البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أليكسا الروسية ناعيةٌ أم غانية

كاتب المقال د. مصطفى يوسف اللداوي - بيروت    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4157 moustafa.leddawi@gmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً المنطقة الأكثر توتراً فيها، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، موجة أليكسا الباردة القادمة من روسيا، التي أجبرت سكان المنطقة كلها على الاحتماء في بيوتهم، والاختفاء من الشوارع والطرقات، والغياب عن الساحات والميادين، والنأي بالنفس عن أي نشاطٍ أو فعالية، فأغلقت المدارس والجامعات، وتعطلت الأعمال والمهمات، وتجمدت الشوارع والطرقات، وتوقفت حركة السير والعربات، وألغيت المهرجانات والاحتفالات، والتزم الجميع بيوتهم، بعد أن انخفضت درجات الحرارة، وتساقطت الثلوج، وتراكم الجليد، واشتدت الرياح، وزادت سرعتها، وارتفعت أمواج البحر، وتعذر على الصيادين دخوله، وأصبح من الصعب الوقوف على شواطئه.

بات الجميع خائفاً وجلاً من أليكسا، يخشى قدومها، ويتحضر لاستقبالها، ويتهيأ لمواجهتها، ويعد العدة للانتصار عليها، والتغلب على صعابها، وتحدي تداعياتها، أو التخفيف من أضرارها، وتجنب أثارها، فهي لا ترحم صغيراً ولا كبيراً، ولا تتراجع إكراماً لضعيفٍ، أو تضامناً مع مريض، فهي إن هبت وانطلقت، فإنها تجتاح وتضرب، وتخرب وتدمر، وتكشف وتفضح، وتخلف وراءها أضراراً لا يقوى الفقراء على تحملها، ولا يستطيع عامة الناس إصلاحها، ولا تسرع الدولة لتعويض المتضررين، أو مساعدتهم لتلافي الأسوأ، وتجنب الكوارث الأصعب، بالقدر الذي تنشط فيه وسائل إعلامها في تحذير المواطنين وتخويفهم.

أليكسا الروسية، هذا الاسم الجميل للعاصفة الهوجاء، ولموجة الصقيع الباردة، كشفت هشاشة سلطاتنا، وعرت حقيقة مؤسساتنا، وفضحت استعدادات بلدياتنا، وأظهرت صدق وزاراتنا، وحرص هيئاتنا المختصة، إذ غرقت الشوارع في الساعات الأولى بمياه الأمطار، وعجزت المجاري عن ابتلاع وتصريف المياه، ما تسبب في تعطل حركة السير، وحدوث ازدحاماتٍ مرورية خانقة، هددت حياة المواطنين، وعطلت عودتهم إلى بيوتهم، خاصةً تلاميذ المدارس، وطلاب الجامعات، والموظفين والموظفات، وغيرهم ممن كانوا عائدين إلى بيوتهم، في ظل طقسٍ عاصفٍ، ورياحٍ شديدة، وأمطارٍ غزيرة.

لا تصدقوا أن بلادنا مجهزة، وأن حكوماتنا قادرة، ومؤسساتنا خبيرة، وأن قدراتنا عالية، ومعداتنا كبيرة، ورجالنا مختصون، وأن أولي الأمر صادقون ومخلصون في التخفيف عن الناس ومساعدتهم، فلا شئ مما ذكرتُ كان حاضراً في ظل العاصفة، أو متوفراً أثناء الموجة، إذ تُرك الناس لتلقي مصيرهم، ومواجهة أقدارهم، والتصدي للأخطار بأنفسهم، فمن نجا فقد منَّ الله عليه بالسلامة والعافية، ومن تضرر فهذا قدره ونصيبه، وعليه الصبر والاحتمال، والدعوة على أصحاب الشأن المقصرين، وأولياء الأمر المهملين.

أما الطامة الكبرى التي كشفتها أليكسا الروسية، وأظهرتها بوضوحٍ تامٍ، فهي الخسة الدولية، والنذالة العالمية، وفقدان الإنسانية عند أدعياء الحضارة، ورواد الحداثة، وأرباب الحرية والقيم الإنسانية، الذين يعيشون في بيوتٍ محصنةٍ، وقصورٍ عاليةٍ شاهقة، مزودة ومجهزة، فلا تتأثر بعاصفة، ولا تميد بزلزال، ولا يهدد رسوخ بنيانها إعصار، ممن يسمعون بالعواصف ولا يرونها، ويعرفونها ولا يتأثرون بها، ويدركون أخطارها ولكنهم يتجنبون كل ويلاتها، ولكنهم الأعلى صوتاً، والأكثر صراخاً، يعلنون تضامنهم من بيوتهم، ومواساتهم من حصونهم، دون أن يقدموا شيئاً، أو يقوموا بفعلٍ حقيقي ينقذ المتضررين، ويحمي المهددين، ويعين الضعفاء والمساكين، من المهجرين والنازحين واللاجئين والهاربين.

كثيرون هم أبناء أمتي الذين سكنوا الخيام، التي لا تقي من البرد ولا تحمي من الرياح، ولا تحول دون تسرب مياه الأمطار إليهم، أو سقوطها على رؤوسهم، ولكن أحداً لم يلتفت إليهم وهم يرتجفون برداً، أو يموت أطفالهم تجمداً، أو تبكي نساؤهم خوفاً، إذ لا بيوت تقيهم، ولا ثياب تدثرهم، ولا وقود يدفئهم، ولا طعام يصلب ظهورهم، ويمنحهم شيئاً من الطاقة، ويعطيهم بعض القدرة على الثبات والصمود أمام المحنة، وقد رأى العالم الحر صورهم، وعرف معاناتهم، فلم يهب لنجدتهم، ولم يصرخ لمساعدتهم، ولم يسأل عن سبب تشردهم، وعن السبيل إلى عودتهم إلى بيوتهم القديمة، ومساكنهم العتيدة، وبلداتهم التي كانوا فيها كراماً أعزة.

هل نشكر أليكسا الروسية أم ندعو عليها، هل نبش لها أم نغضب في وجهها، أهي خيرٌ لنا أم شرٌ علينا، هل نشكرها إذ أنها حملت إلينا المزيد من الأمطار، فروت أرضنا، وغذت عيوننا، وأغنت مياهنا الجوفية، وأجرت أنهارنا، على أمل أن يزيد انتاجنا الزراعي ويتنوع، وتتضاعف كميات الكهرباء المولدة، فنستمتع بالنور، ونستلذ بالمياه العذبة النقية، وننام مطمئنين فوق خزاناتٍ من المياه النقية التي لا تنضب.

أم ندعو عليها لأنها فضحت ضمائرنا، وكشفت حقيقتنا، وأعلنت موت النخوة فينا، وانعدام الشهامة عندنا، ووهم الأخوة، وسراب التضامن، وكذب الشعارات، ونفاق الزعامات، وغياب الغيرة، وموت مشاعر الرحمة ومعاني الإنسانية في قلوبنا، إذ تنام عيوننا، وتضحك أشداقنا، وتنشغل مواضغنا، وتمتلئ بطوننا، وغيرنا من أهلنا وأبناء شعبنا، يموتون برداً وجوعاً وزمهريراً.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

البرد، الشتاء، أليسا، روسيا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-12-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  يومٌ في الناقورة على تخوم الوطن
  فرنسا تضيق الخناق على الكيان الصهيوني
  ليبرمان يعرج في مشيته ويتعثر في سياسته
  يهودا غيليك في الأقصى والكنيست من جديد
  عيد ميلاد هدار جولدن وأعياد الميلاد الفلسطينية
  ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل
  سبعون عاماً مدعاةٌ لليأس أم أملٌ بالنصر
  ويلٌ لأمةٍ تقتلُ أطفالها وتفرط في مستقبل أجيالها
  سلاح الأنفاق سيفٌ بتارٌ بحدين قاتلين
  دلائل إدانة الأطفال ومبررات محاكمتهم
  طبول حربٍ إسرائيلية جديدة أم رسائلٌ خاصة وتلميحاتٌ ذكية
  سياسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية حكيمةٌ أم عميلةٌ
  العلم الإسرئيلي يرتفع ونجمة داوود تحلق
  نصرةً للجبهة الشعبية في وجه سلطانٍ جائر
  طوبى لآل مهند الحلبي في الدنيا والآخرة
  تفانين إسرائيلية مجنونة لوأد الانتفاضة
  عبد الفتاح الشريف الشهيد الشاهد
  عرب يهاجرون ويهودٌ يفدون
  إيلي كوهين قبرٌ خالي وقلبٌ باكي ورفاتٌ مفقودٌ
  إرهاب بروكسل والمقاومة الفلسطينية
  المساخر اليهودية معاناة فلسطينية
  الدوابشة من جديد
  المهام السرية لوحدة الكوماندوز الإسرائيلية
  المنطقة "أ" إعادة انتشار أم فرض انسحاب
  إعلان الحرب على "فلسطين اليوم" و"الأقصى"
  عظم الله أجر الأمريكيين وغمق لفقيدهم
  الثلاثاء الأبيض وثلاثية القدس ويافا وتل أبيب
  الهِبةُ الإيرانية والحاجةُ الفلسطينية
  هل انتهت الانتفاضة الفلسطينية ؟
  سبعة أيامٍ فلسطينيةٍ في تونس

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
مصطفي زهران، سفيان عبد الكافي، أحمد ملحم، أبو سمية، عمار غيلوفي، نادية سعد، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - المنجي الكعبي، فتحي العابد، د. أحمد بشير، د. صلاح عودة الله ، صلاح المختار، د- محمود علي عريقات، الهيثم زعفان، محمد أحمد عزوز، رضا الدبّابي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد عمر غرس الله، د - محمد بن موسى الشريف ، حاتم الصولي، صالح النعامي ، عبد الرزاق قيراط ، د. عبد الآله المالكي، خبَّاب بن مروان الحمد، د - شاكر الحوكي ، فتحـي قاره بيبـان، خالد الجاف ، سامر أبو رمان ، صفاء العربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم السليتي، د- محمد رحال، د.محمد فتحي عبد العال، د - مصطفى فهمي، محمد يحي، تونسي، عواطف منصور، عزيز العرباوي، محمد الياسين، علي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، د - محمد بنيعيش، عبد الغني مزوز، منجي باكير، رشيد السيد أحمد، محمد العيادي، مراد قميزة، عبد الله الفقير، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، عراق المطيري، فوزي مسعود ، د. خالد الطراولي ، أحمد الحباسي، فتحي الزغل، حميدة الطيلوش، ياسين أحمد، مصطفى منيغ، د. طارق عبد الحليم، صفاء العراقي، جاسم الرصيف، د. ضرغام عبد الله الدباغ، العادل السمعلي، علي الكاش، كريم فارق، سيد السباعي، د- هاني ابوالفتوح، عمر غازي، سعود السبعاني، حسن عثمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الله زيدان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سليمان أحمد أبو ستة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن الطرابلسي، محمد شمام ، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، محمود طرشوبي، إيمى الأشقر، أ.د. مصطفى رجب، رافع القارصي، محمد الطرابلسي، صباح الموسوي ، محمود فاروق سيد شعبان، مجدى داود، رافد العزاوي، المولدي الفرجاني، محمود سلطان، رمضان حينوني، صلاح الحريري، د. أحمد محمد سليمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، يحيي البوليني، الهادي المثلوثي، ضحى عبد الرحمن، يزيد بن الحسين، د - عادل رضا، وائل بنجدو، د - صالح المازقي، طلال قسومي، أحمد بوادي، د- جابر قميحة، أحمد النعيمي، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، سامح لطف الله، فهمي شراب، محرر "بوابتي"، إياد محمود حسين ، سلوى المغربي، إسراء أبو رمان، أشرف إبراهيم حجاج،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة