البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حياتنـا معين لا ينضب

كاتب المقال فتحـي قاره بيبـان - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 2621


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


حياتنا: تلك الفترة الزمنيّة التي تتفاوت مدّتها بين إنسان وآخر ونقضيها فوق كوكبنا الأرضي هذا هي أغلى ما عندنا، وهي فرصتنا الوحيدة التي تتاح لنا لننعم بسعادة الوجود أو لنشقى به ولو على درجات وبنسب متفاوتة. والإنسان هو محور الوجود والعامل الفعّال فيه. والحياة هي التي تنعكس عليها رسالته التي خلق لها، وهي مهما اختلفت صورها عبر الأماكن والأزمان نتيجة عمله وإنتاجه ونشاطه في هذا الكون.

وهناك حقيقتان كثيرا ما غفل عنهما الغافلون؛ الحقيقة الأولى: تتعلّق بقيمة الإنسان في هذا الوجود والرسالة العظيمة التي يحملها وقدراته الجبارة على تسخير الطبيعة لفائدته وعلى الإبداع والخلق والإنشاء بما قد لا يطاوله خيال؛ والحقيقة الثانية: تتعلق بقيمة الحياة البشرية وثرائها وغنائها بأوجه النشاطات والأعمال والمشاريع والإنجازات والتي لا تكاد تقع تحت حصر، ممّا يجعل من هذه الحياة موطنا ثريّا يكاد لا ينضب معينه ولا تنعدم خيراته.

وبالنسبة للحقيقة الأولى قلّ من الناس من وعاها وعمل بها فنظر إلى نفسه وسعى في استكشاف قواها واستغلال ما أودعه الله فيها من قدرات على الخلق والإبداع وتجاوز ما قد يبدو لأول وهلة من قبل المستحيل تحقيقه، فنفض عن نفسه مركّبات النقص والضعف والتخاذل وانطلق مؤمنا بنفسه وبما خلقه الله فيه ممّا يجعله سيّدا في هذا العالم، ويمكّنه من تغيير مجرى التاريخ البشري ومن فرض الوجود الإنساني في آفاق الكون. ونرى ذلك من خلال الإنتاج الهزيل والمردود الضعيف الذي يقدّمه كثير من الناس في حياتهم واقتصارهم طيلة سنين وجودهم على عملهم اليومي العادي وعلى أوجه أخرى من النشاطات الحياتية العاديّة التي لا تتطلّب بذل جهود تتناسب في واقع الأمر مع ما يكمن في القدرة البشرية من إمكانيات وقوى.

والسبب في ذلك الاستكانة والرضا بالمنتوج الهزيل الذي لا يحصل سوى من بذل الجهد الهيّن البسيط الذي لا يتطلع نحو تحصيل المعالي وإثراء الحياة البشرية. ومردّ هذه الاستكانة عصور الانحطاط والاستعمار والحكم اﻻستبدادي وما فرضه على الطاقات البشرية من تضييق في مجالات الخلق والإنشاء، وتبعيّـة حضارية عطّـلت قوى الإنتاج المحلية عن التطور والنموّ. ولكن هذه المخلفات التاريخية التي تركت في كثير من الناس نفسيّة لا تطمح إلى ما فوق الثرى ولا تؤمن بنفسها وتثق بقواها يجب أن تزول بزوال أسبابها، وعلينا أن نزرع في شبابنا الإيمان بأنفسهم وبقدرتهم على إنجاز ما قد يبدو من قبل المستحيل طالما كان المنطلق صلبا والغاية والاتّجاه قويمين.

وبالنسبة للحقيقة الثانية علينا أن نعي أن الحياة ليست كما فهمها كثير من الناس فاقتصروا على اعتبارها عملا يوميا ينجز ولقمة تُتناول لضمان العيش وأمورا دنيوية أخرى لا تؤدي في مجملها سوى لحصر الحياة في إطار ضيّق يجعلها حياة جافة هزيلة بائسة لا تليق بالإنسان الذي حمل الأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض. وإنمّا الحياة بإمكانها أن تكون ثريّة وبهيجة إلى حدّ بعيد. وبإمكان الإنسان أن يجعل منها موطنا لا ينفك عطاء وخلقا وإبداعا، وذلك بما ينبع من مسارنا فيها من نشاطات نمارسها وأعمال نقوم بها وهوايات نقبل عليها ومشاغل نمضي أوقاتنا فيها كلّها تنبع من استغلال طاقاتنا البشرية التي تجعل من كل صحراء حياتيّة قاحلة جنّة خضراء تنبع بالخيرات والبركات.

فعلينا أن نعمل في هذا الاتجاه مؤمنين أنه مهما بلغت طموحاتنا ففي الحياة مجال لتحقيقها. والحياة تشبه قصرا منيفا يكاد لا يحدّه حدّ، قد حوى من البدائع والمباهج والبركات ما لا يحصيه أحد، ولكن يلفّه ظلام كثيف، وهو ظلام الجهل والتقاعس والتخاذل، ولكن كلما سرنا في دروبه وخضنا غماره مضيئين شموع النور التي تطرد ما يحفّ به من ظلمات تكشّفت لنا بدائعه وعجائبه كأحسن وأكمل ما يكون. يقول ابن قيّم الجوزية: «قيمة المرء على مطلوبه ومتى صحتّ النيّة وعلت الهمّة ارتفع صاحبها... فعلوّ همّة المرء عنوان فلاحه وسفول همّته عنوان حرمانه». فينبغي أن نكون أصحاب همّة عالية نتطلّع إلى الأعلى دائما لأنفسنا ولمجتمعنا ولأمّتنا. ويقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: «إنّ لي نفسا توّاقة كلّما نالت مرتبة تاقت إلى أعلى منها».

فعلينا أن نضع نصب أعين شبابنا هاتين الحقيقتين المتعلقتين بقيمة الإنسان وإمكانياته وثراء الحياة البشرية حتى يتّسع نطاق نظرته للحياة فيتطلّع إلى إخصابها بأن يجعل منها حياة متنوّعة غزيرة خصبة وذلك بإقدامه على الخلق والإبداع والعمل النبيل، وهو بذلك يحوّل حياته إلى حياة كريمة بهيجة تليق بآدميّـته.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تأملات، خواطر، الحياة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-11-2017  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إسناد الولايات العامة إلى أهلها
  نقد نظام الانتخابات
  النقص الخطير
  الإطارات المسجدية في تونس وسياسات التهميش
  منهجية خطبة الجمعة
  المطالعـــة وجـودة الكتـــاب
  حياتنـا معين لا ينضب
  المرجع في فقه الدين
  التطـــرّف العدوانـــي
  الديمقراطيـة وإسنـاد الأمـر إلى أهلـه
  تكويـن وانتخـاب الكفـاءات للحكـم
  نـقــد النظــام الحـزبـــي
  الأحـزاب السياسيـة وعـودة العصبيّـة
  أولويـة الفقـه السياسـي
  وهـــم الـديمقراطيـــة
  هـل الأحـزاب السياسيـة ضروريـة؟
  مسؤوليـة المسلميـن في أحـداث سـوريا
  وزيـر العـدل والـمرسوم المنظـم لمهنـة المحامـاة
  التناصـف وحريـة الانتخـاب
  نحو استعمال أمثل للتلفــزة
  نحو تكامل اقتصادي عربي جديد
  سَبيلُ المسلمينَ لمعرفةِ الدِين
  كـرة الـقـدم و جمهورهـا
  اللغـة الوطنيـة و مواقـع الانترنـت في تونس‏
  لماذا يُخاطب أبناء تونس بغير لغتهم ؟
  اختيار اللــغة في تونس !؟

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفي زهران، المولدي الفرجاني، ضحى عبد الرحمن، محمد شمام ، سامر أبو رمان ، سيد السباعي، خبَّاب بن مروان الحمد، إسراء أبو رمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد العيادي، ماهر عدنان قنديل، طلال قسومي، د- محمود علي عريقات، د- هاني ابوالفتوح، حميدة الطيلوش، عبد الغني مزوز، د.محمد فتحي عبد العال، د. مصطفى يوسف اللداوي، فوزي مسعود ، د. أحمد بشير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحـي قاره بيبـان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عزيز العرباوي، محمد الياسين، تونسي، د. أحمد محمد سليمان، صباح الموسوي ، كريم فارق، الهيثم زعفان، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج، محمود سلطان، عواطف منصور، علي الكاش، علي عبد العال، ياسين أحمد، عبد الله زيدان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سفيان عبد الكافي، الناصر الرقيق، رضا الدبّابي، محمد عمر غرس الله، د - مصطفى فهمي، د - الضاوي خوالدية، كريم السليتي، د. خالد الطراولي ، د. صلاح عودة الله ، رشيد السيد أحمد، حاتم الصولي، منجي باكير، رافد العزاوي، عبد الرزاق قيراط ، إيمى الأشقر، صفاء العراقي، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد النعيمي، عمر غازي، د. عادل محمد عايش الأسطل، يحيي البوليني، فهمي شراب، مراد قميزة، د- جابر قميحة، أحمد بوادي، إياد محمود حسين ، مجدى داود، محمد يحي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مصطفى منيغ، عراق المطيري، د. طارق عبد الحليم، د- محمد رحال، الهادي المثلوثي، حسن عثمان، د - شاكر الحوكي ، د - عادل رضا، أحمد الحباسي، عمار غيلوفي، العادل السمعلي، صلاح المختار، أحمد ملحم، صفاء العربي، صالح النعامي ، د - صالح المازقي، د - محمد بن موسى الشريف ، سلام الشماع، محمد اسعد بيوض التميمي، أبو سمية، حسن الطرابلسي، سلوى المغربي، وائل بنجدو، عبد الله الفقير، د - محمد بنيعيش، محمود طرشوبي، يزيد بن الحسين، نادية سعد، د. عبد الآله المالكي، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، فتحي الزغل، فتحي العابد، جاسم الرصيف، رحاب اسعد بيوض التميمي، أ.د. مصطفى رجب، د - المنجي الكعبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صلاح الحريري، محمد أحمد عزوز، أنس الشابي، خالد الجاف ، سعود السبعاني، سامح لطف الله، رافع القارصي، محمود فاروق سيد شعبان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة