البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

سكوتلاندا لا تنفصل... درس في المصلحيّة

كاتب المقال فتحي الزغل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4228


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


للمرّة الثّانية، يختار السّكوتلانديّون في استفتاء الثّامن عشر من سبتمبر الجاري البقاء ضمن المملكة المتّحدة أو ما يعرف أكثر عندنا ببريطانيا . المملكة الّتي تضمّ أربعة دول أقاليم أو مقاطعات أو قوميّات هي انقلترا و ويلز و إيرلندا الشّماليّة و اسكتلندا.

و قبل أن ألج في موضوع هذه المقالة الرّئيس، أرى أن أنهي إليك قارئي بعض المعلومات التّاريخية و الجغرافيّة و الجيوسياسيّة لهذه المقاطعة و أقصد سكوتلندا، حتى تتّضح الصّورة التي سأعلّق عليها فيما يلحق من رأي.

فدولة سكوتلاندا هي مملكة تحكمها عائلة ستيوارت كانت مستقلّة إلى حدود سنة 1707 عندما أبرمت مع انقلترا ما يسمّى بقانون الوحدة. و هو القانون الّذي أوجد بريطانيا الفدراليّة المعروفة. و تحتلّ سكوتلاندا الجزء الشّمالي من بريطانيا على كامل الجزيرة المثلّثة التي تظهر في خريطة البلد من فوق بمساحة تقارب الثّمانين ألف كم2 يقطنها حوالي الخمسة ملايين ساكن موزّعين على مدنها الكبيرة كالعاصمة أدنبره و غلاسكو و على جلّ الجزر المتاخمة للجزيرة الأمّ و الّتي يقارب عددها السبعين. و يتديّن أغلبهم بالدّين المسيحي و لا يدين ثلثهم بأيّ دين، و يعتبر الإسلام ثاني دين في هذا البلد بما يقارب المائة ألف مسلم.

و قد اختار السّكوتلانديّون منذ أيّام في استفتاء وصلت نسبة المشاركة فيه بين المسجّلين في قوائم النّاخبين 86 بالمائة، البقاء تحت التّاج البريطاني. وذلك بفارق خمسة بالمائة من الأصوات. إذ كانت الـ "لا" و هي التي تعني رفض الانفصال قد حصدت 55 بالمائة من إجمالي الأصوات. بعد فترة حملة انتخابيّة استثنائيّة حبلى بالنّشاطات و الفعاليّات شارك فيها الأحزاب الثّلاثة الأولى في هذا البلد بكلّ ماكيناتها و قوّتها البشريّة لدعم رفض الانفصال.

و حسب تقديري، فإنّ اختيار الشّعب السكوتلاندي لهذا الخيار، ينبع أساسا من رؤيته لمصلحته و لمصلحة بلاده، إذا ما نزّلنا استفتاء السكوتلانديون على استقلالهم في سياق الاستفتاءات العديدة التي شهدها العالم على الأقل في العقدين الأخيرين، حيث أنّنا نجد أنّ نتيجته مخالفة لها. و التي نتذكر بعضها مثل تلك التي حدثت في تيمور الشّرقيّة في أندونيسيا أو في القرم في أكرانيا أو في جنوب السّودان في السّودان، وهو ما يشكّل لوحده ظاهرة تلفت نظر الدّارس و المحلّل.
فالسّكوتلانديون قد صوّتوا لخيار مصلحتهم أوّلا و أخيرا في هذا الاستفتاء. و غلّبوا تلك المصلحة على ما يمكن أن يكون فطريّا لدى البشر من عصبيّة للعرقيّة و توقٍ للتّفرّد ضمن العرق و الجغرافيا لدى كلّ الشّعوب و المجتمعات البشريّة. و هي النّزعة الّتي تبدأ فرديّة ذاتيّة لها جذور في كلّ شخص و حيوان، و تنتهي جماعيّة لها تمظهرات في كلّ مجموعة بشريّة أو حيوانيّة، إذا ما وُجِد القاسم المشترك بين أعضائها، مهما يكن هذا القاسم. سواء كان لغة أو تاريخا أو أرضا أو دينا أو حتّى عرقا...
و مخالفة الغريزة لم تكن، لولا درجة الوعي الشّخصي، و الوعي الجماعي الّذي اكتسبه السكوتلانديون ليقرّروا مصيرهم. لأنّهم يعرفون أنّ الانفصال عن المملكة المتحدة سينتزع منهم مزايا و مستحقّات و منافع قد تستوجب منهم العمل لسنوات أو لعقود قادمة ليحققّوها لذاتهم في حال انفصالهم، خاصّة و أنّ البيئة الاقتصاديّة العالميّة الرّاهنة تتّسم بالتّقلّب، و بصعوبات جمّة في نسب النّمو الّتي تعاني من أجلها كلّ الشّعوب.

فالمواطن السكوتلاندي مثله مثل أيّ مواطن بريطاني، يعيش ضمن منظومة اقتصاديّة اجتماعيّة تصنّف الرّابعة أو الثّالثة عالميّا، و لذلك فهو يدرك جيّدا أنّه بانفصاله عن البلد الأمّ سيخسر ذلك التّصنيف نهائيا أو على الأقل لفترة مستقبليّة قد تكون طويلة نسبيًّا. هذا إلى جانب خسارته لصفة المملكة المتّحدة في الرّقعة الدّولية و ما تتمتّع به من قوّة و عراقة بين الأمم، في محيطها الأوربّي كما في محيطها الدّولي .

كما لا يفوت أيّ ملاحظ للشّأن البريطاني الدّاخلي و ما تبنّته الحملة الرّافضة للانفصال من وعود و رؤى قطعها السّياسيون على أنفسهم لإقناع السكوتلانديون بالبقاء ضمن المملكة المتّحدة ، و الّتي أعتبرها في حدّ ذاتها مكسبا عظيما جدّا إذا ما تحقّقت، و بل و تتعدّى أهمّيتها الشعب السكوتلاندي لبقيّة شعوب الدّولة البريطانيّة ..... و كأنّ السكوتلانديين بذلك قد حرّكوا مقبض المصلحة لفائدتهم باستفتائهم كما لفائدة زملائهم الّذين يكوّنون معهم المملكة المتّحدة. فهم قد اقتلعوا وعودا بتوسيع اللاّمركزية في مقاطعتهم، و تدعيم استقلاليّة قرارهم في عديد المجالات الّتي تبقى أهمّها الضّرائب، و كلّ ما هو بعلاقة بالاقتصادي من حياتهم، عصب حياة كلّ الشّعوب بدون استثناء في نظري.

و عليه فإنّ التّصويت بالبقاء ضمن الدّولة الأمّ يمكن أن يكون درسا في البراغماتية السّياسية لكلّ الشّعوب، و خاصة الأقلّيات منها. تلك الّتي تضع لنفسها هدفا واحدا لعقود كاملة... و هو الاستقلال و لا غير الاستقلال، تخرجه للعالم في أشكال نضاليّة لتجلب به الرأفة و الرحمة. دون أن تفكّر يوما واحدا فقط في مدى امتلاكها لعوامل المحافظة على ذلك الاستقلال... هذا إن وقع.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

سكوتلندا، أنقلترا، الإنفصال، الإستفتاء، الوحدة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-09-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إنذارات بمجتمع يهوي
  أنا اللّص الذي عنه تبحثون
  قراءة في المشهد الانتخابي البرلماني التونسي بعد غلق باب التّرشّحات
  السّياسةُ في الإسلام
  ماذا يقع في "وينيزويلّا"؟ حسابات الشّارع وموازين الخارج
   بعد تفجير شارع بورقيبة ... ألو... القائد الأعلى للقوات المسلّحة؟
  إلى متى تنفرد الإدارة في صفاقس بتأويل خاصّ لقوانين البلاد 2؟
  "التوافق" في تونس بين ربح الحزب وخسارة الثورة
  "ترامب"... رحمة من الله على المسلمين
  حكاية من الغابة... حكاية اللئيم و الحمير
  بقرة ينزف ضرعـــها دما
  تعليقا على مؤتمر النهضة... رضي الشيخان ولم يرض الثّائر
  بعد مائة يوم على الحكومة... إلى أين نحن سائرون؟
  الغرب و الشّرق و "داعش" و "شارلي"
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج3
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج2
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج1
  كيف تختار الرّئيس القادم؟
  قراءة في الانتخابات البرلمانية التونسية
  سكوتلاندا لا تنفصل... درس في المصلحيّة
  قراءة في النّسيج الانتخابي التّونسي
  "أردوغان" رئيسا لتركيا... تعازي غلبت التهاني
  "غزّة" و الإسلاميّون
  الانتخابات الفضيحة
  أُكرانيا و مصر و نفاق الغرب
  رئيسٌ آخر و حكومة جديدة.... قراءة في ما بعد الحدث
  بيان بخصوص رفض الأطبّاء العمل في المناطق الدّاخليّة
  بيان بخصوص إضراب القضاة
  سلطتنا التّنفيذيّة وعلامات الاستفهام
  سلطتنا القضائيّة و علامات الاستفهام

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد اسعد بيوض التميمي، عمر غازي، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمود علي عريقات، مصطفى منيغ، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد النعيمي، عزيز العرباوي، عبد الله الفقير، علي الكاش، الهيثم زعفان، د - شاكر الحوكي ، صالح النعامي ، صفاء العربي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العراقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - عادل رضا، د. طارق عبد الحليم، كريم فارق، سامح لطف الله، د. عبد الآله المالكي، د. أحمد بشير، صلاح الحريري، علي عبد العال، عواطف منصور، محمد العيادي، محمد الياسين، د - مصطفى فهمي، سيد السباعي، د. خالد الطراولي ، نادية سعد، فتحي الزغل، د. صلاح عودة الله ، رافد العزاوي، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، سليمان أحمد أبو ستة، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، يزيد بن الحسين، أحمد ملحم، د- هاني ابوالفتوح، الناصر الرقيق، منجي باكير، ماهر عدنان قنديل، أحمد الحباسي، رحاب اسعد بيوض التميمي، إياد محمود حسين ، طلال قسومي، خالد الجاف ، د - الضاوي خوالدية، رشيد السيد أحمد، وائل بنجدو، محرر "بوابتي"، رمضان حينوني، العادل السمعلي، مراد قميزة، محمد عمر غرس الله، مصطفي زهران، سلام الشماع، ياسين أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فهمي شراب، ضحى عبد الرحمن، فتحي العابد، د- جابر قميحة، الهادي المثلوثي، عبد الله زيدان، كريم السليتي، محمد شمام ، أحمد بوادي، د. أحمد محمد سليمان، عراق المطيري، فتحـي قاره بيبـان، سعود السبعاني، حسني إبراهيم عبد العظيم، سامر أبو رمان ، أشرف إبراهيم حجاج، د - صالح المازقي، تونسي، فوزي مسعود ، مجدى داود، إيمى الأشقر، عمار غيلوفي، إسراء أبو رمان، رافع القارصي، المولدي الفرجاني، عبد الرزاق قيراط ، د- محمد رحال، حسن الطرابلسي، محمود فاروق سيد شعبان، أبو سمية، د - المنجي الكعبي، محمد أحمد عزوز، محمود طرشوبي، محمد يحي، أ.د. مصطفى رجب، محمود سلطان، يحيي البوليني، د - محمد بنيعيش، سلوى المغربي، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح المختار، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أنس الشابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، حميدة الطيلوش، سفيان عبد الكافي، جاسم الرصيف، محمد الطرابلسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة