البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لماذا تفكّك حزب النداء في تونس؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2150



الحدود الدنيا المتفق عليها في العلوم السياسية بخصوص الأحزاب وتكوينها وعملها هي أن يكون الحزب مبنيًا على فكرة جامعة توحّد المنخرطين فيه وتدفعهم إلى تحقيقها بواسطة الحزب في نطاق أعمال السياسة المتفق عليها ضمن بلد محدد. هل كان لحزب النداء فكرة جامعة يقوم عليها ويسعى إلى تحقيقها؟ رأينا الحزب ولم نجد الفكرة ولذلك نرى الحزب يتفكك ويضمحل وسيكون أثرًا بعد عين قبل نهاية السنة، لكن المنخرطين لن يضمحلوا سيهاجرون إلى مواقع أخرى، فسهولة الهجرة تفسر لنا كيف نشأ النداء واشتغل بين 2012 و2019 ولماذا يتفكك الآن.

الغنيمة ليست فكرة سياسية

حزب النداء كان حزب غنائم، لذلك فهو وريث التجمع (الذي هو بدوره وريث حزب الدستور/حزب بورقيبة)، فبعد الثورة وحلّ حزب التجمع بقيت جموع منتسبيه تهيم في الشوارع عاجزة عن التجمع من جديد في حزب واحد قوي، وقد راود السيد نجيب الشابي هذه الجموع لتنتمي إلى مشروعه لكنها كانت تكن له احتقارًا قديمًا فلم تعبأ بحديثه عن التجمعيين النظاف.

فلما اتضحت هزيمة التجمعيين في انتخابات 2011 وتقدّم عدوهم الذي حاربوه منذ عام 1981 استثمر الباجي قائد السبسي في غضبهم وخيبتهم وأحيا موات عزيمتهم للانتقام وأعطاهم الفكرة التي يبحثون عنها، وهي استعادة هيبة الدولة من (الخوانجية) فتجمعوا حوله وعينهم على استعادة السلطة وكان كذلك إذ فازوا بأغلبية مقاعد البرلمان في 2014، لكن هل استعادوا هيبة الدولة؟

لم تكن تلك إلا ذريعة للباجي ولمن جمع حوله، فقد كانت العين على منافع السلطة كما كان دأب التجمعيين والدساترة من قبلهم (حزب بورقيبة) منذ تملكوا قيادة البلد وقد توزعوا منها الكثير ورأينا من خصوماتهم حول المواقع والمنافع ما أزرى هيبة الدولة ومؤسساتها وكشف جوهر التقائهم حول الباجي منذ البداية، وكان الباجي يعرف ذلك ويكتمه في نفسه مواصلاً خطاب الهيبة، وقد أضمر أمرًا فلما حان أجله كشف أنه أول الباحثين عن غنيمة وأول من يعرف طبيعة الندائيين (التجمعيين) من حوله.

لقد أراد ركوبهم لتوريث الحكم في أسرته عبر فرض ابنه في رئاسة الحزب بما يؤهله قانونيًا ليكون مرشح الحزب للرئاسة، هنا عرف الندائيون أن طريق الغنيمة سُدَّ في وجوههم؛ فابن الرئيس لا يملك أي مؤهلات تسمح له بالقيادة والحفاظ على الموقع الأول حيث تكون المنفعة؛ فبدأت عملية الهروب الكبير من جديد.

تفكك ما تبقى في أول مؤتمر

نسى كثيرون أن حزب النداء خاض انتخابات 2014 ثم خاض الانتخابات البلدية دون أن يعقد مؤتمره التأسيسي ودون أن تكون له هياكل تنفيذية منتخبة (وهي في ذاتها فضيحة لبلد يزعم بناء الديمقراطية)، فكان الباجي يحكم من وراء ستار ويترك لابنه إذكاء ما يمكن من صراعات ليكون رقم واحد بالحزب، فلما وصل الحزب إلى المؤتمر الأول بعد سبع سنوات انقسم على نفسه مرة أخرى إلى شقين وصار الحديث عن معركة الشقوق: شق حافظ ابن الرئيس وشق آخر يرفض الخضوع لحافظ.

لقد فشل الحزب في الاستمرار رغم ما به من كوادر حزب بن علي (التجمع) وما له من أموال وكل أموال الطبقة الغنية التي صنعها بن علي،
ولا تفسير لهذا الفشل إلا أن الحزب ولد وعاش بلا فكرة تجمعه ويطورها ويتطور بها كما هو معروف في بناء الأحزاب عبر العالم.

هذا الفقر السياسي موروث فلم يتجمع حول السلطة في تونس إلا كل انتهازي وطامع، ولذلك ساد سلوك النفاق السياسي وهشاشة المواقف التي نراها تعبر عن نفسها بالهجرة الحزبية إلى حيث تتبين مواقع فائدة جديدة.

حزب الغنيمة الجديد

لم نتوقع أن يخلق الهاربون من الباجي ومشروع التوريث فكرة جديدة جامعة بل ألفوا كعادتهم حزبًا حول مواقع الغنيمة مع صياد جديد اسمه يوسف الشاهد، حتى إن اسم الحزب اشتق بسهولة من شعار الباجي الانتخابي سنة 2014.

"تحيا تونس" هو حزب الغنيمة الجديد وقد شرع في استعمال وسائل الدولة للدعاية الانتخابية لمؤسسه وكوادره المحيطين بمواقع التأثير واستمال ماكينة الإعلام كما كان عهد من سبقه.

بدأت الهجرة بالكتلة النيابية والتحقت الكوادر التي لم تتدبر غنيمة بعد الانتخابات وما زالت المعركة مستمرة لشفط بقية الندائيين نحو حزب الشاهد، فالمعركة الجارية حاليًّا مع صلب من تبقى من النداء توحي بأن الشاهد غير بعيد وأنه يجهز على ما تبقى ليسلم له قيادة الجميع، وسنشهد موجة هجرة جديدة وقت الاتفاق على قوائم الترشيح للبرلمان، هكذا نكتشف لكن دون مفاجآت أن الندائيين (التجمعيين سابقًا) هم طيور سياسية مهاجرة إلى حيث رائحة السلطة، فلا فكرة ولا برنامج ولا إيمان بالوطن أو بالإنسان وكفر مطلق بالثورة وشهدائها تعبر عنه الآن بوضوح وصراحة عبير موسي مدعية ميراث التجمع وبن علي وقد التحق بها الشق الأشد عداءً للثورة الذي لا يزال ينوح على مكاسبه وهي تنافس الشاهد على أسوأ ما أنتج التجمع المنحل.

هل كان هناك مصير آخر للنداء؟

في تونس يقين عند فئات واسعة أن النداء جمّع أسوأ من في تونس من الانتهازيين فهم أنفسهم من كان في التجمع ودولته، ولا يبدو الناس متفاجئين مما يحدث في الحزب أو مما يصدر عن قياداته من صراعات وتصريحات منحطة، إنها قناعة عامة إذا أراد المرء أن يتدبر منصبًا أو خدمة أو سفرية إلى الخارج أو حتى لقاء في نزل من أجل تخمة عابرة فليلتحق بالنداء أو تحيا تونس.

ويطرح سؤال نفسه: هل التونسيون بهذا السوء والانحطاط السياسي؟ من العسير الجزم لأننا نرى من يحسد الندائيين على مغانمهم ولا يفلح في تدبر مكان معهم فيزايد عليهم، وكثير من خطاب نقد النداء يخفي غيرة وعجزًا أكثر مما يثبت استقامة وانتماءً لفعل سياسي وطني إيثاري.

القناعة الثابتة أن 70 سنة من الممارسات السياسية خلقت هذا المواطن الانتهازي وأعدمت أجمل احتمالات الفعل السياسي المدني حتى بعد ثورة الربيع العربي. ينطبق الأمر هنا على حزب التجمع/النداء/ تحيا تونس والحزب الوطني في مصر وحزب البعث في سورية ولجان القذافي الثورية وحزب جبهة التحرير في الجزائر وأحزاب المخزن في المغرب. إنها حالة عربية عامة جاءت ثمرة للديكتاتورية التي عاشت باحتقار شعوبها وتدجينها وتقديم أسوأ ما فيها ومن فيها ليكون في صدارة الفعل، فلم يكن من اليسير الحكم بتقديم النخبة الوطنية الغيورة على أوطانها، فالانتهازية بدأت من فوق وحشدت لها كل طماع وكل منافق وكل أفّاك.

ولكن وجب الحذر في توزيع القيمة، فمن نرى خارج النداء هذه الأيام يوشك أن يكون نسخة منه، فأحزاب المعارضة القديمة ومنها الإسلاميون واليسار ليست أقل انتهازية أو أكثر ديمقراطية فيما بينها وتجاه الوطن، فقد أعداها الوضع السياسي العام فلم تتميز إلا بأسماء أحزابها أما ممارستها وخاصة منها غياب الديمقراطية داخلها ومرض الزعامات فيؤبد فيها ممارسات مطابقة لحزب التجمع القديم.

وما نتوقعه (أو نتوهم) من وجود نخب نظيفة (وطنية شريفة) فيه من الأماني أكثر مما فيه من القناعة بوجودها فعلاً، وها نحن على مشارف الانتخابات ولا نرى خطابًا أو برنامجًا للمستقبل، فالجميع مصاب بعقدة السلطة يسعى إليها ويستعملها في حدود ما يضمن مصالح منتسبيه دون مصلحة الوطن. ولا يمكننا إلا أن نتأسف على انهيار السياسة رغم أن ثورة حصلت ودعت إلى الرقي الأخلاقي عبر فعل سياسي مؤسس لدولة جديدة بنخبة جديدة، لقد صنع التجمع بلدًا ونخبًا على صورته بما زاد من مشقة طريق التغيير.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، حزب نداء تونس، الثورة المضادة، الثورة التونسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-04-2019   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. عادل محمد عايش الأسطل، ياسين أحمد، محمد عمر غرس الله، أبو سمية، رحاب اسعد بيوض التميمي، تونسي، سيد السباعي، مصطفي زهران، كريم السليتي، طلال قسومي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، مجدى داود، وائل بنجدو، محمد أحمد عزوز، رافع القارصي، فتحـي قاره بيبـان، د.محمد فتحي عبد العال، خالد الجاف ، رمضان حينوني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - محمد بن موسى الشريف ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. صلاح عودة الله ، رشيد السيد أحمد، علي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، يزيد بن الحسين، إسراء أبو رمان، منجي باكير، علي الكاش، أنس الشابي، عزيز العرباوي، سامح لطف الله، صفاء العربي، العادل السمعلي، محرر "بوابتي"، أحمد ملحم، حسن عثمان، سلوى المغربي، محمد الياسين، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بنيعيش، أحمد الحباسي، الناصر الرقيق، محمد الطرابلسي، نادية سعد، مراد قميزة، عمار غيلوفي، عبد الغني مزوز، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، عبد الرزاق قيراط ، د. طارق عبد الحليم، سامر أبو رمان ، كريم فارق، سعود السبعاني، د. خالد الطراولي ، عمر غازي، سلام الشماع، ضحى عبد الرحمن، رافد العزاوي، فوزي مسعود ، محمد شمام ، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله زيدان، أحمد النعيمي، محمود سلطان، المولدي الفرجاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سليمان أحمد أبو ستة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صفاء العراقي، حسن الطرابلسي، د. أحمد بشير، مصطفى منيغ، حاتم الصولي، جاسم الرصيف، ماهر عدنان قنديل، إيمى الأشقر، سفيان عبد الكافي، صلاح الحريري، د- محمد رحال، د - صالح المازقي، الهيثم زعفان، رضا الدبّابي، د. عبد الآله المالكي، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، إياد محمود حسين ، د - شاكر الحوكي ، د- جابر قميحة، الهادي المثلوثي، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمود علي عريقات، يحيي البوليني، صالح النعامي ، فتحي الزغل، محمد العيادي، محمد يحي، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الله الفقير، محمود طرشوبي، عواطف منصور، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عراق المطيري، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، د- هاني ابوالفتوح، د - عادل رضا، محمود فاروق سيد شعبان، فهمي شراب، محمد اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، صلاح المختار،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة