البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لماذا لم يفلح العلمانيون في تونس؟

كاتب المقال نزار بولحية - تونس   
 المشاهدات: 3457



إن أخفقوا وخسروا في مكان آخر فربما سيجد البعض لهم بدل العذر الواحد ألف عذر. أما ألا يفلحوا فيها بالذات فسيكون من الصعب ان يعثر احد على تفسير مقنع لذلك. السبب هو ان الفرص التي يملكها العلمانيون العرب في تونس قد لا تتوفر لهم في أي بلد آخر. فلديهم هناك عدا ترسانة التشريعات التي لا نظير لها في الإقليم سلطة لا تعاديهم بل تتبنى على العكس فكرهم وتسمح لهم، وفق اتفاق ضمني معها، بالسيطرة الفعلية على مدى أكثر من ستين عاما على كل مواقع القرار والإعلام، ووضع اليد على جميع مفاصل التربية والتعليم والثقافة في الدولة.

ومع ذلك، ورغم كل نقاط التفوق التي يملكها علمانيو تونس مقارنة بغيرهم من العلمانيين العرب، فإنهم لم يستطيعوا إلى الآن أن يكسبوا الشارع لصفهم، ومازالوا يسقطون عند أي اختبار شعبي حاصدين الخيبة تلو الأخرى كلما احتكموا لارادة الجماهير. فكيف يحصل ذلك؟ هل لخلل ما في العلمانية والحداثة التي يدعون الانتساب لها؟ أم لعيب شكلي أو اتصالي في طريقة الترويج لفكرها؟ أم فقط بسبب ضعف مشروعهم مقابل قوة وصلابة المشروع الإسلامي المنافس؟

ربما كان المشكل في أن معظم محاولات فهم ذلك الإخفاق ظلت ترتبط بشكل أو بآخر بالعداء التاريخي بين من يصنفون بالحداثيين، ومن ينعتون بالإسلاميين أو المحافظين. لقد كان شعار المرحلة الاستبدادية، ألا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية، وهو ما كان يعني إقصاء الإسلاميين ودخول الدولة في حالة حرب مفتوحة ضدهم. ولم يكن الاستبداد في ذلك الوقت بالنسبة لطيف واسع من النخب الجامعية والإعلامية يشكل حاجزا يحول بينها وبين التحالف مع النظام، لاجل محاربة من كان يوصف بالظلامية وبالعدو المشترك للطرفين. ولعل الاستثناء الفارق لذلك كان ما عرف بحركة الثامن عشر من اكتوبر، التي جمعت للمرة الاولى تقريبا وجوها علمانية واسلامية على فكرة النضال من أجل تكريس الديمقراطية، وأقرت في أحد بياناتها بأن» المواطنة تعني وفقا للشعار الرائع الذي رفعته المنظمة التونسية لحقوق الإنسان تمتع جميع التونسيات والتونسيين بجميع الحقوق بدون استثناء. فالحقل الديمقراطي يجب أن يتسع لجميع الحساسيات، طالما انها تقبل بقاعدة اللعبة التعددية، وتنبذ العنف والتكفير.

ومن هذا الاعتبار فإن حركة النهضة الإسلامية لها الحق بالتمتع بالوجود وحرية التعبير في إطار الشرعية الديمقراطية، وبالمستوى نفسه مع جميع مكونات المعارضة غير المعترف بها قانونا، التي تحظى بشبه تسامح في وجودها. كما أن لها حق المشاركة في الحوار والصراع الفكري، الذي يمثل جوهر الديمقراطية ذاتها». لكن تشتت المعسكر الحداثي وانقسامه بين متمسك بذلك الخط عن قناعة، وربما حتى عن ضرورة، ومعارض ورافض له واعتماده فقط على خطاب الضد للتعريف بمشروعه، بعد سقوط نظام بن علي لكسر القوة الاسلامية الصاعدة، جعله يفشل في كسب أصوات التونسيين، في اول انتخابات حرة تجري بالبلاد، ثم يفرط في جزء مهم من الاصوات بتكرار تحالفه مع بقايا النظام القديم، ممثلين بحزب النداء ضمن ما عرف بالتصويت المفيد لمواجهة الإسلاميين. ولعل الاستنتاج الذي حصل من تجربة السنوات السبع الاخيرة، هو أن الديمقراطية التي يؤمن بها قسم واسع من العلمانيين والحداثيين، ليست سوى تلك التي تكون الطريق الالتفافي الأقصر للتخلص من الخصوم الإسلاميين، وإنهم قد يكفرون بها ويتنكرون لها متى جاءت على خلاف ذلك، بل قد يدعون صراحة الى الانقلاب العسكري عليها، مثلما صفقوا لانقلاب العسكر في مصر. وربما كانت الانتخابات البلدية التي جرت في السادس من مايو الجاري هي الشاهد الجديد على ذلك، فبدلا من ان يتحول ذلك الموعد الى يوم نصر وطني يحتفي فيه كل الفرقاء بقدرة ديمقراطيتهم على استكمال مسارها، رغم كل الصعوبات والعراقيل التي واجهتها فقد أعادت النقاشات العقيمة التي تلت ظهور النتائج الاولية للانتخابات، الجدل المزمن حول حقيقة التطبيع الفعلي بين الإسلاميين والدولة، وحول ما إذا كان نجاح التجربة الديمقراطية مرتبطا بالضرورة بفشلهم أو إفشالهم بطريقة ما ولو ضد إرادة الصندوق.

لم تزور الأوراق مثلما كان يحصل في الماضي، بل أقر الجميع هذه المرة بحسن سير العملية، بمن فيهم بعثة الاتحاد الاوروبي، التي اقرت بأن «الناخبين التونسيين تمكنوا في السادس من مايو من التعبير عن اختيارهم بكل حرية عبر انتخابات ذات مصداقية». لكن ولأن الأرقام كما يقول المثل المعروف لا تكذب، فقد فصلها بعض العلمانيين والحداثيين مثلما شاؤوا. ولم يعد حصول حركة النهضة على أعلى عدد من الأصوات في ثلاثمئة وخمسين دائرة انتخابية هي مجموع الدوائر البلدية بالنسبة لهم يعني فوزها في الانتخابات، بل صار مؤشرا على أنها انهزمت فيها بفوزها بالمرتبة الاولى مثلما كتب أحد الإعلاميين على صفحته على فيسبوك، شارحا تلك النظرية بالقول «خلافا لما يعتقده الكثيرون فالنهضة حزينة لفوزها والتظاهر بالفرح يخفي هلعا كبيرا وخوفا أكبر على حظوظها في مقبل الاستحقاقات. ففي ظرف ست سنوات فقط خسرت النهضة مليونا ومئتي ألف ناخب، اي جزء مهم جدا من قواعدها، وهذه كارثة بكل المقاييس عندما يتعلق الأمر بحزب عقائدي. فوزها في البلديات جاء بطعم المرارة، لأن ما توفر لها من إمكانيات مادية ولوجستية كان أضعاف أضعاف ما توفر لخصومها، ومع ذلك كانت الحصيلة مهينة.

فوزها جاء بطعم المرارة لأنه حصل أمام خصوم سياسيين في اضعف حالاتهم… ولأن الغنوشي تنازل عن كل قناعاته مؤقتا ليسحب ورقة النساء من تحت أقدام الباجي، ولكن مقاطعة النساء للانتخابات أفسدت حساباته… فوزها بطعم المرارة، لأن غياب الشباب وإن كان مألوفا فإنه يصبح أمرا صادما ومفجعا عندما يتعلق الامر بغياب شباب النهضةـ فهو علامة على بداية تفكك وتآكل الحركة على مستوى القواعد وتعمق الشرخ بين القيادة وقواعدها». ولم يقل ذلك الاعلامي ولا غيره، هل ان الحداثيين والعلمانيين انتصروا بالمقابل بهزيمتهم الانتخابية تلك أم لا؟ وما الذي ستفعله تونس بمئات الآلالف من التونسيين الذين منحوا أصواتهم للنهضة، ولم يمنحوها لخصومها العلمانيين. والأدهى من ذلك هو ما فعلته بعض الوجوه الحداثية حين اعترضت على أن تتولى امرأة رئاسة بلدية العاصمة للمرة الاولى في تاريخ تونس، رغم فوزها باعلى نسبة من اصوات الناخبين، مبررة ذلك الرفض إما بأسباب دينية، على اعتبار ان تونس دولة إسلامية ولا يجوز لامرأة أن تحضر حفلا دينيا بالمسجد لليلة السابع والعشرين من رمضان، مثلما قال المتحدث باسم حزب النداء، أو بأسباب جهوية مثلما فعل أحد المسرحيين الحداثيين حين اعتبر أن المرشحة النهضوية ليست بنت العاصمة.

لقد قاموا بالمختصر المفيد بانقلاب على الحداثة وجعلوها على رأي ماركس تمشي على رأسها. ولم يفهموا حتى الان ان تونس تتسع للجميع وانها لا تحتمل الفرز أو الإقصاء. ولم ينظروا و لوقليلا في المرآة ليروا جيدا زلاتهم وأخطاءهم ويفهموا بعيدا عن «الغول الاسلامي» كيف ضيعوا كل فرص النجاح التي توفرت لهم بتلك السهولة وذلك الغباء!


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنتخابات البلدية، بقايا فرنسا، العلمانيون بتونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-05-2018   المصدر: القدس العربي

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - محمد بن موسى الشريف ، إسراء أبو رمان، فتحـي قاره بيبـان، محرر "بوابتي"، د- محمد رحال، د. عبد الآله المالكي، سلوى المغربي، صالح النعامي ، عزيز العرباوي، محمد اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، عبد الغني مزوز، د- هاني ابوالفتوح، فهمي شراب، ماهر عدنان قنديل، د. خالد الطراولي ، حميدة الطيلوش، ضحى عبد الرحمن، فتحي العابد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، علي عبد العال، د. عادل محمد عايش الأسطل، فوزي مسعود ، العادل السمعلي، حسن عثمان، محمود طرشوبي، صلاح المختار، خبَّاب بن مروان الحمد، مجدى داود، محمد عمر غرس الله، كريم فارق، صباح الموسوي ، علي الكاش، صفاء العراقي، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، رافع القارصي، عواطف منصور، محمد الطرابلسي، ياسين أحمد، د. أحمد محمد سليمان، د - المنجي الكعبي، عبد الله الفقير، المولدي الفرجاني، أشرف إبراهيم حجاج، حسن الطرابلسي، الناصر الرقيق، د. صلاح عودة الله ، سلام الشماع، الهادي المثلوثي، مراد قميزة، يحيي البوليني، د - محمد بنيعيش، وائل بنجدو، سفيان عبد الكافي، د. طارق عبد الحليم، عمر غازي، رضا الدبّابي، نادية سعد، طلال قسومي، مصطفى منيغ، إيمى الأشقر، سيد السباعي، محمد الياسين، إياد محمود حسين ، رمضان حينوني، أحمد بوادي، محمد يحي، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، د - الضاوي خوالدية، عمار غيلوفي، أبو سمية، د. أحمد بشير، أحمد ملحم، سعود السبعاني، عراق المطيري، د - عادل رضا، كريم السليتي، عبد الله زيدان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - شاكر الحوكي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، تونسي، محمد العيادي، خالد الجاف ، يزيد بن الحسين، رشيد السيد أحمد، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمود علي عريقات، أ.د. مصطفى رجب، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد شمام ، محمد أحمد عزوز، محمود سلطان، سليمان أحمد أبو ستة، فتحي الزغل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح الحريري، صفاء العربي، أنس الشابي، د - صالح المازقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حاتم الصولي، سامح لطف الله، الهيثم زعفان، د - مصطفى فهمي، منجي باكير، أحمد النعيمي، سامر أبو رمان ، جاسم الرصيف، د. كاظم عبد الحسين عباس ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة