البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الثورة التونسية المهدورة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2514



التونسيون أهدروا ثورتهم.. هذه حقيقة ماثلة، ولن يخفف منها أنهم لم يحملوا السلاح ويقتتلوا. إنهم يقتتلون بلا دم، والثورة هي الضحية؛ لأن حجم المكاسب من الثورة ودماء الشهداء ضنين، والقادم أقل إبداعا مما مضى في السنوات السبع، ولا داعي لكتابة جمل تعد بما هو أفضل في قادم الأيام، فمن رائحة الطبخة نعرف مذاقها. لقد عاد النظام القديم إلى الحكم، وهو يسخر من الثورة ويفتت مكاسبها القليلة. أكتب هذا بعد هيجان كثير من الشباب وتهديدهم بالعودة إلى الشارع، بعد أن تكشف فصل آخر من عبث المنظومة القديمة المتحكمة فعلا في مكتسبات الثورة، ومنها هيئة الحقيقة والكرامة، ومحاولة حلها قبل استيفاء أعمالها. لم يعد يمكن العودة إلى الشارع؛ لأن المستفيدين من وضع الانتقال الديمقراطي بالحد الأدنى يقفون ضد الشارع أكثر من أنصار المنظومة القديمة نفسها.

المطلبية ميعت الثورة

أغلب الشباب الذين يدعون الآن إلى العودة إلى الشارع كانوا شهودا على تحول الثورة منذ ساعاتها الأولى إلى مطلبية مادية بحتة، بل كان الكثير منهم وقود النضال المطلبي، فاختصروا عملية القضاء على المنظومة وانصرفوا إلى تحسين أوضاعهم المادية.

سيقول الكثير منهم هنا إن العيب كان في القيادات السياسية التي سارعت إلى احتلال مواقع في قيادة المرحلة مضحية بأهداف الثورة التأسيسية، وإن الثورة كانت بلا قيادة ثورية.. وهذا صحيح، لكنه لا يبرَر بعد انكشاف النوايا والأساليب مواصلة المطلبية التي أجهزت على كل احتمال تصفية المنظومة وإبعادها عن مواقع التأثير، بل سأكتب دوما أن المنظومة عادت إلى الحكم بالنضال المطلبي قبل أن تعود بقوتها الذاتية المنهارة.

هل كان تأجيل المطلبية ممكنا؟ أقول إنه كان ضروريا، وكان ذلك يقتضي إعادة النظر في المكانة المدعاة للنقابة التي ستتولى باسم الثورة تحويل الثورة إلى زيادة في الرواتب. فالنقابة التي تدربت على توظيف النقابي في العمل السياسي؛ تملكت زمام المطلبية في كل قطاع منذ سنة 2011، في وقت كانت حاجة الثورة ملحة إلى تفكيك المنظومة بكل أسلوب ثوري متاح، وليس بالضرورة بالدم أو بالسحل في الشوارع.

وأفحشت النقابة في المطلبية بعد أول حكومة منتخبة، وانساق معها الشباب الذي يحلم الآن بالشارع، دون وعي بأن المطلبية كانت عملا سياسيا موجها ضد طرف سياسي وصل للحكم بالانتخابات. كانت المطلبية المغرية بأجور ومنح وتشغيل تخفي أجندة سياسية يقودها الخاسرون في انتخابات 2011، ومنها قطاع واسع من كوادر حزب التجمع وشبابه الذين تحولوا فجأة من الشعب المهنية إلى نقابات قاعدية تغلق أبواب الإدارة وتفرض مطالب تضع من يحكم أمام خيارين أحلاهما مر: انهيار المسار السياسي المتفق عليه أو الاستجابة للمطالب التي لا تنتهي. وكان هذا الوضع هو الذي جعل أبناء الثورة يغفلون عن عودة المنظومة بالتدريج، حتى استفاقوا عليها تحكم بعد 2014. لقد عادت المنظومة على كتفي النقابة الثورية التي زعمت أنها أسقطتها، بما يجعل النقابة جزءا من المنظومة الفاسدة التي لا يراها الشباب المتحمس بعد.

هل يمكن للقائلين الآن بالعودة إلى الشارع؛ الانتباه إلى الدور التخريبي الذي قامت به النقابة ومن يتخفى داخلها؟ أجزم بأن الجواب: لا، فالنقابة تعرف كيف تجعل نفسها خارج النقد، بل كيف تحظى بقدسية، وما لم يبدأ الشباب من تحجيم النقابة وإعادتها إلى حجمها النقابي، فإن أي حديث عن الشارع هو لغو وأمنيات لم تتعلم شيئا من سبع سنوات من هدر الثورة باسم الثورة.

الطبقة السياسية مصابة بجرثومة السلطة

كل الطيف الذي مارس السياسة منذ الثورة مصاب بجرثومة الحكم، ويريد الحصول على قسط منه. وكانت النقابة تعرف ذلك، فهي تحمل نفس الجرثومة، غير أنها تتحرك من خارج الحكم، فملكت زمام المطلبية، فأغرت الجميع. وكانت بقية المكونات التي عارضت حكومة الترويكا ترى انهيارها تحت ضربات النقابة، وتشارك مستمتعة ومنتظرة الحلول محلها.

لقد ثبت بكل الأدلة أن الطبقة السياسية تخاف من النقابة، وتتجنب مواجهتها حتى باللوم الخفيف. جميعهم في المجالس الخاصة يقولون إن النقابة خربت الثورة وخربت البلد، ولكنهم يصدرون بيانات مساندة لكل تحركاتها، بما في ذلك تخريب المدرسة باسم إصلاحها.

إن ضعف الطبقة السياسية أمام النقابة متأت أساسا من رؤيتهم السياسية القاصرة، فالسياسة الناجحة عندهم هي التي تؤدي مكسب شخصي، ومواجهة النقابة تعني سقوطهم. والمنظومة القديمة تعرف نقطة الضعف هذه، فلا تردع النقابة، بل تحرضها بمزيد من الانسحاب أمامها، بل بإشراكها من موقع متقدم في القرار السياسي، ولذلك تدعوها للإمضاء على وثيقة قرطاج مثلا، لتمكنها من مزيد من القوة، ثم لا تعقد أمرا حتى تنظر فيها النقابة وتوافق.

في بلد تعين فيه النقابة الوزراء وتسقط الحكومات؛ لا تخسر المنظومة القديمة، بل تخسر الثورة؛ لأن مكونات المنظومة لا تخسر شيئا في المطلبية المجحفة. فطبقة رجال الأعمال الفاسدين (وهم عماد المنظومة وممولوها) لم يشهدوا إضرابا واحدا في مؤسساتهم ولا أزعجت النقابة حضراتهم، بل اشتغلت النقابة كآلية تعطيل للإدارة والمؤسسات العمومية بالأساس، وهو أمر لا يعني رجال المال الذين يدفعون الوضع لمزيد من التعفن. فكل تعفن سياسي يشغل الناس عن مطلب المحاسبة التي ترعبهم.

الهيئة آخر أوراق الثورة المهدورة

ليس للشباب خطة غير ما ترسمه أحزابهم، والباقون خارج الأحزاب قلوب كبيرة وأياد قصيرة. يرون أمامهم أن هيئة الحقيقة والكرامة هي آخر يتيم على مأدبة لئام، ويرون أنه قد تم إفراغ الدستور من مضامينه الثورية، رغم ما يبشرنا به المتفائلون الغفل من إنجاز الانتخابات البلدية. وأفرغت بقية الهيئات من دورها، فهي تخدم الآن مصلحة المنظومة رغم الخطاب الثوري الكاذب. ويجري الآن رفض التمديد لعمل الهيئة، رغم وضوح النص القانون الذي يحكم وجودها وعملها. ملفات الفساد جاهزة، وتمريرها إلى القضاء يعني بدء المحاسبة، وهذا لن يمر. فهو نهاية المنظومة، بما فيها النقابة ورجالاتها الوالغون في فساد كبير.

الثورة في قلة من أهلها وتحتاج لتوليد أمل من الصلد الشديد

وقفة مساندة للهيئة أمام البرلمان لم تتجاوز المئة شخص، وأصوات إنقاذ الهيئة من داخل المجلس تضيع في جعجعة أعدائها الوقحين، والخروج من الأزمة سيكون بثمن من العدالة الانتقالية. ولا ندري أين تجري مفاوضات الصفقة على مستقبل الهيئة، لكن المأزق أكبر من أن يحل ديمقراطيا (طبقا لقواعد العمل البرلماني).

من سيولد الأمل؟ وأين؟ وبماذا في غياب شارع يراقب ولا يتدخل، فإذا تدخل لم يتجاوز فيسبوك التونسي الكسول عن الشارع؟ أيام عسيرة تمر بها تونس وتمر بها الثورة، وتمر بها آخر مؤسسة من مؤسساتها. نراقب هدر الثورة وهدر فرصة النجاة بتونس من الدكتاتورية، ونرى مشوار صعود الربوة من جديد، ونقيس الشقاء القادم وثمن الألم والدم.

يمكننا أن نحوقل، ولكن كل كلام دون شارع جهير يتلاطم هو هدر آخر. لقد تخلى الفقراء عن ثورتهم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بقايا فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-03-2018   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، العادل السمعلي، حسن عثمان، سامح لطف الله، إياد محمود حسين ، د. أحمد بشير، فتحي العابد، د- جابر قميحة، خبَّاب بن مروان الحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- محمد رحال، كريم فارق، رمضان حينوني، د- هاني ابوالفتوح، صلاح المختار، د - محمد بن موسى الشريف ، رافع القارصي، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، محمد عمر غرس الله، أشرف إبراهيم حجاج، عراق المطيري، عزيز العرباوي، ماهر عدنان قنديل، فتحـي قاره بيبـان، صفاء العراقي، إسراء أبو رمان، مصطفي زهران، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، يحيي البوليني، سلوى المغربي، مراد قميزة، د - الضاوي خوالدية، الناصر الرقيق، محمد العيادي، حسن الطرابلسي، عبد الله الفقير، خالد الجاف ، ياسين أحمد، فوزي مسعود ، د - محمد بنيعيش، د. عادل محمد عايش الأسطل، صفاء العربي، سامر أبو رمان ، علي عبد العال، وائل بنجدو، محمود سلطان، د - شاكر الحوكي ، علي الكاش، محمود فاروق سيد شعبان، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد ملحم، حميدة الطيلوش، حاتم الصولي، فتحي الزغل، عواطف منصور، صلاح الحريري، د. صلاح عودة الله ، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الرزاق قيراط ، د.محمد فتحي عبد العال، طلال قسومي، منجي باكير، كريم السليتي، إيمى الأشقر، مجدى داود، جاسم الرصيف، سيد السباعي، أنس الشابي، محرر "بوابتي"، صالح النعامي ، أحمد النعيمي، عبد الغني مزوز، محمد الياسين، عمر غازي، مصطفى منيغ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - صالح المازقي، الهيثم زعفان، د. طارق عبد الحليم، الهادي المثلوثي، يزيد بن الحسين، نادية سعد، صباح الموسوي ، د. أحمد محمد سليمان، سعود السبعاني، سليمان أحمد أبو ستة، سلام الشماع، د - عادل رضا، د. عبد الآله المالكي، أبو سمية، رضا الدبّابي، المولدي الفرجاني، محمد يحي، محمد شمام ، محمود طرشوبي، د- محمود علي عريقات، د - مصطفى فهمي، سفيان عبد الكافي، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، د. خالد الطراولي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله زيدان، محمد الطرابلسي، تونسي، فهمي شراب، محمد أحمد عزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أ.د. مصطفى رجب،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة