أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3616
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أخيرا صدر الحكم في قضية الشهيد لطفي نقض، هذا لم يعد مهما بالنسبة لكثير من المتابعين الذين واكبوا أطوار القضية أو بالأحرى ما لف القضية من تداعيات و صراعات حزبية انتهازية قذرة ، كان الكثيرون على قناعة تامة بأن دم الشهيد قد ضاع بين ‘ القبائل’ و أن أحكام القضاء مهما بلغت جرأتها لن تكون إلا مجرد إعلان نوايا كما يقال لان القضاء نفسه يعانى من إهدار دمه من طرف بعض المتكالبين على الكراسي داخل القضاء و خارجه، لم يكن أحد من أكثر المتفائلين في هذه البلاد يظن أن هذا ‘القضاء’ المريض بكل علل الدنيا سينهض من كبوته الطويلة ليحكم في قضية تعمد الطرفان أن تكون قضية سياسية بامتياز و قضية رأى عام بامتياز، ولان القضاء، نفس هذا القضاء المشبوه، لم يكشف اللثام عن حقيقة الشهيدين بلعيد و البراهمى فقد كان للتشاؤم الشعبي محله من الإعراب بعد أن تبين بالمكشوف أن قضاءنا ليس قادرا على إصلاح نفسه و لا على إصلاح عيوب المجتمع، بالنهاية تولد الجبل فولد حكما بعدم سماع الدعوى ظنه البعض انتصارا و دفع البعض بأنه يوم أسود للقضاء .
هناك محامون لبسوا لباس الشياطين و تقمصوا أدوارا قذرة و تناسوا في غمرة فرحتهم بانتصار مؤقت أن القضية تتعلق بدم شهيد و بمستقبل عائلة تركت للضياع و لتشويه سمعتها من بعض القابعين في بعض دكاكين وسائل الاتصال ينفذون مهمة قبيحة تتمثل في تسليط سهام عبثهم اللغوي الهابط على أعراض الناس و على سمعة من لا يروق لهم من المنتقدين لبعض الأوضاع، من هؤلاء سيف الدين مخلوف، و هناك سياسيون انتهازيون خرجوا من النهضة و النداء و بعض الأحزاب الهلامية الأخرى ليفتحوا نار انتهازيتهم الضيقة على أحكام القضاء مرددين عبارات مخجلة و اتهامات باطلة من بينهم عبد اللطيف المكي و وليد الجلاد ، هذه الغربان الناعقة وقعت في المحظور مرات و مرات و لكنها لم تستوعب الدرس و غرتها الدنيا و مباهج المتعة في مجلس النواب فلم تخجل أن تبتهج و تشرب الكؤوس على نخب خروج القتلة من السجن في حين لم يخجل الطرف المقابل من إطلاق النار على القضاء حتى نصدق أنه المدافع الشرس على دم الشهيد و لمرابط الهمام حتى يرجع الحق لأصحابه أو يراق على جوانب الفضيلة السياسية الدم، لقد سقط الكثيرون و كشفت المحاكمة عوراتهم الأخلاقية لان هؤلاء أنفسهم من نادوا دائما باحترام القضاء فتحولوا في لحظة غنيمة بالنسبة للبعض و هزيمة بالنسبة للبعض الآخر إلى مجرد كائنات تدوس على الأخلاق و على القضاء .
من العار و العيب أن تتحرك النيابة متأخرة بملايين سنة ضوئية لتحاسب الصحفي لطفي لعماري بتهمة إهانة القضاء، فالقضاء على حد علمنا مهان من أناسه و من المنتسبين إليه و الذين استمعوا إلى تصريحات القاضي أحمد صواب و غيره لم يصدقوا أن يكون ‘قضاءنا’ بمثل هذه الصورة و لعلهم رجعا بالذاكرة إلى فترة حكم الوزير نورالدين البحيرى حين أحال على ‘التقاعد المبكر’ ما لا يقل عن 85 قاضيا بتهم جزائية مختلفة ، ليبقى السؤال من حرك النيابة و من وراء النيابة و ما سبب هذا التوقيت، فالنيابة تحركت لان الصحفي قد نطق علنا بما يقوله الكثيرون في الزوايا و ما يقوله أفراد الأمن في علانيتهم من أنهم يقبضون على الإرهابيين و القضاء يتكفل بإطلاق سراحهم ليعطيهم فرصا جديدة للانتقام و ضرب المؤسسة الأمنية، فأين وجه الاتهام في هذا التصريح الذي ينقل حقيقة يعرفها المتابعون منذ ما بعد الثورة ، و لعل اكتشاف علاقة قلم التحقيق بإحدى الإرهابيات الفاجرات قد زاد في الطين بلة و لم نعد نفهم من هو حاميها و من هو حراميها، لذلك نتساءل من باب الدهشة هل تحول القضاء إلى دكان تباع فيه كل المصالح و الحقائق و هل أن تبرئة قتلة لطفي نقض هو استهزاء من مشاعر المواطنين و بالذات من عائلة الشهيد ، و ماذا سيحدث لو تم نقض الحكم في الاستئناف بل هل سنشهد نفس الفرحة البائسة على وجه ‘مخلوف’ و المكي و بقية الذين صفقوا لحكم البراءة المغشوشة .
يا قاتل الروح وين تروح ، و الله يمهل و لا يهمل و الذين تنكروا للشهامة و الرجولة بان تعالت زغاريدهم بالثناء على حكم البراءة مدعين زورا و بهتانا أنهم أبرياء من دم الشهيد براءة الذئب من دم يعقوب لا بد أن يتذكروا أن الله لن يغفل و سيقضون بقية عمرهم في استعادة مشاهد السحل و القتل و الدم، هؤلاء الذين شمتوا في عائلة الشهيد و جلدوا سمعتها بألسنتهم القذرة سيكتشفون في نهاية المطاف كيف أنه لا حائل يوم القيامة و لا عاصم من قصاص عادل و يوم تتكلم حواسهم لتكشف خفاياهم سيندمون و يعضون على أصابع الخجل و الندم و لكن الأوان قد فات و جيء بهم صفا صفا لينالوا الجزاء العادل ، اليوم يوم كشف هذا القضاء الهزيل انه خارج عن سياق الثورة و غير قادر على حماية مصالح الشعب ، و اليوم يتأكد الجميع أن مسار العدالة الانتقالية يحتاج إلى أن يقدم بعض القضاة للمحاكمة لأنهم ساهموا في مسالة استمرار الاستبداد و الخراب و من العيب أن لا يحال بعضهم على الأقل على محاكم الشعب من باب إرجاع الحق لأصحابه، يبقى أن ترفع محكمة الاستئناف هذه المظلمة و تقدم لآهل الضحية و للرأي العام هوية القتلة مهما كان انتمائهم و مهما كانت التهديدات .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: