البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

بيانية العقل المسلم والغرب

كاتب المقال د. حسان عبد الله   
 المشاهدات: 3142



اتصل المسلمون بالغرب في العصور الإسلامية الباكرة، فعرفوا حضارته واستوعبوها، دون أن يتأثروا بها في تصوراتهم ورؤاهم الأساسية، وذلك بفضل القوة النفسية من ناحية، وامتلاك القدرة المعرفية والمنهجية المستمدة من الرؤية الكلية المستقلة والمتفردة والتصور الحضاري الشامل من ناحية أخرى. ثم تجاوز المسلمون حضارة الغرب، وأسسوا حضارة عرفت في التاريخ الإسلامي ونسبت إلى عقيدتهم ودينهم وهي “الحضارة الإسلامية”.

ثم كان اللقاء الثاني على “خوف من الغرب وفكره وعمله”، والذى تزامن مع التراجع الحضاري للعقل المسلم وإصابته بالجمود والذبول الفكري، وفقدانه لقوته النفسية وقدراته المعرفية والمنهجية الذاتية الدافعة – والذى تجاوز في خطورته فقدان مؤسسة الخلافة ذاتها – هذا مع بروز التفوق الغربي في مجال العلوم والاكتشافات العلمية، أو ما يمكن أن نسميه بـ”الأرصدة المادية للحضارة”، وتزامن ذلك – أيضًا – بالاحتلال الغربي العسكري للعالم الإسلامي المفكك سياسياً وفكرياً، فكان “الاستدراج” الفكري والثقافي أداة الغالب، والاستتباع حيلة المغلوب وحالته.

تحرك العقل المسلم إزاء هذا الاتصال الثاني بالغرب حركتين: الأولى، حركة الخائف والمتوجس من “الانصهار” و”الذوبان” في نهر التفوق الغربي، وسارت هذه الحركة في مسارين أساسيين:

الأول : تمثل في اتجاه التعبئة والتحذير للعقل المسلم من “الاستلاب” و”الغزو الفكري والثقافي” و”التغريب” كما عند رشيد رضا ومحب الدين الخطيب ومصطفى صبري وجلال آل أحمد.

والمسار الثاني: تبنى دعوة “المقاومة” و”استعادة الهوية” في مقابل “الآخر”، فظهرت في صورة ردود تحمل عناوين “الإسلام والمدنية”,”الدين والعلم” كما عند محمد عبده ومصطفى الغلاييني وأحمد عزت باشا أو في دعوات تجديدية كما عند محمد إقبال .

أما الحركة الثانية للعقل المسلم، فهي حركة يبدو فيها طابع “التسليم” بتفوق الحضارة الغربية وتفوق حضارته ونهضته، وسارت هذه الحركة – أيضاً – في مسارين:

الأول – حاول التوفيق بين عناصر الذات الأصيلة وما أنتجه الفكر الغربي من نظريات واكتشافات تحت عنوان “التوفيق” بين منجزات هذه الحضارة وبين المبادئ الإسلامية كما عند الطهطاوي ، أما المسار الثاني – فاتخذ من منهجية “النقل والاقتباس” طريقًا لاستعادة الدور والمكانة، وهو ما عرف بمسار “التغريب” ويظهر جليًا عند طه حسين وإسماعيل مظهر ونامق كمال ومدحت باشا ورضا خان.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر مسار آخر في تناول وقراءة الفكر الغربي، يقوم على الانطلاق من الذات، ومن استحضار القوة الدافعة الوجدانية، مع امتلاك المنهجية المعرفية الذاتية، وذلك بهدف تحقيق الاستيعاب القائم على التبصر والبصيرة الحضارية. ومن الذين أسسوا لهذه “المدرسة الحضارية” مرتضى مطهري ومحمد حسين الطباطبائي في “أسس الفلسفة والمذهب الواقعي”، ومحمد باقر الصدر في “فلسفتنا” و”الأسس المنطقية للاستقراء”، وعلي شريعتي في “العودة إلى الذات”، وعلي عزت بيجوفيتش في “الإسلام بين الشرق والغرب”, ومراد هوفمان في “الإسلام كبديل”، وغيرهم ممن ساهموا في تأسيس قراءة معاصرة للفكر الغربي لا تقوم على “الخوف” أو “التعبئة” أو “الاستلاب” أو ” التلفيق”، بل تقوم على تأسيس منظور حضاري قائم على الانفتاح على الآخر واستيعابه، انطلاقًا من الثوابت الحضارية التي قامت عليها للشخصية المسلمة، واستهدافًا لاستعادة الدور والمكانة وفقًا لهذه الثوابت الحضارية.

إن مفردة “الغرب” والموقف منه، ومنهجية التعامل معه تعد أحد أهم العوامل في مسار الإصلاح الحضاري، ولا ينبغي تجاهله، أو الارتماء في أحضانه والتماهي مع مشروعه المادي، ومن ثم فلابد لمراكز التفكير والبحوث في أمتنا أن تتابع جهود الإصلاح المعرفي لاسيما في هذا المحور (التعامل مع الغرب) ومتابعة المنهجيات المطروحة التي تنطلق من رحم هذه الأمة، ومن مصادرها الأصيلة، ومراكز تفكيرها وهي في ذلك عليها أن تمتلك معرفتين أساسيتين.

الأولى: معرفة الذات الإسلامية (عقيدتها، حضارتها، ثقافتها) حق المعرفة من خلال العلم والدراسة بهذه الذات.

الثانية: إدراك الثقافة العلمية المعاصرة وروح العلم الحديث، والاستفادة بكافة منجزات الحضارة الغربية المعاصرة.

ويطرح عبد الوهاب المسيري (1938-2008م) رؤية معرفية لدرس الفكر الغربي تحت عنوان (مشروع رؤية نقدية للفكر الغربي) والذي أكد فيه أن كل من يود أن يطور مشروعًا معرفيًّا مستقلًا عليه أن يبدأ شاء أم أبى بنقد المشروع الغربي نظرًا لذيوعه وهيمنته ويمكن لهذه العملية النقدية أن تُنجز بالبحث والدرس المعرفي في مراكز التفكير كما يلي:

أ_ تأكيد نسبية الغرب.

ب_ تراجع المركزية الغربية.

ج_ أزمة الغرب.

وهذه العمليات تنجز من خلال إدراك الفكر الغربي الاحتجاجي أو المضاد، وعلم الأزمة، والدراسات النقدية في خصوصية الحضارة الغربية.

ويقدم _أيضًا_ علي شريعتي خطة علمية وفكرية تتحدد من خلالها مسارات معرفية وبحثية في درس الفكر الغربي الحديث والمعاصر، تتمثل في العناصر التالية:

أ – دراسة تاريخ الغرب مع العناية أكثر بالتطور الاجتماعي وتطور الحضارة الأوروبية.

ب – مسيرة الحركة الفكرية في الغرب، مع العناية بعصر النهضة حتى عصرنا الحاضر، والتركيز على الموضوعات الكلية الجامعة التالية:

– معرفة عصر النهضة، والأبعاد الاقتصادية (والطبقات البرجوازية ونموها، والتجارة العالمية وعلاقتها بالشرق الإسلامي أي جذورها الثقافية والفكرية).

– معرفة البروتستانتية عند (لوثر وكلفن) مع مقارنتها بالإسلام، والدور الذي لعبته في تنمية الحضارة الصناعية والنضج العلمي والمادي في أوروبا.

– معرفة أسس البنية الفكرية والثقافية للغرب المعاصر (بيكون، وكانت، وديكارت، وهيجل، وفيتشه، ونيتشه، واشبنجلر، واسبينوزا، وباسكال، وهايدجر، وسارتر، …).

– معرفة الأحداث الاجتماعية والمفكرين السياسيين الاجتماعيين في الغرب: (الثورة الفرنسية الكبرى، الثورة الصناعية في إنجلترا، …). (إبراهيم الدسوقي، الثورة الإيرانية، القاهرة، الزهراء للإعلام العربي، ط2، 1988م، ص182).


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

نظرية المعرفة، الغرب، التبعية للغرب، العقل المسلم، النقد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-05-2016   المصدر: إسلام أون لاين

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حميدة الطيلوش، عبد الله الفقير، سعود السبعاني، الهيثم زعفان، أحمد ملحم، مجدى داود، حاتم الصولي، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، محمد الياسين، صالح النعامي ، محمد اسعد بيوض التميمي، سيد السباعي، سفيان عبد الكافي، تونسي، فتحي العابد، ياسين أحمد، فوزي مسعود ، محمد شمام ، محمود سلطان، فتحـي قاره بيبـان، محمد العيادي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - المنجي الكعبي، علي الكاش، إسراء أبو رمان، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد بوادي، الهادي المثلوثي، محمود طرشوبي، عمر غازي، محمد أحمد عزوز، عزيز العرباوي، عراق المطيري، أ.د. مصطفى رجب، صلاح المختار، أحمد الحباسي، جاسم الرصيف، رشيد السيد أحمد، طلال قسومي، د- محمود علي عريقات، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- جابر قميحة، إيمى الأشقر، سامح لطف الله، علي عبد العال، محمد عمر غرس الله، د. خالد الطراولي ، د. أحمد محمد سليمان، الناصر الرقيق، عواطف منصور، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الغني مزوز، أحمد النعيمي، فهمي شراب، محمد يحي، د. أحمد بشير، محمود فاروق سيد شعبان، د. طارق عبد الحليم، وائل بنجدو، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مصطفى منيغ، حسني إبراهيم عبد العظيم، نادية سعد، خالد الجاف ، حسن الطرابلسي، كريم فارق، منجي باكير، إياد محمود حسين ، يزيد بن الحسين، صفاء العربي، سلوى المغربي، فتحي الزغل، رافد العزاوي، سليمان أحمد أبو ستة، صلاح الحريري، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، كريم السليتي، ضحى عبد الرحمن، د- هاني ابوالفتوح، عبد الرزاق قيراط ، د. عبد الآله المالكي، يحيي البوليني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسن عثمان، د.محمد فتحي عبد العال، د. صلاح عودة الله ، سامر أبو رمان ، عمار غيلوفي، د - مصطفى فهمي، د - شاكر الحوكي ، د - صالح المازقي، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بنيعيش، العادل السمعلي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مراد قميزة، رمضان حينوني، د- محمد رحال، د - عادل رضا، أبو سمية، مصطفي زهران، عبد الله زيدان، صفاء العراقي، المولدي الفرجاني، محرر "بوابتي"، رضا الدبّابي، سلام الشماع، صباح الموسوي ، رافع القارصي، د - الضاوي خوالدية، محمد الطرابلسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة