أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3831
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقال قانونا أن العقد شريعة الطرفين، و بين أعوان الأمن بمختلف درجاتهم و الدولة هناك عقد عمل هو شريعة الطرفين، و قوات الأمن بمختلف تشكيلاتها تخضع لقانونها الأساسي و لبقية الأوامر و القوانين ذات العلاقة، المهم في كل هذا أن انتداب الأعوان قد تم طبقا لضوابط معينة و تبعا لالتزامات معينة و هنا لا يمكن لهؤلاء الأعوان تحت طائلة الفصل التراجع عن مقتضيات عقد الشغل و بقية الضوابط المضمنة بهذا العقد و بالقانون الأساسي لقوات الأمن الداخلي، لكن يظهر أن المنظومة الأمنية التي شاركت في قمع الثورة و في وئدها من البداية بقوة الحديد و النار قد أرادت استثمار حالة النسيان البشرية و ضرورة التحول الديمقراطي السلس في البلد لتركب موجة الثورة و تتجاهل ‘ ماضيها’ القذر و تتحول بقدرة قادر إلى ‘غاندي’ الثورة و هي التي كانت أحد المؤسسات الأكثر فسادا في عهد بن على .
بالأمس شهدت تونس أقذر تحرك عمالي في تاريخها نفذه بعض العملاء الأمنيين المعروفين بخدمتهم لعدة أطراف نافذة في النظام السابق و لبعض كبار المهربين الذين داسوا على هيبة الدولة بعد ما سمي بالثورة، العيب و المثير للغثيان أن هؤلاء العملاء نفذوا جريمتهم النكراء في نفس الساحة التي شهدت اعتصامات الثورة المتتالية للمطالبة بتنحي حكومة الغنوشى و تحقيق مطالب الثورة، دنس المجرمون العملاء حرم القصبة الذي سقط فيه الشهداء و مثل معلما تاريخيا للأجيال التي تفتخر بحبها لتونس فجاء ‘جيل’ لقيط من رحم الأفكار ‘النقابية’ المسمومة ليعيد قتل الزعيم النقابي فرحات حشاد مرة ثانية و على بعد أمتار قليلة من ضريحه، في تحد قذر واضح لكل ما تمثله الأفكار النقابية التي أسسها حشاد و محمد على الحامي و بقية النقابيين الشرفاء طيلة عقود من الكفاح النقابي التونسي، هكذا نفذوا جريمتهم القبيحة كأطفال الشوارع و كسفلة المجرمين ليؤكدوا لهذا الشعب بالصوت و الصورة أنهم عملاء و شرذمة ضالة تناست خطاياها و جرائمها و تعذيبها للشرفاء و خدمتها لنظام الاستبداد .
من العار أن يخرج هؤلاء للعموم بهذا ‘ المنظر’ القبيح و من العيب أن يصمت الأحرار على جريمة الأمس ، فالدولة مهما اعتراها الوهن تبقى الدولة التي تحمى الجميع بما فيهم هؤلاء القتلة المجرمون، و الدولة التي طالبوها بالرحيل تبقى هي الدولة التي انتخبها الشعب بالتمثيلية الانتخابية المعروفة، فلا يحق لشرذمة مجرمة في عهد بن على أن تنقض على نتائج الانتخابات تحت ستار المطالبة العمالية، فما حدث هي محاولة انقلاب ‘عسكري مسلح ‘ باسم المطالب الاجتماعية و في وقت يتحدث فيه كثيرون على احتمال عودة بن على أو قرب إعلان الخلافة الإسلامية فان هذا ‘الاحتلال’ المشبوه لرمزية الدولة هو عمل يرقى إلى مرتبة الخيانة الوطنية و محاولة قلب نظام الحكم بالقوة ‘ الناعمة’ التي تخفى القوة العسكرية الحقيقية التي تنتظر ساعة الصفر على الحدود و في بعض الأماكن الخفية على التراب التونسي نفسه كما تؤكده التحريات الأمنية الأخيرة و عمليات القبض على المشتبه بهم في الأيام الأخيرة .
ما حدث بالقصبة حالة عصيان عارمة مشبوهة و الذين ‘يقرؤون’ صور و شعارات الاحتجاج المحموم يدركون أن ما حدث هي بروفة مرتبة بعناية شديدة لإضعاف هيبة الدولة و إعطاء الانطباع أن هناك قوة عسكرية قادرة على تمريغ هذه الهيبة في التراب دون محاسبة و دون وجود قوة دولة تردعها و تضع خط النهاية لهذه المؤامرة على حكومة الائتلاف المنتخبة، و لعل صمت أغلب الألسنة الخبيثة المعارضة المعروفة بحمايتها و دفاعها عن المشروع القطري التركي الصهيوني إزاء ما حصل بالقصبة بالأمس هو تأكيد واضح أن الذين حضروا بشعار ‘ ديغاج’ المسجل الحصرى للثورة التونسية قد أرادوا تنفيذ عملية خداع بصرية كبيرة لتمرير ‘الخط التحريري’ الخفي لعصابة ‘ أصدقاء تونس’ من برنارد هنري ليفي إلى يوسف القرضاوى مرورا بنيكولاي ساركوزى،لذلك يمكن أن نقول أن تونس مرت بجانب كارثة بالأمس لولا صــبر الحكومة و تعقلها لان هؤلاء المخربين كانوا مستعدين لإحراق البلد تحت ستار دخان المطالب الاجتماعية الكاذبة، و يجب اليوم على الدولة بكل مكوناتها أن تنتبه أن الحرب على الإرهاب تشمل قوى الطابور الخامس و كل القوى الخدومة لمشروع تفتيت البلد تحت عناوين منافقة مختلفة، و ليفهم شكري حمادة و من ماثله و يمثله أن هناك فرق تاريخي بين مواقف شكري بلعيد و بين مواقف شكري حمادة، و اللبيب من الإشارة يفهم .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: