البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

مع نسويات العالم الثالث: النسوية الغربية كخطاب استعماري

كاتب المقال محمد يحيى حسني   
 المشاهدات: 2074



“قد آن الأوان لتجاوز ماركس الذي وجد من الممكن القول: لا يُمكنهم تمثيل أنفسهم، وينبغي أن يُمثَّلوا”

تُعبّر تلك المقولة للكاتبة الهندية شاندرا موهانتي عن الإشكال والمشكل الذي نحن بصدد تناوله في مشروع تفكيك خطاب النسوية الغربية؛ وهو مشروع مزدوج الأبعاد: بعده الأول يتعلق بتفكيك خطاب النسوية الغربية تجاه نساء العالم الثالث، باعتباره خطابا متضمِّنا لفعل السلطة والاستعمار، شأن كل خطاب، بالمعنى الفوكوي للخطاب كآلية هيمنة وسلطة؛ أما البعد الثاني له فهو قائم على ما يشبه التشييد والبناء، بمعنى آخر تشييد خطاب نسوي محلي تجاه امرأة “العالم الثالث”. على اعتبار أن خطاب النسوية الغربية، هو خطاب مشوب بحمولة استعمارية يصعب التخلص منها، لتعامله مع “نساء العالم الثالث” وفق تنميطات تفترض التجانس وتهمل التعدد، وتُقدّم الحُكم المُسبق على الفهم والتّفهّم.

من المفيد قبل الخوض في فكرة المقال استحضار تعريف هيومي بابا للخطاب الاستعماري، لأن تعريفه يسري في كل ثنايا الخطاب المضاد لخطاب النسوية الغربية، حيث يُعرّف هيومي بابا الخطاب الاستعماري بأنه “جهاز سلطة (…) جهاز يهاجم الاعتراف وينكر الاختلافات العرقية/الثقافية/التاريخية. ومهمته الاستراتيجية هي إيجاد حيز لأشخاص خاضعين من خلال إنتاج معارف عنهم[1].” انطلاقا من هذا التحديد تعاملت نسويات العالم الثالث مع المعرفة النسوية الغربية عن امرأة العالم الثالث كخطاب استعمار.

وتشمل النسوية الغربية، ليس فقط، باحثات غربيات من أمريكا أو أوروبا، لكن أيضا باحثات آسيويات وإفريقيات، يستخدمن نفس الأساليب ونفس المفاهيم لوصف وتحليل أوضاع “نساء العالم الثالث”.

مشاكل خطاب النسوية الغربية من منظور نسويات العالم الثالث

المشكل الأول الذي يمكن رصده في خطاب النسوية الغربية يتمثل في المجانسة المطلقة بين نساء “العالم الثالث”، بغض النظر عن الفروقات الطبقية والعرقية وحتى القومية، بوصفهن بإطلاق، نساء مضطهدات ومستغلات” ويقود هذا الافتراض إلى منزلق تحليلي آخر سائد في خطاب النسوية الغربية، وهو تمثيل نساء العالم الثالث كنساء أو ذوات مبتورات من التاريخ، والسياق الاجتماعي.

والنتيجة، عنفٌ مضاعف، تتعرض له نساء “العالم الثالث: فبتمييزهن على أساس الجنس، هن مقيدات. وبانتمائهن للعالم الثالث هن “جاهلات وفقيرات وغير متعلمات ومكرسات للحياة المنزلية وذوات توجه نحو العائلة وضحية..”

إن مثل هذا الخطاب، الذي يتم عبره تمْثيل امرأة “العالم الثالث” دون مراعاة السياقات والتاريخ الاجتماعي، هو نفسه الخطاب الاستعماري، وذلك من حيث كونه يعيد نفس التصنيفات الهرمية والتراتبية، ويستعيد في الوقت ذاته نمط الثنائيات التي ميزت عقل الحداثة وخطاب الاستعمار.

هذه النزعة في ميل خطاب النسوية الغربية نحو الخطاب الاستعماري تزداد أكثر، نتيجة الأساليب المنهجية الشمولية المعتمدة في دراسات النسوية الغربية. ويمكن تمييز مستويين لهذه الشمولية تشير إليهما موهانتي وليلى أبو لغد. أولهما قائم على منطق التمثيل الحسابي الرياضي، والآخر قائم على خلل في استخدام المفاهيم. نموذج الأول يتمثل في مثال لإحدى الدراسات التي تستنتج أنه: كلما كان عدد اللواتي يرتدين الحجاب أكبر، كان التمييز على أساس الجنس والسيطرة على المرأة، عالميا، أكثر. ونفس الشيء بالنسبة لما كتبته فران هوسكن عندما قالت “إن الاغتصاب والدعارة القسرية وتعدد الزوجات والختان والإباحية وضرب البنات والنساء والحجب “أي عزل النساء”، جميعها انتهاكات لحقوق الانسان الأساسية” تعتبر موهانتي هذين المثالين نموذجين للتعميم الوصفي، معتبرة على سبيل المثال أن “الانتقال من ممارسة التحجب في المثالين إلى التشديد على مغزاه العام في السيطرة على المرأة ينبغي التشكيك فيه” ومعتبرة كذلك أن المعنى الخاص المرتبط بعادة الحجاب يختلف بحسب السياق الثقافي والإيديولوجي. على سبيل المثال فإن النساء الإيرانيات من الطبقة الوسطى قمن بتغطية أجسادهن بالحجاب خلال ثورة 1979 للدلالة على التضامن مع الأخوات المحجبات من الطبقة العاملة، في حين أنه في إيران المعاصرة، فإن القوانين السياسية للدولة تفرض ارتداء الحجاب على جميع النساء الإيرانيات. ما تريد موهانتي تبيينه هو أن السياق والعوامل السياسية تلعب دورا مهما فيما تعيشه امرأة “العالم الثالث”. فهي تعتبر مثلا أنه في كلا المثالين السابقين يمكن تقديم تفسيرات للحجاب غير متماثلة: “معارضة الشاه والاستعمار الثقافي الغربي في الحالة الأولى، والالتزام بالإسلام في الحالة الثانية” وبالتالي فإن المعاني الواقعية المرتبطة بارتداء المرأة الإيرانية للحجاب تختلف بوضوح في السياقين التاريخيين. في الحالة الأولى ارتداء الحجاب هو مؤشر معارضة ورمز ثوري من جانب الإيرانيات من الطبقة المتوسطة، وفي الحالة الثانية هو إلزام عرفي قسري. وهذا المنطق التحليلي في التفسير، يقودنا إلى القول بأن مثل تلك التفسيرات النمطية الجاهزة، القائمة على تحليلات ثقافية تبسيطية، تقوم على مشكلة مزدوجة، فهي من ناحية تسحب تحليلاتها على جميع النساء كفئة تحليل واحدة متجانسة، وهو أمر غير دقيق، ومن ناحية أخرى تعيد إنتاج تصوراتٍ وتمثيلاتٍ عن نساء العالم الثالث قائمة على اعتبارهن مضطهدات في كل الحالات.

أما المشكل المفاهيمي، فهو يتمثل في استخدام مفاهيم تتسم بالإطلاقية دون اهتمام باختلاف السياقات، التي يتم تجاوزها. من هذه المفاهيم العابرة والمتجاوزة للسياقات والاختلافات، والتي تستخدمها بنهم شديد دراسات النسوية الغربية لتمثيل نساء العالم الثالث، مفاهيم مثل ” الإنجاب، وتقسيم العمل على أساس الجنس، والأسرة، والزواج، والعمل المنزلي، والمجتمع الأبوي” لتقديم تفسيرات لخضوع المرأة، مفترضة إمكان تطبيقها عالميا، وتنتقد نسويات العالم الثالث مثل هذه النزعة، باعتبارها مجافية للصواب، فكيف يمكن، الإشارة إلى “التقسيم على أساس نوع الجنس في العمل عندما يتغير محتوى هذا التقسيم جذريا من بيئة إلى أخرى، ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى؟

تعتبر نسويات العالم الثالث مثل هذه التمثيلات استعمارية في خطاب النسوية لأنها تعيد إنتاج اختلاف “العالم الثالث” كهوية قائمة على محددات ما قبل “حضارية”. وذلك عندما يتم تحديد نساء “العالم الثالث” كفئة متجانسة تتحدد عبر الأوصاف التالية: متدينات، ذوات منحى أسري، قاصرات قانونيا، أميات، مكرسات للحياة المنزلية، مضطهدات، وهكذا دواليك. إن هذه التحديدات تُعرِّف النساء على أنهن ذوات خارج العلاقات الاجتماعية، ولا تساعد مطلقا في النظر إلى الطريقة التي تم بها تشكيل النساء من خلال هذه البنى ذاتها.

لم يبق هامش كبير لمناقشة البديل الذي تقدمه نسويات العالم الثالث، ومنهن شاندرا موهانتي وليلى أبو لغد، لكنه واضح من خلال النقاط التي تم استهدافها بالنقد في خطاب النسوية الغربية حول نساء “العالم الثالث”.

حيث يطمح الخطاب البديل إلى تأسيس نزعة محلية لدراسة نساء “العالم الثالث”، تنطلق من سياقاتهن ومن واقعهن كذوات تاريخية، في إطار سياقهن الاجتماعي، والابتعاد عن التعميمات الثقافية التبسيطية المبتذلة حول المرأة في “العالم الثالث” التي يطرحها خطاب النسوية الغربية.

يمكن القول في الأخير بأن نسويات “العالم الثالث” يطرحن فكرة التحليل المحلي الثقافي، كنموذج لتجاوز إشكال التفسير الثقافي الكلّي التبسيطي، والتحرر من مركزية المرأة الغربية، وتمثلها للمرأة المغايرة. فإلى أي مدى وُفّقن في ذلك…؟

---------
[1] انظر: شاندرا موهانتي، تحت عيون الغرب: الدراسات النسوية والخطابات الاستعمارية، 2015.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

النسوية، المرأة، قضايا المرأة، النساء،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 31-07-2018   المصدر: إسلاميون

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي الكاش، صلاح المختار، محمد الياسين، محمد شمام ، أنس الشابي، العادل السمعلي، عواطف منصور، فتحي الزغل، د - المنجي الكعبي، فهمي شراب، د. أحمد محمد سليمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، تونسي، صباح الموسوي ، د. طارق عبد الحليم، سلوى المغربي، ضحى عبد الرحمن، سفيان عبد الكافي، محرر "بوابتي"، عبد الله زيدان، وائل بنجدو، فتحـي قاره بيبـان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، خالد الجاف ، فوزي مسعود ، د - محمد بنيعيش، عبد الغني مزوز، حسن عثمان، محمد يحي، سيد السباعي، سامر أبو رمان ، د. خالد الطراولي ، رشيد السيد أحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد النعيمي، د- هاني ابوالفتوح، خبَّاب بن مروان الحمد، كريم السليتي، عمر غازي، د. صلاح عودة الله ، سلام الشماع، محمد عمر غرس الله، رضا الدبّابي، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، د - صالح المازقي، صفاء العراقي، عراق المطيري، المولدي الفرجاني، الناصر الرقيق، د - عادل رضا، طلال قسومي، يزيد بن الحسين، د. عادل محمد عايش الأسطل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حميدة الطيلوش، محمد العيادي، سليمان أحمد أبو ستة، ماهر عدنان قنديل، د- محمود علي عريقات، منجي باكير، صالح النعامي ، محمود طرشوبي، عبد الرزاق قيراط ، رافد العزاوي، حاتم الصولي، د- جابر قميحة، الهيثم زعفان، د. أحمد بشير، رمضان حينوني، ياسين أحمد، يحيي البوليني، إيمى الأشقر، فتحي العابد، أحمد ملحم، الهادي المثلوثي، مصطفى منيغ، محمد أحمد عزوز، د- محمد رحال، د - شاكر الحوكي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد الطرابلسي، عبد الله الفقير، مجدى داود، أحمد بوادي، محمد اسعد بيوض التميمي، سعود السبعاني، حسن الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، نادية سعد، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، د - مصطفى فهمي، كريم فارق، أبو سمية، علي عبد العال، عزيز العرباوي، محمود فاروق سيد شعبان، د - الضاوي خوالدية، أ.د. مصطفى رجب، د. مصطفى يوسف اللداوي، جاسم الرصيف، أشرف إبراهيم حجاج، سامح لطف الله، صفاء العربي، أحمد الحباسي، رافع القارصي، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، مراد قميزة، محمود سلطان، أحمد بن عبد المحسن العساف ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة