البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الإنسان يعود إلى الكهف

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1406



صورة واحدة تمر.. خبر واحد يتكرر.. علاج واحد يُنصح به: "عُد إلى كهفك أيها الإنسان، ففي كهفك منجاتك مما صنعت يداك".

بعض المؤمنين جدا يعبرون عن سعادتهم بالانتقام الإلهي من الكفر، وبعض رجال الاقتصاد والسياسية يبررون التضحية ببعض الآلاف من أجل عودة الاقتصاد والكسب.. حكومة التجار الإنجليز قالت للقطيع مرحى بالانتخاب الطبيعي.. وحدهم الأطباء في كل العالم يقودون الحرب ضد عدو لا يرونه، فينصحون بالكهف الإنساني الأول.

وقد خزّن الإنسان أكله ويطل الآن من الكوة مرعوبا من حيوان الغابة الجديد، والامتياز الوحيد الذي لديه الآن هو الثلاجة، فلن يتعفن اللحم بين يديه فيضطره للخروج إلى الصيد من جديد. لا شك أن جان جاك روسو سعيد في قبره الآن، فقد رأى الإنسان يدمر نفسه بالأنوار الكاذبة.

في الكهف نعود إلى أسئلة روسو الأولى

هل كانت أنوار العقل خير كلها؟ الفيروسات، المصنعة بيد الإنسان منها خاصة، تقول لنا لقد أخطأ الإنسان الطريق وعليه أن يعيد هذا الفصل الدراسي ومقرراته. في درس الأنوار الطويل صنع الإنسان من أدوات القتل أكثر مما صنع من أدوات الحياة، وسنجد روسو على حق، لقد أفسدت المعرفة أخلاق الإنسان. سنميز هنا مضطرين بين إنسان وآخر، ولكنه تمييز سيؤكد صورة الإنسان القاتل لا الإنسان صانع الحياة.

لقد تمتعنا طيلة القرن العشرين بصور الإنسان يركب الفضاء ويغوص في البحار ويسجل الاكتشافات والاختراعات، ويزدهي فيندفع إلى تصنيع الفيروسات في المخابر معلنا سيطرة مطلقة على الطبيعة العدو الظاهر الخفي. ما بين أيدينا الآن من وسائل الحياة يصيب أكثر المتواضعين بالغرور، فالإنسان يحكم حتى خرجت عليه الفيروسات من بين يديه، فإذا هو هارب إلى كهفه الأول مكسورا مهزوما عاجزا يترقب، وليس بإمكان الأعلم من بين علمائه من يقدم له موعدا لنهاية الكهف الجديد.

مراجعات أخلاقية تفرض نفسها: هل كان في حاجة إلى أن يذهب في هذا الاتجاه فيصنع له عدوا وقد ظن نفسه لا يغلب؟ لقد هزم الإنسان نفسه وهو يتوهم الانتصار.

كورونا مدعاة للنقد الذاتي

نعم ذهب البحث العلمي في مسارب مفيدة للإنسان، فلقد كانت هناك أمراض قديمة ليس أقلها خطرا الحمى الإسبانية التي أفنت الملايين في غياب لقاحات، وقد قهرها الإنسان كما قهر السل والتيفوئيد والكوليرا والملاريا. وكان بإمكان البحث العلمي أن يصل إلى الإنسان الذي لا يمرض أبدا. لقد رفع معدل أمل الحياة إلى حوالي القرن ولكنه ارتكس فجأة إلى الكهف. كثير مما فعل ويفعل لم يكن هدفه الحياة بل قتل الآخرين ليربح من موتهم، وكان يفعل ذلك وراء ستار عزة كاذبة بقدرته على المعرفة والخلق.

ليس هذا وعظا دينيا، بل محاولة قراءة في مسار تحويل المعارف إلى أدوات حياة. هل كان الإنسان يصنع أدوات حياته الجديدة بعد جهل القرون؟ كان هذا هو الظن الغالب عليه، وكان هذا هو وهم من يتابع أخبار العلماء مزهوا بقدرتهم. لقد خلق في الأثناء وسائل هشاشته وهو يظن أنه يقوي مناعته وأسباب بقائه الأزلي. هل يستعيد الإنسان عقله فيوجه معارفه كلها إلى صنع السعادة بتطوير الصحة العام والخاصة؟

هل سيعود بالبحث العلمي إلى غاياته الأخلاقية التي مجّدها "أوجست كونت" في زمن التبشير بالعلم بديلا للجهل، في زمن وضعي يقول فيه الإنسان لصورته في المرآة: لقد أنهيت الجهل فأنا عالم بكل شيء بل أنا العالم بكسر اللام وفتحها؟ كورونا يعيدنا إلى حقيقة بسيطة: الإنسان يجهل نفسه بل ازداد جهلا بها وهو يقف على هذه الحقيقة، بل تصبح الصورة وعظية لاهوتية فأقل الكيانات وجودا وأضعفها بنية يهدد أقواها فيلجئه إلى كهفه عاجزا مقهورا. فهل يرعوي؟

حديث الاقتصاد في قمة الأزمة الصحية العالمية وانشغال قوى السوق بنتائج الحجر الكوني على الشركات والتبادل، وخاصة صور الطائرات المتوقفة في المطارات وصور النزل الفارغة وصور المعامل المغلقة، لا ينبئ بأن الدرس قد وصل إلى من عليه التعلم. وهذا منذر بأن العلم سيواصل خدمة رأس المال، ونحن بذلك مضطرون إلى التسليم بحقيقة بشعة لا تزال توجه وجودنا، وهي أن تصنيع الموت له مردود مالي مفيد جدا. وقد التقطنا في أيام الحجر سخرية سوداء أن كورونا سيخفف من أعباء صناديق الضمان الاجتماعي، فهو يفرز كبار السن وينهي صرف رواتب تقاعدهم.

ننظر آملين أن يقوم العلماء بعقول هادئة بالعودة إلى خطة بحث علمي جديدة تنهي العبث بالطبيعة وتوجه الجهد إلى صناعة الحياة. من سيفعل ذلك، إذا كانت الحكومات مالكة الموازنات وموجهة التمويل مملوكة لرأس المال الذي يحسب خسائره ويريد المغامرة بمن تبقى من الإنسان المعافى؟

نحن في الكهف والوحش يتربص في المدخل

هذه حالنا اليوم نحسب عدد الإصابات وعدد الموتى، ونتابع حتى مشاهد العجز عن الدفن طبقا للتقاليد المرعية. ومشاهد حرق الموتى في ايطاليا تثير فينا أشد أنواع الألم، ونقول لو دفنت قتيلي لمت معه أو بعده بساعات. لقد ارتددنا إلى حالة بدائية. (كانت حالة الطبيعة صورة متخيلة بنى عليها فلاسفة الأنوار فلسفة الأنوار والتقدم دون أن يعيشوها، وها نحن نعيشها ولا نضع فرضيات حياة أخرى لما بعدها، بل تصل فينا لحظات الإحباط إلى القول هل توجد حياة بعد كورونا؟).

هل سيكون الإنسان بعد كورونا هو نفسه بعدها؟ رأس المال والشركات غير مهتمة وليست هذه شواغلها (نتذكر خطة كيسنجر القديمة بتخفيض عدد سكان العالم إلى الثلث بقتل الثلثين)، وسيظهر فلاسفة عاجزون عن الفعل يدبجون نصوصا عالية النبرة ضد رأس المال. كان هذا شغل الفلسفة وعلم الاجتماع وكثير من الأدب الحزين، لكن رأس المال سيظل يختلق فرص الربح بتصنيع الأمراض وتصنيع الأدوية.

كتب روسو مواعظه الأخلاقية زمن تقدم رأس المال متسلحا بفلسفة انتصارية على الطبيعة، فلم يسمع له أحد. ونحن نستعيده كنوع من التعزية البائسة، إذ لا يمكننا أن نغمض أعيننا أننا نعيش منذ قرون طويلة صراع رأس المال ضد الأخلاق صراع ترامب ضد روسو. روسو ينهزم دائما، لأن ترامب متحالف مع كورونا. ها نحن في الكهف نطل من كوة صغيرة ونحتمي من عجزنا القاهر بالله أن يصنع معجزة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

كورونا، الوباء، الموت، المرض، العزلة، المجتمع،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-03-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ياسين أحمد، د - محمد بنيعيش، صلاح الحريري، د- محمود علي عريقات، د - مصطفى فهمي، أحمد بوادي، إيمى الأشقر، د. أحمد بشير، علي الكاش، خالد الجاف ، إسراء أبو رمان، ضحى عبد الرحمن، علي عبد العال، أحمد النعيمي، د.محمد فتحي عبد العال، العادل السمعلي، محمود فاروق سيد شعبان، د. عبد الآله المالكي، د. طارق عبد الحليم، عبد الغني مزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. أحمد محمد سليمان، الهيثم زعفان، كريم السليتي، أنس الشابي، يزيد بن الحسين، حميدة الطيلوش، مراد قميزة، محرر "بوابتي"، عبد الله زيدان، خبَّاب بن مروان الحمد، أبو سمية، يحيي البوليني، محمد العيادي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. صلاح عودة الله ، د- محمد رحال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عمر غازي، صفاء العراقي، رمضان حينوني، محمود سلطان، د - محمد بن موسى الشريف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، عراق المطيري، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد ملحم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سلوى المغربي، حسن الطرابلسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد الطرابلسي، عبد الرزاق قيراط ، محمد عمر غرس الله، فهمي شراب، د. ضرغام عبد الله الدباغ، وائل بنجدو، د- جابر قميحة، جاسم الرصيف، نادية سعد، محمد اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، إياد محمود حسين ، صفاء العربي، د - الضاوي خوالدية، رضا الدبّابي، الهادي المثلوثي، رشيد السيد أحمد، مصطفي زهران، حسني إبراهيم عبد العظيم، مجدى داود، سامر أبو رمان ، حاتم الصولي، د- هاني ابوالفتوح، د - صالح المازقي، محمود طرشوبي، المولدي الفرجاني، د - المنجي الكعبي، صلاح المختار، رافع القارصي، د - عادل رضا، سيد السباعي، سفيان عبد الكافي، سعود السبعاني، محمد شمام ، عواطف منصور، كريم فارق، حسن عثمان، سلام الشماع، طلال قسومي، منجي باكير، أشرف إبراهيم حجاج، عمار غيلوفي، سامح لطف الله، عبد الله الفقير، أ.د. مصطفى رجب، فتحي العابد، د. خالد الطراولي ، مصطفى منيغ، د - شاكر الحوكي ، محمد أحمد عزوز، فوزي مسعود ، فتحي الزغل، الناصر الرقيق، فتحـي قاره بيبـان، محمد الياسين، أحمد الحباسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، محمد يحي، عزيز العرباوي، صالح النعامي ، ماهر عدنان قنديل، تونسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة