البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

سلام على شهداء رابعة في العالمين

كاتب المقال سليم عزوز   
 المشاهدات: 2826



كنتُ أعتقد أن ثلاث سنوات مضت على ارتكاب مجزرة "رابعة" كافية لأن تزيل آثارها في نفسي، أو على الأقل أن تخفف من وطأتها، وتحد مما كانت تسببه لي في أيامها الأولى عندما أتكلم عنها، ومن حزن عميق، أجد أثره دموعا في عيني.

لكن ها هي التجربة تثبت بمجرد كتابة اسمها، "رابعة"، أن ما اعتقدته لم يكن صحيحاً، فذكرني حالي الآن بحالي وأنا أتحدث عنها في برنامج "على مسؤوليتي" بمناسبة مرور أربعين يوم عليها، على قناة الجزيرة مباشر مصر، إذ تمكنت يومها طيلة البرنامج من حبس دموعي، لكني شعرت بأن كل ذرة في كياني كانت تبكي.

ماذا في "رابعة" يجعلني هكذا، وبعد مرور ثلاث سنوات على ارتكاب هذه المجزرة؟ ولا يوجد من بين ضحاياها صديق، أو زميل، أو قريب، أو "معرفة"؟.. ماذا فيها ولم أزرها قط، فقد كنت مثل هذا الصوفي، الذي وصف حالته وعدم قدرته لزيارة حبيبه في المدينة المنورة، بأنه عليل من الزوار عوقه ذنب؟! كل ما ربطني بها، لا يزيد عما شاهدته عبر الشاشات، وما نقله لي الأصدقاء ولم ترصده الكاميرات على كثرتها، عن أناس بسطاء جاءوا من محافظات مصر وقراها، إلى نقطة الضوء هذه، وكثير منهم كانوا رقيقي الحال، وقد حملوا معهم طعامهم البائس في شهر رمضان، فإذا بإفطارهم "مش"، ولقيمات من خبز ناشف معد للاستخدام لفترات طويلة.

لا يعرف هؤلاء "الشرعية"، و"قيم الديمقراطية"، و"إرادة الصندوق"، لكنهم جاءوا انحيازاً لنصرة المظلوم، ولحاكم أشعرهم بأنه واحد منهم، وقد كان بالفعل كذلك، وقد انحاز لهم، فانحازوا له بعفوية وتلقائية، ورأوه رجلاً صالحاً تكالب عليه السفهاء، فوجبت نصرته، بدون فلسفة، وبدون حسابات ترهق الوجدان، فوجدانهم صاف، ويقينهم ثابت، والبال هادئ، لم تعكر صفوه "نطاعة المتنطعين".

كان في "رابعة" أناس من خارج دائرة السياسة، وربما لم يشاركوا في ثورة يناير وفي كل موجاتها الثورية، ربما كانوا يبحثون عن لحظة يقين، فكانت "رابعة" هي هذا اليقين لأنها معركة الحق، فأدهشني ما ذكره لي صديق كان في استقبالي في المطار بعد أسبوعين قضيتهما ضيفاً على قناة "الجزيرة" من أنه يومياً هناك.. ومثار دهشتي، أنه لم يكن مؤيداً لحكم الرئيس، وكانت الدهشة الأكبر عندما أخبرني أن شقيقته التي لم تكن تهتم بالسياسة لها خيمة في "رابعة" تتركها وتذهب لعملها فيجلس فيها أبناؤها في انتظار أن تعود إليها.

كان ما لم ترصده الكاميرات، له أبلغ الأثر عندي مما رصدته ونقلته للمشاهد الذي كان يسهر طوال الليل، على هذه الحالة التي تمثلها "رابعة"، التي مثلت في الإدراك العام، قطعة من الجنة، ظهرت فجأة على سطح الأرض.

طلب مني أكثر من صديق أن أذهب إلى هناك، لكن "ما حيلتي والعجز غاية قوتي" ففي كل مرة كنت أهم فيها بزيارة "رابعة" أتراجع، وإلى الآن لا أعرف إن كان سبب هذا أنني سألتقي هناك بمن ظلمني، ولم تبرأ نفسي بعد.. أم إنني لم أشأ أن أرى في العيون نظرة إكبار منهم لشخصي وقد ترفعت عن ما حدث لي ووقفت ضد الانقلاب قبل وقوعه، وضد حملة تمرد، و30 يونيو، بل وضد الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.

كان موقفي المبكر ضد الانقلاب، هو قسمتي فيما أملك، وكانت زيارتي لـ"رابعة" خارج هذه القسمة لأنه مرتبط بالقلب الذي لم يكن صافياً وقتها.

كل ما ربطني برابعة عملياً، هو مجرد ذكر اسمي في أحد لياليها على منصتها، وهو ما ذكره لي بعض الزملاء، وهم يطلبون الانضمام لحركة "صحفيين ضد الانقلاب"، ولم أكن أكثر من موقع على بيان تأسيسها، عندما عرض علي مؤسسها التوقيع، وقد توارى في يوم تلاوة البيان، وإذ قدم "رامي جان"، للمنصة لأنه مسيحي، فظني أن إعلان اسمي كأول اسم للمؤسسين، له علاقة بأنني كنت الأكبر سناً بين الموقعين، وربما لأنني مختلف مع الجماعة وحكمها، وكان الإعلان بهذا الشكل، لمواجهة دعاية الانقلاب بأن كل من يرفضونه ويؤيدون الرئيس المختطف هم من الإخوان!

كانت ماكينة التشويه تعمل ضد المعتصمين في "رابعة" ووصل الانحطاط بالانقلاب وإعلامه أن قالوا إنه يوجد "زواج نكاح هناك"، وإن هذا الاعتصام مسلح، وهناك من ذهبوا ليروا حقيقة هذه الدعاية، فإذا بهم يبقون هناك، وكأنهم السلام النفسي الذي كانوا يبحثون عنه.

لكن في المقابل، فإن دعاية الابتزاز كان تريد الوقوف عما إذا كان الاعتصام مسلحاً فعلاً أم لا؟.. وتمت دعوة الإعلاميين للوقوف على خلو "رابعة" من السلاح، كما جاءت الوفود الغربية لهذا الهدف، فلما تؤكد أنه ليس اعتصاماً مسلحاً كان القرار بفضه بقوة السلاح!

كنت نائما عندما أيقظني زميل صحفي، قال إنه يتصل بي من "ميدان النهضة"، بعدما علم أن الفض قد بدأ، فلم يجد أحدا هناك، لكنه يرى أمامه جثامين متفحمة، وكأنه جرى إشعال النيران فيها، وهو ما وقف عليه الجميع بعد ذلك!

في "رابعة" تم استدعاء الكلاب لتأكل هذه الجثامين، ربما لأن قائد الانقلاب كان يريد أن يواري سوأته، فاته أن الكلاب لا تأكل لحوم البشر، التي استباحها هو، فكان القرار بحرق الجثث، فبقيت شاهداً على جريمته ضد الإنسانية!

"لم يزعجني" إجرام السيسي، فلما نكن نعرف أنه إنسان، لكن كان المزعج بالنسبة لي أن ساسة، أيدوا هذا الإجرام وناصروه، مع أنهم كانوا معنا كتفاً بكتف في ميدان التحرير ضد مبارك، وضد حكم العسكر!

كانوا يتحدثون من موقع المنتصر، ويعلنون الشماتة، ونقلت إحدى الشاشات صوتا لناشطة يسارية معروفة، وهي تشمت في هذه الدماء، بعد ذلك شاهدنا "حرقة قلبها" على ابنها وبنتها وقد اعتقلهما الانقلاب ومات زوجها كمداً، وهو صاحب موقف مغاير لموقفها فلم يتخل عن إنسانيته في هذا اليوم. وسخر علاء عبد الفتاح (مسجون الآن) من الدكتور محمد البلتاجي، ولم يراع مصابه الأليم في كريمته "أسماء"، التي لم تبع القوم في "محمد محمود"، فقد كانت حاضرة ومناضلة في "محمد محمود" وفي كل موجات الثورة المصرية.

وكتب "علي دومة" شيئا من هذا القبيل (مسجون أيضا) يبارك قتل "الكلاب الإخوان".

وهناك من لم يؤيدوا هذه العملية الإجرامية، لكنهم صمتوا في موقف لم يكن يليق أبداً الصمت فيه، فعندما ترتكب مجزرة بهذا النحو وهذا الحجم، وعندما تستباح الدماء، فإن الإدانة تكون هي أضعف الإيمان وما دونها هو تواطؤ، ويجوز التواطؤ بالصمت!

إن"رابعة" كانت نقطة فاصلة، ميز الله بها الخبيث من الطيب، والبشر من الحجر، والكائن الحي عن الجماد الذي لا يتأثر ولا يتألم، فارتفعت بشهدائها رمزا عالمياً لا يضرها من ضل.

سلام على شهداء رابعة في العالمين

---------
تم تحوير العنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

مصر، الثورة المضادة، إنقلاب السيسي، مجزرة رابعة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 15-08-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مجدى داود، أحمد الحباسي، د. خالد الطراولي ، عبد الله الفقير، جاسم الرصيف، خبَّاب بن مروان الحمد، مراد قميزة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- هاني ابوالفتوح، علي عبد العال، محمود طرشوبي، د- جابر قميحة، عواطف منصور، د - محمد بنيعيش، إيمى الأشقر، أ.د. مصطفى رجب، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الله زيدان، يزيد بن الحسين، محمود فاروق سيد شعبان، عمر غازي، سليمان أحمد أبو ستة، رافع القارصي، عزيز العرباوي، د - صالح المازقي، سعود السبعاني، د - المنجي الكعبي، فتحي العابد، الناصر الرقيق، وائل بنجدو، كريم فارق، صفاء العربي، أحمد بوادي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محرر "بوابتي"، صفاء العراقي، يحيي البوليني، صباح الموسوي ، نادية سعد، أحمد النعيمي، محمد العيادي، رشيد السيد أحمد، الهيثم زعفان، محمود سلطان، حميدة الطيلوش، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سلوى المغربي، طلال قسومي، عراق المطيري، إسراء أبو رمان، رمضان حينوني، سامر أبو رمان ، حسن الطرابلسي، مصطفى منيغ، أحمد ملحم، رافد العزاوي، رضا الدبّابي، الهادي المثلوثي، صالح النعامي ، سيد السباعي، د. أحمد محمد سليمان، فوزي مسعود ، محمد شمام ، محمد أحمد عزوز، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- محمود علي عريقات، مصطفي زهران، تونسي، علي الكاش، محمد الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، محمد الياسين، عمار غيلوفي، د. طارق عبد الحليم، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد يحي، عبد الرزاق قيراط ، د - عادل رضا، فهمي شراب، د. ضرغام عبد الله الدباغ، إياد محمود حسين ، فتحـي قاره بيبـان، ياسين أحمد، خالد الجاف ، فتحي الزغل، عبد الغني مزوز، حاتم الصولي، محمد اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، المولدي الفرجاني، العادل السمعلي، ماهر عدنان قنديل، د. عبد الآله المالكي، سامح لطف الله، كريم السليتي، منجي باكير، د. عادل محمد عايش الأسطل، أشرف إبراهيم حجاج، أنس الشابي، أبو سمية، صلاح المختار، سلام الشماع، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صلاح الحريري، د - شاكر الحوكي ، د. أحمد بشير، د. صلاح عودة الله ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- محمد رحال، د - مصطفى فهمي، سفيان عبد الكافي، د - الضاوي خوالدية، ضحى عبد الرحمن، حسن عثمان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة