البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس ومصر.. الثورة في ضيافة الانقلاب

كاتب المقال محمد هنيد - تونس / فرنسا   
 المشاهدات: 1076



مثلت زيارة رئيس تونس المنتخب إلى مصر خلال الأيام القليلة الماضية أبرز حدث في السياق الانتقالي التونسي بكلّ اهتزازاته وتراجعاته وصراعاته. أسالت الزيارة حبرا كثيرا في الداخل والخارج وكثرت التكهنات والقراءات والتأويلات، فكيف لرئيس منتخب ديمقراطيا أن يزور عسكريا انقلابيا ارتكب من المجازر أبشعها وحوّل مصر إلى زنزانة كبيرة؟ ما جدوى الزيارة والنظام المصري تحوّل شحاتا دوليا وثقبا أسود يبتلع المليارات من القروض والهبات والمساعدات؟ لماذا هذه الزيارة إذن ولماذا في هذا السياق وهذا التوقيت بالذات وتونس على كفّ عفريت بسبب الرئيس نفسه؟

ربيع تونس وربيع مصر

يمكن القول دون مجازفة تحليلية إنّ ربيع مصر وثورتها ما كان لهما أن يكونا لولا ربيع تونس وثورته. ليس هذا الإقرار استنقاصا من حجم مصر ولا من قدرة شعب مصر المناضل بل هو تذكير بالسياق الثوري الذي عرفته المنطقة العربية منذ عشر سنوات خلت. كانت ثورة تونس الشرارة التي أيقظت المارد المصري من سباته بعد أن أدركت الجماهير أن النظام السياسي العربي قابل للسقوط وأن الاستبداد ليس قدر الأمة. إثر الانفجار المصري ومشهد الملايين من البشر في الساحات والميادين يغزو شاشات العالم نسي المراقبون ثورة تونس وتراجع الاهتمام بها والخوف منها، لأن ثورة مصر قد أكدت أن الحركة الانفجارية العربية لم تكن حركة عفوية ولا صدفة تاريخية.

تتالت الأحداث وسقطت أهمّ الثورات العربية في فخ الانقلابيين وتمت الإطاحة بواحدة من أندر المشاهد الديمقراطية في تاريخ البلاد وفتّحت البلاد على المجازر والمعتقلات. عاد نظام العسكر أشرس مما كان عليه وانطفأت شعلة الثورة. أما في تونس فلم تنجح كل المحاولات الانقلابية التي قادتها الثورة المضادة بل تمكنت البلاد من إنجاح أكثر من مناسبة انتخابية وتتالت الحكومات بشكل سلس رغم كل الأزمات التي تعرفها البلاد وخاصة تلك المتعلقة بتردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي. نجحت تونس في ما فشلت فيه مصر لأسباب يطول شرحها فمنها ما هو متعلق بالسياق الداخلي ومنها ما هو متعلّق بالسياق الخارجي والمصالح الدولية.

الزيارة المريبة

وصل قيس سعيّد إلى الفوز برئاسة تونس بعد انتخابات شعبية وضعته وجها لوجه في الدور الثاني أمام شخصية أجمع التونسيون على الحذر منها وهو رئيس حزب قلب تونس. أغرق سعيّد التونسيين في الشعارات الفضفاضة وفي الشعبويّة المُستهلكة فكان شعار "التطبيع خيانة" و"الشعب يريد" على رأس المقولات التي أثثت حملته الانتخابية. حسبه كثيرون على الثورة وهو الذي لا يُذكر له مقال يتيم في معارضة النظام بل كان جزءا منه وساهم في التشريع له عبر المحاضرات التي كان يُلقيها خدمة لدستور دكتاتور تونس بن علي.

لكن لم تمرّ على رئاسته أسابيع قليلة حتى انكشف القناع عن المشروع الانقلابي الذي كان يحمله الرئيس الجديد وهو الذي أعلن في أكثر من مناسبة أنه الرئيس الوحيد وأنّ البرلمان لا قيمة له وكذا الحكومة. تمرّد الرئيس على الدستور نفسه وأمعن في إهانة النوّاب وبالغ في محاولة العودة بالبلاد إلى مربّع الحكم الرئاسي المطلق سليل الدكتاتورية.

في هذا الإطار من محاولات الانقلاب على البرلمان وعلى النظام السياسي للبلاد تأتي الزيارة المريبة لمصر وهي الدولة التي فقدت بعد الانقلاب كل الاحترام الذي كانت تحظى به عربيا ودوليا إثر ثورة يناير. قراءات كثيرة رأت في الزيارة سعيا للبحث عن دعم لمشروعه الانقلابي على النظام السياسي. تتأسس هذه القراءة على التصريحات المريبة لرئيس تونس الذي تحدث عن تطابق الرؤى والمواقف بين تونس ومصر. فكيف تتطابق رؤى دولة تبني مسارها الانتقالي في أجواء ديمقراطية وبين نظام عسكري انقلابي لا يعترف بالأحزاب ولا بالمعارضة ولا بالرأي الآخر؟

التجربة التونسية والتجربة المصرية يقفان على طرفيْ نقيض وهو الأمر الذي أثار حيرة كثير من الملاحظين في تونس وخارجها. لكن من جهة أخرى لم يعد المشروع الانقلابي للرئيس يخفى على أحد وهو الذي يتسبب اليوم في تعطيل تشكيل الحكومة وإنشاء المحكمة الدستورية بعد أن استحوذ مستشاروه على القرار السيادي لقصر قرطاج.

أخبار كثيرة وتسريبات عديدة من مصر تحدثت عن لقاءات سرية بين الفريق الرئاسي وشبكة الانقلابات الإقليمية التي يقودها الفلسطيني دحلان. كما أن حديث الرئيس عن محاربة الإرهاب وفق الرؤية العسكرية للنظام المصري تعني أنه يندرج في خطاب الثورات المضادة ورؤيتها للإرهاب الذي يقصد به الحرب على المعارضين الإسلاميين.

لم تكن زيارة الرئيس التونسي مخيبة للآمال فقط بل اعتبرها كثيرون خيانة لثورة تونس وخيانة لشهداء ثورة مصر وشهداء رابعة وتحالفا مريعا مع منظومة الانقلابيين وانخراطا صريحا في سياق الثورات المضادة. لم تحقق الزيارة أية مكاسب اقتصادية أو تنموية أو مشاريع مشتركة قد تخفف من وطأة الأزمة الاجتماعية الخانقة بل كانت مناسبة زار فيها الرئيس السائح معالم القاهرة التاريخية في موكب رئاسيّ لا غير. الزيارة كانت من وجهة نظر أخرى مناسبة فاز فيها الجنرال الانقلابي باعتراف تونس مهد الربيع العربي به رئيسا لمصر وحاكما على أطلال ثورة يناير.

الثورة مسارات ومنعرجات وموجات متعاقبة وانكسارات ونجاحات وهو ما يجعل من ثورات الربيع فاتحة لموجات متعاقبة من التغيرات التي لن تتوقف مهما أوغلت الآلة الانقلابية في التنكيل والبطش. الثورات دروس وعبر وتراكمات لا تتوقف حتى تحقق الشروط التي انطلقت من أجلها مهما حاول الانقلابيون والمتحايلون السطو عليها أو حرف مساراتها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، مصر، قيس سعيد، السيسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 16-04-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد يحي، د - صالح المازقي، محمد أحمد عزوز، د. أحمد بشير، مجدى داود، محمد العيادي، سعود السبعاني، عراق المطيري، العادل السمعلي، رمضان حينوني، حسن الطرابلسي، عمار غيلوفي، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، د. خالد الطراولي ، أنس الشابي، عمر غازي، خالد الجاف ، صالح النعامي ، فهمي شراب، صفاء العراقي، محمود سلطان، د. أحمد محمد سليمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، منجي باكير، سيد السباعي، مصطفي زهران، د.محمد فتحي عبد العال، محمد شمام ، محمود فاروق سيد شعبان، فتحـي قاره بيبـان، فتحي العابد، سامح لطف الله، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الله زيدان، محمد الطرابلسي، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رحاب اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، إسراء أبو رمان، أحمد الحباسي، ماهر عدنان قنديل، عبد الغني مزوز، طلال قسومي، د - محمد بنيعيش، فوزي مسعود ، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، أحمد ملحم، فتحي الزغل، حميدة الطيلوش، د - مصطفى فهمي، محمد عمر غرس الله، علي الكاش، أحمد النعيمي، سلوى المغربي، د- محمود علي عريقات، صلاح المختار، د- هاني ابوالفتوح، سلام الشماع، رافد العزاوي، حاتم الصولي، عزيز العرباوي، مراد قميزة، د. مصطفى يوسف اللداوي، محرر "بوابتي"، تونسي، علي عبد العال، رافع القارصي، إيمى الأشقر، د- جابر قميحة، د. طارق عبد الحليم، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - المنجي الكعبي، أ.د. مصطفى رجب، سفيان عبد الكافي، عبد الله الفقير، محمد اسعد بيوض التميمي، صلاح الحريري، سليمان أحمد أبو ستة، ضحى عبد الرحمن، المولدي الفرجاني، الناصر الرقيق، خبَّاب بن مروان الحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صفاء العربي، عواطف منصور، عبد الرزاق قيراط ، يزيد بن الحسين، محمد الياسين، محمود طرشوبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الهيثم زعفان، صباح الموسوي ، أحمد بوادي، حسن عثمان، كريم فارق، نادية سعد، د - عادل رضا، ياسين أحمد، أشرف إبراهيم حجاج، كريم السليتي، الهادي المثلوثي، وائل بنجدو، د- محمد رحال، د - الضاوي خوالدية، يحيي البوليني، إياد محمود حسين ، مصطفى منيغ، د. عادل محمد عايش الأسطل، جاسم الرصيف، د. صلاح عودة الله ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة