البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"القيومية" "والسببية" وأساس بناء التدين

كاتب المقال سيكو مارفا توري   
 المشاهدات: 2987



الدين هو المعيار الأول لمقياس أعمال المؤمن، وعلى ضوء التعاليم الدينية يَقدُم المسلم أو يحجم! لكن على أي أساس يبني الدينُ نفسُه تديّنَ المسلم؟ أيقول لك الدين: اتخذ الأسباب ثم ادع، أو اعتمد على الدعاء، وحسبك الله؟! فكّر في تكاليف الأولاد قبل الخلفة، أم خلّف دون التعرض لتبعات الأمر، فالرزق بيد الله؟! لدراسة ذلك نقف على بعض ما يأتي:

العلم بين الوحي والعقل:

معرفة المجهول تتم بإدراك كُنهه وحقيقته عبر مصادر المعرفة ووسائله. ووسائل الإدراك هي السمع والبصر والفؤاد: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً." ومصادر المعرفة اثنان: أولهما الوحي والمعني بهداية الخلق إلى ربهم وإرشادهم؛ ولا يهتم بكشف حقائق الطبيعة للبشر، كبناء بيت وصنع طائرة..، وترك ذلك للناس. والمصدر الثاني من مصادر المعرفة هو الكون وما فيه من ظواهر، ويشترك جميع البشر في هذا، بخلاف الأول؛ إذ لا يتوقف الإدراك به على إيمان أو وحي. وأقره الإسلام في أدلة وجود الله والإيمان عموماً. "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.. لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يعقلون" " أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"، ومن هنا ربط القرآن العلم والفهم والكشف بـ التعقل والتفكر والتدبر في هذه المصادر.

هل العلاقة بين العقل والوحي كدوامة البيضة والدجاجة؟

لعل قاعدة "العقل الصحيح لا يعارض النص الصحيح الصريح" لا معنى لها واقعيا؛ إذ إن الإقرار بهذه القاعدة يحتاج أولا إلى إيمان، كما أن في تحديد العقل الصحيح إشكالية أخرى. على أن المشكلة تبدأ لدى التعارض، لا لدى الاتفاق. وعليه، فلعله لا معنى حقيقةً بعد ثبوت العلم لطريقة ثبوته؛ أبالوحي أم بالعقل؟ وتصبح القضية من بعد ثانوية. لكن أيهما الأوّل والأولى؛ يدخل الإنسان في دوامة البيضة والدجاجة؛ وذلك في ظل اهتمام تركيز كلٍّ بجانب مغاير.

إشكالية العقل والوحي في ثوبه الجديد:

من المضوعات التي أصبحت من المسلمات باسم العلم الاطمئنان على جنس الجنين بخبر الطبيب وأجهزته، وأن درجة الزلزال والفيضان في المنطقة الفلانية ستكون كذا في وقت كذا، والحديث عن التلوث البيئي وأنه أمر قطعي، وقلة الماء في الكون مقارنة بالطلب الإنساني له، بل والإيمان بأن عدد السكان أكثر من المصادر الموجودة في الكون وغيرها.. فلعل مثل هذه الأمور التي يتم الحديث عنها باسم العلم التطبيقي أو الطبيعي نتيجة التطور العلمي إلى درجة ما لا ينكر؛ من الإشكالات الحديثة التي توقظ من جديد إشكالية العقل والوحي؛ نظرا إلى أن الوحي له موقف معين تجاه هذه الأمور؛ إذ ثمة عناية ربانية، لا يهتدي لها العلم التطبيقي.

الإيمان بقيومية الله:

يقتضي الإيمان بالله تعالى وصفَه بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص، وذلك دلالة الربوبية والألوهية. وعليه، فإن المسلم يعتقد أن كل شيء في الكون بقدرة الله ومشيئته، وأن الله حي قيوم، وأنه كل يوم في شأن وتدبير. لا ضار ولا نافع إلاهُ. وعليه يتوكل المسلم وبه يستعين. وإن الله يصنع الصانع وصنعته. ومن هنا يرتبط القلب بالله، ولا يريد إلا رضاه، ولا يدعو إلاهُ؛ لذا يؤمن بالبركة، وبالتوكل، وبالعناية الربانية وغيرها!

الإقرار بسنة السببية:

لكن في الوقت نفسه، لا معنى للكلام السابق إلا باتخاذ الأسباب غالبا؛ وليس ذلك تناقضا لما قيل، بل إن الله ربط القيومية باتخاذ الأسباب"سنة السببية"؛ لذلك يُعرف عكس هذه العادة بالخوارق كمعجزة وكرامة أو استدراج. ومن هنا: لا معنى لطلب الرزق من الله دون عمل، "فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة". ولا معنى للتوكل دون جهد؛ "اعقلها وتوكل". ويستوي المؤمن وغير المؤمن في السببية، بخلاف القيومية. ولا تعرف السببية -ظاهريا- البركة والتوفيق والتضرع (1+1= 2.)

إشكالية الفصل بين القيومية والسببية:

من ذلك أنه يمكن أن يحقق الكافر مأربه باتخاذ أسبابه، وينجح في ذلك رغم كفره، ولا يحقق المؤمن مأربه بالقيومية مع انعدام الأسباب، والحضارة المادية خير دليل.

وهذا يجعل السببية أقرب إلى عين الإنسان من القيومية بحكم المادة، "كلا بل تحبون العاجلة".

ومن الإشكالية أن عدم التريث والتفطن يجعل الإنسان مغرورا؛ "إنما أعطيته على علم" اتخذت الأسباب فحققت ما أريد، وظالماً "أنطعم من لو يشاء الله أطعمه" وربما ينحدر الإنسان بذاك نحو الإلحاد "ما علمت لكم من إلهي غيري" "أليس لي ملك مصر."

ومن الإشكالية أيضا التصوف السلبي، والزهد العجزي، والتقليل من شأن رسم خطط عملية لمئات السنين، وعدم اتخاذ الأسباب باسم القدر أو القيومية.

ومنه أيضا التخدير وعدم الجدية في العمل، والاهتمام بالشكليات وسفاسف الأمور، ومحاولة إنجاز ما ينجزه الغير بأوهن الأسباب وأقل الخسائر، والظن بذلك أن الأسباب اتخذت.

بماذا يربط المسلم تدينه؟

حث الإسلام في كثير من الآيات والأحاديث على الزواج مثلا، وعلى التعددية لتكثير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكن هل المسلم مطالب بربط هذه الآيات والأحاديث (قدر وقيومية) بما هو ظاهر من أعباء الزواج، ومسؤوليات الأولاد، أم عليه أن يعقلها، ويعرف مدى أهبته واستعداده الواقعي لذلك "السببية."؟! وحث الإسلام أيضا على الدعاء (قيومية) لكن شرط فيه ولا تعتدوا "السببية"، يعني "ولا تعتدوا" لا تدعو بأشياء غير ممكنة عادة كإرجاع الشيخ شابا، وأن تكون باريس عاصمة إيطاليا! وهل يعد المسلم ما استطاع من قوة، أم يدعو اللهم دمر وزلزل وأهلك؟!

يُرى أن في العمل بالسببية فقط كفران، والعمل بالقيومية فقط نقصان، والإنسان سيقدم على هذا أو ذاك وفق ظرفه، والمؤمن الحق من وُفق لخير الأمرين، والدنيا ليست في الحقيقة إلا التنازع بين هذا وذاك، "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم "


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الفكر الإسلامي، التفكير الإسلامي، تأملات، الفاعلية، السببية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-04-2016   المصدر: نوافذ / بوابة الإسلام اليوم

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. أحمد محمد سليمان، عواطف منصور، محمد الطرابلسي، د- محمود علي عريقات، د. عبد الآله المالكي، الهيثم زعفان، الناصر الرقيق، د. مصطفى يوسف اللداوي، صفاء العراقي، وائل بنجدو، كريم فارق، أبو سمية، محمود طرشوبي، محمود فاروق سيد شعبان، محمد يحي، رشيد السيد أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، إسراء أبو رمان، د - الضاوي خوالدية، فتحي الزغل، صباح الموسوي ، د - صالح المازقي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، إياد محمود حسين ، عبد الله زيدان، د.محمد فتحي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمد رحال، أنس الشابي، سلوى المغربي، مجدى داود، د - مصطفى فهمي، فتحـي قاره بيبـان، مصطفى منيغ، تونسي، العادل السمعلي، د. طارق عبد الحليم، أحمد الحباسي، محرر "بوابتي"، فتحي العابد، رافع القارصي، د - محمد بنيعيش، صفاء العربي، ضحى عبد الرحمن، سلام الشماع، د - محمد بن موسى الشريف ، د- جابر قميحة، فهمي شراب، د. أحمد بشير، أحمد النعيمي، منجي باكير، مراد قميزة، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، علي الكاش، محمد أحمد عزوز، د. صلاح عودة الله ، صالح النعامي ، الهادي المثلوثي، أشرف إبراهيم حجاج، سعود السبعاني، عمر غازي، محمد الياسين، جاسم الرصيف، رحاب اسعد بيوض التميمي، يزيد بن الحسين، رضا الدبّابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أ.د. مصطفى رجب، يحيي البوليني، علي عبد العال، مصطفي زهران، محمد شمام ، عزيز العرباوي، أحمد بوادي، د - شاكر الحوكي ، أحمد ملحم، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فوزي مسعود ، د - المنجي الكعبي، صلاح المختار، إيمى الأشقر، عبد الله الفقير، رافد العزاوي، طلال قسومي، ماهر عدنان قنديل، حميدة الطيلوش، ياسين أحمد، محمد عمر غرس الله، سفيان عبد الكافي، د - عادل رضا، د- هاني ابوالفتوح، خالد الجاف ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الرزاق قيراط ، رمضان حينوني، محمد العيادي، محمود سلطان، عراق المطيري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامح لطف الله، نادية سعد، المولدي الفرجاني، صلاح الحريري، كريم السليتي، حاتم الصولي، محمد اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، عمار غيلوفي، سامر أبو رمان ، سيد السباعي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة