البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مراجعات على الوافي

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2193


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


كتاب "الوافي بالوفيات" للصفدي، من أعظم كتب التراجم في الثقافة الإسلامية، وتضاهيه في الأهمية لعدة عصور كتب كثيرة، خصها أصحابها لتراجم الأعلام في علم من العلوم، أو لتراجم الأعلام في بعض الأقطار دون بعض، ومنها معاجم أعلام شارك في وضعها أجيال من المؤلفين من أسرة واحدة.

وتتميز حضارتنا الإسلامية دون أغلب الحضارات بكثرة كتب الطبقات والمعاجم من هذا النوع وغيره، وبعضها خاص بالنساء، وبعضها الآخر خاص بذوي الصفات المميزة والحرف ونحو ذلك. وهو علم ولَع به المسلمون في كل عصر من عصور الإسلام. ويقوم هذا العلم على التعريف بالعلماء والكتاب والشعراء وغيرهم من المشاهير في زمانهم أو لغير زمانهم؛ فينسبونهم في أقوامهم ويردونهم الى مذاهبهم في الفقه والعقيدة ويذكرون تواريخ ولاداتهم ووفياتهم، والأحداث الهامة في حياتهم، والعلم الذي اشتهروا به، ويعددون أشياخهم وتلاميذهم ويسمّون مؤلفاتهم، وينقلون من جوامع كلامهم شعراً أو نثراً. وهو الفن المعروف اليوم لدى الغربيين بفن البيوغرافيا (الترجمة أو السيرة الذاتية) والبيوببليوغرافيا (الترجمة ومصادرها).

وبعض هذه الكتب يستغرق أحياناً العشرين والثلاثين جزءاً. وقلّ من تولى من أصحاب الجهود الفردية إخراجها بوسائل الطباعة الحديثة أو وفّق الى ذلك وحده. ولذلك نهضتْ هنا وهناك مؤسسات عربية وأخرى أجنبية جعلت من أهدافها تحقيق ونشر مثل هذه الأعمال الكبرى. ومن هذه الكتب كتاب الوافي بالوفيات للصفدي (٦٩٦-٧٦٤ هـ).

فهذا الكتاب مثلاً يعود الفضل الى المستشرق الألماني ريتر، بنشر القسم الأول منه منذ وقت مبكر. فقد ظهر في "النشرات الإسلامية" ببليوتيكا إسلاميكا، عام ١٩٣١ (وأعيد طبعه في ١٣٨٢هـ /١٩٦٢م وطبع طبعة ثالثة عام ١٤٠١هـ/١٩٨١م). ثم توزعت جملة أقسام كتاب الوافي بالوفيات، وهي ثلاثون قسماً على عدد من المحققين، وأكثرهم من عالم الاستشراق وقليل منهم عرب. وظهرت الى حد الآن أقسام كثيرة من الكتاب وظل بعضها الآخر قيد الإعداد، وبعضها تأخر تحقيقه بيد أصحابه أكثر مما ينبغي. وهو السر في عدم توافق تاريخ نشر معظم أقسام الكتاب مع ترتيبها العددي. فمثلاً هذا القسم الذي ننظر فيه الآن في هذه المقالة، وهو القسم الثامن والعشرون من الوافي، نشر عام (١٤٢٥هـ/٢٠٠٤م) في حين نشر القسم الذي قبله قبل سبع سنوات (١٤١٨هـ/١٩٩٨م).

و"النشرات الإسلامية" التي أسسها هلموت ريتر Hellmut Ritter كما قلنا يُصدرها لجمعية المستشرقين الألمان كل من (تيلمان زايدنشتيكر) Tilman Seidensticker و (منفريد كروب) Manfred Kropp، يبلغ عدد ما ظهر منها الى حد الآن ستة وأربعون كتاباً، كما تبينه القائمة المنشورة بآخر هذا القسم. ومعظم ما نشر في هذه السلسلة المهمة كتب تعتبر من أمهات التراث الإسلامي، وعدد كبير منها يقع في مجلدات كثيرة العدد، وتشمل مجالات التاريخ وتراجم الأعلام وعلوم الفقه والشريعة وعلوم العربية ودواوين الشعر والأدب.

وبعضها نفد، وهو الكثير، وبعضها طبع أكثر من مرة. وكل هذه الكتب تطلب من دار النشر "كلاوس شفارتس فرلاغ" ببرلين. كما هو مبين على غلاف هذا القسم من كتاب الصفدي، مع الإشارة في داخل الغلاف الى أنه "طبع على نفقة الجمعية الألمانية للبحث العلمي ووزارة الثقافة والأبحاث العلمية التابعة لألمانيا الاتحادية بإشراف المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت، في مطبعة مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان".

❊❊❊

ومحقق هذا القسم من كتاب الصفدي هو الأستاذ إبراهيم شبوح، الباحث المعروف في الآثار الإسلامية، المدير العام لدار الكتب الوطنية بتونس سابقاً، ومدير عام مؤسسة آل البيت (الهاشمي الأردني) للفكر الإسلامي بعمان حالياً.

ومن الصعب على كل مراجع لأعمال الأستاذ شبوح التعليق على جزئية من جزئياتها قبل التفكر فيها ملياً، لدقته المعروفة ومراجعاته الكثيرة لعمله قبل إظهاره. ولذلك، فوقفاتنا عند مواطن محددة في عمله هي مجرّد وقفات للتحقيق، أو هي تحقيق على تحقيق، لاستكناه قراءة مشكوكة في النص، أو توضيح غموض في مواطن بعينها، لإشكال فيها من ناحية التعبير أو بسبب اختلاف النسخ، أما الأخطاء القليلة التي وقفنا عليها في الكتاب فقد يدّخرها المحقق لطبعة لاحقة، مثلُها مثل بعض الملاحظات المتعلقة بالمنهج والتقديم.

وسنمضي في الكتاب كمن يتصفّحه للخروج بمعلومة نادرة أو فكرة طريفة أو تعبير متميز، مصححين ما بدا لنا في الأثناء غير صحيح من الألفاظ والكلمات، أو له وجه أصح مما تقدّم به المحقق، دون أن نستقصي هنا توقفاتنا الكثيرة التي لا يتسع المجال لذكرها كلها في هذا المجال المحدود، المقصود به فقط التأكيد على ضرورة مراجعة المخطوطات المحققة سابقاً، طالما أصولها لا تزال على قيد الوجود، والتي تبقى مهما تكن الأقلام التي تناولتها بالتحقيق أو تعقبتها بالتعليق في حاجة لتصحيحها لتكون بحق صورة مطابقة للأصل أو للأصول التي صححها مؤلفوها بأيديهم أو النسخ التي أجازوا نقلها عنهم.

❊❊❊

وأول ما يلفتنا في عمل المحقق على هذا المجلد هو "التذييل" (ص٥٥٠-٥٥٥) الذي ذكر فيه ما يبرر طول عنايته بالكتاب، وأشاد فيه بالفريق من العلماء والباحثين، المتكون من سبعة أسماء، الذين قدّموا له يد المساعدة لإتمام العمل في هذا الكتاب حتى ظهر بالمستوى الذي ظهر به. فأكثر من عشر سنوات بين يوم تكليفه بالعمل في هذا المشروع وبين يوم استئنافه للعمل به بعد انقطاع دام طول تلك المدة، لا يعطينا فكرة دقيقة عن الأيام أو الشهور التي، بالأخير، استغرقها المحقق والفريق المرافق له في إخراج هذا العمل بالصورة التي عليها. فليس كل عمل تتوفر له عادة مثل هذه العناية المزدوجة بين القائم به وبين فريق كبير مساعد، لتحديد الجهد الذي قد يكون قام به كل منهم والحكم له أو عليه.

وثاني ما يلفتنا في هذا التذييل استغراب المحقق من طريقة المؤلف في تقسيم كتابه، فقد أوضح لنا أن هذا الجزء، كما يقول: "لم تكتمل فيه بقية تراجم يعقوب الخمسة التي ضمّها الجزء التاسع والعشرون الى جانب بقية حرف الباء". وهذا الانتقاد من المحقق للمؤلف في تقسيم كتابه بالطريقة التي رآها أنسب، يجعلنا نفهم أن الصفدي لم يعتن بتقسيم كتابه كما كان ينبغي، بحيث لا تبقى في جزء من أجزائه بقية من حقها أن لا تكون في الجزء الموالي. ونحن نعجب من هذا الانتقاد من جانب المحقق، لأننا لا نرى المؤلف إلا وقد راعى في تقسيمه أن تكون مجلدات كتابه متقاربة الحجم لا أكثر، لعلمه بأن التراجم في سائر المجلدات مرتبة بطبيعتها ترتيباً هجائياً، وأنه قد توجد في بعض الحروف تراجم أقل أو أكثر من غيرها في حروف أخرى، ولذلك حسب حسابه من هذه الناحية فلم يُفرد كل مجلد بتراجم على حرف معين من حروف الهجاء، ولم يتقيد بسوى العدد الجملي من التراجم الذي رآه أنسب للمجلدات الثلاثين التي قسم اليها كتابه.

وهذا الانتقاد غير الوجيه كما رأينا، الذي انتقده المحقق ربما أغراه بالتجرئ على المؤلف في موضوع الأخطاء النحوية واللغوية وغيرها التي تمثّلها في عمله، الى حد وصفه بالعجلة في بعض المواطن كما سنرى. وهناك مسائل منهجية وعلمية عديدة يمكن مراجعة هذا التحقيق على ضوئها. ودون تعديدها، لأننا سنأتي اليها بعد قليل في محالها، نكتفي هنا بالإشارة اليها فيما يلي:

أ‌) المسائل المنهجية:

١ - الزيادات بين معقّفين في النص. وهذه الزيادات لا موجب لها في أحيان كثيرة، وإقحامها في النص لا يغنيه، بل بالعكس يفقده أصالته ويدخل الاضطراب على أسلوب مؤلفه والضيم على اختياراته فيما ينقل من مصادره وما لا ينقل. والإشارة في الهامش الى ما هو زيادات في المصادر التي رجع اليها المحقق كان كافياً.

٢ - إبدال ما في الأصل أحياناً بما في المصادر، ونقل ما في الأصل الى التعليق بالهامش مخالف لأصول التحقيق، خاصة إذا تعلق الأمر بصيغة مختلفة لاسم معين، قد يكون لتلك الصيغة وجه في مصادر دون مصادر. وإثبات ما في الأصل والإشارة الى خلافه في الهامش هو الأنسب، أو حتى تصحيح الأصل على مقتضى ما يعتقد أنه الأصح، ولكن دون حصره بين معقفين وكأنه زيادة لنقص في الأصل.

٣ - غياب صورة من المخطوطين أو الثلاث التي كانت محل الاعتماد عليها. فالصورة أبلغ من الوصف باللفظ الذي نجده في "التذييل" عن هذه المخطوطات.

٤ - هناك مصادر نقل منها الصفدي ليس فوقها خط مستقيم على عادة ما جرى عليه الأصل المعتمد.

٥ - تقديم "ثبت مصادر ومراجع التحقيق" قبل "فهرس أصحاب التراجم"، والعكس هو الأوْلى، لأن "فهرس أصحاب التراجم" جزء من الأصل، بينما "ثبت المصادر.." هو جزء من عمل المحقق ولا يأتي إلا في آخر الكتاب.

٦ - دقة التثبت من منهجية المؤلف لعدم نسبة السهو أو الخطإ اليه أو الى الناسخ عند وجود إشكال في النص، ففي مواضع نجدك لا تساير كلام المؤلف في سائر تأليفه فتحمله على الخطإ، كما في ص١٠٤ التعليق رقم ١.

٧ - الربط بين الكلام ينقطع بنظام الفقرات عندما لا يراعى ما بين الكلام فيها من ربط يجعلها تبدأ في أول السطر التالي، ولكن دون أن تظهر في شكل فقرة جديدة بالنسبة لما قبلها، وخاصة عندما نجد ما قبلها يمهد لمقول القول بعدها، كالتالي: "ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه: قد تقدّم الخصم.. الخ" (ص١٠٨ س٦). فعبارة "قد تقدّم الخصم .." لا يمكن أن تكون في رأس فقرة مستقلة. فقط يمكن أن تكون في أول السطر التابع للفقرة السابقة إذا أردنا تمييزها باعتبارها مقول لقول متقدم. ومثله كذلك: "فزعم ابن شمس الخلافة أن هذا البيت له..." (ص٢٥٥ س٥)، فهذه العبارة لا يمكن أن تكون رأس فقرة.

٨ - يأتي المحقق أحياناً دون أحيان بمعلومات مستفيضة، في حين نفتقد مجرد الإشارة الى معلومات ولو مختصرة مثلاً عن مؤلفات للصفدي نفسه يذكرها في الأثناء ويحتاج القارئ الى بعض البيانات عنها، ككتابه "التذكرة"، لأن المحقق لم يعرّف في "التذييل" بالمؤلف ولو على بإيجاز.

٩ - وبالنسبة للفهرس الذي وضعه للمصادر والمراجع، التي اعتمدها لتحقيق نص هذا الجزء، كان الأفضل ترتيب ما هو منها مصادر الصفدي بحسب التسلسل التاريخي على حدة، لأنه الأفيد من سوقها على الترتيب الهجائي ضمن مراجع التحقيق. ولأن القارئ سيحقق فائدتين، فائدة الرجوع اليها بحسب تواريخها، وفائدة الاطلاع عليها مطبوعة أو مخطوطة أو مفقودة في الفهرس العام للمصادر المرتب هجائياً.

والمفقود أكثر من هذا العمل هو فهرس للتراجم بحسب عناوينها في الكتاب أي بأسماء الشهرة لها، كالكندي الفيلسوف. لأن الفهرس الموجود لها بحسب النسب الأصلي، أي الاسم الأول واسم الأب واسم الجد والكنية، فلا يسد الحاجة عن الفهرس بالمعنى المطلوب؛ وإلا، فمن يعرف الأمير الصنهاجي يحيى بن تميم باسم "يحيى بن تميم الحميري" حتى يبحث عنه تحت هذا الاسم في الفهرس الأبجدي لأسماء الأعلام، كما وردت في مفتتح تراجمهم، في حين الشهرة هي العنوان المميز لهم على طول هذا الكتاب؟ فما كان أحْرانا بفهرس بحسب أسماء الشهرة الى جانبه لتحقيق الاستفادة القصوى منه، للولوج الى تراجم هؤلاء حسب مسمياتهم المشهورة. فمن يعرف "يعقوب بن اسحق بن الصباح"، حتى يبحث عنه ليجد "الكندي الفيلسوف"، مترجماً له في هذا الجزء من كتاب الوافي؟ ومع ذلك فهذا الفهرس الموجود باسم "فهرس أصحاب التراجم" هو مجرد محتوى لما جاء في الكتاب من تراجم ولذلك فهو بالمحتوى أصح منه بالفهرس. وإلا فلماذا عنون الصفدي بعنوان مخصوص لكل صاحب ترجمة متحرياً اسم الشهرة المعروف له في المصادر والمراجع.

ومن الفهارس الناقصة في هذا العمل فهرس الأسماء عامة وفهرس الأماكن وفهرس المصطلحات الحضارية، وفهرس آخر مهم جداً وهي آراء الصفدي وأحكامه الكثيرة في أثناء عرضه أحياناً لأخبار وأشعار وكلمات من يترجم لهم. ففي الوافي ثروة هامة كان بإمكان المحقق أن يضع يد القارئ عليها ليستفيد منها، كما سنشير الى بعضها في المقال، دون أن نطالبه بفهرس للأشعار، ما دام أعجزه الأقل من هذه الفهارس كلها التي ذكرناها.

ب‌) المسائل العلمية:

١- تخطئة الأصل في مواضيع لغوية ونحوية وتاريخية.

من ذلك (ص١٩): "وهب بن قيس الثقفي... الطائفي الثقفي". في التعليق على "الطائفي" يقول المحقق: "في الاستيعاب أنه طائي، وهو خطأ"، ونحن نقول له: بل يظهر أن الصواب هو ما في الاستيعاب، أي "الطائي"، لأن ثقيف في الطائف، ويكون من باب التكرار ذكر الطائفي والثقفي، وقد تقدمت نسبة "الثقفي" في أول الكلام.

ومن ذلك أيضاً ما يقوله المحقق (ص٣١) تعليقاً على "[الألقاب] فقد استغرب ورود الكلمة بلفظ الجمع "الألقاب"، وفي ذلك يقول: "كذا ورد اللقبان في الأصلين (المخطوطين) على هذا الترتيب، وموقعهما على الحروف بعد ("وهبان") التالي لهما". ونحن نقول له: ما أوردهما لقبان، أما "وهبان" التالي فهو اسم. وجرى المؤلف على هذا الترتيب في الألقاب الأخرى.

٢- تخطئة النص في مثل قول الشاعر:

"إن فاض دمعك والأحباب قد بانوا * فكلما تدّعي زور وبهتان" (ص٤٣).

ونحن نقول له: والظاهر أن قراءة "إنْ غاض دمعك" أصح حسب سياق الشعر، لأن المعنى فيه: أنه بعد فراقك الأحباب وانتهاء الدمع عليهم تَبين أن كل ما تدّعيه زور وبُهتان.

فما غيّرتَه من المخطوط حين وضعت "فاض" بدل "غاض" قد ضيعت به المعنى المقصود، على أنك صححتَه من وفيات الأعيان؛ ويظهر لنا أن ما في الوفيات هو الخطأ، إذ كثير من الكتب المحققة يعوزها التحقيق من جديد، لأن أصحابها إما عُدموا نسخاً أصح منها أو لم يتبين لهم وجه الصواب في التعبير.

وفي "بيع له في جملة قماشه تسعين" (ص٢٤٣).

علقتَ تحتها بما يلي: "كذا في الأصلين، وصوابه: تسعون". وهذا خطأ نحوي منك، لأنه يقول: ".. في جملة قماشه، تسعين" وهو الصحيح، لأنه تمييز منصوب.

ومثال أخير، قبل أن ننطلق في متابعة النص من أوّله، ما خطّأ فيه المؤلفَ في قوله: "فوقع اختيارهم على أبي زكرياء يحيى هذا، وهو إذّاك كما بقل وجهه، غرّ لم يُجرّب الأمور.." (ص٣١٠).

يقول المحقق: "في الأصلين: إذاك كما بقل..، وبقل وجه الغلام، إذا نبت شعره". ونحن نقول له إن إسقاطك "كما" من النص خطأ منك، لأن التعبير سليم، فقوله: "وهو إذاك كما بقَل وجهه"، بمثابة قوله "شبيهٌ بمن بقَل وجهه"، فالكاف كاف تشبيه و"ما" موصولة.

***

وأكثر توقفاتنا راجعة الى مثل هذه المسائل، لأن المحقق ربما بحكم ظروفه وتكوينه غير المختص في اللغة لم يوفق في قراءة الأصل قراءة مستقلة عن المصادر والمراجع التي كانت توجهه أكثر لتخريج الأخبار والآثار الشعرية والنثرية في مظانها من تلك المصادر، وهذه للأسف كما يشهد العارفون ليست كلها جيدة التحقيق وبعضها أوثق من بعض في نقل ما تنقله من المدونات السابقة. ويظهر أن المراجعين لعمله لم ينتبهوا الى هذه الناحية أو أعوزتهم الظروف للقيام بما نسبه إليهم من مساعدات له كما كان ينبغي.

من هنا دعوتنا الى ضرورة قيام علم مستقل يعتني بتصحيح المؤلفات المخطوطة قديماً والتي ظهرت نشرات منها محققة، ولكن بيّنت التعليقات عليها من قبل علماء وباحثين مشهود لهم بالتحقيق والتدقيق أنها تبقى في حاجة للمراجعة والتصحيح في طبعات أصح وأكمل وأدق.

وأخيراً فمما يلاحظ على هذا التحقيق في هذا الجزء (الثامن والعشرون) من الوافي للصفدي أنه في عنوانه الخارجي على الغلاف جاء على خلاف ما في الأصل، فهو في الواقع ينتهي بترجمة اليزيدي. ولكن المحقق ألحق به ترجمة واحدة وجدها فيما سماها "مسودة" مخطوطة من هذا الجزء، هي ترجمة يعقوب التمار، ووضع عنوانها بالفهرس الذي سماه "فهرس أصحاب التراجم" تحت لفظ "الملحقات"، بالرغم من أنه هو ملحق وحيد ولا شيء غيره. فقد كان ينبغي عليه أن يتمسك بما في الأصلين المعتمدين لديه في التحقيق، كبداية لهذا الجزء وكنهاية له، ولا ينقل اليهما شيئاً من "المسودة"، لأن ما في المسودة كان ينبغي الاكتفاء بوجوده في الملحق الذي رأى أن يلحقه فيه، لاحتمال أن يكون المؤلف أهمل تلك الترجمة لأسباب نجهلها، ولكن علينا احترامه في إخراج كتابه بالكيفية التي بيّضه بها والشائعة في النسخ المنقولة منه.

ومع أن المحقق قد تجنّب وصف نفسه بالمحقق للكتاب ربما استبعاداً لغيره بالمشاركة له في الحقوق، واستخدم بدل ذلك عبارة "باعتناء"، وليس هناك ما هو مصطلح عليه بهذا الاسم ولذلك أطلقنا عليه فيما يلي اسم المحقق.

(يتبع)


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التحقيق، تحقيق التراث، الوافي بالوفيات، وفيات الأعيان لابن خلكان، معجم الأدباء لياقوت الحموي، تاريخ الإسلام للذهبي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-04-2019  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  المرحوم قاسم بوسنينة مثال نادر من الرجال المخلصين
  فعل المستحيل، أو بعبع حق النقض في يد إسرائيل بالتناظر لأمريكا
  أفكار يجرفها الطوفان
  كل ما تخسره إسرائيل بتطاول مدة الحرب تكسبه حماس
  يهود العالم في ولايات متحدة أمريكية صهيونية
  هدنة تفتح على حل دائم وإلا عودة لحماس أشد بأسا
  معركة الأسرى أقوى من معركة السلاح وفتيل النار
  كل الغثاء حمله الطوفان
  رب درس تأخذه من عند غير مدرس ولو من طوفان
  في غزة طوفان دموع اختلط بطوفان الأقصى
  فرنسا من المعاداة للسامية إلى المؤاخاة للصهيونية
  قمة العرب والمسلمين لمساندة طوفان الأقصى في غزة بما أوتوا من قوة الإختلاف والإئتلاف
  فلسطين بطوفان الأقصى دخلت حرب التحرير بالمعنى الجزائري الفريد
  إهلال الإسلام على الكون الجديد
  "‏الفيتو" الأمريكي البريطاني الفرنسي ملطوخ في غزة
  ‏إسرائيل تقتل نفسها عرقا عرقا في غزة
  إسرائيل «غريبة» أوروبا في الشرق الأوسط
  هذه حرب ظالمة لا حرب دفاع عن النفس
  مال الإسلام إرهاب
  الصراع الأمريكي الإسرائيلي
  ‏تركيا وإيران ومصر
  حل الدولة الواحدة
  التهور مزلة والإقدام عن تبصر مأمون
  الموقف التونسي
  ‌على أنفاس غزة
  لمحات شابية
  نيتشه الموت والحياة
  من وحي قلم الشيخ محمد الصادق بسيس
  تطبيق نظرية الإعجاز على الشعر
  مباحثاتي مع المستشرق الانجليزي بوزوورث

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الرزاق قيراط ، محمود طرشوبي، د - الضاوي خوالدية، حاتم الصولي، د - المنجي الكعبي، أحمد بوادي، د- محمود علي عريقات، الناصر الرقيق، محمد الياسين، د - محمد بنيعيش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد ملحم، د- جابر قميحة، علي الكاش، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- هاني ابوالفتوح، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحي العابد، وائل بنجدو، د. طارق عبد الحليم، ماهر عدنان قنديل، مراد قميزة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، المولدي الفرجاني، محمود سلطان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد الحباسي، كريم فارق، محمد شمام ، العادل السمعلي، رمضان حينوني، د.محمد فتحي عبد العال، سعود السبعاني، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، عمر غازي، عبد الله زيدان، إياد محمود حسين ، محمد يحي، الهيثم زعفان، أحمد النعيمي، طلال قسومي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلوى المغربي، أشرف إبراهيم حجاج، محمد الطرابلسي، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، فتحي الزغل، د. خالد الطراولي ، د - عادل رضا، صفاء العربي، فوزي مسعود ، مجدى داود، جاسم الرصيف، د. أحمد محمد سليمان، خالد الجاف ، عبد الغني مزوز، مصطفي زهران، محرر "بوابتي"، رافد العزاوي، صالح النعامي ، منجي باكير، د. مصطفى يوسف اللداوي، سلام الشماع، كريم السليتي، رحاب اسعد بيوض التميمي، سليمان أحمد أبو ستة، إسراء أبو رمان، سفيان عبد الكافي، محمد عمر غرس الله، د - شاكر الحوكي ، يحيي البوليني، أنس الشابي، محمد أحمد عزوز، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله الفقير، د. صلاح عودة الله ، صلاح الحريري، محمد اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، مصطفى منيغ، د- محمد رحال، ياسين أحمد، د. عبد الآله المالكي، يزيد بن الحسين، الهادي المثلوثي، حسن عثمان، حسن الطرابلسي، تونسي، عراق المطيري، محمد العيادي، سيد السباعي، سامر أبو رمان ، رافع القارصي، صفاء العراقي، فهمي شراب، د - صالح المازقي، صلاح المختار، عزيز العرباوي، سامح لطف الله، ضحى عبد الرحمن، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أبو سمية، علي عبد العال، حميدة الطيلوش، د. عادل محمد عايش الأسطل، عواطف منصور، إيمى الأشقر، خبَّاب بن مروان الحمد، نادية سعد، فتحـي قاره بيبـان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة