البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

رقمية الصراع بين المركز والهامش

كاتب المقال د. أكرم حجازي   
 المشاهدات: 4836



بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ: وَلَا يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَـٰعُوا۟ ﴿ البقرة: 217﴾
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تُطِيعُوا۟ فَرِيقًۭا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَـٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ كَـٰفِرِينَ ﴿ آلَ عِمْرا‌ٰنَ: 100﴾
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تُطِيعُوا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَـٰبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا۟ خَـٰسِرِينَ ﴿ آلَ عِمْرا‌نَ: 149﴾

حين حطت حملة نابليون بونابرت العدوانية رحالها على شواطئ الإسكندرية؛ ونصبت مدافعها، كان المماليك، بفروسيتهم وشجاعتهم، يهاجمون الحملة بينما تقذف المدافع حممها باتجاههم حتى بلغ الأمر أن وصلت خيولهم إلى الشواطئ قريبا من المدافع والعسكر!! .. كانوا يتساقطون قتلى وجرحى دون أن يجدوا تفسيرا لما تفعله هذه الآلات القاتلة .. وكانت حقا صدمة حضارية لم يعلم عنها المماليك شيء من قبل، فوقعوا فرائس سهلة ضحية الجهل بعدوهم، والجهل بما آلت إليه الحضارة من تقدم خطير في امتلاك أدوات القوة وسياسات البطش والاحتلال والنهب والاستعباد.

مع انفجار العلوم الرقمية وفلسفاتها المرعبة، وحتى بعد اندلاع الثورات العربية وتقدم الشعوب، كفاعل استراتيجي حاسم، إلا أن القوى الإسلامية على وجه الخصوص ظلت حبيسة مفاهيم ومصطلحات وسياسات وتجارب عتيقة لم تكن قادرة على الصمود في البيئات والظروف والعقود التي أنتجتها، ولم تعد قادرة على التعامل مع الوقائع الجارية التي تعصف في العالم أجمع. وكأنها ما زالت تعيش في العصر المملوكي!!!

ليس رغبة في التميز، ولا قفزا في الهواء؛ لكن هذه الدراسة، وفي ضوء الانقلاب العسكري على الثورة المصرية، ستغامر في قراءتها للحدث الثوري العربي انطلاقا من فلسفة العلوم الرقمية ومناهجها. وقد تبدو بعض التحليلات حدِّية الطابع، لكنها حدِّية تفرضها الرقمية باعتبارها آخر وأحدث وأخطر مفاهيم المنظومة اللبرالية التي لم تعد تتقبل الكثير أو القليل من الهوامش في السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والعقائد. فما هي الرقمية على وجه التحديد؟ وما هي مخاطرها على الثورات والأمة؟ وكيف السبيل إلى مواجهة أدائها ومخرجاتها؟

في هذا العرض السريع سنتناول ستة محاور هي:

· أولا: ماهية الرقمية ومنهجية اشتغالها
· ثانيا: سوسيولوجيا الرقمية
· ثالثا: مرجعيات الانتقال الأوروبي من الصفر إلى الواحد
· رابعا: العالم الإسلامي من الواحد إلى الصفر
· خامسا: نماذج لسياسات رقمية
· سادسا: الصفر الرقمي في الثورات العربية
· أخيرا: مواجهة الرقمية
· نصيحتي

أولا: ماهية الرقمية ومنهجية اشتغالها

الرقمية هي ذروة تطور الفكر الإنساني في علاقته في الواقع. هذا الفكر مر بمراحل تطورية إلى أن وصل إلى المرحلة الرقمية، وهذه المراحل هي:

· العصر البيولوجي الذي كانت فيه القوة البدنية هي التي تحكم علاقة الإنسان بواقعه ومحيطه ومستقبله.
· العصر الميكانيكي الذي ظهرت فيه الآلة مع بداية القرن 19 الميلادي.
· العصر الصناعي الذي انطلق مطلع خمسينات القرن 20 بعد الحرب العالمية الثانية، وتمخض عنه مجتمع ودولة منظمان بحيث حلت البرمجة والتنظيم، كآليات اشتغال، محل الأيديولوجيات أو القيم أو الفلسفات.
· العصر التكنولوجي ابتداءً من ستينات القرن 20.
· العصر ما بعد التكنولوجي، ما بين الستينات والتسعينات من القرن 20، وهو العصر الذي وضعت فيه أسس الرقمية في العالم المتقدم.
· أخيرا العصر الرقمي الذي يجري تعميمه على كافة المجتمعات والدول.

ومع أنه حصيلة العصور السابقة التي شكلت الدولة والمجتمع ونمط الحياة الذي نعيشه منذ مائة عام تقريبا، إلا أن ميزة العصر الرقمي تكمن في اختلافه الجوهري عن العصور السابقة إلى ما يشبه حد القطيعة باتجاه عصر أشد وحشية وهيمنة من ذي قبل.

بداية يمكن القول أن الرقمية بحد ذاتها ليست سوى فلسفة رياضية تتأسس على معادلة خوارزمية بالغة الصرامة والحزم تقع ضمن نطاق « 0 – 1»، وتبعا لذلك فإن معادلة الاشتغال لهذه المعادلة سيتولد عنها نمط حياة ومنظومة عمل إما أن تشتغل بكامل طاقتها في صيغة « on»، وإما ألا تشتغل أبدا وفقا لصيغة « off». وهذا يعني أن شروط عمل النظام:

· لا يمكن أن تخرج عن المعادلة الخوارزمية القائمة ضمن نطاق « 0 – 1».
· كما لا يمكن أن تعمل المعادلة في نطاق « 1 = on» دون « الصفر = off» أو العكس.
· ولأن المعادلة حدِّية فلا وجود لأية هوامش تقع في النطاق، لكن نمط اشتغال الخوارزمية لا يعني أن الصفر خارج المعادلة بل هو في صميمها لكنه في حالة الكمون التام، في حين يعني الـ « 1 » الفاعلية والحيوية التامة.
· في تطبيقاتها الانسانية يمكن قياس كافة القطاعات بموجب الأرقام ودقتها الفائقة. وهذا يعني أن التنبؤ بالوقائع والأحداث والسياسات صار خاضعا لمقاييس صارمة لا تقبل الجدل والمساومات والتضليل والخداع.

ثانيا: سوسيولوجيا الرقمية

لا شك أن الرقمية جذابة للغاية في منتجاتها الصناعية المغرية، خاصة وأنها بدأت تشكل النمط الجديد والأحدث للاجتماع الإنساني. فالرقمية، شئنا أم أبينا، ستخترق كافة مناحي الحياة الإنسانية، سواء في السياسة أو في الأمن والعسكر والاقتصاد والتجارة والصحة والاجتماع والعلوم والثقافة والإعلام والعقائد والقيم والأخلاق والقوانين والعلاقات الإنسانية والدولية ... إلخ بل أن كل النشاطات الإنسانية والموجودات المادية والمعنوية، وكل التصورات والمنظومات المعرفية والفكرية، ستضطر إلى التكيف مع المنهجية الرقمية للحياة في كل انسيابيتها، وتبعا لذلك ستغدو الرقمية منهجا تخضع له مختلف الأفعال والسلوكيات والخطط والمنجزات والأفكار وكل ما ينجر عنها من ظواهر اجتماعية وإنسانية، فردية كانت أو جماعية.

ولكنها فلسفة مرعبة بأتم معنى الكلمة. فالطابع الحدي لمنظومة « الصفر – واحد» هو في الصميم تعبير عن توحش خطير في مستوى الاستبداد والتبعية والهيمنة. وهو توحش يضع الجميع ( دولا ومجتمعات وأفرادا وأقليات وثقافات وعقائد ومؤسسات ... ) في مواجهة طاحنة. فكل شيء بموجب الرقمية واقع تحت « السيطرة» و « التحكم» و « الرقابة» التامة. ولم يعد ثمة وجود في منظومة « الصفر الرقمي» لأية هوامش كما كان الحال إلى حد ما في أنماط « الصفر السياسي» وغيرها من أصفار القطاعات والمستويات السابقة. وبالتالي لا وجود لحلول وسط ولا لمفاهيم تقليدية من نوع المرحلية والتدرج والوسطية والتوافق، كما أنه ليس ثمة الكثير أو القليل لمساومات ومفاوضات ومقاربات وتأويلات وتفسيرات وأيديولوجيات. إذ أن المتاح الوحيد هو التسليم بمخرجات هذا النظام الحدِّي « 0» أو مواجهته « 1».

كما أن الرقمية تمثل، لمن أراد حقا أن يعتبر، بيئة اختبارية بالغة الدقة. إذ أن لغة الأرقام لا تخطئ. وبموجبها يمكن فحص دقة السياسات ومنظومات المعرفة والمناهج والقرارات والتوجهات والأفكار وغيرها، وتأمل مخرجاتها فيما إذا كانت صحيحة أم خاطئة. لذا فهي في المقابل مناهج فاضحة لكل أشكال التمييع والتضليل والخداع والكذب. ولا تتوانى عن تسمية الأشياء والأمور بمسمياتها دون مواربات أو مراوغات أو تبريرات في غير نطاقاتها. فإذا كانت الدولة المدنية تقع في نطاق « الصفر» فلأن الدولة الإسلامية تقع في نطاق « الواحد». ودون ذلك مجرد مراوغات. وهكذا الأمر في الكثير من الشواهد.

ثالثا: مرجعيات الانتقال الأوروبي من الصفر إلى الواحد

لعل أطرف ما في عملية الانتقال الأوروبي من نطاق « الصفر» إلى نطاق « الواحد» أن أوروبا لم تستعن بأية مفاهيم إسلامية حين كانت الصراعات الدامية تطحنها من كل جانب. فما فعلته أوروبا هو تجاوز بنيوي لنمط حياة أفرز فلسفات وضعية وجديدة كل الجدة، لكن دون التخلي عن الإرث الفلسفي أو الهوية المسيحية. أما عملية الانتقال فيمكن ملاحظتها في ضوء الثوابت التالية:

الثابت الأول:

الثابت تاريخيا وموضوعيا أن الكنيسة هي التي كانت تتملك الدولة والمجتمع في أوروبا حين كان النظام الاجتماعي السائد حتى وقوع الثورة الفرنسية 1789 هو النظام الفيودالي الذي يقوم على طبقتين هما: الأسياد ( الحكام والنبلاء) والعبيد ( كل المجتمع). ففي هذا المجتمع لم يكن ثمة مواطن ولا إنسان ولا حقوق. وبطبيعة الحال فقد ظلت أوروبا، طوال عهود النظام الفيودالي، تحت سلطان الكهنوت الكنيسي، واقعة في نطاق « الصفر».

الثابت الثاني:

أن انتصار العقلانية والعلم في أوروبا على الكنيسة وتعريف المادة والسيطرة عليها ومن ثم ظهور الآلة أخرج أوروبا من نطاق « الصفر» باتجاه نطاق « الواحد». وبدأت مرحلة الهيمنة التي احتاجت إلى بناء نظام دولي شكلت الدولة القومية أو الوطنية أو القطرية الوحدة السياسية المركزية في بنيانه. لذا كان لا بد من الشروع في تفكيك الدول الممتدة في أوروبا أولا.

الثابت الثالث:

أن بناء النظام الدولي المهيمن بات حاجة ماسة لأوروبا كون الانتقال من النظام الفيودالي القائم على ملكية الأرض يتلاشى لصالح نظام اجتماعي يقوم على الصناعة، وهذه تحتاج، بدورها، إلى موارد وثروات ورؤوس أموال لا تتوفر في أوروبا وحدها. وهذا يعني أن النظام الدولي المأمول لا بد وأن يخرج من الحدود الأوروبية ليعم بقية العالم الذي يجب أن تختفي فيه صيغة الدولة الممتدة أو الدولة الامبراطورية.

الثابت الرابع:

أنه ثمة دولة ممتدة هي الدولة الإسلامية، وكي يمكن بناء النظام الدولي المأمول فلا بد من تفكيك هذه الدولة بالذات كونها تخترق القارات. وفي المحصلة؛ فقد بني النظام الدولي الراهن على أنقاض العالم الإسلامي في المرحلة ما بين الحربين العالميتين ( 1913 – 1945)، وتبعا لذلك تم هدم نظام الخلافة وتفيكك العالم الإسلامي وانتزاع الحواضر العقدية الثلاث منه: مكة والقدس والشام، وبها تم ربط النظام الدولي برمته.

الثابت الخامس:

وأن تاريخية ظهور الدولة القومية تقع في صلب الصراع الأوروبي، وعلى خلفية الاضطهاد الذي أوقعته الكنيسة على الناس باسم الدين، الذي كانت تحتكر تفسيره بموجب طبقة الكهنوت ( رجال الدين). كما أنها ولدت، أصلا وفصلا، دولة معادية للدين أيا كان. وحملت في ثناياها، القيمية والأخلاقية، كل الفكر الإغريقي والروماني والصراع الكنيسي والحروب القومية في أوروبا، وكل فلسفات عصر الأنوار اللبرالية والعلمانية ابتداء من الاشتراكية والرأسمالية والماركسية والعنصرية والنازية والفاشية والفوضوية، وكل ما نتج عنها من حروب دموية طاحنة أهلكت عشرات الملايين من البشر واستعبدت مئات الملايين.

الثابت السادس:

هذه الدولة المعادية للدين، من المفترض أنها المحصلة الطبيعية الأصيلة للتاريخ الأوروبي، لكنها في الواقع، ليست دولة عربية ولا دولة إسلامية ولا حتى دولة وطنية .. لا هي ولا أنظمتها السياسية الخاضعة للهيمنة التامة. فالنظام الدولي الراهن هو ببساطة نظام هيمنة بالمصطلح السياسي، لكنه بالمصطلح العقدي نظام جبر. أما قادة « المركز» فهم في الصميم قادة « الحكم الجبري». لذا من المستحيل أن يكون هؤلاء مسلمين، خاصة وأنهم أول المعنيين بالحيلولة دون قيام أي شكل من أشكال الحكم الإسلامي ولو بالقوة المسلحة. أما الأنظمة السياسية فهي ليست أزيد من أدوات للجبر.

الثابت السابع:

إذن الدولة القومية هي دولة « المركز» بامتياز .. وبالتالي فإن الهوية السياسية والأيديولوجية لها لا بد وأن تكون جزء من هوية « المركز»، وخاضعة له ولسياساته. وهذا يعني استحالة التفكير بهوية سياسية غير علمانية لهذه الدولة.

رابعا: العالم الإسلامي من الواحد إلى الصفر

على عكس الانتقال الأوروبي كان العالم الإسلامي، وهو ينشد التغيير، يتراجع إلى نطاق « الصفر»، وينحسر في صيغة الدولة القومية، ويقبل بالمنظومات الفلسفية الغربية كما هي وأكثر سوء. بل أن منظومات المفاهيم المتداولة في عالمنا الإسلامي منذ أكثر من مائة عام لم تكن إلا الوليدة الشرعية للبيئة الأوروبية وصراعاتها عبر القرون. وهي بلا شك منظومة لا تمت بأية صلة تذكر للعقيدة الإسلامية أو حتى لنمط الحياة الذي عاشه المسلمون، عربا وأعاجم، في القرون الخالية. ومع ذلك نجد كافة القوى الإسلامية والوطنية، إلا من رحم الله، تخوض صراعاتها البينية أو مع النظم السياسية أو حتى مع « المركز» وفق مفاهيمه ومصطلحاته الشائعة من نوع: « الأمة .. القومية .. الاستقلال .. الوحدة الوطنية .. الوحدة العربية .. الوحدة الإسلامية .. الديمقراطية .. الحرية .. المساواة .. العدالة .. الحقوق .. المواطنة .. الدولة المدنية .. المجتمع المدني .. التعددية .. التسامح .. الوسطية .. التدرج .. التوافق .. الاعتدال .. الدستور .. القانون .. إلى آخر القائمة»!!! وغني عن القول أن تراجع العالم الإسلامي لم يكن ناجما عن كهنوت بنيوي حتى يجري اعتماد ما أنتجه فلاسفة أوروبا وثوراتها على الكنيسة. لذا فإن أية محاولة للانعتاق من الهيمنة والتقدم نحو نطاق « الواحد» لا بد وأن تأخذ بعين الاعتبار جملة من الثوابت من بينها:

الثابت الأول:

أن الثورات العربية هي ثورات شعبية لم يكن فيها نصيب، لا للأيديولوجيا ولا للأحزاب ولا للقوى السياسية أو الجماعات الإسلامية. لكنها تستلقتها وقطفت ثمارها ووظفتها لمصالحها وتموضعت في نفس مواقع النظام، واستعملت مؤسساته وأدواته ومفاهيمه ومصطلحاته، واعتمدت ذات السياسات والعلاقات المحلية والإقليمية والدولية. وبالتالي فلم تغادر نطاق « الصفر» على أي مستوى. وظلت مفاهيم المرحلية والتدرج والوسطية والتوافق، والمساومات والمفاوضات والصفقات والمقاربات والتأويلات والتفسيرات والأيديولوجيات، الظاهرة والخفية، وغيرها مما سبق ذكره هي المفاهيم السائدة.

الثابت الثاني:

أن المعارضة العربية على كل مستوى هي الوجه الآخر للنظم السياسية. فكلاهما هيمن على العمل السياسي والإعلامي والثقافي والفكري والنشر، وكلاهما هيمن على مجالات السلطة والمال والاقتصاد والتجارة، وكلاهما احتكر المكانات الاجتماعية والوجاهات، وكلاهما بلغ من العمر عتيا، وكلاهما احتكر الحقيقة ونادى بها ودعا الناس إلى اللحاق به والدفاع عنها حتى لو تراجع عنها لاحقا واستبدلها بأطروحة أخرى على النقيض منها .. وهكذا ظل القائمون على السلطة أوصياء عليها عدة عقود، وكذلك فعل المعارضون!!! والفرق الوحيد بينهما أن المتسلطين عاشوا في نطاق « الواحد» القابض على السلطة، فيما عاش المعارضون في نطاق « الصفر» المفروض عليه في إطار امتيازات السلطة.

والسؤال: أين مكانة العامة من السلطة والمعارضة؟ وما الذي جنته من الطرفين؟ لا شيء إلا تعطيل المجتمع بكل شرائحه وطاقاته وقدراته وإمكانياته وفاعلياته، حتى بدا الناس أشبه ما يكونوا كقطيع من الغنم أو شهود زور على صراع سياسي وأيديولوجي ليس لهم فيه ناقة ولا جمل. وهذه الوضعية، حيث الناس لا هم في نطاق « الصفر» ولا في نطاق « الواحد»، هي التي دفعتهم إلى الثورة دون الحاجة إلى المعارضة أو استجداء السلطة. ومع ذلك فقد بقيت النظم في السلطة أو تقاسمتها مع المعارضة، وكأن شيء لم يحدث!!!

الثابت الثالث:

أن الكثير من القوى الإسلامية؛ دأبت في تبريرها للعجز الذي تميزت به طوال عقود مضت، وهي في خارج السلطة، على الاحتجاج بحالة « الاستضعاف» و « الإقصاء» التي تعيشها بمعية الأمة. وتبعا لذلك فقد عطلت كل حراك أو مقاومة لنظم الاستبداد والهيمنة، محليا ودوليا. بل أنها تحالفت مع النظم في غالب الأحايين ضد مصالحها ومصالح الشعوب. أما الطريف في الأمر، وفي ضوء الأحداث التي تشهدها دول الثورات على وجه الخصوص، يكمن في أن ذات القوى التي وصلت إلى السلطة، واستأثر بعضها بالغالبية الساحقة من مقاعد النواب فضلا عن الرئاسة، باتت مقتنعة بأنها ليست ممكنة !!!

الثابت الرابع:

أنه لما تكون العلمانية هي الهوية الوحيدة المتاحة للدولة القومية فإن الحقيقة البديهية التي ينبغي على القوى الإسلامية، على وجه الخصوص، التسليم بها هي الإقرار، وليس المراوغة، بأن « التوافق» مع القوى اللبرالية والعلمانية، بزعم « المنهج السلمي»، غير وارد إطلاقا، لأن البنية العقدية لكل منهما مناقضة للآخر، ولأن هوية الدولة غير قابلة للتفاوض أو الاحتيال. وهذا يعني حكما أن القوى الإسلامية ليست، ولن تكون في يوم ما، موضع ثقة لدى القوى العلمانية حتى لو قبلت ذات القيم، وتعاملت مع الواقع بشروطه. وتبعا لذلك فإن أطروحة « التمكين» عبر صناديق الاقتراع لن تعود قادرة على الصمود مهما بلغت البراغماتية من مستوى في الانحدار. إذ أن الأطروحة العلمانية أصدق في التعبير عن ذاتها وأثبتْ في التأكيد على أن الديمقراطية هي قيمة وهوية وليست أغلبية وأقلية تفرزها صناديق الاقتراع. بل أن الديمقراطية من وجهة نظر « المركز» أشد وضوحا وحسما حتى في مواجهة زاعميها من العلمانيين العرب.

وفي السياق يمكن التذكير بعالم اللغويات اليهودي، نعوم تشومسكي، الذي عقب، بصريح العبارة، على انطلاقة الثورات العربية في صحيفة « الغارديان - 5/2/2011»، وقطع الطريق على كافة القوى، بالقول: « إن واشنطن وحلفاءها يتقيدون بالمبدأ الراسخ القائم على تَقبُّل الديمقراطية طالما أنها تتفق مع أهدافهم الإستراتيجية والاقتصادية، فهي مقبولة لديهم في بلد العدو حتى مدى معين، ولكن ليس في ساحتنا الخلفية ما لم يتم ترويضها». ولمن لا تعجبه تصريحات تشومسكي فليراجع تصريحات قادة وصحف « المركز» و « إسرائيل».

الثابت الخامس:

لا يمكن توصيف جولات الصراع التاريخية في البلدان الإسلامية، محليا ودوليا، ابتداءً من إندونيسيا وانتهاءً بالمغرب الأقصى، مرورا بباكتسان وأفغانستان والسعودية وسوريا ومصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب، خارج الصراع على هوية الدولة أو النظام السياسي. لذا فإن كل النظم السياسية الحاكمة هي بالضرورة نظم علمانية حتى لو حضر الدين في هذه الدولة أكثر من تلك. وكل الدول التي خططت أو دعمت أو تورطت أو رحبت بالانقلاب، أيّاً كانت مبرراتها، هي واقعة حكما في نطاق « الصفر» حتى لو حشدت كل علماء الأمة إلى جانبها، وكل الأطر السياسية، الإسلامية والوطنية، وكل الوجاهات والمكانات الاجتماعية والفعاليات والمؤسسات ومراكز القوى.

خامسا: نماذج لسياسات رقمية

من الجدير بالملاحظة أنه في مستوى الدول الكبرى أو قوى « المركز»، على وجه التحديد، فالرقمية تبدو أقل حدة في ضوء توازن القوى، لكن مخرجاتها وتطبيقاتها على باقي دول العالم ثابتة، مع أنها تتراوح بين الإخضاع التام للهيمنة وشروطها بحيث تبقى في نطاق « الصفر» تحت « السيطرة» و « التحكم»، وبين الصرامة الحادة كما هو الحال في مواجهة الأزمات المستعصية كأزمة ديون الدول الرأسمالية خاصة في أوروبا، كي تبقى في نطاق « الواحد» ولا تنزلق إلى « الصفر». وغني عن القول أن العالم الإسلامي أُخضع لرقمية بالغة الوحشية. ولنعاين بعض النماذج.

· الانقلاب العسكري في مصر

فما قام به وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي في 3/7/2013، بمقتضى أي مستوى دستوري أو شعبي أو حزبي أو أخلاقي، ليس أقل من انقلاب عسكري مستوفي لكل الشروط. فهو فاضح في خلفياته وفي حاضره وفي مستقبله، وفي أدواته ووسائله وآلياته وتداعياته، وفي أطرافه المحلية والإقليمية والدولية .. وفاضح في أطروحاته وسياساته وفلسفاته وتوجهاته وعقائده. لكنه بالنسبة للانقلابيين، وبحسب التعبير الذي يجري ترويجه، ليس سوى « موجة ثورية» ثانية تمثل امتدادا لثورة 25 يناير 2011. والواقع أنه ليس انقلابا على سلطة منتخبة وفق قواعد اللعبة السياسية، بقدر ما هو تعبير عن ذروة صراع يتناول بالدرجة الأساس هوية الدولة القومية القائمة.

فالذين رحبوا بالانقلاب هم العلمانيون بمختلف أطيافهم القومية والوطنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية، ومعهم الملحدون والوثنيون، والمنتفعون، وحلفاء هؤلاء من الخارج، ومعهم الفوضويون والفلول والبلطجية والمجرمون، ومعهم أيضا شرائح واسعة من المستغفلين والساخطين من المجتمع المصري، وكثير من السلفيين، أحزابا وجماعات وأفراد ومشايخ ومثقفين وكتاب وإعلاميين من الناقمين على سياسات الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى جموع الصوفيين وشراذم الشيعة ، فضلا عن اليهود وأغلب الدول العربية، بما فيها اليمن، وقادة النظام الدولي برمته. ولا شك أنها قطاعات واسعة من المجتمع المصري، لكنها ليست بذلك المحتوى المليوني الأسطوري الذي روج له المؤيدون للانقلاب. أما المعارضون للانقلاب فهم الغالبية الساحقة من الشعب المصري من مختلف التشكيلات الاجتماعية والسياسية والثورية، وفي مقدمتهم أغلب التيارات والأحزاب الإسلامية فيما عدا حزب النور، وكذا الناشطون والحركات الشبابية والاجتماعية كحركة أحرار المتحالفة مع حركات الألتراس... .

إذن هوية الانقلاب لا تخفى على مراقب للساحة المصرية، أو حتى لساحات الثورات العربية. وإذا تتبعنا تداعيات الانقلاب، وليس مقدماته فقط، سنلاحظ أنه جاء مصحوبا بحملات الثناء على العسكر ورموز الإعلام المضلل من قبل الرئيس الجديد ومظاهر الاحتفاء والانحياز الصريح الذي عبر عنه الجيش وقطاعات الأمن والإعلام، في حين كان نصيب الطرف الثاني هو الشماتة والمداهمات والمطاردات والاعتقالات وإغلاق للفضائيات الإسلامية والثورية المستقلة وتكميم للأفواه ومطاردة الإعلاميين وحجز على الأموال وتهديدات وحتى قتل للمصلين في مساجدهم وللنساء في المسيرات كما حدث في المنصورة، ونزع الامتيازات الدبلوماسية للرئيس وبعض وزرائه ومستشاريه. بل أن « موجة» السيسي الضارية اتجهت على الفور نحو فتح السجون وتصفية الحسابات والبدء بتفكيك قواعد الثورة وتمكين رموز النظام القديم والدولة العميقة من الهيمنة.

السؤال: هل كان الانقلاب يستهدف حقا تصحيح مسار ثورة انحرفت؟

الجواب: بالنفي التام.

فالثورة المضادة كائنة في أحشاء الثورة نفسها. وكانت، محليا، صريحة، منذ لحظة سقوط الرئيس مبارك، حتى في رموزها الحزبية والسياسية والأمنية والعسكرية والقضائية والطائفية والإعلامية والفكرية والدينية والثقافية والقيمية والأخلاقية .. وصريحة في أداء هؤلاء حتى قبل وقوع الثورة. وظلت صريحة ووقحة حتى في أطروحاتها وأفكارها وأكاذيبها ونفاقها وخصومتها وعنصريتها وعدائها للإسلام والمسلمين إلى حد مهاجمة المساجد وحصارها والسخرية من المصلين وقتلهم .. وصريحة في فلولها وبلطجييها ومجرميها وقتلتها .. وصريحة في إحراقها للمؤسسات وقطع الطرق وافتعال الأزمات الخانقة .. وكانت صريحة واستفزازية في داخليتها وأجهزة أمنها وقضائها ونياباتها ومحاكمها في تبرئة القتلة والمجرمين ورموز النظام السابق .. وصريحة في طلب تدخل العسكر أكثر من مرة، بل والتدخل الدولي وتسليم البلاد والعباد لقوى غزو أجنبية .. وصريحة في استخفافها بالشعب المصري وتحقيره بزعم أنه لا يعرف مصلحته .. وصريحة في الاعتداء على النساء أو المس بشرفهن عبر اختبارات كشف العذرية ومهاجمتهن في الساحات وتعريتهن .. وصريحة في الإعداد للانقلاب عبر إصابة الناس برعب 30 يونيو وسفك الدماء المنتظر في المدن والساحات .. وصريحة حتى في الدعوة إلى حرب دموية ضد الناس والخصوم تحت مسمى « محاربة الإرهاب» كما ورد في خطاب وزير الدفاع (24/7/2013)!!!

أما إقليميا فكانت صريحة في تحالفاتها مع الدول المناهضة للثورة كالأردن والسعودية والإمارات، وفي الحصار الذي ضربه هؤلاء على الثورة المصرية منذ يومها الأول فضلا عن حملات التشويه المنظمة التي قادها الفريق المتخصص في ضيافة دواوين الأمراء، ضاحي خلفان.

ودوليا كانت الثورة المضادة صريحة في الدفاع عن أمن «إسرائيل» وهولوكست اليهود ومصالح النظام الدولي وتهريب عملائه من مصر وتشويه حركة « حماس» وشيطنة الفلسطينيين وأخيرا السوريين ... كانت صريحة في كل شيء وأمر .. بل وقحة في كل حين، إلى الحد الذي تتجرأ فيه على الترويج لثلاثين مليون متظاهر مزعوم ضد الرئيس مرسي، وبما يكفي من الوقاحة لوصف الانقلاب بـ « الموجة الثانية» للثورة!!!

باختصار؛

فالدولة العميقة هي وليدة الدولة القومية الكائنة في مصر وغير مصر .. وهي تلك الدولة القادمة من أعماق الوحشية الأوروبية ذات الأضلع الثلاثة: الملوك والكنيسة والنبلاء، مقابل الضلع الكسير ممثلا بعامة الناس أو بمعنى أدق العبيد .. حيث لا وجود لإنسان أو مواطن أو حقوق!!! ولمزيد من الدقة فهي الشق المتوحش من دولة الفكر القومي الأوروبي في صيغته النازية والفاشية والعنصرية والكنيسية القائمة على منظومة الأسياد المكونة من الساسة والعسكر والأمن والمال والإعلام والأقليات والمجرمين الذين لا يجمعهم مبدأ أو دين بقدر ما يجمعهم الاستبداد .. والظلم .. والطغيان .. والفساد .. والنهب .. والكذب .. والنفاق .. والفجور .. والفسوق .. والرعونة .. والقتل .. وسفك الدماء .. والسجون .. والاعتداءات .. والانقلابات .. والحرب على الدين والمسلمين .. والوحشية .. واستضعاف المؤمنين .. والتبعية الدائمة لـ « المركز» ..

لذا؛ سيظل مغفلا كل من يظن أنه ينشد الحرية من أنياب الضواري التي تحكم في بلاد العالم الإسلامي. وسيظل مغبونا كل من ظن أن بإمكانه ترويض الضواري وقد بلغت من الكبر عتيا!!!

ومع ذلك فمن الخطأ اتهام « الثورة المضادة» أو « الدولة العميقة» بأنها خاضت حربا غير أخلاقية ضد خصومها، أو القول بأن الرئيس المصري لم تتح له أية فرصة أو أن الدولة تراجعت في فترة حكمه وساءت الأحوال أكثر أو أن أصل المشكلة فيما يسمى بـ « أخونة الدولة» أو « أخطاء الإخوان» رغم أن مثل هذه المسائل لها وجاهتها في الاحتجاج. لكن الحقيقة أن ما جرى ويجري في مصر وغير مصر لا يتصل أبدا بأية أخطاء إلا بكونها شماعة، ولا بأية منظومة قيمية أو أخلاقية أو أيديولوجية حتى يمكن الاحتكام إليها، ولا بهذا أو بذاك. وبالتالي فإن أي تقييم في هذا السياق لا جدوى منه البتة. إذ أن المشكلة واقعة حصرا في التمييز بين نطاق « الصفر» ومتطلباته ونطاق « الواحد» ومتطلباته، وحقيقة الصراع القائم ومتطلباته ضمن المسافة الواقعة بينهما.

· الهوية الإسلامية

بالقطع؛ فإن المشهد السياسي في مصر لا يختلف رقميا عنه في دول الثورات ولا حتى في الدول الأخرى. فالثورة اليمنية سرقت في وضح النهار، ووضعت تحت الوصاية الدولية الصريحة، في الوقت الذي كانت فيه الشوارع تعج بالملايين من الشباب. بل أن الوصاية التي أحيلت إلى مجلس الأمن الدولي وصلت إلى الحد الذي تجرأ فيه السفير الأمريكي في اليمن، جيرالد ميتشل فايرستاين، على تحديد من يشارك في مؤتمر الحوار ومن لا يحق له المشاركة، ورفضه مشاركة الشيخ عبد المجيد الزنداني واعتباره داعما للإرهاب.

قلَّ من يتنبه إلى الخلفيات التاريخية في استبعاد علماء اليمن من الحوار. فهي ليست المرة الأولى. والثابت أن إقصاء العلماء عن المؤتمر لم يكن مقصودا لأشخاصهم بقدر ما يتصل الأمر بمضمون ما يحملون من علوم شرعية، ولدورهم في السهر على عقيدة الأمة وهويتها. ففي أواخر الحكم العثماني، وتحت ضغوط الدول الأوروبية، اضطرت الدولة العثمانية آنذاك للإعلان عن نيتها القيام بإصلاحات عميقة، من بينها إصدار دستور!! وهو تعبير يدخل لأول مرة إلى حياض العالم الإسلامي. وتبعا لذلك استبشر العلماء حقا بنوايا الدعوة، ظناً منهم أن الدولة ستستمع إليهم بالنهاية. لكنهم فوجؤوا بأنهم أقصيوا عن مجرد الاستشارة لصالح الوفود التي ذهبت إلى أوروبا لدراسة دساتيرها والتمثل بتجربتها. ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم يعد للعلماء المسلمين شأن في تقرير مصير الأمة والدين. ولما صدر الدستور العثماني سنة 1858 بصيغة « الدستور العثماني المؤقت» تبين أن المصطلحات الغربية قد نخرته من ألفه إلى يائه، وهيأت لولادة « إسرائيل». وتلاشت الدولة العثمانية بعد نحو ستين عاما مخلفة وراءها كوارث في كل مستوى.

إذا أمعنا النظر جيدا في استبعاد العلماء من مؤتمر الحوار في اليمن فإن ما جرى لهم هو ذات الأمر الذي تعرض له العلماء في الدولة العثمانية. وهو ما أثار حفيظة الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي رأى أن الموقف الأمريكي ليس موجها له شخصيا بل موجها ضد الشريعة التي يجب إقصاؤها من الدستور القادم!!! لذا فقد علق ساخرا ( 7/2/2013) بالقول: « على الأقل ساوونا باليهود» الذين لا يزيد عددهم في اليمن عن 300 فرد، ومع ذلك فقد حصلوا على خمسة مقاعد في المؤتمر!!! وهو ما لم تحصل عليه قوى ولا أحزاب برمتها.

لا ريب أن مشاهد حركات التمرد باتت تعمل ككرة الثلج في تونس والمغرب بالتوازي مع مشاهد الانبطاح والتخاذل والنفاق الدولي الصارخ في سوريا، حيث العمل بلا كلل أو ملل لعلى إطلاق مشاريع الفتنة بين الثوار والمجاهدين، لضرب كل الثورة وليس المجاهدين فحسب. ففي كل دولة، وفي كل ساحة ثورية، ظل الدين وهوية الأمة محور جولات الصراع الحاسمة، محليا ودوليا.

ومن المؤكد أن التحليل الرقمي للنطاق الخوارزمي سيبدو مثيرا في هذا السياق. فإذا اعتبرنا أن الأمة واقعة فعلا تحت « الحكم الجبري» بقيادته الدولية منذ 1913 « الصفر » فمن المستحيل التفكير بتثبيت الهوية الإسلامية للأمة « الواحد » دون مواجهات حاسمة مع المركز». كما أنه من المستحيل أن يتنازل « المركز» عن امتيازاته التي تسمح له بالسيادة فقط عبر تغييب الإسلام كنمط حياة وليس فقط كمنظومة تشريعية أو كمنظومة عقوبات كما يروج المركز ومستشرقيه وخصوم الدين.

تأسيسا على ذلك؛ فلا بد من القول أنه خلال المائة سنة الماضية ( ابتداء من 1913) كان هناك بعض الهوامش السياسية والفكرية والثقافية والأيديولوجية التي تسمح، في نطاق « الصفر»، بمماحكة « المركز» فيما يتعلق بمسائل الهوية والدين والصراع مع إسرائيل. لكن بعد ذلك، وخاصة في ضوء الثورات، لم يعد ثمة وجود لمثل هذه الهوامش. فالأطروحة التي يقدمها « المركز» اليوم هي أطروحة هوية الدولة القومية وفقا لتاريخية النشأة وبلاد المنشأ وفلسفاته. بل هي أسوأ من ذلك حين يجري شحنها بآليات التفكيك القائمة على منطق « المجموعات البشرية» ( أقليات إثنية وأخرى مذهبية، طوائف سياسية وأيديولوجية، قبائل، أديان .. )، وليس منطق « الشعب» أو « الأمة».

فالدولة القومية، بمواصفات الأمس القريب، أقيمت على مبدأ الشعب أو الأمة لتمريرها دون اعتراضات كبيرة. ونجح التمرير إلى حد بعيد منذ اللحظة الأولى التي حطت بها القوى الدولية رحالها في العالم الإسلامي، خاصة في صورة انطلاق حركات التحرر الوطني التي رفعت شعارات الاستقلال والسيادة والعلم الوطني. ولم تمض بضعة عقود حتى ظهرت مصطلحات عززت من الاعتقاد بأن ما تعيشه هذه « المجموعات» هو فعلا حالة استقلالية وسيادية ترسم ملامح أمة أو شعب نبت فجأة من رحم الحضارة والتاريخ، حتى لو كان عدده لا يتجاوز بضعة عشرات من الآلاف .. وتبعا لذلك شهدنا شعارات طريفة من نوع « الأردن أولا» أو « قطري وأفتخر» أو « مصري وبس» ... !!! لكن الصيغة الجديدة تقضي بتثبيت هوية المنشأ للدولة القومية. فإذا ولدت معادية للدين فينبغي أن تثبت كذلك تحت أي اسم كانْ، وبأية آلية ممكنة. وهذا يعني أن المطلوب من الأمة، بصريح العبارة، أن تقبل بعمل فورمات للعقيدة والحضارة والتاريخ. وأن تعتبر أن تاريخها يبدأ فقط من عام 1913، بعيدا عن أية مكونات سابقة لا حاجة للدولة القومية بها. هكذا يجري تعزيز حالة الأمة في نطاق « الصفر الرقمي» الذي لا يسمح بأية هوامش كما كان حال « الصفر السياسي» خلال المائة سنة الماضية.

· حربي لبنان وغزة

فمن أميز السياسات الرقمية في المشهد الأمني ما عبر عنه الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك حين أطلق عبارته الشهيرة: « إما معنا أو ضدنا». وهي العبارة التي وضعت دول العالم كافة أمام خيار « الصفر – واحد». وفي العالم الإسلامي عنت العبارة في حينه ولما تزل وجوب انحياز الدول، على مستوى الحكام والحكومات والمؤسسات القضائية والشرعية والعسكرية والأمنية والإعلامية والثقافية والعلمية، إلى السياسة الأمريكية ومتطلباتها فيما يتعلق بما يسمى « مكافحة الإرهاب». والابتعاد عما يسمى دعم حركات التحرر أو محاربة « إسرائيل». بل أن مؤسسة « راند» في إحدى دراساتها دعت إلى ما يمكن اعتباره احتلالا للمجتمعات وليس للدول فحسب. وهذا يعني أن العالم الإسلامي لا مفر له من التحصن في نطاق « الصفر» وإلا فعليه أن يتحمل وزر اختياراته كعدو للولايات المتحدة.

ومع أن المشهد الأمني لا يمكن صياغته إلا على أسس رقمية صارمة إلا أن السياسات الرقمية ذات الصلة انطوت على قدر كبير جدا من المكر والخداع والتضليل والكذب بحيث يمكن تمريرها بأدوات محلية تحظى بقبول شعبي جارف في أحايين كثيرة!!! ولا ريب أن الإشارة لبعض النماذج من هذا النوع لن تمر دون عواصف تنظيمية أو ذات نزعة أيديولوجية وعصبية، لكن بقليل من الحكمة، وبعيدا عن الكِبْر، سيبدو التأمل في مثل هذه النماذج ضرورة شرعية وعقلية ماسة لفهم السياسات الدولية على أصولها.

فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على ضاحية مانهاتن في نيويورك أيقنت زعيمة « المركز» أن قواعد اللعبة مع هكذا جماعات قد انقلبت رأسا على عقب. فما لم يكن في حسبان النظام الدولي أن يفكر أحد، على حين غفلة، في تحويل دول « المركز» ومجتمعاته إلى ساحة حرب طاحنة، خلافا لما بدا ثوابت في العقائد القتالية التي تأسست على خوض المعارك والحروب في دول « الهامش» وليس في دول « المركز» ومجتمعاته التي ينبغي أن تبقى آمنة بعيدا عن أية تهديدات من أية جهة كانت.

لكن الحروب التي خاضها « المركز» في أفغانستان والعراق والقوقاز وغيرها لم تكن إلا إحدى الآليات التي عمقت من مشكلات النظام الدولي مع جماعات « التيار الجهادي العالمي» التي وسعت من نطاق عملها لتشمل دولا أوروبية وآسيوية. أما الآليات الأشد خطورة فكانت تلك التي صيغت فعالياتها تحت بند « مكافحة الإرهاب». وظل السؤال المطروح على قوى « المركز إلى يومنا هذا يقول: كيف السبيل إلى مواجهة تيار عالمي ضارب وفي نفس الوقت شرس في المواجهات وباهظ الثمن؟ وأيهما أنفع لـ المركز استراتيجيا كعدو: الإخوان المسلمين و حزب الله؟ أم القاعدة وأخواتها؟

في سياق الإجابة على التساؤل نشطت مراكز الأبحاث الدولية. وجاءت دراسات مؤسسة « الأزمات الدولية» وخاصة مؤسسة « راند» لتضع النقاط على الحروف.

فإذا لم يكن بدا من عدو يمكن تسويقه إلى عموم الأمة الإسلامية بما فيها العرب فليكن « حزب الله» بمثابة النموذج المثالي الذي يمكن التعويل عليه في تقديم خدمات نفسية تستجيب لطموحات العامة من العرب والمسلمين في مواجهة « إسرائيل». فهو بالمحصلة ليس سوى حزب شيعي لا يهدد المشروع الغربي ولا يتعارض معه وجوديا بقدر ما يهدد أي مشروع إسلامي. بل أن المراهنة على الحزب ستجعل منه رافعة للمشروع الصفوي، القادر على اختراق العالم الإسلامي. وبالتالي فما يمكن أن يجنيه النظام الدولي من تأهيل « حزب الله» لِأَن يكون خصما شرسا أفضل بكثير مما يمكن أن يجنيه، في هذه المرحلة، من « إسرائيل» نفسها، كونها عدو عقدي صريح ومكشوف، بخلاف الحزب الذي سيبدو، بأعين المسلمين، مقاومة إسلامية ذات بأس!!!

لكن؛ بما أن « التيار الجهادي» ذو صبغة عالمية فإن « حزب الله» وحده غير قادر على تلبية احتياجات المركز الساعية من جهة إلى (1) إعادة المواجهة إلى دول « الهامش»، ومن جهة أخرى (2) ضرب التيار الجهادي بتيار آخر ذو صبغة عالمية موازية في الانتشار!! وفي هذا السياق بالضبط جاءت الدراسة الشهيرة لمؤسسة « راند» بعنوان: « بناء شبكات إسلامية معتدلة»، ثم سلسلة دراساتها حول مواجهة التيار الجهادي مثل: « ماذا بعد القاعدة 2006 Beyond al-Qaeda » ثم دراسة: « كيف تنتهي الجماعات الإرهابية؟ 29/7/2008 - How Terrorist Groups End? » .. التي أوصت فيها باحتلال المجتمعات العربية. وكذا دراسات مؤسسة الأزمات الدولية، خاصة المعنونة بـ: « محاولة لفهم التوجه الإسلامي – 2/3/2005»، والتي جاء فيها أن:

· « الإسلام المعتدل» يتميز بصفات ومزايا غير عدائية للغرب وقيمه دون أن يعني ذلك عدم اختلافه وسخطه على سياساته خاصة الأمريكية تجاه مثلا الصراع في العراق أو الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية تحديدا. هذا الإسلام ممثلا بالإخوان المسلمين وفروع الجماعة في الدول العربية كائن في معظم الدول العربية، ونماذجه الناجحة كثيرة في مصر والسودان والمغرب والجزائر وتركيا وتونس وحتى لبنان ... وغيرها.
· وإن جماعات الإسلام المعتدل تمثل أكثرية المعارضة وتحوز على قواعد شعبية تزيد عن ثلثي المجتمع، وإن اختلف معها الغرب في بعض الأمور فهو لا يستطيع إنكار ما هو كائن.
· وإن هذه الجماعات تقبل بالدولة الحديثة وبقواعد السلوك الدولي المتعارف عليه.
· وإن الجماعات الليبرالية التقليدية المعارضة أثبتت فشلها طيلة عقود في الفوز بأي تمثيل شعبي ولو محدود، فلماذا يراهن الغرب على جماعات لا تحظى هي ولا خطاباتها بشرعية سياسية أو فكرية أو اجتماعية؟

وهذه الدراسة التي توجتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، بالقول: « لقد أخطأنا بسياستنا سابقًا بدعم الأنظمة الدكتاتورية لتحقيق الاستقرار على حساب الحريات، وها نحن نجد أننا أفقدنا الشعوب حريتها ولم نحقق الاستقرار». فهل بقي شيء من هكذا تصريحات لم تكن سوى جزرة ألقيت بوجه قوى الإسلام السياسي؟

كانت الفكرة في محاربة « التيار الجهادي العالمي» تقوم على ضربه بجماعة ذات صبغة عالمية. ولا شك أن جماعة « الإخوان المسلمين» هي المؤهلة تنظيميا وأيديولوجيا للوقوع في الفخ خاصة إذا أُغريت بلعبة المشاركة السياسية. لكن الانطلاقة كانت من مبدأ « مركزية القضية الفلسطينية» بعيون العالم الإسلامي. أما لماذا؟ فلأن فلسطين قضية عقدية، ولأن قتال اليهود ليس موضع خلاف في العالم الإسلامي، وبالتالي فإن حصر المواجهة في فلسطين من شأنه أن (1) يقلص من مشروعية التيار الجهادي في الخارج إلى أدنى الحدود، و (2) يشكك بنواياه، و (3) يسمح لكافة القوى الإسلامية والوطنية بالتواري خلف القضية الفلسطينية و (4) تصعيد فكرة أن الجهاد في فلسطين هو الجهاد الوحيد المشروع والنظيف والخالي من سفك الدماء، وبالتالي فهو الأحق بالمشروعية من أية دعوات « متهورة» أو حتى « مشبوهة»!!!

لكن المشكلة كانت في أن بعض فروع الجماعة اندرجت بكامل طاقتها في إطار ما يسمى « مكافحة الإرهاب»، كما حصل في الجزائر وأفغانستان والعراق وباكستان، ولاحقا في الصومال. وتسببت هذه السياسات والاختيارات والتحالفات بانحدار شديد في سمعة الجماعة وشعبيتها. ولتجاوز هذا المأزق كان لا بد من رفع شعبية الجماعة في شتى أصقاع الأرض وإعادة الاعتبار لها!! وكذلك بالنسبة لـ « حزب الله». أما كيف؟ فمن خلال توجيه ضربات مؤلمة لـ « حزب الله» من جهة و حركة «حماس من جهة أخرى. والحقيقة أن الضربات في حرب لبنان ( 12/7/2006) وحرب غزة ( 27/12/2008) استهدفت إيقاع أضخم الخسائر في المدنيين والبنى التحتية على السواء أكثر مما استهدفت المقاتلين!!! بل أن النظام المصري في ذلك الوقت أغلق الحدود مع غزة بوجه السكان العزل إلى الحد الذي تناقلت فيه وسائل الإعلام عن إحدى النساء الفلسطينيات مشهدا شديد الإيلام وهي تستغيث من الظلم والقهر: « يا الله! أين نذهب؟ لا البيوت آمنة ولا المدارس ولا المساجد ولا الساحات العامة ولا المؤسسات .. فأينما ذهبنا لاحقتنا الطائرات .. ماذا نفعل يا رب؟ وأين نذهب !!!؟

وهنا بالضبط كان بيت القصيد. أنْ يحظى « حزب الله» و حركة « حماس» ومن ورائهما جماعة « الإخوان المسلمين» بأكبر قدر من التعاطف في العالم كله وليس فقط في العالم الإسلامي. ومن تابع ردود الفعل الدولية، بعين فاحصة بلا مؤثرات نفسية، لا شك أنه تعجب من شدة الغضب العالمي والحشد الجماهيري الهائل حتى في عقر عواصم « المركز» بينما لم نشهد احتجاجا واحدا ذا شأن إزاء المذابح التي يتعرض لها السوريون!!! لكن هكذا جرى استعمال القوى الجديدة أدوات في الصراع الدولي ضد تيارات « الجهاد العالمي»، سواء علمت أم لم تعلم. وهكذا أيضا جرى إعادة رد الاعتبار إلى الجماعة من بؤس تحالفاتها المشبوهة.

في أعقاب الحربين بدأت وقائع الحرب العالمية على « التيار الجهادي» تشق طريقها بأغطية شرعية وسياسية واسعة النطاق. وانطلقت الصحوات في العراق وأفغانستان وحتى الصومال بأشكال مختلفة، وبحسب ظروف كل بلد، ولم تفلت جماعات « التيار الجهادي» من التصفية حتى في غزة. ولعل أطرف ما في الأمر أن الجماعة وتيارات « الجهاد العالمي»، على السواء، وقعت في الفخ الذي نصبته مراكز الأبحاث الدولية. وشرعت في حملات إعلامية طاحنة شارك فيها القادة من الجانبين. بل أن الجميع، قادةً وعلماءً ومفكرين وصحفيين ومحللين ومراقبين وكتاب وأتباع وقعوا في الفخ دون أن يدركوا، إلا متأخرا، وقائع أخطر جولات المكر الدولي. ولسنا ندري إذا كان الطرفان قد تواصلا بشكل أو بآخر لوقف هذه الحرب الطاحنة أو اعتراض مسار هذا المكر الدولي، إلا أننا متأكدون أن قادة « القاعدة» كانوا أول من تنبه لهذا الفخ عبر سلسلة تصريحات وكتابات دشنها مصطفى أبو اليزيد، مسؤول « القاعدة» في أفغانستان سابقا، حين صرح لقناة الجزيرة (21/6/2009) قائلا بحق حركة « حماس»: « نحن وهم على فكر واحد ومنهج واحد»! ثم تبعتها مقالة أبو الوليد الأنصاري التي أثارت عاصفة في أنصار التيار لكونها رأت في حركة « حماس حركة جهادية»، فضلا عما بدا صمتا خيم على قادة « التيار الجهادي العالمي» تجاه حركة « حماس» أو جماعة « الإخوان المسلمين».

هذا المشهد لا يعني البتة تشكيكا أو طعنا في قتال حركة « حماس» أو « حزب الله». فكلاهما خاض قتالا ضاريا ضد « إسرائيل». لكن من الصعب أو حتى من شبه المستحيل أن يعترف أحدهما أو كلاهما أن الحربين كانتا فخا استراتيجيا نصبه « المركز» للجميع بإحكام شديد. وأن المسألة برمتها كانت أبعد ما تكون عن مشاعر الأطراف الأخرى التي رأت في الحربين انتصارات وبطولات وصمود ومقاومة وممانعة بوجه أعتى الهجمات الصهيونية وأكثرها دموية وتدميرا. ولا ريب أن « حزب الله» كان المستفيد الأكبر على المدى البعيد أكثر من « الإخوان المسلمين» أو حركة « حماس».

وفي المحصلة؛ خسر الجميع في حين ربح « حزب الله» سياسيا وربح « المركز» أمنيا. وربحت « إسرائيل» التي ترى في « حماس» عدوا أقل خطرا وجوديا عليها من ملاقاة « القاعدة». أما « حماس» و « الإخوان المسلمون» فلم يحققا أدنى مصلحة سياسية أو شرعية أو شعبية معتبرة من الصراع مع « التيار الجهادي العالمي». كما أنهما لم يحققا أية جدوى من كل السياسات البراغماتية التي حاولت الالتفاف على المركز أو انتزاع اعتراف منه بجدوى المراهنة على « الوسطية» و « الاعتدال» كبديل عن « تطرف» القوى الجهادية، لا في فلسطين ولا في العراق ولا أفغانستان ولا الصومال ولا الجزائر ولا سوريا ولا مصر ولا أية دولة أخرى تواجدت بها الجماعة. أما الضغوط الشديدة على « الإخوان» و « حماس» من قبل « التيار الجهادي» فلم تسفر أيضا عن أية نتائج فيما يتعلق بثنيهما عن مسارات الحوار أو حتى التحالف مع « المركز» الذي لم يتوانى عن حسم الموقف معهما في لحظة ما.

سادسا: الصفر الرقمي في الثورات العربية

أميز ما في الثورات العربية أنها شعبية الطابع. بمعنى أن الفاعل الاستراتيجي فيها هم عامة الناس وليس القوى السياسية التقليدية. والتميز هنا لا يقع في مستوى النظر إلى الفاعل باعتباره أحد أهم الضمانات الحيوية في مواجهة الاستبداد بل في النظر إلى الأمة باعتبارها، فعليا، في حالة استفاقة ويقظة وشراكة سياسية تامة وحاسمة، بحيث لم يعد من الممكن انكسارها أو تراجعها إلى نطاق « الصفر» حتى لو لم تتجاوزه باتجاه نطاق « الواحد». وهذا ما لم تأخذه القوى السياسية بعين الاعتبار. أما لماذا؟

· فلأن القوى السياسية، بشكل أو بآخر، كانت وما زالت جزء من النظام السياسي والدولي. فكان من الطبيعي أن « تتوافق» على خوض الصراع في مستوى « النخبة» وليس في مستوى « الشعوب» وما تشكله من ثقل يستحيل تجاوزه. وهذا يعني أنها كانت على النقيض مما يلزمها. فبدلا من أن تُلزم نفسها بالشرعية الثورية الشعبية وتستقوي بها وتعمل على تفكيك إرث النظام القديم ألزمت نفسها بمؤسسات وشرعية النظام الدولي والإقليمي والمحلي باعتبارها أطر لا مفر من التعامل معها وطمأنتها، وانتزاع شرعية الوصول إلى السلطة منها بدلا من شرعية الشارع. فلا هي أمِنَتْ عدوا أو خصما ولا هي ربحت شعبا أو صديقا.

· ولأن القوى السياسية فشلت في نحت ولو مفهوم واحد يجمع حولها العامة، وفي نفس الوقت يخرجها من مأزقها التاريخي كقوى عاجزة، لذا فقد اضطرت إلى استعمال ما تَوفر لديها من مفاهيم وتصورات ووسائل وآليات عمل وتفكير وقيادة وتواصل، وظنت أنها بهذه الحزمة التقليدية قادرة على تلبية احتياجاتها في اللحظة الراهنة. وهكذا بقي التنظيم على حاله دون أدنى تغيير، وكذلك المفاهيم التي لم تفارقها من عشرات السنين كـ « التوافق والمصالحة والوسطية والتسامح والمدنية والحقوق والطمأنة» ... وحافظت على نفس النمط التربوي دون تقييم. فما كان منه إقصائيا أو استعلائيا أو أرعنا أو تميزا أو عصبيا أو تنظيميا أو مقدسا أو قديسا أو بطلا أو ذو شرعية تاريخية ... ظل كذلك. وما كان عضوا تابعا أو مهمشا أو مقصيا أو منبوذا أو مطعونا به أو مظلوما ظل كذلك أيضا ..

ومع أن الانغلاقية مشكلة قاتلة في القوى السياسية إلا أن بعض القوى الإسلامية كـ « الإخوان المسلمين» لا يرون العالم إلا من ثقب الجماعة ومصالحها، فضلا عن نموذج من القيادات المبرمجة على نمط تربوي وسياسي وقيمي منغلق على الذات منذ عشرات السنين، ولا يرى قوته إلا في الشارع وخاصة حين يبدأ قرع أجراس صناديق الاقتراع. والمشكلة الأعوص في هذا السياق أن الجماعة تبني كوادرها على الثقة فحسب. ولا تلقي بالا لأية معايير أخرى، ولا تجيد الاستماع ولا ترغب في النقد.

فما شأن العامة بالتنظيم ومشكلاته ومفاهيمه ووسائله وآلياته وأحكامه ومعاييره إن لم تكن مشتملة على قواسم مشتركة مع العامة، بل وعلى صلة تلاحمية مع مطالبها وتطلعاتها؟ وبأي منطق شرعي أو أخلاقي يجري إقصاء الآخرين وتشويههم واستعدائهم واستفزازهم وتحقيرهم بمجرد النقد أو المخالفة؟ ولماذا لم تتساءل الجماعة، طوال عقود مضت، عن سبب كره الناس لها أو اختلافهم مع سياساتها؟ بمعنى آخر: لماذا لم تأخذ الجماعة بعين الاعتبار رؤية الناس لها واكتفت فقط برؤيتها لنفسها، وكأنها تعيش في عالم آخر بمعزل عن بقية الخلق؟

· ولأن القوى السياسية احتكرت السلطة كما سبق واحتكرها النظام. واشتغلت بمنطق الصفقات والكواليس كما فعل النظام. هذا في الوقت الذي باتت فيه العامة فاعلا خارج منطقة « الصفر»، ويقظة، وتبحث عن شفافية وانفتاح وشراكة ودور لها طال انتظاره. ففي مثل هذه الحالات الثورية الشاملة فإن العامة، كشريكة سياسية، فاعلة ونشطة في اتخاذ القرار، هي التي تحدد قوة النخبة وتوفر لها الحصانة والحماية بشرط أن تلتزم النخبة بإطلاعها على وقائع العملية السياسية وعمليات التطهير بكل شفافية والأهم أولا بأول حتى لا يجري تضليلها أو خداعها أو استفزازها أو استغفالها وتحقيرها كما حصل في مصر.

ومع أن المشكلة ليست في عزل الرئيس إلا أن « الإخوان المسلمين» في مصر ما زالوا يقعون في نفس الأخطاء حتى بعد الانقلاب. فبعد الإعلان عن اعتقاله (4/7/2013) ظهر مرشد الجماعة، محمد بديع، في اليوم التالي ( 5/7/2013) في ميدان رابعة العدوية. وهناك خاطب المعارضة مذكراً إياها بمبادرة الرئيس المعزول قائلا: « إن مبادرة السيد الرئيس لجمع شمل مصر ستجدون فيها كل ما ترغبون، إلا أن يكون هناك تنازل عن رئيسنا محمد مرسي فدونه أرواحنا»!!!! وزاد بأنه: « مستعد للتوصل إلى تفاهم مع الجيش إذا أعيد مرسي إلى »!!! ... « كل ما يرغبون»!!!!!، حتى ولو كانت على النقيض تماما من أية شريعة أو مصلحة أو مفسدة أو مشروع أو حتى منطق موضوعي!!!!؟

· ولأن القوى السياسية استخفت بقوة الثورة المضادة وقواعد الدولة العميقة، رغم توفر كل المؤشرات التي تنذر بالخطر الشديد. فقد استُبْعد حازم إسماعيل أبو صلاح ظلما من سباق الرئاسة، وفاز الرئيس محمد مرسي بفارق ضئيل جدا في المنافسة مع مرشح الدولة العميقة أحمد شفيق. وبقليل من التأمل فقد كاد شفيق يفوز بالرئاسة لولا حداثة الثورة وتضافر كل القوى الحيوية على التصدي للدولة العميقة، ومع ذلك لم يكن الفارق آمنا بقدر ما كان نذيرا صارخا يستدعي الحذر من الأيام القديمة. والأسوأ من هذا وذاك العجز التام في التعامل مع وقائع الثورة والهجمات القاتلة من البلطجية وقواعد النظام سواء على المستوى الأمني أو العسكري أو القضائي أو الإعلامي أو الاقتصادي، حتى فقدت الثورة حصونها الواهية الواحد تلو الآخر ابتداءً من مجلس الشعب مرورا بميدان التحرير وانتهاء بكرامة الرئيس نفسه إلى حد الانقلاب العسكري.

· ولأن القوى السياسية في دول الثورات أشاحت بوجهها عن بعضها البعض، فانعدم التنسيق فيما بينها. ففي الوقت الذي تلاقت فيه الشعوب فيما بينها عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وتَسمَّرت أمام الفضائيات تراقب أدق تفاصيل الحدث الثوري، كانت هناك حالة من القطيعة بين القوى الحيوية في دول الثورات، واستهتار بالكفاءات والمخلصين من الأمة، بل وعداء تصاعد مع نشوة السلطة وبريقها. فلم نشهد أي شكل من أشكال التواصل إلا في المستوى التنظيمي لجماعة « الإخوان المسلمين»، ولم نسمع عن قوى ذات شأن إلا عن الجماعة التي باتت تسيطر على مقاليد السلطة في عدة بلدان في حين أن الشعوب وبقية النخب وقعت خارج المعادلة تماما. فباتت الثورات والقوى الجديدة في السلطة مكشوفة الظهر من أي إسناد شعبي حتى محلي.

· ولأن أغلب القوى الإسلامية، على وجه الخصوص، تاجرت في الهوية منذ اللحظة الأولى بلا حياء من الله والعباد، ولم تحتكم في مواقفها السياسية لأية قيود عقدية أو بنيوية تستجيب لواقع الأمة وعقيدتها وحضارتها وتاريخها، فهانت على الخصوم. ولم تفلت دول الثورات قاطبة من هذا الهوان إلا بعض الجماعات الإسلامية التي حافظت على بعض ماء الوجه. لكنها جميعا، إلا من رحم الله، توارت خلف فخ « الدولة المدنية». وبذلت جهودا جبارة في طمأنة القوى العلمانية، محليا ودوليا، والتوافق معها والتقرب إليها وحتى استعطافها وتوسلها، في حين وقفت لبعضها بالمرصاد، وتفاخرت بعدد من قتلت من الإسلاميين كما فعل، رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي. والأسوأ من هذا أنها تصرفت كرجال الكهنوت حين استعملت الدين كغطاء لسياسات غير شرعية، أو في تصديرها لفتاوى جلبت عليها سخرية الخصوم واللبراليين والعلمانيين وحتى الملاحدة. وقد كان طريفا حقا، إلى حد السخرية، أن يفتي الشيخ ياسر برهامي بجواز طلب الحكومة المصرية قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار $!!! واعتبار الفوائد الربوية مجرد « مصاريف إدارية»!!! على حد تعبير يسرى حماد، المتحدث الرسمي باسم « حزب النور». ثم بعد أيام يتراجع عن الفتوى بدعوى أن جماعة « الإخوان المسلمين» خدعته، وهي من يتحمل مسؤولية وقوعه بالإثم!!! إلى هذا الحد المنحط يجري استغفال الأمة.

أخيرا: مواجهة الرقمية

خلال مؤتمر علماء المسلمين الذي انعقد في القاهرة ( 11/6/2013) لنصرة الثورة السورية قدم الشيخ حازم إسماعيل أبو صلاح مداخلة تضمنت مصطلحا طريفا هو الحديث في « المنطقة الآمنة». وفي تفكيكه له رأى أن مشكلة الأمة تكمن في صلب القوى الإسلامية وخاصة فئات العلماء والقيادات والمفكرين والمثقفين والكتاب والمراقبين والناشطين المهتمين بشأن الأمة .. كل هؤلاء وأمثالهم ينشطون فقط في « المنطقة الآمنة»!!! فما هي هذه المنطقة؟

إنها ببساطة منطقة « الصفر السياسي» أو « الصفر الشرعي» أو « الصفر العقدي» أو « الصفر الاقتصادي» أو « الصفر الاجتماعي» أو « الصفر الثقافي» أو « الصفر التربوي» أو « الصفر الإعلامي» وصولا إلى « الصفر الدولي». فالناشط من هؤلاء غالبا ما يراعي في نشاطه، في أي مجال وعلى أي مستوى، البقاء في « المنطقة الآمنة». فإذا كان سياسيا تراه مقيدا بإطاره السياسي، وإذا كان عالما تراه يصفد نفسه بالسقف السياسي أو الحركي أو العقدي الذي ينتمي إليه، وإذا كان اجتماعياً حرص على العودة إلى بيته وأسرته، وإذا كان اقتصاديا خشي على تجارته ومصالحه، وإذا كان مراقبا بالغ في الحذر والحيادية، وإذا كان منتفعا تمسك بمكاسبه، وإذا كان تربويا تجمد عند مناهج قديمة، وإذا كان إعلاميا ظل أسيرا لوسيلته الإعلامية أو لمحبيه وقرائه وضيوفه، وإذا كان مثقفا انحشر طوعا فيما تعلمه تاريخيا حتى استعصى عليه الخروج، وإذا كان مؤدلجا ظل حبيس أيديولوجيته ولو طالت لعقود أو اندثرت هي ومبرراتها وأطروحاتها، وإذا كان براغماتيا راعى مطالب واعتراضات كل الخصوم ... وهكذا.

في حين أن الثورات العربية أتاحت فرصا هائلة للخروج من « المنطقة الآمنة». فالوضع المستجد في العالم أجمع لم يعد يتقبل أي منطق للاستبداد والقهر. ففي العالم الرأسمالي ثمة عبودية وقهر وديون طاحنة تكاد تودي في المنظومة برمتها، وتعرضها لانفجارات اجتماعية في كل حين، خاصة وأن ديونها الداخلية والخارجية تربو على ما يزيد عن 100 ترليون $. وبالتالي فالثورات العربية ليست بدعا من الفعل الإنساني بقدر ما هي الجزء الأشد حيوية في التغيير الجذري، طال الزمن أو قصر.

ولأننا ما زلنا نعتقد جازمين بأن البشرية واقعة حكما تحت قانون « التدافع» الذي ستنتهي وقائعه قطعا بانتهاء الفساد والاستبداد وعودة الإسلام ممكنا، وفق النص القرآني، باعتباره البديل الوحيد أمام حالة الانسداد الإنساني، فمما لا شك فيه أن الخروج من « المنطقة الآمنة»، شئنا أم أبينا، بات ضرورة قريبة الوقوع، إنْ لم تكن واقعة فعلا. وتأسيسا على ذلك؛ وبلسان الشيخ حازم: « فإذا كنا نريد إقامة دولة إسلامية فعلينا ألا نخشى من التصريح بذلك، وكما تصرح القوى اللبرالية باستبعاد الدين من الحياة الإنسانية فعلينا أن نكون من الجرأة بحيث نصرح بأننا لن نتخلى عن الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية أو تطبيق الشريعة».

وكي لا نقع ضحية شبهة وهمية يرددها اللبراليون بأن الإسلاميين لا يمتلكون أي مشروع فإننا نؤكد أيضا أن اللبراليين لا يمتلكون ولو حرفا واحدا عن أي مشروع. بل أن كل ما لديهم ليس إلا أطروحة « المركز» التاريخية، التي قامت على أنقاض الكنيسة. وبالتالي يمكن مواجهة الشبهة اللبرالية بالرصيد الإسلامي وتاريخ الأمة برمته. فهم ( اللبراليون وليس الإسلاميين) موضع الشبهة؛ كونهم لا يملكون تاريخا ولا فكرا ولا رصيدا له علاقة بالأمة من قريب أو من بعيد.

ولا ريب أيضا أن هناك من يتساءل: كم من الوقت سينقضي حتى يضع « التدافع» أوزاره؟ وهنا لا بد أن نؤكد مجددا بأن المسافة ما بين « الجبر» و « الخلافة» هي، على حد تعبير أحد خطباء المساجد، كالمسافة الزمنية بين النداءين، حين صلاة الفجر. وبلغة رقمية؛ فإن هذه المسافة هي ذاتها المسافة الواقعة ضمن نطاق « 0 – 1». ولا ريب أنها مسافة قصيرة جدا ومبشرة. لذا فمن الخطأ الفادح تصور أن ما جرى في مصر أو ما يجري في بلدان أخرى هو آخر المطاف أو نهاية المشروع الإسلامي!!! كما أنه من السذاجة والسماجة أن يفرط البعض في تفاؤله، خاصة إذا كان مصابا بغرام العسكر، إلى الحد الذي يصف فيه الانقلاب بالثورة، وأن المستقبل الواعد والديمقراطية والحرية باتا يخيمان على مصر .. في حين أن ما يجري هو على وجه التحديد « التدافع» في محتواه العقدي ومنطقه الموضوعي. إذ من المستحيل أن يستقر « التدافع» على أخطاء القوى الإسلامية أو انقلابات العسكر أو ضغوط « الدول العميقة» أو مكر « المركز». وتبعا لذلك فإن أي توافق مع « الدولة العميقة» أو النظام الدولي أو مصالحته أو التنازل له يعني التواطؤ أو الوقوع في نفس الخطأ، وبالتالي البقاء في نطاق « الصفر». ولأن « الصفر» بدأ يتململ فالخاسر هو من يبقى مرابطا في نطاقه وليس فيمن يغادره.

نصيحتي

عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ». رواه مسلم.

حين تصل البشرية إلى طريق مسدود؛ فإما أن نكون في آخر الزمان فيسترد الله، سبحانه وتعالى، أمانته، وإما أن يُعمِل في خلقه سنة « التدافع». وحين يقع « التدافع» فلن يستطيع وقفه أحد على وجه الأرض، لأنه ببساطة لا سلطة لأحد عليه .. لا بتاريخه ولا بتنظيمه ولا بماله ولا بوجاهته ولا بقوته ولا بأحقيته ولا بكفاءاته ولا بقدراته ... ولأن « التدافع» أشبه ما يكون بساحة حرب فلا بد أن يكون فيها لحظات من الكرّ « الواحد» وأخرى من الفرّ « الصفر». والمؤكد أن الانقلاب لا يجوز النظر إليه من بوابة الشرعية الدستورية أو السياسية بقدر ما هو في الصميم أحد أبرز محطات الاعتراض لمسار الثورات العربية، ولطموحات الأمة في التحرر من الاستبداد والانعتاق من الهيمنة.

وفي مثل هذه الظروف .. وحتى لا تجري علينا سنة الاستبدال فلا بد من مراجعة عميقة تنتهي بالانتقال، سريعا، من فضاء الجماعة « الصفر» إلى فضاء العامة « الواحد» بكل أطرها المخلصة وكفاءاتها وقدراتها وإمكانياتها، وتأخذ بعين الاعتبار التهيئة للخروج من « المنطقة الآمنة» .. وإلى ذلك الحين سنظل ندعوا الله أن يستعملنا ولا يستبدلنا .. وأن يفك أسر أختنا كاميليا شحاته التي فشلت الثورة حتى الآن في تحريرها مع أخواتها وإخوانها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

دراسات جضارية، تأملات في واقع المسلمين، التفسير التاريخي للاحداث،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-07-2013   www.almaqreze.net

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمود علي عريقات، تونسي، مصطفى منيغ، د. طارق عبد الحليم، أحمد بوادي، ضحى عبد الرحمن، سلام الشماع، علي عبد العال، عراق المطيري، عبد الرزاق قيراط ، مصطفي زهران، سيد السباعي، د - شاكر الحوكي ، محمد أحمد عزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حاتم الصولي، العادل السمعلي، يحيي البوليني، محمد شمام ، د - المنجي الكعبي، د. عبد الآله المالكي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الغني مزوز، محمود سلطان، كريم فارق، د - صالح المازقي، صالح النعامي ، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد عمر غرس الله، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رافع القارصي، محمد الياسين، يزيد بن الحسين، خالد الجاف ، محمد العيادي، فتحي الزغل، عمر غازي، أنس الشابي، إسراء أبو رمان، فوزي مسعود ، صفاء العراقي، مراد قميزة، حسن عثمان، أ.د. مصطفى رجب، سامح لطف الله، نادية سعد، سفيان عبد الكافي، الهيثم زعفان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سعود السبعاني، محمد يحي، جاسم الرصيف، أحمد الحباسي، الناصر الرقيق، عمار غيلوفي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، صلاح المختار، أحمد النعيمي، د- هاني ابوالفتوح، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، فتحي العابد، سلوى المغربي، أحمد ملحم، محرر "بوابتي"، ياسين أحمد، رضا الدبّابي، عزيز العرباوي، عبد الله الفقير، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، منجي باكير، د - مصطفى فهمي، وائل بنجدو، أشرف إبراهيم حجاج، علي الكاش، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، سامر أبو رمان ، ماهر عدنان قنديل، رمضان حينوني، صباح الموسوي ، سليمان أحمد أبو ستة، د. عادل محمد عايش الأسطل، خبَّاب بن مروان الحمد، إياد محمود حسين ، د - الضاوي خوالدية، الهادي المثلوثي، د- محمد رحال، طلال قسومي، كريم السليتي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. صلاح عودة الله ، حميدة الطيلوش، المولدي الفرجاني، د - عادل رضا، د. أحمد محمد سليمان، د. أحمد بشير، صلاح الحريري، فتحـي قاره بيبـان، عبد الله زيدان، صفاء العربي، عواطف منصور، رافد العزاوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد الطرابلسي، إيمى الأشقر، د - محمد بنيعيش، فهمي شراب، أبو سمية، مجدى داود،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة