سامي عافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5064
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أكيد... أنّ بلمسة الفنان التشكيلي يطلّ المعنى والمضمون ويكّتسب الشكل الفني قيمته، ميسّرا على المتلقي الدخول في ‘دوّامة’ الخطاب التشكيلي... لأني جازم أن مشاعر الفنان متعلقة أي ما تعلق بمعانم الإشكاليات المطروحة والقضايا التي يعالجها على سطح فضائه التشكيلي وما يفرضه من مواد تحرّكه ونظم تأطّره ولغات تهمس به ومعاني تدل عليه...
ولكلّ فنان طريقته في اختيار مواده وانتقاء أساليبه وتحديد أدواته... هذه الطريقة التي عادة ما تكون مرتبطة أشد الارتباط بالفكرة التي يرغب في مقاربتها، ساعيا إلى إحداث نوعا من الموازاة بينها وبين جملة العناصر التشكيلية التي تمّ اختيارها –طبعا- حسب ما يناسب رؤية الفنان لتنفيذ العمل.
وهو ما يشرّع للبحث في حقيقة ‘الفعل الفني’ بمختلف عناصره من مواد وخامات وأدوات وأنساق ومرجعيات... وعلاقاتها بمختلف العمليات الفنية والتقنية والجمالية... المؤسسة للفعل التشكيلي لأن أهمية العمل الفني –كما نعلم- لا تكمن في ما حواه من مواد ‘فقيرة’ وانما في كيفية معالجة الجانب العضوي فيها وطرق موازاتها بالمسائل المطروحة.
وهذا تقريبا ما قصده بياير سولاج عندما رأى أن اختيار الوسائل والطرق والمواد... هو الذي يعطي النتيجة لما يحدث أثناء الخلق الفني، مؤكدا على أن التقنية من هواجسه الكبرى المساعدة على انتاجاته الفنية وبحوثه التشكيلية التي ميزته كتشكيلي متفرد بمواده ومعالجاته وأساليبه... الخاصة.
لذلك اعتبر أن ‘فكرة انتقاء’ المواد والخامات القادرة على خدمة هدف الفنان وغايته هي ‘أصل مادة التمشي الفني وجوهر خلقه وابداعه التشكيلي’ ذو القوة الشاهدة على حقيقية العمل وما يطرحه من قضايا ابداعية راهنة من قبيل:
- البحث المتواصل عن كيفيات تطويع المواد والخامات والأساليب والتقنيات التشكيلية... من أجل معالجة فنية قادرة على احتضان مواقف جديدة وخطابات مختلفة.
- طرق تطوير سياقات البحث التشكيلي ومسارات الانفتاح على الممكن عبر تلك الرؤى المتأسسة على مبدأ التوفيق بين الفكرة والمادة والمفهوم.
- كيفية تجاوز الفضاء المسطح والإطار الثابت... نحو التعبير بواسطة الأنساق التشكيلية والتراكيب الخطيّة والألوان والقيم الضوئية... أين تلتقي بساطة الأشياء والمواد والتقنيات... بدلالات التشكيل والمعالجة الفنية
- الإحتفاء بالحسّ التحرري وما يمليه على الذات من رؤى ومواقف
وأظنّ أن كل هذا نتاج تقاطع المادة والفعل على أسطح تشكيلية وافرة العلامة لا ينقصها لا الجمالي ولا التعبيري، ولا تخلو كذلك من قوة الترميز والإيحاء.
ومن هذا المنطلق ضروري جدّا حضور القارئ لفكّ شفرات العمل والبحث في محتواه والتساؤل عن كيفيات الجمع بين المتناقضات والتوليف بين المتباينات... –آخذا بعين الاعتبار طبعا- تلك العلاقة الوطيدة بين الدال والمدلول.
وهذا تقريبا ما أشار إليه الدكتور سامي بن عامر في كتابه ‘الفنون الجميلة’ بقوله: ‘ لا مجال للمادة أن تخرج عن نطاق مقياس الفكر. لا مجال أن تعرقل مصار الرسام وتوقعاته. يجب أن تكون اليد، خادمة مطيعة للعقل وكذلك أدوات العمل والمواد المستعملة. عند عصيان واحدة من هذه العناصر، على الرسام أن يصلح وأن يغيّر حتى يتحصل على الأثر المنشود والمتوقع.’ لذلك وجب على القارئ تتبع خطى الفنان وفكّ الألغاز انطلاقا من جملة العناصر المكونة للعمل. للبحث عن ‘الدلالة الحق’ التي في اعتقادي لن تتم إلا بدراسة ثلاثة مستويات للعمل التشكيلي:
1. مستوى الخلق والتشكيل: وفيه تساؤل عن كيفيات المزج والدمج والتركيب والتوليف والتنسيق... بين جملة العناصر الفنية المكونة للعمل.
2. المستوى الصوري: وفيه دراسة للموقف الفكري القائم على مبدأ اسقاط الحواجز ونفي التباينات بين مختلف الوحدات التشكيلية والمميزات الفنية... التي تموضعت على سطح العمل.
3. المستوى اللغوي: وفيه اطلاق العنان للخيال واعطاء فرصة للمعنى واستدعاء فعل التأويل بشكل يسمح للكشف عن عدة تمظهرات...
تمظهرات تفرض هي الأخرى مشروطتيها في استجلاء المعنى لاكتساب لغة الخطاب التشكيلي لتنزيل العمل في سياقه الفني واستخراج البنى الفنية وابراز العلاقات بينها وذلك قصد تجاوز الحدود السطحية للعمل بتطبيق نظرية ‘توليد الدلالة’.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: