البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الخيار في المساواة أشدّ فتنة من الحسم فيها

كاتب المقال د.عبد المجيد النجار - تونس   
 المشاهدات: 2735


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في الجدل الدائر على قضية المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى يُطرح التشريع للخيار بين اعتماد المساواة واعتماد القسمة الشرعية، ويروَّج لهذا الخيار أن يكون مدرجا ضمن القانون كحلّ وسط بدل اعتماد التقنين للمساواة الحاسمة ، وتُستدرَج النهضة إلى هذا الرأي حتى يظنّ بعضهم أنه وإن كان لا بدّ فلنوافق عليه تفاديا للتقنين الصارم للمساواة.

وفي الحقيقة وعند التأمّل يظهر أنّ التقنين لهذا الخيار هو أكبر فتنة من التقنين للمساواة، وبيان ذلك كما يلي:

1 ـ تشخيص صور الخيار
للخيار كما هو رائج في المقترحات المطروحة ثلاث صور
أ ـ أن يقنّن للمساواة أصلا ويترك للمورّث أن يختار الوصية باعتماد التقسيم الشرعي، وهو مقترح رئيس الجمهورية,
ب ـ أن يبقى التشريع كما هو بحسب التقسيم الشرعي ولكن للمورّث الوصية بالتقسيم بالمساواة، وهو اقتراح ورد في التقرير
ج ـ أن يترك الخيار للمرأة الوارثة في أن تعتمد القسمة بالمساواة أو بالتقسيم الشرعي، وهو ورد هذا في التقرير أيضا

2 ـ الأصول التي بُـني عليها نظام التوريث

ولبيان ما في هذه الصور كلّها من شرّ نمهّد ببيان أصلين رئيسيين بُـني عليهما نظام التوريث في الشريعة :

أ ـ ملكية المال، وهو أصل عقائدي، يقوم على أنّ الملكية الحقيقية للمال في العقيدة الإسلامية هي ملكية لله تعالى والإنسان إنما هو مستخلف فيه يتصرّف فيه بحسب أوامر المستخلف.. وبناء على ذلك فإنّ الإنسان في حياته يملك المال ملكا استخلافيا فإذا ما مات انقطعت ملكيته الاستخلافية هذه، فليس له أن يتصرّف في حياته في المال الذي سيتركه بعد موته لأنه يفقد الصفة التي يكون بها التصرّف وهي صفة الملكية، ويتولى تقسيم هذا المال المالكُ الحقيقي وهو الله تعالى.
فإذا ما قسّم في حياته المال الذي سيتركه بعد موته فإنه يكون قد تصرّف فيما لا يملك ( يستثنى من ذلك الوصية المشروعة بشروطها وهي لا علاقة لها بالورثة)

ب ـ حسم النزاع، وهو أصل مقاصدي، فشهوة المال هي من أقوى الشهوات التي ينشأ بسببها النزاع؛ ولذلك فإن الله تعالى تولى قسمة المال الموروث ولم يترك ذلك للناس، والمقصد من ذلك حسم مادّة النزاع على الأموال الموروثة إذ هي مقسومة بدقّة من مصدر علوي فينصاع لها الناس طوعا ولا يبقى مجال للظنون والشكوك في التحايل والمحاباة والمراكنات، وهو مقصد عظيم الأثر في استقرار الأسرة والمجتمع.

3 ـ وجوه الفتنة في التقسيم بالخيار :
الخيارات الثلاثة المطروحة تحمل من الفتنة أكثر مما يحمله التشريع الحاسم بالقسمة مساواة وبيان ذلك:

أ ـ التقنين بترك الخيار للمورّث أو للوارث في كيفية القسمة مساواة أو بحسب الشريعة هو تصرّف للإنسان فيما لا يملك، ذلك لأن مال المورّث بعد موته ليس ملكا له فالموت قطع صلته به، وقد قسّمه مالكه الحقيقي في أوامر قطعية، فتدخُّـل الإنسان في تقسيمه مخالف للمبدإ العقدي ومخالف للأمر التشريعي القطعي.. فالتشريع بذلك فتنة دينية كبيرة.

ب ـ حينما يُترك التقسيم للإنسان على سبيل الاختيار بين طرق التقسيم فإنّ المقصد الأعلى من تقسيم المواريث وهو حسم النزاع يسقط تماما، ويفتح بابا واسعا للإحن والنزاعات والخلافات في نطاق الأسرة خاصّة.. فلماذا أبي أوصى لي بالنصف وكان يمكنه الوصية بالثلثين، لا بدّ أنه ضغط عليه في ذلك فلان أو فلانة من الأقارب، أو أنه لا يحبني فحرمني، ولماذا أختي (في الصورة الثالثة) تقاسمت معي بالمناصفة وكان يمكنها إعطائي الثلثين، لا بدّ أنّ زوجها أثّر عليها استئثارا منه بثروة والدي،..
وهكذا يفتح في بناء الأسرة باب من الفتن ظنونا وأوهاما وحزازات ومؤامرات ومراكنات كفيل بأن يأتي عليها بالتقويض، وقد كان الأمر مسلّما به في حال القسمة الشرعية الربانية، وقد يكون أيضا مسلّمًا به في حال التقنين الصارم بقسمة المساواة
وإذن فإنّ طريقة التقسيم باختيار المورّث أو الوارث تشترك مع طريقة التقسيم القانوني بالمساواة في فتنة الدين إذ في كلّ منهما مخالفة لما هو قطعي، ولكنّ طريقة التقسيم بخيار المورّث أو الوارث تزيد عليها بفتنة الإحن والتوجّس والحزازات في نطاق الأسرة فهي أكثر منها شرّا لمخالفتها للمبدإ العقدي ومخالفتها للمقصد الشرعي.

ج ـ في تحويل تقسيم الميراث من الأمر الإلهي إلى الخيار الإنساني فتنة اجتماعية كبيرة، إذ فيه تجرئة على تجاوز حدود الله المنضبطة في نظام الأسرة، فإذا سقطت من نظام الأسرة هذه الحجرة الركنية (تقسيم الميراث) فإنّ البناء الأسري كله سيتخلخل ويكون من ذلك شر كبير على البناء المجتمعي بالاستهتار بالبناء الأسريالذي هو الركن الركين فيه .

د ـ فتنة التقسيم بالخيار ستطال النهضة بعنف إذا ما مالأت فيه أو ارتخت في رفضه أو تلقته بالقبول حلا وسطا؛ ذلك لأن الرفض الشعبي لتغيير نظام الإرث في اتجاه المساواة رفض عارم، وممالأة الحركة فيه فضلا عن تلقيه بالقبول وهي المنسوبة إلى المرجعية الإسلامية سيجعلها تسقط في الميزان الشعبي سقوطا لا قيام بعده.

ولاتقاء هذه الفتن العامّة والخاصّة ينبغي التصدّي بقوّة لتغيير نظام الميراث بالقوانين المقترحة تقسيما بالمساواة أو تقسيما بخيار المورّث أو الوارث اتقاء لغضب الله واتقاء لفتنة أسرية واجتماعية واتقاء لموقف يعدّه الناخبون خيانة وغدرا.
والله ولي التوفيق

---------

الدكتور عبد المجيد النجار
عضو المجلس التأسيسي التونسي سابقا
الأمين العام المساعد لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، مسألة الميراث، الباجي قائد السبسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-08-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فتحي الزغل، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، رافد العزاوي، حسن عثمان، محمود طرشوبي، عبد الله زيدان، عمار غيلوفي، د. عبد الآله المالكي، أحمد ملحم، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. ضرغام عبد الله الدباغ، تونسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عواطف منصور، محمد الياسين، خالد الجاف ، عبد الله الفقير، كريم السليتي، د. أحمد محمد سليمان، أحمد بوادي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، جاسم الرصيف، صباح الموسوي ، العادل السمعلي، ضحى عبد الرحمن، عمر غازي، يحيي البوليني، مصطفى منيغ، رافع القارصي، عزيز العرباوي، أحمد النعيمي، مصطفي زهران، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد بشير، إيمى الأشقر، صالح النعامي ، د- محمد رحال، رمضان حينوني، سعود السبعاني، سيد السباعي، علي الكاش، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. طارق عبد الحليم، د.محمد فتحي عبد العال، عراق المطيري، أشرف إبراهيم حجاج، الهيثم زعفان، حسن الطرابلسي، د- هاني ابوالفتوح، سلام الشماع، محمود سلطان، سامح لطف الله، د - عادل رضا، علي عبد العال، د - مصطفى فهمي، صفاء العربي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مجدى داود، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الرزاق قيراط ، الناصر الرقيق، نادية سعد، صلاح الحريري، د- محمود علي عريقات، رضا الدبّابي، د - المنجي الكعبي، كريم فارق، فوزي مسعود ، مراد قميزة، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العراقي، حميدة الطيلوش، منجي باكير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الغني مزوز، وائل بنجدو، د- جابر قميحة، د - محمد بنيعيش، د. خالد الطراولي ، الهادي المثلوثي، أحمد الحباسي، محمد الطرابلسي، يزيد بن الحسين، محمد العيادي، سلوى المغربي، فهمي شراب، د - الضاوي خوالدية، خبَّاب بن مروان الحمد، طلال قسومي، د - صالح المازقي، فتحي العابد، محمد عمر غرس الله، صلاح المختار، المولدي الفرجاني، أنس الشابي، محمد شمام ، ماهر عدنان قنديل، إياد محمود حسين ، سامر أبو رمان ، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود فاروق سيد شعبان، فتحـي قاره بيبـان، إسراء أبو رمان، حاتم الصولي، ياسين أحمد، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. صلاح عودة الله ، محمد أحمد عزوز، محرر "بوابتي"، سفيان عبد الكافي، محمد يحي، رشيد السيد أحمد، رحاب اسعد بيوض التميمي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة