البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الرئيس التونسي يخوض معركته الأخيرة ضد الثورة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3109



انتهى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بأزمة سياسية حادة كان أكثر المتشائمين يستبعد حدوثها، وقد أمل كثيرون أن الاستقرار الحكومي في أفق انتخابات 2019 صار حقيقة ليس بعدها إلا الشروع في التنافس الانتخابي الديمقراطي، لكن أبى الرئيس الباجي إلا أن يعيد المعركة إلى بداياتها، تونس دون إسلاميين من أجل احتفاظه بالسلطة في عائلته أو في شخصه، وقد بات جليًا أنه يقرأ المشهد بطريقته فيصل إلى حقيقة تقض مضجعه، ما دام الإسلاميون (حزب النهضة) فاعلاً في المشهد فهو من الخاسرين.

فهل يكتب له انتصار أخير أم هي حشرجة أخيرة تنبئ بنهاية المنظومة التي أحياها وحماها وأمل منها خلودًا؟

حالة من رفض الحقيقة

حكم الباجي منذ 2014 إلى الآن بحزب النهضة، ومهما حاول الإنكار أو التقليل من وجود حزب النهضة وقوته فقد حماه الحزب من الانهيار منذ سنته الأولى، فكان لكليهما حساباته الخاصة، تنازلت النهضة عن مواقع كثيرة وتماوتت وربحت بالغياب ما لم تكن لتربحه بالمشاركة على قاعدة الوزن البرلماني، ودفعت مرحلة الباجي إلى الاستقرار السياسي وكان هدفها إعادة تنظيم صفوفها خلف ستار مشاركة متواضعة، وحققت هدفها الذي من أجله تحملت كل أشكال الإذلال والتبخيس، وبدأت النتائج تظهر في الانتخابات البلدية فكان الإنذار القوي للباجي أن الحزب ليس ضعيفًا أو خائفًا ولم يتفكك تحت كل الضربات الإعلامية.

لكن رغم الإنذار فقد دفع الرئيس الحزب إلى حيث يريد، توريث الحكم في بيته أو في دائرته القريبة من حضر العاصمة التي تعيش بفكرة وحيدة أن الحكم/السلطة لا يجب أن تخرج من بين أيديها بعد أن سرقها الساحل لسنوات طويلة (بورقيبة وبن علي)، فكانت وثيقة قرطاج الثانية التي تمهد لعزل يوسف الشاهد خطوة ضرورية للتوريث.

نتائج البلديات الواضحة شجعت النهضة على التمرد فسحبت الكرسي من تحت الباجي حتى سمع التونسيون انكساره، وكان الوقت قاتلاً، فلم يعد للرئيس ما يكفي من الوقت لمناورة سياسية متأنية يعيد فيها توازنه، فكانت الحرب الخاطفة التي يشنها بلا تدبير محكم فيقع في فضيحة سياسية تنهي مجد الرجل الحكيم منقذ الثورة من ضلال الشباب المتنطع.

النهضة بنت حزامًا جديدًا حول الحكم دون الباجي

طموح يوسف الشاهد وافق هوى النهضة فاتفقا على الاستقرار، أفلح الشاهد في استعادة نواب النداء من شق ابن الرئيس ولاقى ذلك هوى في نفوس طماعين كثر منهم حزب المشروع، فألفت النهضة معهم حزامًا جديدًا يحمي الاستقرار إلى حين الانتخابات، وبان بالكاشف أن الحزام غير قابل للكسر بعد المصادقة على التعديل الوزاري الذي أشعر الرئيس بنهايته الوشيكة فزاد في سرعة الهجوم بوسائل لم تعد تجلب له الاحترام منها استعادة ملف الاغتيالات السياسة التي كان أغفلها بعد وعد صريح في حملته الانتخابية بكشف الحقيقة، فلم يصدق في كشفها ويشعر أهل الدم الآن بأنه غير صادق في استعادتها، لكنه يحرض بها جبهة اليسار المعادي للنهضة للالتفاف معه ضد الشاهد وحكومة النهضة لخوض المعركة الأخيرة.

يشتغل الحزام السياسي الحاليّ بكفاءة لا يفلح الباجي في تفكيكها وقد عقد للغرض مجلس الأمن القومي ورغب في أمور أربعة خسرها في الجلسة نفسها أمام الشاهد (الغر) الذي أثبت كفاءة عالية في إدارة النقاش مع الرئيس.

التسريبات من مجلس الأمن القومي أفادت بأن الرئيس طلب أولاً تكوين لجنة تحقيق مستقلة عن القضاء لتحقق في أمر التنظيم السري لحزب النهضة (وهي قضية الجبهة اليسارية)، فرد الشاهد بأن ذلك مخالف لمبدأ استقلال القضاء وتمسك فخسر الرئيس، وطلب ثانيًا إنشاء جهاز استخبارات جديد فاستعان الشاهد بوزير داخليته (بين الرجلين انسجام كبير وتوافق) الذي لم ير فائدة في ذلك فانتهى الطلب إلى النسيان، وطلب ثالثًا تعديلاً سريعًا في الدستور يوسع صلاحيات الرئيس فتعلل الشاهد بأن المسلك القانوني للتعديل لا يمر بالحكومة بل له شروطه البرلمانية، فأسقط في يد الرئيس وناور أخيرًا بعدم تمديد حالة الطوارئ لكن وزير الداخلية والدفاع وافقا رئيس الحكومة على ضرورة التمديد فكان يوم خسارة كاملة للرئيس.

وتقول مصادر مطلعة إن موقف الشاهد طبخ على نار هادئة مع رئيس حركة النهضة بما كشف صلابة حزام الحكومة وعزمها على التقدم في طريق الانتقال الديمقراطي بالانتخابات لا بالمناورات وهو الأمر الذي يعرف الرئيس قبل غيره أنه خاتمة أحلامه بالسلطة.

والآن أين قد يذهب الرئيس في أحلامه المغدورة؟

بث أكبر قدر من الفوضى والإرباك بالاستعانة بكل القوى الخاسرة من الديمقراطية، وفي مقدمتهم الجبهة الشعبية (اليسار) وفلول نظام بن علي العاجز عن ضم أركانه في حزب واحد وتخترقه نزعات ونزاعات، كل من يرى نفسه خاسرًا إذا استقر البلد سيكون مع الرئيس، جيوش المهربين المتعيشين من الاقتصاد الموازي سيكونون في مقدمة ممولي حملة الرئيس الفوضوية، وقد بدأوا تحريك أياديهم الإرهابية في القصرين (جنوب غرب) والنقابات اليسارية سترفع في نسق الاحتجاج ولديها برنامج إضراب عام في أول السنة (17 من يناير)، فضلاً عن أنها تقوم الآن بتعطيل التعليم وترفض إجراء الامتحانات في الثانوي والإعدادي.

لن يكون الرئيس وحده وإن كان حزام الحكومة قويًا، بل إن قوة الحزام تحمله مسؤولية عدم الرد على الفوضى بمثلها فلا يمكنه تحريك شارعه ضد شارع الرئيس ومحازبيه، لذلك لا نتوقع رؤية جمهور النهضة المنظم يسير في الشارع مع الحكومة، ولكن هذا الاحتمال لا يساوي صفرًا فقد يدفع الرئيس البلد إلى حافة الهاوية وهي ليست بعيدةً جدًا.

لا خلاف هنا أن هذه المعركة السياسية حاسمة رغم أنها لم تكن على جدول من قام بالثورة ذات المطلب الاجتماعي، لقد غلب التنازع السياسي بين الأحزاب والنخب مطلب الشارع وحاز كل الاهتمام فأجل كل استجابة ممكنة لمطالب الثورة وهذا من شأنه أن يرفع درجة الاحتقان الاجتماعي لكن الرئيس لم يستمع يومًا إلى هذا الشارع وهو إذ يدفع إلى الفوضى يريد لهذا الشارع أن ينتفض بمنطق علي وعلى أعدائي أو بمنطق إذا مت ظمأنًا فلا نزل القطر، أي أن خيار تملكه السلطة بأي ثمن مقدم عنده على خدمة الناس الذي انتخبوه، وهنا يكمن خطر حقيقي على اللحظة التي تمر بها تونس وعلى التجربة السياسية الديمقراطية برمتها.

كيف نولد أملاً أخيرًا؟

الأمل في الزمن وفي ضعف الرئيس، الزمن ضد الباجي ومشروعه والمطاولة نوع من الحرب الذكية تقوم في جوهرها على الاستنزاف وقد كشف الرئيس أنه مستعجل على المكسب والحيل التي أظهرها تكشف أنه أضعف من أن يصمد حتى موعد الانتخابات.

جزء كبير من الشارع التونسي مع الحكومة وضدها يعرف نية الرئيس ولا يتفق معه فالتوريث صار عارًا سياسيًا في تونس، وبدأت علامات التسليم بصواب موقف الدفاع عن استقرار الحكومة المفضي إلى الانتخابات وضامنها تسود في وسائل إعلام كثيرة كانت موالية للرئيس وطائفته، دائرة الرئيس الإعلامية تتقلص (لا تنضم بالضرورة إلى الحكومة) ولكنها تنأى بنفسها عن شخصنة المعركة، فالرئيس يصف رئيس الحكومة بالابن العاق ويصف زعيم النهضة بالإرهابي بعد أن كان يلقي عليه بمعطف المدنية.

الرئيس يحارب ضد طموح شاب صغير وبصحة جدية ويمكنه أن يعمل 18 ساعة في اليوم وقد بدأ يرى مجده قريبًا ويحارب إلى ذلك دهاء راشد الغنوشي الذي يستميت في إنقاذ حزبه من محرقة جربها ونجا منها بجروح كثيرة، وهذه قوى لا يستهان بها فليس للرئيس مثلها ولا له فريق منظم فهو محاط بكل نهاز وطماع، هنا يكمن الأمل رغم أن الخطر سيظل ماثلاً حتى ينهار الرئيس في ربيع 2019، وهو أجل قريب، ستكون تلك آخر معارك الرئيس وآخر معارك المنظومة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الباجي قائد السبسي، الجبهة الشعبية، حركة النهضة، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-12-2018   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - صالح المازقي، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، العادل السمعلي، د - المنجي الكعبي، فتحي الزغل، الهادي المثلوثي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد الحباسي، صلاح المختار، عواطف منصور، د- محمد رحال، سعود السبعاني، فوزي مسعود ، أ.د. مصطفى رجب، إياد محمود حسين ، سلام الشماع، د- محمود علي عريقات، محمد الياسين، رافع القارصي، عمر غازي، محمد العيادي، حميدة الطيلوش، د - محمد بنيعيش، سلوى المغربي، د - عادل رضا، طلال قسومي، د- هاني ابوالفتوح، ياسين أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، كريم السليتي، خالد الجاف ، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي العابد، د. طارق عبد الحليم، عزيز العرباوي، محرر "بوابتي"، عبد الغني مزوز، حسن عثمان، فهمي شراب، محمد اسعد بيوض التميمي، سامر أبو رمان ، نادية سعد، أشرف إبراهيم حجاج، علي الكاش، محمد شمام ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، الناصر الرقيق، مراد قميزة، خبَّاب بن مروان الحمد، ضحى عبد الرحمن، أحمد النعيمي، إسراء أبو رمان، كريم فارق، مصطفي زهران، محمد عمر غرس الله، د. خالد الطراولي ، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، سيد السباعي، د. أحمد بشير، د. أحمد محمد سليمان، يزيد بن الحسين، أبو سمية، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، عراق المطيري، د. عادل محمد عايش الأسطل، رحاب اسعد بيوض التميمي، مصطفى منيغ، أنس الشابي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - مصطفى فهمي، حسن الطرابلسي، وائل بنجدو، رافد العزاوي، محمد الطرابلسي، حاتم الصولي، عبد الله زيدان، د. مصطفى يوسف اللداوي، يحيي البوليني، محمود طرشوبي، رشيد السيد أحمد، محمد أحمد عزوز، مجدى داود، صالح النعامي ، أحمد ملحم، عمار غيلوفي، رضا الدبّابي، د - الضاوي خوالدية، جاسم الرصيف، المولدي الفرجاني، فتحـي قاره بيبـان، د - شاكر الحوكي ، الهيثم زعفان، د- جابر قميحة، منجي باكير، صلاح الحريري، سفيان عبد الكافي، أحمد بوادي، صباح الموسوي ، صفاء العربي، سامح لطف الله، محمد يحي، د. صلاح عودة الله ، عبد الله الفقير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، تونسي، رمضان حينوني، د. عبد الآله المالكي، إيمى الأشقر، عبد الرزاق قيراط ، د. ضرغام عبد الله الدباغ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة