أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3490
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في لعبة المخابرات العالمية لا شيء قابل للتصديق بالبداهة و من أول ‘ نظرة’ كما يقال في العشق ، صحيح أن منطق الجريمة يدين النظام الروسي من أول وهلة بمنطق ابحث عن المستفيد ، لكن كما يقال ، هذه المرة الجريمة تدفع إلى بذل بعض الجهد لمتابعة خيوطها الغامضة لأنه من الواضح أن الفاعل قد أراد توريط النظام الروسي بكل الطرق و فعل كل شيء للوصول لهذا الغرض لكن هذا الاجتهاد المقصود الزائد هو من يدفع المراقبين و المتابعين للحذر ، ولان الوصول إلى الحقيقة هو أمر مستحيل و يحتاج إلى فترة طويلة و إلى صدف و احتمالات معينة سنكتفي كغيرنا من الملاحظين بإلقاء السؤال المنطقي التالي : من يريد توريد روسيا ؟.
فعلا ، نحن على يقين هذه المرة أن هناك من يبحث بقوة على توريط روسيا الاتحادية و الرئيس فلاديمير بوتين بالذات في هذه الجريمة السياسية لغايات سياسية انتهازية تهم لعبة الأمم و ما يجرى في المنطقة العربية بالذات ، و المخابرات الغربية ، الصهيونية الأمريكية بالأساس ، ليست بعيدة بالقطع عن المسؤولية هذا إذا لم نقطع بمشاركة بعض الأجهزة القريبة من المخابرات الروسية ذاتها في تحضير ‘الساحة’ إلى حصول هذه الجريمة ، فنحن نعلم أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق و تجزئة دوله إلى محاور متعادية في بعض الأحيان أصبحت مخابرات هذه المنظومة الشيوعية في صراع مصالح و تحالفات مع الغرب في نطاق سعيها للخروج من جلباب النفوذ روسيا الاتحادية .
من يقول معارض للرئيس بوتين يقول صديق محبوب و مقرب و مدعوم من الغرب ، دور المخابرات الغربية في استمالة المعارضين الروس لم يعد خافيا على أحد و اختراق هذه المخابرات لعقول هؤلاء المعارضين ليس خيالا علميا أو محاولة للإلصاق التهمة بدولة غربية معينة ، فالجميع في سباق محموم لمحاولة زعزعة الاستقرار في هذه المنطقة التي تحولت إلى مخابر تجارب للمخابرات الغربية في كل المجالات بدءا من صنع الثورات على كل الألوان ، البرتقالية الرومانية مثالا ، نهاية بتنصيب رؤساء بميول غربية ، ما حصل في أوكرانيا مثلا ، و الأهم من كل هذا و ذاك الاشتغال على عقول المعارضين أو العناصر القابلة للتطبيع أو الرافضة للسلوك الروسي في بعض البلدان السوفيتية السابقة الذين يتم تلميع صورهم بقوة من طرف منظومة إعلامية منصبة للغرض ثم يتم صقل ‘ مواهبهم’ من طرف المخابرات و بعض دكاكين حقوق الإنسان التي هي فرع من منظومة تعمل على إضعاف روسيا و دورها في المنطقة.
يعرف عن السيد بوريس نيمتسوف كراهيته الشديدة للرئيس فلاديمير بوتين منذ صعود هذا الأخير لسدة الحكم في روسيا الاتحادية سنة 2000 ، هذا لم يعد سرا بعد أن اشتغلت عليه المخابرات الغربية منذ تلك الفترة إلى تاريخ اغتياله ، و الرجل ليس المعارض الوحيد في روسيا أو في بعض دولها المجاورة ، و المعارضة للنظام الشيوعي ليست وليدة اليوم و لكن ما يثير الانتباه اكتشاف دور المخابرات الغربية في تنمية هذه المعارضة خاصة بعد رحيل الرئيس بوريس يلتسين و صعود نجم الرئيس بوتين الذي يريد إعادة مجد الاتحاد السوفيتي السابق و صنع روسيا شيوعية لتصبح رقما صعبا في المعادلة الدولية ذات القطب الأمريكي الواحد ، في هذا السياق لا يمكن تصور قيام النظام بهذه الجريمة ليصنع من نفسه فريسة للاتهام خاصة في هذه الفترة التي يعانى منها من تبعات التدخل الغربي في أوكرانيا بما يمثله ذلك من عبء على الاقتصاد و السياسة الداخلية و الخارجية الروسية .
اغتيال نيمتسوف أمام الكرملين و في قلب العاصمة يشكل تحديا واضحا للنظام الروسي و للرئيس بوتين نفسه ، و من قام بالعملية يدرك جيدا أن كل أصابع الاتهام ستذهب مباشرة في اتجاه الرئيس الروسي خاصة بعد أن رفض تقديم تنازلات معينة في الملف السوري و يسعى لإقناع المعارضة السورية بالجلوس على طاولة المفاوضات ، و رفض تقديم تنازلات في ملف تزويد إيران و سوريا بعدة أسلحة هجومية قادرة على إحداث بعض التوازن في صراع الإرادات في منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى إصرار الروسي على معالجة روسية أوكرانية لهذا الملف بعيدا عن التدخل الصهيوني الأمريكي في هذه المنطقة الحيوية للاقتصاد الروسي ، و في كل الحالات لا يمثل الرجل رقما صعبا يتوجب تصفيته بهذه الطريقة ‘ البدائية’ التي تثير أكثر من علامة استفهام حول منفذيها الحقيقيين .
تقول التحقيقات الأولية أن مجهولين قد أطلقوا الرصاص على نيمتسوف لما كان يتجول صحبة رفيقته على الجسر المحاذي للكرملين ، هذا الأسلوب ‘البسيط’ هو أسلوب عصابات و أعوان قتل مأجورة و ليس أسلوب قتل دولة كما يعلم الجميع ، و المخابرات الروسية لا يمكنها أن تلجا لمثل هذا الأسلوب المكشوف ، و في روسيا هناك عصابات قوية تشتبك مصالحها سلبا مع الخطاب التحريضي على النظام الذي يدعو إليه هذا الرجل و هي قادرة كما حصل مع اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي على إبعاده من المشهد السياسي ببعض الرصاص الطائش ، و في روسيا هناك أيضا أجهزة مخابرات غربية معينة قادرة على ‘صنع ‘ جريمة سياسية بمقاييس عصابات من باب إبعاد الشبهات ، و في روسيا ، هناك دول شيوعية بعينها لها مصلحة في حصول اضطرابات شعبية بإمكانها أن تضع وجود النظام نفسه في خطر ، و في روسيا و داخل الكرملين نفسه هناك عقول تدرك كل هذه الأخطار و بالتالي فهي أخر من يفكر في تنفيذ هذه العملية .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: