البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تصحيح على الشيخ المختار السلامي في تفسيره

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5827


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


نشر الشيخ محمد المختار السلامي المفتي السابق للجمهورية في أواخر أربع سنوات من عهد الرئيس بورقيبة والعشر سنوات الأولى من حكم خلفه المخلوع كتاباً في تفسير القرآن الكريم، قضى في تأليفه على ما يقول العالمون به أكثر من عشر سنوات؛ وليست بالكثير على القرآن الكريم وتفسيره ضبطاً وتدقيقاً وإخراجاً وتحقيقاً.
ولكن جاء هذا التفسير في صورة، يقول عنها العالمون كذلك بظروف نشره وتوزيعه، على غير ما كان ينبغي من إخراج يعرفونه في النشرات البيروتية والمصرية وفي المشرق العربي عامة وحتى التونسية كالتفسير الذي نشرناه قبل عامين للشيخ المرحوم الصادق بلخير السياري، عالم باجة وإمامها، بجهد فردي متواضع دون مرور بدار نشر متخصصة في أمثاله من التفاسير.
ودون أن نُحدِّث عن الطبعات الممتازة من التفاسير في سائر العالم الإسلامي كتركيا والهند وفي بعض عواصم أوروبا وأمريكا دون أن ننسى قريباً منا الجزائر، التي كرم أخيراً وزيرها للشؤون الدينية التفسير العظيم للشيخ التواتي بن التواتي من مدينة الأغواط.
والذين يعرفون الشيخ السلامي في بنك الزيتونة يقود الهيئة الشرعية للصيرفة الإسلامية مع خبرته الطويلة السابقة في بحر المالية الإسلامية وبنوك للتنمية والإقراض الحسن، وما الى ذلك من أعمال ربحية، يعرفون أنه لم يكن في سعة من وقته ليصرفه كله لهذا التفسير. ولذلك ربما يكون أبطأ فيه ولما عاجله الداعي لنشره على نحو من الأنحاء يضمن خروجه في حياته لم يتأخر في الدفع به، لا الى دار سحنون مثلاً في تونس التي نراها قد تخصصت في جانب من نشرها للكتب التراثية، بل الى غير دار مختصة في الطباعة والنشر لهذا النوع من الكتب، الى دار للتسفير باسم "مطبعة التسفير الفني". فكأنها هي التي قامت بطبعه ولم تحظ دار سحنون بما سوى توزيعه. إذ من الغريب أن يصدر دون تحديد مكان طبعه وإن كان اسم "دار التسفير الفني" وأرقام هواتفها توحي بأنها من صفاقس.
فكأنما أراده صاحبه أمةً برأسه تأليفاً وطباعة وتسفيراً، وكأنما دار سحنون التي قد تكون راودته على نشره لم تظفر منه بسوى التوزيع على أمل منحِه إياها طباعتَه مستقبلاً بإخراج هو إخراجها المعهود بالاشتراك مع بعض دور النشر البيروتية. فكأنما بحسب التقدير هي طبعة أولى تجريبية لم يرد صاحبها أن تخرج عن دائرة إرادته بما فيه الكفاية بكل تفاصيلها ليملك حقها بكامله لنفسه. ومن هنا تحديده سعر بيعه غير المتناسب مع ثمنه الحقيقي، أو حتى بالمقارنة بين بيعه في تونس وبيعه في الخارج كما هو مسجل على ظهر التغليف وهو 40 د. بتونس أو 40 أورو أو 40 دولار بالخارج.
ومن حقه أن ينافس تفسيره التفاسير التي في حجمه وتباع بتونس، مشرقية أو حتى تونسية صرفة طباعة وإخراجاً، كتفسير الشيخ الصادق السياري الذي نشرناه أخيراً الى أقل من الخمس من سعره. ولكن هذه المنافسة يصبح لها اسم آخر إذا كانت كمية السحب بنسبة واحد من ستة كما في حالة هذا التفسير للشيخ السلامي، مع تقدير رواجٍ له في محيط الأعمال والمال الذي توفره له صفته الاعتبارية أو الوظيفية في البنوك الإسلامية وغيرها من المصارف والبيوت الاستثمارية ونحوها.
ويذكرنا هذا ببعض أصحاب المناصب في وزارة الثقافة في وقت من الأوقات حين جازف بطبع عشرة آلاف نسخة من كتاب "أحكام المعلمين والمتعلمين" للقابسي القيرواني وهو كتاب تراثي، لا لشيء إلا لكونه أقدر بحكم وظيفته على توزيع الكتاب متجاوزاً بذلك الحد الأقصى الذي كانت أكثر الكتب رواجاً تتحسب له ما بين الألف أو الألفي نسخة سحباً على الكتاب.
من حقه ذلك وليس من حق تونس في سمعتها بالنشر أن يروج كتاب في أهميته بكونه تفسيراً للقرآن الكريم يصدر عن جهة علمية وإن كان شخصية معينة، في إخراج لا يكاد يملأ العين، للصورة التي خرج بها، حتى أنه برأي العارفين بالنشر المكتبي والنشر المطبعي يكادون يجزمون بأنه لا يرقى الى كتاب مطبعي يحترم أساسيات الإخراج الفني خطاً وتصفيفاً وعلامات وقف، بل أبسطها؛ فكأنها نسخة مكتوبة بالآلة الكاتبة تحتاج الى تحوير كثير لحذف تلك الفراغات الزائدة بين الكلمات وذلك التمطيط (أو الكشيدة) في حروف الكلمة الواحدة، فتضخّم من حجم الكتاب دون غاية فنية في عنوان أو نحوه. فضلاً عن علامات للاستفهام وللتعجب تأتي في أول السطر، والأصل ربطها بما قبلها ومثلها الفاصلة والنقطة. فكأننا لسنا بلغْنا في نشر الكتاب بحسب أصوله المقررة عربياً ودولياً إلا لمثله، في هذه المؤلفات الهامة خاصة.
فالاعتبارات كلها يجب تقديم الاتقان عليها في مثل هذه الأعمال، وعدم الاستهانة بالقارئ في حبّه أن يكون كتاب تفسير بمستوى أجود الكتب تصفحاً لديه وأجملها إخراجاً بنظره. أم تُرى يُعذر لصاحبها أنها طبعة أولى تجريبية أو ادّعاء أنها أفضل المتاح طباعة وإخراجاً في محيطنا من صفاقس الى سوسة الى تونس العاصمة؟
ودليلنا أنها طبعة طبق الأصل لصف إلكتروني على حاسوب بسيط بتطبيق بسيط، وربما بأيد لا تتقن من فنيات البرمجيات المتقدمة لديها بالجهاز الحاسب إلا أبسطها. ولذلك تأتي تواريخ توقف الكتابة عند التأليف في أواخر سور بعينها، كالصف والناس والأنفال، وهي مكتوبة بطريقة عكسية، أو غير منتظمة فيما بينها أو لا تخلو من خلل واضطراب وأحياناً مرتبطة بالجملة السابقة دون فاصل وأحياناً محشوّة خطأً بداخلها.
وكان يجب أن نهنيء فقط مدينة سيدي اللخمي والنوري بموسمها بهذا التفسير كعاصمة للثقافة العربية هذا العام، لولا أنه يتعين مراجعته قبل تداوله بأيدي الضيوف والعلماء فضلاً عن عامة القراء.
ولم يسعني الوقت لما سوى قراءة المقدمة وتصفح الجزء الأول ومواضع من هنا وهناك في بقية الأجزاء.
المنهج:
1- لم يوضح المؤلف الرموز والمصطلحات التي نجدها على غير انتظام على طول تفسيره وعرضه. كالمطة والسهم والخط المائل بين أرقام الآيتين أو الآيات المراد تفسيرها، فأحياناً هذه تأخذ مكان تلك والعكس فلا يملك القارئ إلا الحيرة من أمره بما يأخذ في تسلسل الآيات.
2- مصورة المصحف التي اعتمدها في تفسيره لا تكاد تظهر أرقام الآيات فيها للعين المجردة، وهو أمر مهم لمراجعته فيما يأتي من تفسير وإحالة اليها.
3- طريقة عرض الآية أو مجموعة الآيات قبل تفسيرها، بإيراد أولها وآخرها ونقط ثلاث بينهما، طريقة غير معهودة في التفاسير ولا معمول بها في واحد مما رأيته، لما فيها من مجازفة في اللفظ بها أحياناً (ج2 ص352) والأسلم أن نأتي بأول الآية ونقول الى آخر الآية رقم كذا، أو نقول الى قوله تعالى ونذكر الفاصلة كاملة للآية ورقمها أو لآخر آية من الآيات المعنية ورقمها. ومن ذلك ما نراه في تفسيره لسورة الأعراف، حيث كتب:(202-201: إن الذين اتقوا ... يقصرون) في حين الفاصلة كاملة هي ﴿لَا يُقْصِرُونَ﴾ إذ لا بد من ربط الفعل بالأداة الداخلة عليه، وهي هنا أداة النفي لا (ج2 ص 424).
وهذا كثير المؤاخذة به على هذا التفسير.
4- رقم الآية لا يكون إلا في آخرها لا في أولها، ما أوقعه في الخطأ بإيراد رقم البعض ونسيان البعض الآخر.
مثلاً (ج1 ص43) حيث كتب (45-46: والله أعلم بأعدائكم... نصيرا).
والخطأ هنا أنه لم يذكر الآية 46 وإنما أثبت فقط بداية الآية 45 وآخرها، وهي آية قصيرة كان ينبغي، لولا التحكم غير المنهجي في طريقته، إيرادها بالكامل.
5- عرض الآيات بشكل مقتطع من وسطها فضلاً عن كونه مخل بالقرآن الكريم، كما بينا في السابق له جانب آخر سلبي وهو أنه يغيّب عن أنظار القارئ صورة الآية في المصحف أو بالخط المطبعي، وهو ينظر في تفسيرها.
6- إيراد الآيات كتابة غير مصورة أوقع الخطأ في لفظها ومعناها في عدد كثير من الآيات لافتقادها الشكل، وهو خلل كبير داخل التفسير.
7- لم يلتزم المؤلف تماماً برواية قالون كما ذكر. فالآيات الخالية تماماً من الشكل وهي كثيرة جداً داخل هذا التفسير مظنة للقارئ غير الحافظ أن يخطئ فيها، علماً وأن رواية قالون تختلف عن رواية حفص في أمرين شائعين كثيراً، هما أول المضارع ياء وعند غيره تاء، وكسر السين من الفعل وعند غيره بفتحه، وأكثر شيوعاً تسكين ميم الجمع على ما هو معلوم (مثال ج1 ص380).
8- التعليقات بأسفل الصفحة، في بعضها نقص وخطأ كما في الآية من سورة آل عمران التي أخطأ في رقمها الصحيح في التعليق عليها فهي 180 وليس 18 (ج1 ص 380). ومن ذلك (ج1 ص10) التعليق رقم 1 بأسفل الصفحة وفيه (ج2 ص 443/442/441 -) بدل المطة (-) بين رقم صفحة البداية ورقم صفحة النهاية كالتالي: 441-43. الى جانب ما في نظام الفقرات من خلل. فهي لا تأخذ مكانها في أول السطر بل تظهر مدمجة في الفقرة السابقة، مثلا (ج1 ص6) "فلما شرعت في تصنيف الكتاب". فهي فقرة من كلام الرازي كان ينبغي أن تأخذ مكانها في فقرات كلامه المنقول. وكذا علامة التعجب في أول السطر (ج6 ص130).
الإخراج
1- الخط المستعمل سواء الملون أو الأسود هو عادة المستعمل في الصحف والمجلات لأسباب عملية من إخراج وغيره. ولكن في الكتب يختلف الأمر وعادة تنتخب الخطوط التي تطبع بها كتب التراث والمؤلفات الفكرية والمجلدات المعتبرة.
2- الصفحات الزوجية مرقمة بطريقة الصفحات الفردية، وكان ينبغي المخالفة لمناسبتها للتصفح الصحيح للكتاب. وكم من أوضاع في هذا التفسير لا تستجيب للاعتبارات الفنية والعملية.
أخطاء في الآيات
1- في أول استشهاد له بالقرآن في مقدمته لهذا التفسير (ج1 ص4-5) أخطأ في الآية 29 من صورة ص ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فإنه لما أعاد العبارتين من الآية ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) و (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ رسمها كالآتي (ويدبروا آياته) و (وليذكر أولو الألباب) وهو خطأ يُستغفر عليه فما بالك في تفسير. وليس في القرآن (ويدبروا آياته) بواو عطف أما الآية ﴿وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ﴾ ففي سورة إبراهيم رقم 52 وربما اشتبهت عليه.
2- في أول تفسيره للآية الأولى من سورة التوبة (ج2 ص 495) أخطأ إذ كتب (1- براءة من الله من المشركين) وإنما هي ﴿براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين﴾. فلو التزم بالأسلوب المتبع في الإشارة الى الآية اختصاراً كما أوضحنا سابقاً لما وقع في هذه الإحالة في الكتاب العزيز. لأن الغلط أو السهو حصل له بسقوط النقط الثلاث التي التزم بها بين عبارات الأية.
3- الآية 188 من سورة آل عمران ﴿لاَ يحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسِبَنَّهُمُ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أولاً كتبها هنا (ج1 ص380) بدون شكل وكان ينبغي أن يميزها على الأقل بالشكل الجزئي لتظهر برواية قالون كما التزم بذلك في مقدمته أي بكسر السين في (يحسبن) وياء المضارعة وبضم ميم الجمع في (تحسبنهم) و (لهم). ولكن الخطأ واقع هنا من جهة المؤلف في لفظ الآية 188 أيضاً فقد كتب: (الذي) والصحيح (الذين)، وخطأ آخر فيها أيضاً هو أنها بدون واو العطف في أولها.
4- وأخطأ أيضاً في الآية 178 من السورة نفسها فالذي أثبته منها يخالف القراءة عند قالون وهي (ولا يحسبن) بالياء لا بالتاء. وإظهار الشكل لو اعتنى به لكانت حركة الضم على الميم في الضمير (لهمُ) و (لأنفسهمُ) تميّزُ قراءةَ قالون هذه من غيرها.
5- المصوّرة للمصحف التي اعتمد عليها نجدها من أول سورة الفاتحة غير مطابقة لرواية قالون، التي من بين ما يميزها على غيرها ضم ميم الجمع مع صلتها بواو ومده قدر حركتين كالمد الطبيعى في قوله تعالى في آخر سورة الفاتحة (عليهمُ ولا الضالين) ولكنها هنا لا نجدها مطابقة لما هو معلوم من رواية قالون. والأمثلة كثيرة في (عليكمُ أنفسكم) المائدة 115 ففي هذا التفسير بتسكين ميم (عليكمْ) وهذه ليست رواية قالون قطعاً. وقالون يهمز الياء في (والنبيين) (سورة النساء 163) ولكنه وقد عرض لذكرها (ج 2 ص329) جاءت على قراءة حفص.
6- خطآ آخر في قوله من تفسير سورة النساء (ج1 ص433): "فمعنى (قليلا ما يؤمنون) أن قلوبهم قد أقفلت... " الخ، فالعبارة في الآية (فلا يؤمنون إلا قليلا) وليس ما ذكر. فقد يكون سبق لسانه الى آية أخرى قريبة منها لفظاً ولكنها تختلف معنى وهذا من معايب الفصل ما بين الآية وبين تفسيرها على طريقته التي بيناها. فهي في البقرة 88 (فقليلاً ما يؤمنون). وهناك اختلاف بين التعبيرين في الآيتين من سورة البقرة وسورة النساء (فقليلا ما يؤمنون) على معنى ما يؤمنون بشيء، وأما (فلا يؤمنون إلا قليلاً) فعلى معنى فقليل من يؤمن منهم أو قليل إيمانهم.
5- الآيات من 67 الى 71 العلامة بين الرقمين ليس سهماً (ج1 ص70) كما في الآيات الثلاث من 87 الى 89 (ج1 ص318)، والآيتان 105 و 106 بينهما علامة سهم وهما فقط آيتان (ج1 ص483). فهذا من عدم التقيد بمنهج وهو أمر يشوش على القارئ.
خطأ في حديث إذا مات
الحديث (إذا مات ... انقطع عمله إلا من ثلاث) لا "ثلاثة" كما أثبته. وهذه روايته الصحيحة لأنه عندك فيه خطأ آخر وهي (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) وليس فيها كما ترى تكرار "إلا" في قولك "إلا من صدقة" (ص9 من المقدمة).
خطأ في شعر
شعر تغنت به جارية، نقلاً عن ابن خلكان، أورد قصته الشيخ السلامي في مقدمته بتفصيل طويل (ج1 ص8) يعف عادة عن ترديده العلماء في مواقع الكلام عن تفسير. ولكن لم يتفطن الى ما فيه من خطأ ونورده هنا مصححاً قبل بيان الخطأ فيه وهو:
وقالوا لها هذا حبيبك معرض *** فقالت ألا إعراضه أيسر الخطب
وما هي إلا نظرة بتبسم *** فتصطك رجلاه ويسقط للجنب
والخطأ فيه سقوط (لها) في صدر البيت وخطأ آخر في صدر البيت الثاني وهو (بتبسّم) ولا رواية لهذا البيت في وفيات الأعيان لابن خلكان بعبارة (ثم حسرة) ولعلها (جسرة) لأنها موجودة بهذا الخطأ (حسرة) في كتاب حدائق الأزاهر لابن عاصم الغرناطي عن غير تحقيق سليم. ونقل القصة الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسير سورة هود برواية (أهون الخطب) و (وابتسامة) نقلاً عن شيخه سالم بوحاجب.
المقدمة
يسترعينا من المقدمة أمور اعتبارية ومفاهيم وتوقفات كالآتي:
1- نقلٌ من بعض المراجع على طوله مع عدم التنصيص عليه بوضوح. مثلاً ص 7 من مقدمته. فهناك نقاط أربع توحي باختصار كلام ولكنها من النص المنقول. وهي كالآتي بعد قوله: "والاستعاذة من الشيء لا تكون بعد معرفة المستعاذ منه.... ويختم بقوله: فثبت بهذا الطريق أن قولنا: أعوذ بالله مشتمل..." الى بقية كلام طويل في أكثر من صفحة.
فعلى من يعود الضمير في "يختم بقوله" إذا علمنا أن المؤلف يتحدث عن نفسه حيث قال قبل قليل: "ولا شك أن قولنا" (ص7 س9). ولكن الكلام في الحقيقة هو للإمام الرازي المتقدم ذكره في الصفحة السابقة. وبذلك نكتشف أنه لم يتم له ذكرُ في تعليق سابق وأنه منقول من كتاب مفاتيح الغيب للرازي، حتى نفهم من التعليق في أسفل الصفحة التالية (ج1ص3/2) (هكذا بخط مائل بين الرقمين!) أنه نقل من كلام الرازي. فيلتبس الأمر على القارئ، خاصة وأننا في الاستشهادات لا نسوق الدعاء أو العبارات الموحيه بمثله، فلما نفاجأ بمثل قوله "فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب" (س8 من آخر ص6) لا يخطر ببالنا سوى أن القول هو قول الشيخ السلامي وقد شرع في التقديم لكتابه، وإذا بنا نكتشف أنه بقية كلام للرازي.
2- مصطلحات غريبة. في قوله في المقدمة وهو يتحدث عن التدبّر في القرآن الكريم حيث يقول: "التدبر انفعال بين التالي وبين النص القرآني..." (ج1 ص5، س5).
تخالنا أمام تحليل لناقد حداثي يستعمل كلمات لا تعدو ترجمات أو استجلاب لمفردات غريبة عن دراسة القرآن. وربما اطلقت بحق على التراث الديني في المسيحية والأناجيل والتوراة، مما شأنهما غير القرآن المحفوظ من التحريف، والتداخل فيها بين كلام الحواريين والرببيين وبين كلام المولى؛ ولم يسمع قط من أطلق على القرآن غير أسمائه المعلومة كالكتاب والذكر. وكلمة النص تفيد كلام الآدميين مطلقاً من شعر ونثر ونحو ذلك. وليس في القرآن غير سور وآيات وأجزاء وأحزاب وحروف وقراءات وما الى ذلك مما قرره العلماء، ولا يمكن تجزئة ما فيه أو التحدث عنه كنص بهذا الابتذال الذي يسمو عليه كلام الوحي. والانفعال شيء غير محمود. وكلمة التالي لا تستعمل إلا مضافة الى الذكر أو القرآن أو الى ضمير يعود عليه، للالتباس فيها عند ذكرها منفردة. حتى أنها هكذا جاءت في القرآن (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ الصافات3. وذكر كلمة النص في جملة مرتين: في قوله: "واعتمدت في تفسير النص" و "حتى يحصر فهمه في النص" (ج1 ص 11). وذكر التالي عشرات المرات منها قوله في الصفحة نفسها: "اعتني أولاً بشرح الألفاظ التي أتوقع أن التالي في حاجة اليها".
3- مدلول الوحدة القرآنية!
وفضلاً عن هذه المصطلحات التي تعامل بها الشيخ السلامي مع القرآن الكريم نجده يستعمل لفظاً لا يقل غرابة وهو الوحدة القرآنية. في قوله: "ثم أقوم بشرح إجمالي للوحدة القرآنية.." (ج1 ص11). ولكن دون الحديث عن مفهومه من هذه الكلمة. والظاهر أنه يريد مجموع الآيات التي يُفردها بتفسير داخل السورة. وهذه إنما هي آيات وليس وحدة، أو مجموعة آيات. وإطلاق اسم وحدة عليها فيه تجاوز يعرفه المتخصصون في النقد وهو أشبه بالقضية في النقد من قديم وخاصة نقد الشعر والمسرحية أو الرواية.
4- كلمة "أتعرّض". قوله: "لم أتعرض لاختلاف القراء" (ج1 ص11) التأدب مع القراءات في القرآن والقراء يوجب على المرء أن يستعمل مفردات لا توحي باستهانة. فكلمة أتعرض أصوب منها في هذا المقام "لم أعرض"، من العرض أي مقابلة الكتاب بالكتاب أو القراءة بالقراءة وعرض الشيء عليه أي أراه إياه؛ لا من التعرّض الذي بمعنى دخول الفساد والشر، يقال فلان يتعرض للناس بالشر.
5- الاجماع والاجتهاد
قوله في المقدمة متحدثاً عن البسملة: "وأداهم اجتهادهم في عدها آية في فواتح السور غير سورة براءة الى الآراء الثلاثة التالية:
- أنها ليست آية في أوائل السور لا في الفاتحة ولا في غيرها
- أنها آية في سورة الفاتحة فقط
- أنها آية في فاتحة كل صورة ما عدا سورة براءة".
ثم نبه الى أن "كل واحد من الذين رحجوا رأياً من هذه الآراء الثلاثة على هدى من الله" (ج1 ص13-14).
وهنا إحالة كبيرة لأن جميع سور القرآن في أولها البسملة ما عدا سورة براءة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين لها بسملة للفصل بين السور ونزلت في المصحف مرتبطة بسورة الانفال. وعليه فلا اجتهاد أمام إجماع وتوقيف. أما كونها آية في سورة الفاتحة فالخلاف حولها فقط في الصلاة تقرن بها أو لا على مذهبين بين الأئمة، وذلك فقط لغرض الصلاة.
أما قوله قبل ذلك: "أجمع فقهاء الأمة أنها آية من سورة النمل.." (ج1 ص13) فالتدقيق في هذا المقام يجعلنا نقول إنها جزء من آية من سورة النمل وهي ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 30﴾ إذ قد يفهم من القول في الاجتهادات الثلاث التي سردها ولم يرحج إحداها أن الاجتهاد الأول ينفي وجود البسملة باعتبارها آية في أوائل جميع السور.. ولم يقل أحد بأنها آية في أوائل السور بل هناك إجماع على كونها في أولها بحسب الفصل بينها في المصحف بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم ما عدا سورة براءة للسبب نفسه. أما مسألة قراءتها في الصلاة قبل الفاتحة فمذهبان كما قلنا. فالبسملة هي من القرآن ولا خلاف، ومن المجازفة القول بأن مالك يترك البسملة في الفاتحة في الصلاة لأنها ليست آية من الفاتحة وإنما لأنها جاءت بعد تكبير؛ كما قد يفهم القارئ من كلام الشيخ السلامي تلخيصاً للمسألة في تفسيره. (ج1 ص14).
مفاهيم ومواقف
1- لم نفهم من مقدمة هذا التفسير أن مؤلفه ينحو منحى أحد من المفسرين قبله وكأنه يربأ بنفسه أن يصنف نفسه في مدرسة بعينها من المدارس المعروفة في التفسير، وأشار الى ثلاثة من أهمها منوهاً بالتفسير الإصلاحي للمرحوم محمد عبده دون أن يشير الى غيره. وكنا نتوقع أن أن يشير ولو عرضاً الى تفسير الشيخ الصادق السياري الذي نشر قبل عامين، ولم يمكن التقدير أنه لم يكن يعلم به أو بلغه أمره بطريق من الطرق.
ولكني هنا دون ترثيب عليه أقول له إنه لما بلغني حرص أحد أعوانكم في بنك الزيتونة رغبته في الحصول مني على النسخة ما قبل الطبع من هذا التفسير الذي أخرجته بنفسي وأنقذته من عدم محقق، لا وفاء لشخص صاحبها الذي لا أعرفه ولكن لعلمه، لما لمسته من هذا التفسير الذي تركه مخطوطاً بعده قبل أن يتوفاه الله من دعوة للعلم وللاصلاح بروح القرآن، ما رأيته عند غيره من المفسرين إلا الشيخ محمد عبده وتلميذه رشيد رضا في تفسيرهما المنار، ومن في معناهما من المحدثين. ولما جاءت الثورة سقط المانع من نشره وهو سلطة الحاكم في حجبه عن الأنظار لما فيه من دعوات إصلاحية للأمة الإسلامية والتونسية خاصة في عصره على منهج القرآن من خلال مواضع عديدة فيه، لم أتردد في دفع النسخة التجريبية قبل السحب عليها بعد تصحيح أخير بقي متوقفاً عليه، وقدّرت أن تعود اليّ سريعاً لطبعه، وإذا بالكتاب في مجلداته الخمسة يبقى أكثر من شهرين وأنا في إلحاح لاستعادته وكلما طلبته قيل إنه في يد الشيخ السلامي للاطلاع عليه وتمهّلْ سنعيده اليك حالما نسترجعها منه. وفي الأخير وبعد نشر الكتاب راجعت المؤسسة نفسها إن كانت كما وعدت بعد النظر فيه أن تقتني منه. فقيل لي ابعثْ لنا بنسخة ومع النسخة التي قدمتها لنا تكون مصحوبة بفاتورة في ثمنيهما! فكدت لا أصدق وأتردد في تقدير هذه اليد الممدودة لأهل العلم بمثل هذا الجزاء.
2- وهذا يذكرني في موقف متقدم من الشيخ السلامي المفتي للجمهورية أيام الرئيس بورقيبة أيام بلغني، بل وقفت عليه بسمعي وبصري وأنا عضو باللجنة المركزية وفي ختام أحد دورات أعمالها، وهو يسأل الجنرال بن علي هكذا دعاه باسمه، وهو يطلبه في جمع كنا قريبين منه أن يؤكد له إن كان بالإمكان إعدام عدد معتبر من الإسلاميين الذين صدرت أحكام قبل أيام بعد محاكمات مئات منهم، بإعدام عدد كبير من عناصرهم: ممكن ثلاثة عشر؟! فقال له: واضح سيدي الرئيس!
فلم أخرج من الحفل إلا وقد كتبت مقالاً في ذهني عنوانه "لا أقل من الإفتاء في الإعدام" وحررته بعد ذلك بسرعة لأنشره في إحدى الصحف التي تعودت بالنشر فيها. وكم كانت حسرتي كبيرة لما رأيت المقال يرفض للتعليمات. بمعنى أنه تصعّد الى فوق ووقع العلم به على الأقل في دائرة محدودة. وكان قصدي أن أسارع من موقع مسؤوليتي في الجهاز أن ينشر موقفي في الصحافة لعله يدرأ من إزهاق الأرواح لمجرد الاختلاف في الرأي بين الفرد المسلم والمسلم.
فحملت المقال الى جريدة الحزب نفسه الذي أنا في عضوية لجنته المركزية بأمل أن لا ترفض لي نشراً، وإن كانت غير وجهتي الأولى لطبيعة الموضوع. فعجبت أن وجدت فيها ترحيباً لعله لصفتي الحزبية أكثر من المقال الذي لم ينظر فيه المسؤول الى أكثر من عنوانه. وإذا يوم وثان يمر ولا أثر. فسألته فقال: ننتظر رد سماحة المفتي. فقلت لماذا تعلمه به أصلاً. فقال: لأنه صاحب الشأن. فقلت: هلا راجعته من أجل الاستعجال بالرد. فقال: وجدناه في عمرة بالبقاع المقدسة. فقلت إذن ما العمل؟ قال: طلب منا أن نوجه اليه بالمقال عبر الفاكس، ففعلنا. فقلت: وبعد؟ فقال: أجابنا أن نُهمل أن نكون بعثنا اليه بالمقال أو حصل له به العلم!
ولولا أن هذه القصة، قصة هذا المقال معلومة وذهبت بخبري الى دوائر المسؤولين وقتها، خاصة بعد أن وجدت الشجاعة من نفسي لتوزيعه بخطي على عدد منهم للتأثير في القرار، لولا ذلك لما ذكرتها الآن لأن علمها يتجاوزه ويتجاوزني، وقد أصبحت من التاريخ.
3- وقفة ملاومة
والغريب أني استذكرتها وأنا أقرأ موقفه من الثورة حين وقعتُ على تأريخ بها في غضون تفسيره، عند سورة الأعراف حيث يقول: "بلغت ختام هذه السورة يوم السبت - 10 - صفر الخير 1432-15/ 1 /2011 بعد صلاة العصر أعانني الله على إكماله..." الى آخر الدعاء (ج2 ص 427).
وعذرتُ له انكبابَه على ما هو فيه من عمل لا يأبه لغيره أمات أو حيي!
وهنا وقفة ملاومة، لأن يومها كان يوم ثورة وهروب المخلوع أمسها من نار مشتعلة وراءه، ألهت كل أم عن مرضعها! فكيف عن عالم لم تلهه عن عمله في هذا التفسير حتى يؤرخ بما بلغه يومها من تفسيره لسورة من الطوال. أليس من الدين حب الأوطان ومطالبة أبنائنا بالحرية والحق والعمل في ساحات الاستشهاد على طول البلاد وعرضها، وتزهق أرواحهم وتسيل دماؤهم وهناك من لا يكاد يتوقف عما هو فيه من عمل أو يظل في غفلة عما يبذلون في سبيل أمتهم، فلا يذكر تاريخهم إلا وهو لاه بما لديه عما هم فيه لاهون.
4- يهود الأندلس
وتطلّعت الى شيء من التوجيه للعمل الصالح في عصره فلم أجد سوى هذه المعاصرة للقضايا التي تَقدّم مثلها؛ إلا أن تكون "اختياراته" التي سماها في آخر الكتاب وحدد مواضعها من تفسيره تخبئ ما يخالف التوقع. أقصد بالقضايا المعاصرة تعريضَه باليهود في عصره كتعريض ابن عطية بمعاصريه منهم في الأندلس. في الآية من سورة النساء: (45-46: والله أعلم بأعدائكم ... نصيرا). وقد أوضحنا سابقاً الخطأ في ترقيمه لآيتين بآية واحدة، هي ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا 45﴾ وشذبنا طريقته في الاقتطاع بهذه الكيفية التي توقع الخلل في ذهن السامع، ويعنينا هنا ما جاء في تفسيرها من إشارة الى "وقاحة اليهود مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم" وقولهم له: "راعنا" بالعربية وهم يقصدون سبه بالعبرية، وفصّل الشيخ السلامي القول فيها تفصيلاً ثم أشار الى ما يقوله الشيخ ابن عطية وهو أن "هذا اللي باللسان من اليهود الى خلاف ما في القلب موجود حتى الآن (في النصف الأول من القرن السادس الهجري) [ما بين قوسين للشيخ السلامي] في بني إسرائيل ويُحفظ منه في عصرنا أمثلة، إلا أنه لا يليق ذكرها في هذا الكتاب. وما يزالون على هذه الطريقة القبيحة حتى يومنا هذا في القرن الخامس عشر". (ج1 ص432).
مقابلة طريفة إذاً بنظر الشيخ السلامي بين يهود الرسول صلى الله عليه وسلم ويهود الأندلس ويهود تونس!
فقد لا نحْمد الْتِفاته الى هذه المقْبَحة كما لا نحمد التِفاته الى قصة الجارية تتغنّى بشعر في المجون.
* الاقتفاء
وظاهرٌ اقتفاءُ الشيخ السلامي بمنهجنا في نشر تفسير الشيخ السياري "تسهيل التفسير لمحكم آيات التنزيل". فقد أفردنا في كتاب مستقل مواقف الشيخ الإصلاحية من خلال مقتطفات من تفسيره الى جانب تعريف واسع بشخصيته العلمية والإصلاحية في عصره. فأخذ منه، ونعم الأخذ وإن لم يلمح اليه، ولكن جاءت محاولته للتعريف بإضافاته المهمة في هذا التفسير له في شكل جدول في ثلاث صفحات فيه إشارات خاطفة الى آيات بعينها وأرقام صفحاتها من الكتاب. غير أنه في الصفحتين الأخيرتين منها أسقط مسمى الصفحة ورقم الآية ونص الآية، وكان ينبغي أن يجري الجدول في كل الصفحات على نحو واحد. مع اعتراضنا على كلمة نص الآية، لما تقدم أن بيناه. فليقل الآية أو ليصمت.
وكان ينبغي، لولا أنه تفطن الى ذلك بمناسبة تفسيرنا، أن يشير اليه في المقدمة، ولكنه في المقدمة اكتفى بقوله : "وسيجد الناظر في هذا التفسير أنني فسرت بعض الآيات على وجه ما رأيت أحداً سبقني اليه"(ج1 ص11) وأتي بمثال واحد عن الصابئة. ووضع ذلك الجدول الجاف بما يعتبره فهمه الخاص من القرآن. تحت مسمى "نماذج من اختياراتي في فهم بعض الآيات (ج6 ص 843) وكأنه عجز عن إفرادها في كتاب أو ملحق بالكتاب.
ونحن ما رأينا فيما قرأنا من التفاسير من أفرد في آخره ما تفرد به في تفسيره لا إجمالاً ولا تفصيلاً إلا ما حررتُه في كتاب مستقل كما قلت من مواقف الشيخ السياري في تفسيره من قضايا عصره التي طابقها - رحمه الله - بأحكام الله التي أنزلها في كتابه لهداية البشر.
تفسير بين وضوء وصلاة بثمن بخس
حرص الشيخ السلامي على القول (في مقدمته ص10) "أنني - والقول له - ما كتبت كلمة في هذا الكتاب طيلة السنوات التي محضتها لتفسير كلامه جل علاه، إلا وأنا على وضوء وكلما توقفت في فهم الآية ولم أجد فيما كتب حولها ما يقنعني توجهت الى الله بالصلاة ليفتح على بصيرتي فما كتبت إلا ما أنا مقتنع به ظان أنه المقصود". وذكر مثالاً مما توقف فيه عن القول بالرأي الراجح المقبول حسب قوله لعله المثال الوحيد إذا صح القول، هو تفسير الدابة في قوله تعالى من سورة النمل: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ 82﴾.
وعجبنا أن يتوقف الشيخ عند هذا، وجميع المفسرين متوقفون أمام معاني القرآن إما يفسرونه بما ورد في الأثر أو يحملونها على معناها الحسي ولكن غير المعلوم معناه عند الله لديهم بحقيقته، كالكرسي وغير ذلك. وما دامت السورة باسم النمل، فلا جناح أن يكون النمل دابة من هذه الدواب التي تكلم بإعجاز الله الناس فتخيفهم أو تتحداهم.
أما فهمه الذي يجزم أن غيره لم يفهم به آية الصابئة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة 62) لأنه وجد جميع المفسرين (هكذا ولعله جمع للتغليب) وكان عليه أن يقول جميع الذين رجع الى تفاسيرهم. وهنا كان عليه في مقدمته أن يذكرهم كما فعل الشيخ ابن عاشور وغيره، وجدهم يقولون بأن الصابئة يعبدون الكواكب! وماذا في ذلك، هل كلهم لا يفهمون على قُرْبهم منهم وتخصص علمائهم في ديانتهم. نعم كانوا يعبدون الكواكب ولكنهم في الوقت نفسه يؤمنون بالله، لأن الكواكب وعظمتها دليلهم على الله ووسائط لا عبادة شرك. وذلك مقرر في كلام كثير من المفسرين بوضوح.
وكان الأفضل أن يصرف همته الى تصحيح الخطأ في الآية كما أوردها في مقدمته، فالكلمة فيها "الصابئين" وليس "الصابين" بياء واحدة. ثم هي مهموزة في رواية قالون التي قال إنه اعتمدها وظهرت عنده بتلك الكتابة الخاطئة وغير المهموزة.
ما السر؟
السر في كونه تفسيرٌ لا كالتفاسير، بدليل أن صاحبه لم يفسره إلا لفراغ حول الذين يتُوقون الى تفسير مثله ولا يجدونه. فقد سأله أو "طلب مني - كما يقول - كثير ممن اتسعت آفاق تفكيرهم وبلغوا في اختصاصاته المتنوعة حداً مرموقاً من المهندسين والأطباء والصيادلة والحقوقيين، وتعلقوا بالقرآن يتلونه، ويشعرون شعوراً مجملاً بجلالته، سألوني هل يوجد تفسير يصل بينهم وبين القرآن يهتم ببيان معانيه وهديه الراشد، لا يعجزهم متابعته، ويندمجون بواسطته في الجو القرآني لاتباع هديه وتعميق إيمانه بطريقته في الدعوة الى الله وفتح أبواب الخير ويقومون سلوكهم على أصوله وينير أرواحهم ومشاعرهم ما تميز به. ولم أجد فيما أعلم من راعى في تفسيره ذلك وألحوا علي بهذا الطلب لأقوم بهذه المهمة" (المقدمة ص 9).
بقي أن يذكر "البنكاجيين" حتى لا يكون قد أنساه الحصر ذكرَهم، بل لعل كل من ذكرهم يدورون حول دائرتهم.
هكذا بعد أربعة عشر قرناً من التفاسير، وآلاف الصفحات الإلكترونية على الهاتف الذكي واللوح الإلكتروني لهؤلاء النخبة، الذين تجد في جيوبهم ومكاتبهم الكثير من أنوعها وأحجامها، ولا يجدون دراسة في لغتنا أو في اللغات التي يتقنون لسان أقوامها ما يساعدهم وما يسدّ رقمهم، ليدلهم عليه الشيخ بانتظار أن يُخرج لهم هذا التفسير الذي لولاهم - حتى لا نقول لولا جهلهم - لما هداه الله الى تأليفه.
ولعلهم بالعكس جاءهم القمح من باجة كما يقول المثل بتفسير الشيخ السياري! وكان بالإمكان وهو تونسي وزيتوني مثله وعالم ومن تلاميذ الشيخ بن عاشور مثله كذلك أن يزفه اليهم، إن لم يكن باستطاعتهم وهم أهل تمكّن باستخدام المواقع على الشبكة، أن يجدوا تحت كل آية عشر أو أكثر من أسماء التفاسير التي بإمكانهم بلمسة عليها قراءتها بوضوح ومقابلتها بغيرها إذا أرادوا، من تفسير الجلالين أقصرها وأخصرها الى محيط المحيط مروراً بالتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور والقرطبي وصعوداً الى الطبري.
الخاتمة
ذكّرنا الشيخ السلامي وذكّر نفسه في مقدمة كتابه بمقاصد العلم عند ابن خلدون، التي سردها في مقدمته نقلاً عن المتقدمين ومنهم أرسطو. ولكن الشيخ اعتمد على نقلها من ابن خلدون بتصرف. ولكنه خالف في منهج الاقتباس من ابن خلدون بما أخذ من عبارته شيئاً مثّل له ابن خلدون فيما بعد وأهمله هو. وكان المنطق يقتضي أن يقتصر على المقاصد ولا ينقل من عبارته ما استغنى هو عن الحاجة الى ذكره.
فالذي قاله ابن خلدون في طالع كلامه: "إن الناس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها، فعدوها سبعة..." وعد الشيخ الشيخ السلامي السبعة بتصرف، وهي هنا باختصار أكثر: استنباط العلم - إيضاح ما تقدم منه وتقريبه - تصويب ما أخطأ فيه العلم - إضافة في مسائله - أن يعيد ترتبيبه - أن يجمع مفرقه - أن يختصر منه أو يطول فيه وهو ما يسمى بالمتون والشروح.
بقي "إلغاء ما سواها". فلماذا أمسك الشيخ السلامي عن ذكر ذلك، وإلا كان من الأول لا يشير الى ما في كلام ابن خلدون من حديث عما يقصد بإلغاء ما سواها. ولكننا نعلم أن ابن خلدون يقصد بهذا أمراً في مقدمتها وهو انتحال كلام الآخرين. وربما زاد عليه غيره بعض الأمور. ولكنني لا أستحضر هنا من زاد عليه غمْط حقوق السابقين وتجاهل أعمالهم قصداً وتحقيراً. فإنه حتى وإن وقع الحافر على الحافر يستحسن من العالم أن يعترف بذلك. وباب التفسير مفتوح لكل سالك، حتى وإن نقله تبركاً وقرنه باسمه الى اسم جامعه الأول. وهذا لا يدخل في مقاصد ابن خلدون التي نقلها عن الأولين لأنه إنما كان يتحدث عن العلم مطلقاً ولا يتحدث عن علوم الدين.
--------
تونس في 19 أفريل 2016



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، المختار السلامي، تفسير القرآن، القرآن،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-04-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  المرحوم قاسم بوسنينة مثال نادر من الرجال المخلصين
  فعل المستحيل، أو بعبع حق النقض في يد إسرائيل بالتناظر لأمريكا
  أفكار يجرفها الطوفان
  كل ما تخسره إسرائيل بتطاول مدة الحرب تكسبه حماس
  يهود العالم في ولايات متحدة أمريكية صهيونية
  هدنة تفتح على حل دائم وإلا عودة لحماس أشد بأسا
  معركة الأسرى أقوى من معركة السلاح وفتيل النار
  كل الغثاء حمله الطوفان
  رب درس تأخذه من عند غير مدرس ولو من طوفان
  في غزة طوفان دموع اختلط بطوفان الأقصى
  فرنسا من المعاداة للسامية إلى المؤاخاة للصهيونية
  قمة العرب والمسلمين لمساندة طوفان الأقصى في غزة بما أوتوا من قوة الإختلاف والإئتلاف
  فلسطين بطوفان الأقصى دخلت حرب التحرير بالمعنى الجزائري الفريد
  إهلال الإسلام على الكون الجديد
  "‏الفيتو" الأمريكي البريطاني الفرنسي ملطوخ في غزة
  ‏إسرائيل تقتل نفسها عرقا عرقا في غزة
  إسرائيل «غريبة» أوروبا في الشرق الأوسط
  هذه حرب ظالمة لا حرب دفاع عن النفس
  مال الإسلام إرهاب
  الصراع الأمريكي الإسرائيلي
  ‏تركيا وإيران ومصر
  حل الدولة الواحدة
  التهور مزلة والإقدام عن تبصر مأمون
  الموقف التونسي
  ‌على أنفاس غزة
  لمحات شابية
  نيتشه الموت والحياة
  من وحي قلم الشيخ محمد الصادق بسيس
  تطبيق نظرية الإعجاز على الشعر
  مباحثاتي مع المستشرق الانجليزي بوزوورث

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
الردود على المقال أعلاه مرتبة نزولا حسب ظهورها  articles d'actualités en tunisie et au monde
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
 

  4-02-2018 / 12:59:56   رفيق يونس المصري
السلامي عضو في هيئات شرعية تحايلية!

لا أظن أن أهل الحيل قادرون على تفسير القرآن، والله أعلم.
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمود فاروق سيد شعبان، كريم السليتي، مجدى داود، د. صلاح عودة الله ، رافع القارصي، محمد الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، إسراء أبو رمان، جاسم الرصيف، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. عبد الآله المالكي، د- محمد رحال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، إياد محمود حسين ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عمر غازي، د. أحمد بشير، صلاح المختار، علي عبد العال، سعود السبعاني، الناصر الرقيق، د - المنجي الكعبي، عزيز العرباوي، مراد قميزة، حميدة الطيلوش، رضا الدبّابي، سامح لطف الله، عبد الرزاق قيراط ، عواطف منصور، صباح الموسوي ، أحمد ملحم، خالد الجاف ، د - صالح المازقي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - الضاوي خوالدية، سامر أبو رمان ، صفاء العربي، عبد الغني مزوز، كريم فارق، محمود سلطان، محمد الياسين، إيمى الأشقر، يزيد بن الحسين، عبد الله زيدان، د - عادل رضا، محمود طرشوبي، رشيد السيد أحمد، محمد أحمد عزوز، أنس الشابي، محمد عمر غرس الله، د- هاني ابوالفتوح، سلوى المغربي، سيد السباعي، د. طارق عبد الحليم، فهمي شراب، د. خالد الطراولي ، طلال قسومي، سفيان عبد الكافي، صلاح الحريري، أبو سمية، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد بوادي، الهيثم زعفان، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله الفقير، سلام الشماع، منجي باكير، أحمد النعيمي، رافد العزاوي، أشرف إبراهيم حجاج، وائل بنجدو، العادل السمعلي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد الحباسي، حاتم الصولي، محمد يحي، ياسين أحمد، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد شمام ، د.محمد فتحي عبد العال، صالح النعامي ، حسن عثمان، سليمان أحمد أبو ستة، تونسي، مصطفي زهران، فتحـي قاره بيبـان، صفاء العراقي، ماهر عدنان قنديل، مصطفى منيغ، يحيي البوليني، د - شاكر الحوكي ، فتحي العابد، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي الكاش، عمار غيلوفي، حسن الطرابلسي، المولدي الفرجاني، عراق المطيري، رمضان حينوني، حسني إبراهيم عبد العظيم، فتحي الزغل، نادية سعد، د- جابر قميحة، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، محرر "بوابتي"، د - محمد بنيعيش، ضحى عبد الرحمن، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- محمود علي عريقات،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة