أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3757
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يستقيم الظل و العود أعوج، هذه هي القاعدة في العلوم السياسية، و المهم في مسألة الحكم الرشيد أنه لا يجب الاكتفاء بالتدقيق و الإثبات ضد الذين نهبوا مال الشعب بل يجب أن نمر إلى مجال المحاسبة، في هذا الإطار انعقد المؤتمر الرابع لاسترداد الأموال المنهوبة من 8 إلى 10 ديسمبر 2015، اللافت في هذا الإطار أن الدولة التونسية المعنية أساسا بالموضوع لم تعقد هذا المؤتمر بل منظمة ‘ أنا يقظ ‘ إحدى منظمات المجتمع المدني، و قد تبين بالكاشف أن من بين الأسباب التي تعبق استرداد الأموال التونسية المنهوبة هو انعدام الإرادة السياسية و هو أمر مثير للاستغراب في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الاقتصاد و إشراف خزينة الدولة على حافة الإفلاس، و حين نعلم أن قيمة الأموال المنهوبة تتراوح بين 29 و 32 مليار دور أي ما يفوق ضعفي ميزانية الدولة فإننا نتحسس موطن الداء و الخور في سياسة الحكومات المتعاقبة بعد الثورة .
نبه تقرير دائرة المحاسبات بخصوص غلق ميزانية 2013 إلى وجود اخلالات و سوء تصرف في اغلب المؤسسات العمومية التونسية و على رأسها المؤسسات التي تلعب دورا اقتصاديا حيويا مهما من بينها على سبيل المثال الديوان الوطني للبريد و الشركة الوطنية لتوزيع البترول و الشركة الجهوية للنقل بباجة و الديوان الوطني للتطهير، في المجال الحكومي بين التقرير أن الوزراء لا يقدمون تصريحا بالممتلكات عند المغادرة أو الإقالة و هو ما يؤكد شبهات الفاسد و نهب المال العام التي طالت عديد الوزراء في عهد الترويكا و في حكومة السيد مهدي جمعة، في خصوص أموال الحملة الانتخابية تبين للدائرة أن عديد الأحزاب لم ترجع السلفة المالية الانتخابية، و هو ما يؤكد أن شعار الشفافية التي ترفعه عديد الأحزاب هو شعار مغلوط من الأساس للتغطية على رغبتها في الاستحواذ على أموال المجموعة الوطنية، و في هذا الإطار نبه التقرير إلى وجود عجز لدى الصناديق الاجتماعية نتيجة سوء التصرف و اخلالات في الصرف لدى صندوق التامين على المرض، في حين ارتفع مؤشر التداين الخارجي من 54.8 سنة 2013 إلى 52.9 سنة 2015 و هو رقم مفزع بكل المقاييس .
لم يمر تقرير المحاسبات على تلك الجريمة النكراء التي استهدفت الإدارة التونسية بكل هياكلها و المتمثلة في تعمد حركة النهضة إغراقها بالآلاف المنتدبين الجدد من أبناء الحركة محملين الخزينة العمومية و الطاقة التشغيلية لتلك المؤسسات ما لا تتحمل كل ذلك لأسباب حزبية ضيقة و في غياب تام للمسؤولية الأخلاقية و السياسية من هذا الحزب تجاه مسؤوليته الحكومية و وعده بتشغيل العاطلين عن العمل من كل الفئات و التوجهات السياسية، و حين يتحدث التقرير عن انتداب ما لا يقل 23 ألف ‘عاطل ‘ من حركة النهضة لم يتوفر أي معطى حولها يمكن أن يكشف عن عمليات انتداب مشبوهة أو كيفية تمويلها من الخزينة العامة للدولة فانه من المحق أن نتساءل اليوم لماذا تصر الحركة على رفع شعار الشفافية و اتهام النظام السابق بالمحسوبية في كل المجالات، و حتى نكون منصفين فان حكومة مهدي جمعة تبقى من أكثر الحكومات التي شهدت حالة غير مسبوقة من نهب المال العام و سوء التصرف الحكومي و غياب الشفافية و التغطية على الفساد و إبرام الصفقات المشبوهة في كل المجالات .
هناك بعض الملاحظات المهمة أولها تتعلق بديوان التطهير و هي مؤسسة شبيهة في تصرفها بتصرف المافيا، فهذا ‘الصندوق المالي الأسود’ لا يخضع لأي رقابة جادة من الدولة و هو من الصناديق التي تلهف أموال المواطن بغير وجه حق و بشكل مستمر دون تقديم الخدمات الأساسية المطلوبة منه و هنا يتذكر المواطنون ما يحصل في الإحياء الشعبية بمجرد نزول بعض الأمطار، و الدعوة ملحة بان تتم محاكمة المسئولين على التصرف في هذه المؤسسة المشبوهة لإعطاء إشارة واضحة للعموم بأن عهد لهف المال العام قد ولى، ثانيها أن اعتزام السيد مهدي جمعة تكوين حزب سياسي للعودة للعمل السياسي هو فعل خادش للحياء السياسي بعد أن خبر هذا الشعب كل الخور الذي ميز تصرف حكومته و الذي زاد في تعكير الحالة الاقتصادية، ثالثها، أنه على هذه الحكومة المترددة المرتعشة أن تستعيد عافيتها لتحاسب كل المفسدين الذين جاءت أسماؤهم و هوياتهم في تقرير دائرة المحاسبات، و فشل هذه الحكومة في هذا الإطار سيعطى إشارات سلبية للداخل و الخارج و يعطى الدليل لبعض المتربصين بالمال العام انه بمقدورهم المواصلة في العبث .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: