أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3500
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تتعامل الحكومة مع الشعب و كأنه شعب درجة عاشرة أو شعب مغفل و ستين مغفل، الغريب أن هذه الحكومة رغم سيل الانتقاد و سيل المظاهرات و سيل الاعتصامات وسيل عوارض الرفض لا تتضايق و لا تتبرم و لا تختشى على دمها كما يقول إخواننا في الشرق، و حتى و إن تحركت بعض الشيء فهي تتحرك دائما في الاتجاه الخطأ و بعد خراب مالطة لدرجة أن عجز الجميع عن فهم هذه الحكومة بحيث تاهت التفسيرات و التحاليل و استعل البعض هذه الأزمة الحكومية في حملاته الحزبية الانتهازية ليشهر سيف ‘ الأنا’ بالبنط العريض معربا عن كونه أول من تنبأ بالفشل و أول من أعلن هذا الفشل و أول من نادي بالتغيير و أول مـــن قــدم برنامــجا و أول من نصح و أول من يقدم اليوم نفسه منقذا، طبعا، السيد زهير المغزاوى أو السيد حمة الهمامى يفركون أياديهم فرحا خاصة بعد أن أصبح ‘ النداء’ مجرد أطلال يتباكى حولها خلان الأمس و أعداء اليوم ، و طبعا، هناك بسمة تخفيها حركة النهضة لتفكك ‘النداء’ مللا و عشائر .
مع ذلك يتبسم رئيس الحكومة ابتسامة الواثق من الخلاص و ربح المعركة، و يتبسم وزراء الحكومة حتى تطلع الصورة حلوة ، لكن، هناك، في الجنوب و في الشمال من يبكى من اليأس و من الإحباط، و هناك من قرر الرحيل و ‘شرب ماء البحر’ أو التفرغ ‘للجهاد المقدس في سوريا ‘ و لتوابعه من جهاد النكاح و ذبح الأبرياء و التخلص من الآثار و انتهاك الحرمات و بث الفوضى ، هناك من يقول أن ‘ الجماعة’ يعنى هذه الحكومة ‘ المبتسمة’ تقود تونس إلى طريق مجهول، أنهم يدفعونها إلى هوة سحيقة، و أن هؤلاء يتبعون سياسة النعامة ، مرددين أن الأمور تحت السيطرة في حين تؤكد كل استطلاعات الرأي و مؤشرات الاقتصاد أن تونس تنحدر بسرعة نحو الهاوية، مع أن هذه الحكومة الفاشلة لم تستطع القيام بمجرد تخفيض معاليم فواتير الكهرباء و الماء و تمسكت عبثا بإثقال كاهل المواطن التعيس بأداءات خيالية دون مبرر قانوني، ليبقى السؤال، لماذا تبتسم الحكومة ؟ .
المشهد الحالي و بعد 5 سنوات من الانتفاضة أو الثورة خطير و تونس على حافة بركان الغضب الشعبي خاصة بعد أن خان الحزب الأغلبى الحاكم ثقة الناخبين ليتفرع لنهب المناصب و الأموال و العطايا سواء كنواب أو كوزراء، و لعل حركة النهضة لم تفهم لحد الآن أن خسارة النداء و تفككه إلى شظايا ستصيب كل الرباعي الحاكم ، فالشعب قد لفظ حركة النهضة و يلفظ اليوم النداء و من تحالف معهم في هذا الرباعي الفاشل، فالمواطن قد جرب حكم حركة النهضة و جني الخراب و الإرهاب، و جرب حكم النداء و جني الفراغ على كل الأصعدة، و إذا كان هناك من يظن أن فشل حزب النداء و حكومة النداء سيزيد من حجم بغض الأحزاب الأخرى فهو واهم لأنه رجوع للخلف و لن يعطى الشعب مجددا ثقته المطلقة لأي حزب بل ستجبر الانتخابات القادمة كل الأحزاب على التعايش و الانصهار في حكومة ائتلافية بمفعول الرصيد الانتخابي المتوازن بين تلك الأحزاب و المفروض من الناخب المكتوي بفشل خيارات النهضة و النداء .
يقول رئيس الحكومة في بيان ‘تأبين’ - عفوا تعيين - حكومته الحديدة منذ أيام أن الثورة قد حققت كثيرا من الأهداف، ما يقوله رئيس الحكومة طبعا هو من باب الفذلكة السخيفة و هي قراءة عرجاء لما يحصل في تونس منذ 5 سنوات، فالتعليم قد تراجع بشكل ملحوظ بعد أن بسط سماسرة منظومة التعليم الحكومي يدهم على كنز الدروس الخصوصية و بسط المهربون يدهم على كل مسارب التهريب و بسط القضاء الفاسد هيمنته على القضاة الشرفاء و أصبح الإرهاب وجهة نظر و الراية الوطنية محل نقاش و مؤسسات الدولة مكانا لنهب الثروات و الاستحواذ على المال العام ، حتى حرية التعبير ليست مكسبا بعد أن تحولت إلى وسيلة لبعض الفضائيات للارتزاق من المال المشبوه و البحث عن عائدات الإشهار على حساب مهنية الإعلام و قداسة الخبر و صدقية التحليل، و حتى التطبيع قد أصبح وجهة نظر بعد أن رفض ‘الدستور’ تجريم التطبيع بفعل ضغوط الكيان الصهيوني و إملاء السفارات الأجنبية ذات العلاقة بالمشروع الصهيوني في كل المنطقة العربية .
يعيش الشباب التونسي اليوم وضعا بائسا و لا شيء في الأفق يبشر بقرب انفراج الأزمة، و الدول العربية و الغربية التي وعدت ‘الثورة’ ببعض الهدايا و الإعانات المالية لم تف بوعودها لأسباب ليست خافية على أحد، فهناك من يتعلل برفضه لزواج المصلحة بين الإخوان و النداء و هناك من يريد حكومة إخوان فقط و هناك من يحبذ حكومة ‘علمانيين’ فقط و هناك من يريد ‘استشارته’ المسبقة في تعيين بعض الأسماء، و هناك من يؤيد في العلن و يناور في السر و هناك طبعا من يرفض فطريا هذا ‘ الربيع العربي’ و هذه التجربة التونسية، و هناك من يبحث عن فشلها السريع بالجملة و التفصيل حتى لا تتحول إلى يافطة تتعلق عليها انتظارات شعوب الخليج التي تعيش الهزال الديمقراطي و غياب الفضاء السياسي العام، و حين يعيش الشباب مثل هذا الإحباط المتواصل و هو الذي صنع هذا الحلم ليلة 14 جانفى 2011 فهو لا يفهم سر ما حدث إلى حد الآن بل هناك من يعتبر هذه الثورة مجرد فذلكة بايخة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: