البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. صراع العمق والثورة

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1234



مهما تقادم الربيع ومهما جرف النسيانُ وهجَ الثورة وصخب الآلاف ثم الملايين من الجماهير الهادرة في مختلف الميادين والشوارع والساحات فإنّ الثورات الأخيرة تبقى أهمّ الحركات التاريخية التي عرفتها الأمة منذ قرون. تونس مهد الزلزال الكبير الذي ضرب أطراف الأمة الهامدة وهي لا تزال إلى اليوم تتحسس طريقها إلى تثبيت التجربة الانتقالية رغم كل المصاعب والتهديدات.

صحيح أنّ المسارات التالية للثورات هي مسارات طويلة زمنيا وقد تحتاج عقودا من الزمن لأن الانتقال من طور الاستبداد إلى طور الحرية ومن طور الدكتاتورية إلى طور التعدد يحتاج منظومة ثقافية كاملة ويتطلّب وعيا جديدا يحتاج إرساؤه زمنا ووقتا. إن الانتقال من طور القمع إلى طور الاختلاف يتطلب أكثر من جيل أو جيلين حتى يستقر مبدأ أصيلا في الكيان الاجتماعي والثقافي الفكري والسلوكي لشعب ما.

ما تشهده تونس اليوم ليس إلا جولة جديدة من جولات الصراع بين طورين تاريخيين جاءت الثورة لتفصل بينهما: طور ثابت قديم متجذّر في الدولة والمجتمع لكنّه بلغ آخر مراحله ويرفض الرحيل، وطور جديد حادث يبحث عن مكانه في الدولة والمجتمع ويأبى الانكسار.

هزيمة النخب التونسية

قد لا يُجمع اثنان في تونس على شيء مثل إجماعهما على فشل النخبة السياسية في إدارة المرحلة الانتقالية رغم أنّ المسار التونسي لم ينزلق إلى ما انزلقت إليه مسارات عربية أخرى. عقد من الزمن قد مرّ على هروب الجنرال الطاغية بن علي ولا تزال الساحة السياسية كالمرجل يغلي دون أن يهدأ إلا على أزمة هناك أو فضيحة هنا دون أن يحقق المسار الانتقالي تقدما حقيقيا.

فاجأت الثورة الجميع بما فيها نخب تونس ومن بينهم كل الوجوه السياسية التي تصدرت أو تتصدّر المشهد اليوم من الغنوشي إلى المرزوقي وصولا إلى الرئيس قيس سعيّد. ما كان أحدٌ منهم يتصور ولو في أكثر أحلامه جنونا وانفلاتا أن يصير وزيرا أو رئيسا وهو الأمر الذي يفسّر الارتجال الذي غلب على الأداء السياسي لهذه النخب التي قامت بالسطو على مُنجز ليس مُلكا لها. أمام غنيمة السلطة وأمام رغبة جامحة في اقتطاع نصيب من الكعكة سَدّا لشهية قديمة واعترافا بتاريخ نضالي لمْ يُحقق ما حققته الجماهير التلقائية، فقدت النخب التونسية الإحساس بخطورة المرحلة وهو الأمر الذي مهّد لعودة الدولة العميقة ولتراجع شعارات الثورة.

المشكل الأساسي في تونس مشكل سياسي وهو المرفق الذي يعطّل بقية المرافق الحيوية من الاقتصاد إلى المجتمع إلى كل مفاصل الدولة. إن الأزمة السياسية التي تعصف بتونس هي نتاج طبيعي وحتمي لتنافر النخب التونسية وعجزها عن الاتفاق على الحدّ الأدنى المشترك لمنع الانزلاق في الفوضى والإفلاس مما سيُعجّل حتما بعودة الاستبداد في حُلّة جديدة تغذّيه الأطماع الخارجية.

لقد بات من المُسلّم به اليوم في تونس أن النخب والقيادات المعارضة لنظام بن علي بمرجعياتها الإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية هي في الحقيقة جزء من النظام نفسه وعليها أن تغادر المشهد مع مغادرة النظام. لا يعني ذلك خروج المرجعيات الفكرية وإنما خروج الأشخاص والقيادات التي ترفض المغادرة وتتشبث بالسلطة والقرار كما فعل بن علي نفسه وإن بطريقة مختلفة.

إن ما يتميّز به أداء الجيل الشاب من السياسيين والبرلمانيين الجدد في تونس من كفاءة ووطنية وثبات وقدرة على الإرباك يؤكد أنّ الجيل الجديد وحده قادر على بناء المسار الانتقالي وإنقاذ المُنجز الثوري بخلاف الجيل القديم بأياديه المرتعشة.

حقيقة الانقلابات

كل التسريبات والتسريبات المضادة في تونس تنطق بوجود نيّة جديّة للانقلاب على النظام السياسي الذي خطّه الدستور. إن شطحات الرئيس الأخيرة حول صلاحيات الرئاسة وتشبثه المرَضي بالقوة المسلّحة والقوات الحاملة للسلاح في سطوٍ معيب على الدستور وعلى مقام الرئاسة نفسها يرجّح صحّة التسريبات ويكشف نوايا المنظومة المختبئة في قصر قرطاج.

صحيح أنّ شعبية الرئيس قد تراجعت وانهارت بعد أن خيب كل الآمال التي كانت معقودة به وبعد أن تنكّر لكل الشعارات الثورية التي رفعها خلال حملته الانتخابية من أجل الوصول إلى السلطة. تحوّل الرئيس فجأة من صف الثورة إلى صفّ الدولة العميقة وصارت كل خطاباته باعثة على الانشقاق داعية للتصادم مع خصوم أشباح لا يذكرهم لكنّه يلمّح إليهم ويقصد بهم التيار المحافظ من الإسلاميين أساسا.

الانقلاب ليس وهما لأنّ القوى الإقليمية الداعمة للفوضى قد وضعت التجربة التونسية منذ سنوات نصب أعينها سعيا منها لإفشال المنوال الذي قد يُغري دولا عربية أخرى بالنسج عليه. التجربة التونسية لا تزال تمثل تجربة مزعجة للنظام الرسمي العربي خاصة من طرف القوى المعادية لما تسميه الإسلام السياسي المُحرّم عربيا حسب رأيهم.

من جهة أخرى يتساءل كثيرون عن معنى الانقلاب في بلد لا تزال الدولة العميقة تُمسك فيه بكل مفاصل الحكم متحكمة في الثروة والقضاء والإعلام والأمن والإدارة، فلِمَ الانقلاب؟ ماذا ستجني القوى الانقلابية أكثر مما جنته؟

الأرجح في تونس أنّ الانقلاب لا يعمل على المنوال المصري بل يسعى فقط إلى إرباك المشهد وإفشال التجربة التونسية بإسقاطها في الفوضى والعدم والإفلاس. هذا الهدف يمثّل أسمى غايات الغرف الانقلابية في مصر والخليج والضفة المقابلة للمتوسط لأنه يسمح بالانقلاب الناعم على مهد الثورة ويفتح الباب أمام الإقرار بأن الديمقراطية ليست نبتة عربية وأن الاستبداد وحكم الفرد هو قدَر هذه الشعوب.

بناء على ما تقدّم يكون الصراع في تونس بين قوى الثورة أو ما بقي منها وقوى الثورة المضادة صراعا رمزيا أكثر منه صراعا على المآلات المادية، لأنّ انتصار الثورة وتثبيت المسار الديمقراطي بكل أخطائه سيشكل نواة خلاص عربي يقطع نهائيا مع إمكان تجدد شروط الاستبداد. كما كانت تونس مهد الربيع فستكون حتما مهد التجربة الديمقراطية العربية ولو بعد وقت ليس بالقصير.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، مجلس النواب، المجلس التشريعي، قيس سعيد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-04-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أبو سمية، إياد محمود حسين ، أحمد النعيمي، سفيان عبد الكافي، العادل السمعلي، محمود فاروق سيد شعبان، عواطف منصور، عمر غازي، محرر "بوابتي"، رافد العزاوي، علي الكاش، محمد يحي، د- محمود علي عريقات، أنس الشابي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د.محمد فتحي عبد العال، فوزي مسعود ، جاسم الرصيف، د - الضاوي خوالدية، أ.د. مصطفى رجب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ضحى عبد الرحمن، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، ماهر عدنان قنديل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي الزغل، عبد الله زيدان، مصطفي زهران، إيمى الأشقر، د - مصطفى فهمي، د - صالح المازقي، د. صلاح عودة الله ، حسن عثمان، أحمد ملحم، د. مصطفى يوسف اللداوي، مجدى داود، صلاح المختار، صفاء العربي، سلام الشماع، عبد الله الفقير، يحيي البوليني، د- محمد رحال، إسراء أبو رمان، عبد الرزاق قيراط ، ياسين أحمد، صفاء العراقي، محمد الطرابلسي، أحمد بوادي، الهادي المثلوثي، د. خالد الطراولي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، أشرف إبراهيم حجاج، كريم فارق، يزيد بن الحسين، سيد السباعي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - محمد بنيعيش، د - المنجي الكعبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، منجي باكير، رضا الدبّابي، حميدة الطيلوش، محمود طرشوبي، رافع القارصي، وائل بنجدو، سامح لطف الله، د- جابر قميحة، المولدي الفرجاني، محمد شمام ، الهيثم زعفان، سلوى المغربي، مصطفى منيغ، د - شاكر الحوكي ، صالح النعامي ، صلاح الحريري، تونسي، محمد العيادي، عراق المطيري، سليمان أحمد أبو ستة، حاتم الصولي، مراد قميزة، حسن الطرابلسي، سعود السبعاني، محمد عمر غرس الله، د. أحمد بشير، خالد الجاف ، فتحـي قاره بيبـان، محمد الياسين، د. عبد الآله المالكي، فتحي العابد، فهمي شراب، سامر أبو رمان ، د. طارق عبد الحليم، محمود سلطان، د. أحمد محمد سليمان، عبد الغني مزوز، الناصر الرقيق، صباح الموسوي ، طلال قسومي، د- هاني ابوالفتوح، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، كريم السليتي، د - عادل رضا، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رشيد السيد أحمد، عمار غيلوفي، علي عبد العال، محمد أحمد عزوز، نادية سعد،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة