكتاتورية التي لم تغرس الانتماء الجماعي في الناس، فجعلت منهم كائنات أنانية لا تنظر إلى أبعد من مصالحها الخاصة، وكلمة المصلحة العامة لا تعني لهم شيئًا ذا بال.

يفتخر ورثة البورقيبية أن الزعيم صنع المواطن التونسي من غبار من البشر، ولديهم عبارة أثيرة أن الزعيم نزع القمل من رؤوس الشعب التونسي.

وقائع ما بعد الثورة تعصف بهذا الزعم، وتحيله إلى غبار نتن. لم يصنع الزعيم إلا هراء سخيفًا. التونسي الذي رباه بورقيبة لم يرتقِ إلى درجة حيوان اجتماعي، وأطفال بورقيبة هم أول علامة على أفراد وكتل ونقابات قطاعية لا تؤمن بالديمقراطية، أي لا تؤمن بالدولة.

والصعوبات التي يعيشها الناس الآن هي بعض ما أورثهم الزعيم من خصال أنانية (حيث أحب نفسه فاستفرد بغنيمة الحكم لنفسه ولأهله ولمنطقته)، لا تؤمن أبدًا بأنهم في مجتمع يقتضي منهم التنازل للعيش المشترك.

لقد بنى الزعيم دولة كاذبة بمواطن لم يرتقِ إلى المواطنة. وكانت الثورة فاضحة للكذبة الكبرى، ولذلك ستتجه إلى بناء المواطن في الديمقراطية، لكن الطريق طويل والصبر جميل رغم كلفتة الروحية العالية، ونحن الذين نؤمن بالدولة ندفع الآن ثمنًا ثقيلًا.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، النقابات، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-05-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سلام الشماع، د - شاكر الحوكي ، عبد الرزاق قيراط ، رافع القارصي، محمود فاروق سيد شعبان، محمود طرشوبي، المولدي الفرجاني، د - عادل رضا، د.محمد فتحي عبد العال، علي الكاش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - صالح المازقي، أبو سمية، صفاء العربي، أ.د. مصطفى رجب، سيد السباعي، إيمى الأشقر، طلال قسومي، خبَّاب بن مروان الحمد، العادل السمعلي، عزيز العرباوي، د - الضاوي خوالدية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد عمر غرس الله، سامح لطف الله، مصطفي زهران، وائل بنجدو، محمد شمام ، إسراء أبو رمان، د- محمود علي عريقات، حميدة الطيلوش، د - مصطفى فهمي، عمر غازي، د. أحمد بشير، ضحى عبد الرحمن، سليمان أحمد أبو ستة، رضا الدبّابي، خالد الجاف ، د. عبد الآله المالكي، صفاء العراقي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد يحي، مراد قميزة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، فتحي العابد، سعود السبعاني، الهيثم زعفان، أحمد الحباسي، سفيان عبد الكافي، كريم السليتي، نادية سعد، حسن الطرابلسي، د- جابر قميحة، الهادي المثلوثي، أنس الشابي، فتحي الزغل، سلوى المغربي، عبد الله الفقير، عراق المطيري، صلاح الحريري، الناصر الرقيق، حسن عثمان، محمد أحمد عزوز، محمد الطرابلسي، أحمد بوادي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رمضان حينوني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رشيد السيد أحمد، تونسي، مصطفى منيغ، د- محمد رحال، فهمي شراب، صلاح المختار، سامر أبو رمان ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، مجدى داود، عبد الغني مزوز، يحيي البوليني، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله زيدان، أحمد ملحم، د. أحمد محمد سليمان، عواطف منصور، د. خالد الطراولي ، د - محمد بن موسى الشريف ، يزيد بن الحسين، محمود سلطان، حاتم الصولي، رافد العزاوي، ماهر عدنان قنديل، أشرف إبراهيم حجاج، د- هاني ابوالفتوح، عمار غيلوفي، د - المنجي الكعبي، علي عبد العال، محمد الياسين، منجي باكير، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. طارق عبد الحليم، صالح النعامي ، محرر "بوابتي"، د. صلاح عودة الله ، إياد محمود حسين ، أحمد النعيمي، د - محمد بنيعيش، جاسم الرصيف، ياسين أحمد، كريم فارق، محمد العيادي، فتحـي قاره بيبـان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة