البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المؤجل والمرتجى من الانتخابات البلدية في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2606



استعير بلطف من الروائي العراقي غائب طعمة فرمان عنوان روايته "المرتجى والمؤجل" لاستشرف نتائج الانتخابات البلدية لا على مستوى الصندوق حتى لا نشارك في التأثير على النتيجة ولو بمثقال، ولكن على مستوى الآمال المعلقة على الهيئات البلدية التي ستفرز بعد يوم 6 من مايو 2018.

وهي آمال مؤجلة منذ سنوات سبعة، فقد تدهورت أوضاع المدن والبلدات في غياب هيئات بلدية نشطة وعارفة ولا تسمع إلا من يقول لك أكلتنا المزابل أو دخلت علينا الكلاب السائبة إلى البيوت، ولا يخلو الأمر من مشاهد طريفة، إذ يمكن للمرء أن يشاهد قطعان من الأغنام ترعى في المربعات الخضراء القليلة المهملة بالأحياء الراقية مثل حي النصر وأحياء المنازه، حتى إن الخنازير البرية نزلت من جبل النحلي لترعى مزابل حي النصر دون خشية من البشر الذي أنس لها كتعزية عن بؤس المشهد.

ماذا ينتظر الناس من المجالس المنتخبة طبقًا للدستور الجديد؟ أو ما المطلوب من الهيئات المنتخبة في المدى المنظور؟

مجلة الجماعات المحلية أفق جديد

تم يوم الخميس 26 من أبريل المصادقة على مجلة الجماعات المحلية بالأغلبية المطلقة وهذا خبر سار ولكن تنزيل أحكام المجلة سيكون عسيرًا في غياب بقية القوانين المفصلة للباب السابع من الدستور الذي يؤسس لخطوط عريضة في إدارة اللامركزية الإدارية، ما زال هناك عمل كبير ينتظر المشرعين في المدة القادمة لتمهيد الإدارة لتطبيق المجلة، لكن بداية الاستقلال المالي للبلديات بدأ وسيتسع وسيكون للمنتخبين فرصة لإثبات قدراتهم على الحوكمة الجديدة (الرشيدة) التي قالوا إنها برنامجهم الانتخابي.

الرهانات الكبرى بحسب الدعاية الانتخابية المسموعة والمقروءة هي إعادة الألق إلى وجوه المدن، فالجميع الآن مشغول بأولوية تنظيف المدن وإصلاح حفر الطريق ومد الإنارة العمومية المطفأة سيستغرق الترميم وقتًا وجهدًا ويستنزف قدرات كثيرة، ليس للبلديات مصادر كافية لها بعد، بحيث وجب تخفيض سقف التوقعات من المجالس المنتخبة مهما كانت مصداقيتها.

سيكون هناك بعض المعارك في إزالة البناء الفوضوي واستعادة الملك العمومي الذي تم الاستيلاء عليه في غفلة من القانون وكل ذلك سيأكل من رصيد الأحزاب الفائزة في أفق انتخابي قريب فإذا صمتوا عن المخالفات خسروا الجمهور المخالف للقانون وإذا نفذوا القانون خسروا الجمهور الراغب في تطبيق القانون، وهي حيرة سنراها على الشاشات ويعبث فيها الإعلام الفاسد بالجميع.

هناك إذًا معركتان كبيرتان: الأولى ذات طابع ترميمي لما هو موجود والثانية معركة مع الإدارة المركزية التي ستفقد قدرتها على مراقبة البلديات والتحكم فيها سياسيًا عن بُعد بواسطة الضغط الاقتصادي وهنا ستكون رهانات التجديد بمعناها التأسيسي المتوافق مع أحكام الباب السابع من الدستور.

بعض من المجلة الواعدة

يبدو أنه قد تم وضع نص قانوني غير مسبوق في تونس وربما سنسمع فخر التونسيين بهذا النص في المنطقة العربية كما فخروا بالدستور المتميز ذات يوم، فقد نصت المجلة الجديدة للجماعات المحلية في التوطئة على مبدأ التدبير الحر للشأن المحلي، وعلى الاعتراف للجماعات المحلية بسلطة ترتيبية وتمكينها من وسائل التصرفّ الحر وعلى مبدأ الاستقلالية الإدارية والمالية وعلى مبدأ التضامن وعلى مبدأ التعاون اللامركزي.

ونجد في التوطئة أن المبادئ الدستورية الجديدة تستوجب القطع مع التقاليد الإدارية (النصوص السابقة التي أدير بها الشأن المحلي مركزيًا) والانخراط في منظومة جديدة تقوم على اعتبار الجماعات المحلية "سلطة" فعلية تتمتع بالصلاحيات التي تمكنها عمليًا من تسيير شؤونها المحلية باستقلالية وعلى أساس تشريك المواطنين في اتخاذ القرارات وتحمل الأعباء وتقديم الخدمات الأفضل للمنظورين في نطاق ما يرسمه التشريع الوطني ضمانًا لوحدة الدولة وإعادة الشأن المحلي لأصحابه الحقيقيين، وبذلك يتم توزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والجماعات المحلية تجسيمًا للديمقراطية مع مراعاة وحدة الدولة".

لن يكون ذلك غدًا ولكن النص إشارة انطلاق وسيكون لكل فصل معركة مع القوى المحافظة في كل مفاصل الإدارة المركزية التي ستجد نفسها بلا صلاحيات كلما اتسعت صلاحيات المجلس المحلي أو البلدية.

الأمل التنموي في المستوى المحلي

سيكون من صلاحيات البلديات والمجالس المحلية والجهوية إنجاز مشاريع استثمارية ومعها صلاحيات التعاون مع جهات استثمارية داخلية وخارجية (تحت سقف السيادة الوطنية طبعًا)، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها فسيكون البرنامج التنموي (الاستثمار) خاضعًا لمعرفة أهل كل منطقة بحاجاتهم وإمكاناتهم المتاحة، ولنأخذ مثالاً بسيطًا.

تونس بلد سياحي منذ الاستقلال وقد كان الاستثمار في السياحة يركز على السياحة الكمية في مناطق الشاطئ (الوطن القبلي والساحل وجربة) بينما أغفل السياحة الثقافية في المناطق الداخلية لأنها غير ذات مردود سريع بما أبقى الداخل التونسي مجهولاً وغير مستغل رغم الإمكانات التاريخية والتراثية الوافرة، كان الديوان الوطني للسياحة (التخطيط) والوكالة العقارية السياحية (تهيئة عقارية) يتحكمان في توجهات الاستثمار السياحي مركزيًا (مع شحنة كبيرة من الفساد الجهوي والسياسي) المجلة الجديدة ستعيد للجهات حقها في تقدير إمكاناتها والاستثمار فيها.

ونتوقع في غضون عقدين (على الأقصى) أن تتغير طبيعة السياحة التونسية من سياحة كم بشري بمردود سريع وضعيف إلى سياحة ثقافية وتنموية ذات مردود عالٍ وطويل الأمد يتم به رفد الميزانيات المحلية بعد أن كان مردود السياحة عامة ينصب في مناطق بعينها بما جعلها وجهات سياحية داخلية وخارجية أبقت دواخل البلد في ذل وظل.

وعلى غرار السياحة تسمح المجلة الجديدة بوضع خرائط استثمار صناعي وفلاحي تقرر جهويًا أي طبقًا لتقديرات الناس في مناطقهم لا طبقًا لتخطيط بيروقراطي فوقي يجهل الإمكانات وهنا سيكون فتح مبين على مستوى التنمية (ما زلنا على الورق)، رغم ذلك نقول إن خريطة الاستثمار في تونس ستتغير والخريطة الاقتصادية ستتعدل (الزمن ضروري لذلك).

لكن لن نبيع جلد الدب قبل صيده، فهناك الكثير من العمل في المستوى التشريعي كما في المستوى المحلي ولكن معارك التنمية انتقلت إلى الجهات والناس ليقرروا لأنفسهم، سنشهد معارك طاحنة على ترسيم حدود الأقاليم والمناطق وعلى الثروات الطبيعية خاصة على الأراضي الزراعية وسنشهد انتخابات كثيرة وربما نتدرب على الاستفتاءات العسيرة (المجلة تسمح بذلك).

وسنشهد وهذه نقطة تفاؤل غير حذر في المستوى السياسي والإداري ظهور النخب المحلية وتبلور الكفاءات المطموسة تحت الحكم المركزي، ونعتقد أن السنوات العشرة القادمة (عقدين من الزمن) هي سنوات ترسيخ أحكام المجلة التي ستنتهي بتوزيع السلطة واستقرارها وتكفل الناس بأمور دنياهم، لذلك سأكتب جملة متفائلة أخيرة رغم الفشل المخيم (الآن) ستكون المجالس ولأول مرة تحت مراقبة القاعدة الناخبة في جو تعددي لن يسمح فيه بالفساد أن يتواصل ولن يسمح فيه بالفشل والدمغجة التي اعتادها الناس من مسؤول بلدي محمي من المركز ويمكنه أن يبيع الأوهام ويقبض.

المرتجى كبير والمؤجل أكبر ولكن في وضع انتقال ديمقراطي عاجز عن الحسم مع مكونات الفساد والاستبداد سنعتبر إن إنجاز الانتخابات في حد ذاته مكسب، ثم نراقب ونأمل.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنتخابات البلدية، الثورة المضادة، الإنتخابات المحلية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-05-2018   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - شاكر الحوكي ، عبد الغني مزوز، تونسي، سلام الشماع، كريم السليتي، صباح الموسوي ، أ.د. مصطفى رجب، محمد العيادي، المولدي الفرجاني، عبد الرزاق قيراط ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مجدى داود، محمد يحي، د - الضاوي خوالدية، د. مصطفى يوسف اللداوي، مصطفي زهران، صفاء العراقي، صفاء العربي، محمد اسعد بيوض التميمي، خالد الجاف ، عزيز العرباوي، علي الكاش، نادية سعد، خبَّاب بن مروان الحمد، رمضان حينوني، الهيثم زعفان، الهادي المثلوثي، عواطف منصور، فتحي العابد، كريم فارق، عراق المطيري، د. عبد الآله المالكي، حسن عثمان، جاسم الرصيف، فتحي الزغل، محمود طرشوبي، د - عادل رضا، فتحـي قاره بيبـان، د - المنجي الكعبي، د - مصطفى فهمي، سلوى المغربي، حميدة الطيلوش، إسراء أبو رمان، محمد أحمد عزوز، د. صلاح عودة الله ، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، محمد الياسين، يحيي البوليني، محمود فاروق سيد شعبان، الناصر الرقيق، د - صالح المازقي، د. أحمد محمد سليمان، رافد العزاوي، أبو سمية، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامح لطف الله، طلال قسومي، د. خالد الطراولي ، عبد الله زيدان، فهمي شراب، عمر غازي، مراد قميزة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رضا الدبّابي، أحمد بوادي، منجي باكير، سامر أبو رمان ، مصطفى منيغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد الطرابلسي، ماهر عدنان قنديل، أحمد النعيمي، سعود السبعاني، حسن الطرابلسي، عبد الله الفقير، محمد عمر غرس الله، أحمد الحباسي، إيمى الأشقر، العادل السمعلي، وائل بنجدو، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - محمد بنيعيش، محمد شمام ، د.محمد فتحي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- محمد رحال، يزيد بن الحسين، محرر "بوابتي"، رافع القارصي، أنس الشابي، ضحى عبد الرحمن، د- هاني ابوالفتوح، د- محمود علي عريقات، سيد السباعي، محمود سلطان، د. أحمد بشير، حسني إبراهيم عبد العظيم، سفيان عبد الكافي، أحمد ملحم، صلاح المختار، صالح النعامي ، حاتم الصولي، صلاح الحريري، د. كاظم عبد الحسين عباس ، ياسين أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، د- جابر قميحة، أشرف إبراهيم حجاج، إياد محمود حسين ، فوزي مسعود ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة