البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس وأزمة الخليج والاستقطابات

كاتب المقال المهدي مبروك - تونس   
 المشاهدات: 3430



تغير المشهد السياسي في ليبيا، أخيرا، مرجحا نسبيا وإلى الآن كفة الجنرال خليفة حفتر، الذي ما كان له أن يحقق تلك الانتصارات، لولا الدعم الإماراتي الذي تلقاه، وهذه ليست مجرد تهمةٍ يوجهها له خصومه، بل حقيقة وقفت عليها الأمم المتحدة في تقريرها الأسبوع الفارط، وجاء على اختراق أبوظبي قرارات المنظمة الأممية القاضي فرض حظر على تزويد الأطراف المتقاتلة بالسلاح. في هذه الأثناء، بدأت تصريحات القيادات العسكرية الليبية المحسوبة على مجموعة حفتر تأخذ منحى تصعيديا تجاه تونس إلى حد التحرّش بها، وأساساً حزب حركة النهضة التي يعتبرها حفتر وأتباعه سبب الإرهاب، ويتهمونها بالتورّط في الاغتيالات الداخلية، علاوة على تدخلها المباشر في الحرب الأهلية الليبية. يتضاعف صدى تلك التصريحات والتحرّشات بتونس، وجرّها إلى مستنقع حرب إقليمية أخرى، قد تندلع هذه المرة في منطقة المغرب العربي، في أجواء مما يشبه دقّ طبول حربٍ تكاد تنهش منطقة الخليج، على الرغم من استبعاد وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، هذه الإمكانية.

سعت قيادات عسكرية وسياسية ليبية، في الأسابيع القليلة الماضية، إلى توظيف منصات إعلامية تفوح كراهية واستبدادا، متناغمة تماما مع ما يحدث في دول مشرقية أخرى، غير عابئة بالحد الأدنى من المروءة والأخلاق. قدمت "وثائق" و"حججا" و"براهين"، سرعان ما بان زيفها وبطلانها، فقد بدأت تتهاوى تدريجيا، حين تدخلت السلطات القضائية المستقلة التونسية، وأوضحت مسائل كان بعضهم يستثمرها، على غرار تحويلات مالية تلقاها ملحق عسكري قطري في تونس خلال السنوات الماضية، فقد بين الناطق باسم القضاء التونسي أنه تم حفظ الملف، إذ ذهبت تلك التمويلات إلى مخيمات لاجئين في أقصى الجنوب التونسي، حين اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا. كما برأت المحكمة، في الأسبوع نفسه، جمعية تونس الخيرية من تهمة تمويل الإرهاب، أو أي شبهاتٍ ماليةٍ أخرى، في ظل تحرش بعضهم بها، وحسبانها على جمعية قطر الخيرية.. إلخ.

هناك مثل قديم كان نشطاء الحركة الطلابية يردّدونه في السبعينيات، مفاده بأن الأمطار تنزل في موسكو فيفتح التونسيون مطرياتهم في العاصمة. ها هو الأمر يتكرّر تقريبا. هدير الحصار المفروض على قطر يرتفع صداه، وهو الذي تفصله عن تونس آلاف الأميال. كما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمناوشاتٍ وملاسنات بين هذا الفريق وذاك، حتى خيل أن تونس دولة جارة للبلدان الخمسة: السعودية والإمارات والبحرين ومصر وقطر، وتلك هي طبيعة النخب التونسية المفرطة في انفعالاتها.

يتذكّر التونسيون أن بلادهم مرّت بأزماتٍ داخلية حادة، لعل أهمها الاغتيالات التي نالت من رموزٍ نضالية وطنية. ولكن، لتونس هشاشةٌ خاصةٌ لما يجري في محيطها، فقد عرفت ما يشبه هذا المناخ، حين وقع الانقلاب المصري. ولم تسلم تونس أيضا من ذبذبات المناخ الخارجي وتداعياته بعد محاولة الانقلاب التركي الفاشل. موقع تونس الرمزي باعتبارها الاستثناء العربي الوحيد الذي صمد من بين دول الربيع العربي، وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية مع مصالح أطراف داخلية يجعلها عرضةً لمثل هذه الارتدادات، حتى لو وقعت بعيدا عنها. إنها جاذبة لتلك الأصداء بشكل استثنائي مثير.

السرديات التي يتم تداولها خلال الحالات المذكورة أن الإسلام السياسي انتهى، وأن "النهضة" مهدّدة بالانقراض ما بين السجن والمنافي. وتقدّم عدة مسوغات لهذا السيناريو المرعب. ولكن هؤلاء يتغافلون عن أن الحالة التونسية مختلفة تماما عن الحالات الأخرى، فقد تمت دسترة الحقوق، بما فيها التي تتمتع بها حركة النهضة وخصومها، فضلا عن مسار التوافق الذي ارتضته جل النخب، وحرص المجتمع المدني على صون التجربة واستبعاد العنف، واستحق عن ذلك جائزة نوبل للسلام. سيبدو كل انحرافٍ عن هذه الثوابت ضد منطق التاريخ. لا يعود الأمر إلى افتقاد المؤسسة العسكرية التونسية تراث نظيرتها المصرية، بل إلى طبيعة النخب ذاتها، وما تحقق من مكاسب، يبدو من المستحيل التنازل عنها، حتى لو استفادت منها "النهضة"، الخصم لعديدين من هؤلاء.

في ظل إعادة سلسلة الاتهامات الموجهة لحركة النهضة، ومحاولة جرّ تونس إلى الاصطفافات الإقليمية الجارية، ستكون لكل ذلك انعكاسات خطيرة على التوافق السياسي في البلاد. وقد تدفع الفرقاء السياسيين إلى خوض صراعاتٍ مؤلمةٍ لا قدر الله. كنا، في أحيانٍ كثيرة، ننقد "التوافق"، وقد يتهمه بعضنا بأنه مغشوش، غير أننا بتنا أكثر اقتناعا في ظل التطورات الحاصلة عربيا، واستتباعاتها الداخلية بأن هذا التوافق سيكون صمام "الأمان". لن تكون تونس لبنان مرة ثانية، ولكنها لن تكون في منأىً عن انعكاس ما يدور على حدودها وفي إقليمها العربي عموما. تحصين الجبهة الداخلية لن يتم بمجرد تأكيد التوافق. ولكن بالمضي في حزمة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، حتى تظل التجربة التونسية ذات جاذبية يدافع عنها أبناؤها قبل أحرار العالم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فطر، محاصرة قطر، دول الخليج، آل سعود، الإمارات العربية المتحدة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-06-2017   المصدر: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
وائل بنجدو، حميدة الطيلوش، رحاب اسعد بيوض التميمي، كريم السليتي، أحمد بوادي، عبد الله الفقير، صباح الموسوي ، محمد يحي، عبد الغني مزوز، د. عبد الآله المالكي، رشيد السيد أحمد، محمد الياسين، د- جابر قميحة، عمار غيلوفي، سامح لطف الله، سلوى المغربي، فتحـي قاره بيبـان، د- هاني ابوالفتوح، إيمى الأشقر، د. مصطفى يوسف اللداوي، منجي باكير، حسن عثمان، محمود سلطان، د. طارق عبد الحليم، رضا الدبّابي، د - صالح المازقي، د - الضاوي خوالدية، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أشرف إبراهيم حجاج، جاسم الرصيف، د - شاكر الحوكي ، صالح النعامي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، المولدي الفرجاني، علي عبد العال، أبو سمية، د.محمد فتحي عبد العال، محمد اسعد بيوض التميمي، خالد الجاف ، أ.د. مصطفى رجب، د. خالد الطراولي ، الهيثم زعفان، خبَّاب بن مروان الحمد، صفاء العراقي، رافع القارصي، عزيز العرباوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الرزاق قيراط ، محمود طرشوبي، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، محمد عمر غرس الله، محمد الطرابلسي، عبد الله زيدان، د- محمد رحال، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الناصر الرقيق، د - مصطفى فهمي، محمود فاروق سيد شعبان، إياد محمود حسين ، تونسي، علي الكاش، د - محمد بن موسى الشريف ، د - عادل رضا، د. صلاح عودة الله ، د - محمد بنيعيش، مصطفى منيغ، مجدى داود، أحمد الحباسي، إسراء أبو رمان، محمد شمام ، العادل السمعلي، د. أحمد محمد سليمان، فهمي شراب، حسن الطرابلسي، د- محمود علي عريقات، رمضان حينوني، ماهر عدنان قنديل، يزيد بن الحسين، محمد العيادي، سفيان عبد الكافي، د. عادل محمد عايش الأسطل، فوزي مسعود ، أنس الشابي، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، سلام الشماع، ياسين أحمد، طلال قسومي، عراق المطيري، سامر أبو رمان ، ضحى عبد الرحمن، نادية سعد، مصطفي زهران، سليمان أحمد أبو ستة، كريم فارق، أحمد ملحم، صلاح المختار، يحيي البوليني، أحمد النعيمي، حاتم الصولي، د. أحمد بشير، فتحي العابد، عواطف منصور، صلاح الحريري، سيد السباعي، عمر غازي، الهادي المثلوثي، مراد قميزة، سعود السبعاني، صفاء العربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محرر "بوابتي"،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة