البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الحمار "لولو" والإبداع الفني

كاتب المقال د. شاذلي عبد الغني إسماعيل - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2813


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في بداية دراستنا للشعر كنا نجد صعوبة في فهم القصائد العربية القديمة لكن حين كنا نعرف معاني مفرداتها كانت تأخذنا النشوة بدقة صورها وتفاصيلها وبقوة معانيها وتراكيبها وموسيقاها الموحية، أما ما كان يزعجنا ويشعرنا بالعجز فهو تلك القصائد المعاصرة التي كنا نصادفها في مجلات ومنشورات وزارة الثقافة حيث الغموض القاتم والصور التي توصد في وجوهنا الأبواب للفهم وغياب الموسيقا الذي يفقدنا التفاعل معها، ومع كل ذلك كان هناك احتفاء كبير بهؤلاء وتصدير لنتاجهم في إصدارات الدولة المتنوعة، وكنا نرى ساعتها أننا في بداية الطريق وأننا لا نمتلك القدر الثقافي الكافي لاستيعاب هذه النصوص ومن ثم ليس لدينا القدرة على إدراك ما تحمله من رؤى عميقة وأفكار لوذعية تحلق في اللامتناهي بعيدة عن إدراكنا المحدود، وأن الحل يكمن في قراءة الكتب النقدية التي كنا نظن أنها ستفتح لنا آفاقا جديدة وتكشف لنا عن العوالم المحجوبة في تلك النصوص كما أنها ستعرفنا أيضًا بمناهج ومدارس ومذاهب في النقد الأدبي الحديث لم نكن نعرفها من قبل، لكننا فوجئنا بأن هذه الكتب تزيد الطين بلة وأنها رغم لغتها العربية تحتاج إلى ترجمان وأن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان، وعدنا أيضًا نشكك في قدراتنا وضآلة معارفنا أمام هؤلاء الأفذاذ الذين رضعوا أفاويق المعرفة حتى ما يدر لها ثعل ( الثُغل حلمة الثدي الزائدة في الناقة والبقرة والشاة)، لكننا وجدنا نقادًا كبارًا يلومون عليهم مثلما نلوم ويشتكون منهم مثلما نشتكي، فقد قرأنا مثلاً أن العلامة الكبير محمود شاكر اتصل على الدكتور عز الدين إسماعيل وشكى له عدم قدرته على فهم المقالات النقدية لواحدة من أكبر المجلات النقدية التي تصدرها الدولة، فرد عليه الناقد الكبير بأنه يبدو أن من يكتبون هذا الكلام لا يفهمون ما يكتبونه.

هذه العبثية لم تكن في الشعر فقط، بل طالت كل الفنون، لكنها كانت بالنسبة لنا أكثر وضوحًا في الشعر والرسم، وقد ظهرت في بعض الأعمال الدرامية سخرية من هؤلاء الغامضين الذين يعمدون إلى التعمية والإلغاز، فقد سخر فيلم ( مرجان أحمد مرجان ) من هذا الشعر ومن نقاده حيث رأينا بطله عادل إمام يشترى من أحد الشعراء ديوانه (أبيع نفسي) الذي حصل على جائزة المجلس الأعلى للشعر والأدب، وهي سخرية ـ قد لا يلاحظها كثيرون ــ من الواقع الذي يحدث فيه مثل ذلك بالفعل، وفي احتفالية بهذا الديوان ينشد مرجان قصيدة ( الحلزونة) ثم يمدحه الناقد، الذي رشاه مرجان بساعة ثمينه، قائلاً إنه كسر كل التقاليد وأنه يحلق في آفاق مختلفة، كما سخر من قبله فيلم (خياط السيدات) من الرسم ومن نقاده، وفي هذا الفيلم كان يقوم دريد لحام بدور رسام دخل أبناء أخته الصغار إلى معرضه وأخذوا يشخبطون في إحدى اللوحات، وعندما حضر الناقد الفذ الذي ينتظره الرسام على أحر من الجمر لم تعجبه سوى اللوحة التي شخبطها الأطفال وانبهر بها وظنها اللوحة الأولى في المعرض.

أما في الغرب الذين استوردنا منه هذه الأفكار فلا أعرف إن كانت هناك أعمال سينمائية سخرت من هؤلاء أم لا، لكنني أعرف أن هناك من سخروا منهم بشكل عملى وجعلوا منهم أضحوكة في الواقع، ومن الذين فعلوا ذلك الكاتب والروائي الأمريكي بول جوردان سميث (19 أبريل 1885- 17 يونيو 1971)، الذي اغتاظ من استقبال النقاد البارد للوحات امرأته الكلاسيكية، فقرر أن يكشف زيف هؤلاء، فوضع لنفسه اسمًا مزيفًا وادعى أنه فنان روسي وقدم نفسه لمجموعة من هؤلاء النقاد كممثل لمدرسة فنية جديدة، ورسم صورا عديدة كانت بالطبع سيئة وغريبة لكن الأغرب أن النقاد أشادوا بهذه الرسومات ورفعوها إلى عنان السماء، ومما رسمه هذا الفنان المزيف صورة رديئة لامرأة تحمل موزة ولها ضفيرة قائمة تحمل هيكلا عظميًّا، وصورة طفلية ساذجة لزنجية تغسل ملابسها .
تعب سميث من الخدعة واتصل بصحيفة لوس أنجلوس تايم وأخبرهم بأن اللعبة قد انتهت، وأن كثيرا من الفن اليوم إنما هو كلام فارغ، وأن أكثر النقاد لا يعرفون إلا القليل جدًا عن الفن، ويخافون أن ينتقدوا القمامة ويقولون إنها قمامة. وقد قال أيضًا: إن النقاد سوف يمجدون دائمًا أي شيء غير مفهوم.

أما الخدعة الأشد والأنكى فقد كانت عام 1910م في باريس حيث كان هناك مبدع شاب اسمه رولان دورجيلس طلب من رجل أن يستعير حماره لمزحة يود أن يلعبها مع أصدقائه من الرسامين الانطباعيين، وقد عاونه في مزحته تلك بعض أصدقائه.

أحضر رولان ومن معه قطعة من القماش ثم علقوا الفرشاة في ذيل الحمار وبدأوا يغمسون الفرشاة في الألوان، وقربوا الحمار من قطعة القماش ثم بدأوا يغذونه بالجزر والتبغ ليحفزوا قوته الخلاقة فيهز ذيله بقوة فوق القماش، وبدأ الحمار يؤدي ما عليه ببراعة، وأخرج لعالم الفنون اللوحة التي سموها ‘الغروب فوق الأدرياتيكي’، ووقعوها باسم فنان ليس له وجود هو ‘جواشيم رافاييل بورونالي ‘وبعد عدة أيام حصلت اللوحة على أول عرض لها في معرض شهير بباريس وحازت على الكثير من الثناء من هؤلاء النقاد المساكين الذين قالوا عن راسمها إنه من فناني المستقبل.

قد يظن البعض أن الحمار لولو أدى ما عليه ومات لكن الحقيقة أن لولو لم يمت لأنه عاش وسيظل يعيش في عقول وقلوب الكثيرين من المبدعين العظام الذين يلتفت حولهم النقاد يدرسون ويحللون ويأولون لأنهم ينظرون إلى ما رواء الغيبوبة السرمدية للواقع المعاش.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

النقد الأدبي، الشعر، الشعر الحديث،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-02-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمود فاروق سيد شعبان، فتحي الزغل، د. عبد الآله المالكي، عواطف منصور، حميدة الطيلوش، سلوى المغربي، أنس الشابي، تونسي، صفاء العربي، إياد محمود حسين ، علي عبد العال، رشيد السيد أحمد، وائل بنجدو، محمد الطرابلسي، د - المنجي الكعبي، خالد الجاف ، عبد الله زيدان، د. أحمد بشير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العراقي، د- هاني ابوالفتوح، أبو سمية، د - محمد بنيعيش، حاتم الصولي، سيد السباعي، د - عادل رضا، مصطفي زهران، ماهر عدنان قنديل، إسراء أبو رمان، د - صالح المازقي، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد الحباسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مصطفى منيغ، صالح النعامي ، عبد الرزاق قيراط ، حسن عثمان، فوزي مسعود ، د - شاكر الحوكي ، الناصر الرقيق، طلال قسومي، حسن الطرابلسي، عبد الغني مزوز، عمر غازي، محمود سلطان، د. طارق عبد الحليم، د - مصطفى فهمي، أشرف إبراهيم حجاج، علي الكاش، فتحي العابد، محمد العيادي، د. خالد الطراولي ، كريم السليتي، أحمد النعيمي، عراق المطيري، محمد يحي، د - الضاوي خوالدية، عزيز العرباوي، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، صلاح الحريري، رضا الدبّابي، مراد قميزة، العادل السمعلي، منجي باكير، خبَّاب بن مروان الحمد، إيمى الأشقر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، ياسين أحمد، عبد الله الفقير، يحيي البوليني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. صلاح عودة الله ، د - محمد بن موسى الشريف ، سامح لطف الله، د- محمود علي عريقات، الهادي المثلوثي، نادية سعد، محمد شمام ، مجدى داود، جاسم الرصيف، محرر "بوابتي"، سعود السبعاني، فتحـي قاره بيبـان، د.محمد فتحي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمار غيلوفي، أ.د. مصطفى رجب، سلام الشماع، د- محمد رحال، محمد عمر غرس الله، د. أحمد محمد سليمان، المولدي الفرجاني، فهمي شراب، محمد الياسين، صباح الموسوي ، رافع القارصي، الهيثم زعفان، أحمد ملحم، صلاح المختار، محمد اسعد بيوض التميمي، رمضان حينوني، سليمان أحمد أبو ستة، رافد العزاوي، أحمد بوادي، كريم فارق، د- جابر قميحة، سفيان عبد الكافي، سامر أبو رمان ، د. مصطفى يوسف اللداوي، يزيد بن الحسين،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة