حيال تصاعد وتيرة الإعدامات في الأقطار العربيّة و الإسلاميّة، أما آن الأوان لإلغاء عقوبة الإعدام؟
محمد المختار القلالي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2971
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا تزال ‘ عقوبة الإعدام’ في بلادنا العربيّة و الإسلاميّة ، محلّ خلاف بين الدّاعين إلى إلغائها و المتحمّسين للإبقاء عليها . و لكل من الفريقين مبرّراته و احترازاته.
يرى المتمسّكون بالإبقاء عليها أنّ من الجرائم ما يبلغ من البشاعة و الشناعة ما يستوجب ما هو أشدّ قسوة من القتل إن كان يوجد ماهو أشدّ قسوة و أوجب للأخذ بالجريرة من القتل . و لَبتر العضو برأيهم أولى حين يتحوّل هذا إلى خطر يهدّد حياة صاحبه. و في اعتقادهم أيضا أن الإبقاء على هذه العقوبة يجعل منها رادعا قويّا عن اقتراف الجرائم الفادحة. ما يصبّ بالنّهاية في حماية المجتمع من اعتداءات أفراده بعضهم على بعض . و يستدلّ الكثيرون على ‘مشروعيّة’ حكم الإعدام بكون الشرع الإلهي بدوره لم يستثن هذه العقوبة ضمن ما سنّه من أحكام و حدود للنّاس.
بماذا يبرّر الآخرون في المقابل مناهضتهم لهذه العقوبة؟
يستند هؤلاء إلى جملة من الحجج و الاعتبارات منها أنّهم يستبعدون أن يقدم مقترف الجريمة على فعلته وهو في كامل مداركه العقليّة، مسيطر بصفة مطلقة على مشاعره و نوازعه. ما يوجب النّظر إليه، برأيهم، على كونه ‘ المذنب’ و ‘الضحيّة’ معا، الفاعل و المفعول به في الآن نفسه.
كذلك هم لا يسلّمون بأنّ ‘ القتل هو بالضرورة أنفى للقتل ‘ ، و يرون أنّ للحدّ من جرائم القتل سبلا و وسائل أخرى أكثر نجاعة من مقاربتها بمجرّد القصاص من المعتدين .
و ينبّه هؤلاء بالخصوص إلى إستحالة تدارك أحكام الإعدام بعد تنفيذها في حال التفطّن إلى حصول شبهة في تقدير الجريمة أو خطإ في نسبتها إلى من تمّت محاكمته على أساسها.
إلى ذلك هم ينوّهون إلى الخطر من تحوّل هذه العقوبة إلى سيف مسلّط بأيدي المستبدّين يلجؤون إليه لتصفية مخالفيهم كلّما توجّسوا خيفة على سلطانهم .
شخصيّا لا أستطيع أن أقتنع بمشروعيّة الإبقاء على هذه العقوبة أيا يكن حظ هذه الذّريعة أو تلك من المعقوليّة . و رفضي لها ظل يتصاعد بتصاعد وتيرة الإعدامات التي تشهدها منطقتنا العربيّة و الإسلاميّة . و قد بلغ بي القلق أشدّه أخيرا بعد أن ذاع خبر إقدام السلطات السعوديّة على تنفيذ حكم الإعدام بحقّ سبعة و أربعين شخصا بتهمة ممارسة العنف و التحريض عليه ، من بينهم ‘ رجل دين’ على غير مذهب أهل السنّة، تقول عنه الأخبار التي وصلتنا إنّ الرّجل أدين على أقوال قالها يجوز أن تكون مزعجة لسلطات بلاده أو حتّى محرّضة عليها.
صدمني بصراحة هذا الخبر ، إذ ما ضرّ لو استبدلت السّلطات السعوديّة هذه الأحكام الثقيلة بأخرى أخف(كالمؤبّد إن كان ولا بدّ )؟ أليست المملكة، وهي من تشهر على الدّوام التزامها بالقيم الإسلاميّة ، مدعوّة أكثر من سواها إلى ترجمة هاتيك القيم على أرض الواقع ، و ذلك بانتهاج سياسة أكثر تسامحا و رحمة، و صبرا على المخالف، و اقتصادا في الزّجر عملا بوصيّة رسول الإسلام عليه السّلام ‘ ادرؤوا الحدود بالشبهات’؟
لا أنطلق فيما أقول من موقع المشكك في ما يمكن أن يكون قد أتاه المتوّرطون لجهلي بملابسات’ المأساة ‘. كما لا يحقّ لي و لا لغيري أن ينكر على السلطات السعوديّة حقها و واجبها معا في ما تراه مناسبا لحفظ الأمن في بلادها، و إنّما أنطلق من موقع الرّافض من حيث المبدإ لعقوبة الإعدام أوّلا ، و من موقع الوَجِل على أمّته من فتنة تسرّ العدوّ ثانيا، و من موقع المؤمن بأنّ الرّحمة تعلو على كلّ ما سواها ثالثا.
أمّا التصريحات التي تفيد رفض المملكة التدخل في شؤونها الدّاخليّة فقول تجاوزه في الحقيقة منطق العصر، إذ ما من دولة هي اليوم بمعزل عمّا يجري في العالم تأثّرا و تأثيرا. و مصطلح ‘ السّيادة الوطنيّة’ بمفهومه التّقليدي أضحى خاضعا للنسبيّة بحكم ما طرأ على المشهد السياسي في العالم من تحوّلات، و ما بات مُتواطأ ًعليه من معايير مستحدثة . كما و أنّ ‘ قضايا الإنسان’ في كل مكان أمست محلّ متابعة و اهتمام الرأي العام في العالم بأسره رغما عن إرادة الجميع
.
إنّ الإعدام كان و سيظلّ وصمة عار في جبين الإنسانيّة ، و إذا لم نعد نسيغ اليوم ‘ بتر الأطراف’ كإحدى العقوبات التي كانت شائعة في الماضي ، فمن باب أحرى أن نستنكر عقوبة تقضي بإزهاق الرّوح، هبة الخالق، و صاحب الحقّ الوحيد في التحكّم بمصيرها.
‘إنّ قاتل القاتل قاتل’، فمتى يا ترى يتمّ إلغاء هذه العقوبة الإنسانيّة في بلادنا العربيّة و الإسلاميّة أسوة بغيرنا من الدّول التي حظرت على نفسها ‘ جزّ الرّقاب’، تلك العقوبة التي تعود إلى ماض كان سفك الدّماء و الماء فيه سيّان لا يختلفان أم أنّنا سنظلّ نمضي، كما هو دأبنا في سائر شؤون حياتنا، في عدم ‘اعترافنا بالعصر’. و نتساءل في الوقت نفسه، و بمنطق السّاذج، كيف هو لا يعترف بنا.
أودّ أن أشير في السّياق إلى أنّ عتبي على شقيقتنا السعوديّة يتساوى مع عتبي على دول أخرى في المنطقة باتت معروفة هي الأخرى بولوغها في دماء مواطنيها .
أمّا بخصوص الخلاف الرّاهن بين السعوديّة و إيران ، و الذي نقرّ بملابساته المعقّدة، و نتحسّس أخطاره على البلدين بل على الأمّة بأسرها، فلا نملك إزاءه غير التوجّه بالقول إلى القادة في الدّولتين أن اتّقوا اللّه في أمّة الإسلام، و إلى ‘ الأنصار المتحمّسين’ في الجانبين أن ألقوا الرّماد على النّار بدلا من تأجيجها، رجاءً. أليس بربّكم ما فينا يكفينا؟
كلمة أخيرة:’ أوّل ما يُقضى فيه يوم القيامة الدّماء’(حديث)
-----------
محمد المختار القلالي
عضو اتّحاد الكتّاب التّونسيّين
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: