صيدلية القرآن – ما شاء الله لا قوة إلا بالله (5-5)
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6147
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
* جزاء كفران النعمة سلبها وذهابها ويبقى عذاب الله تعالى للجاحد في الآخرة :
علمنا الإسلام أن على المؤمن أن يقابل نعم الله تعالى عليه بشكرها وشكر المنعم ، ولذلك يقول العلماء : أركان الشكر ثلاثة لا يصح الشكر إلا بها :
- الركن الأول : التحدث بها ظاهرا، كما قال تعالى: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }( الضحى : 11 ) ، أي وأما بنعمة ربك التي أسبغها عليك فتحدث بها وأخبر بها ،
- الركن الثاني : الاعتراف بها باطنا ، يعني : أن يعترف العبد في قرارة نفسه أنها من الله سبحانه وتعالى ، فيكون قلبه موافقا للسانه في الاعتراف بأنها من الله .
- الركن الثالث : صرفها في طاعة موليها ومسديها وهو الله سبحانه وتعالى ، بمعنى : أن يستعين بها على طاعة الله ، فإن استعان بها على معصية الله فإنه لا يكون شاكرا لها .
والمقابل لشكر النعمة هو إنكارها وجحودها وكفرانها ، قال تعالى في سورة النحل ( التي تسمى سورة النعم ) : {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }( النحل : 83 ) ، أي أن هؤلاء المشركين عرفوا نعمة الله عليهم بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم , ثم يجحدون نبوته , وأكثر قومه الجاحدون لنبوته , لا المقرون بها ، قالوا والمراد بإنكارها : جحودها ، إما باللسان وإما بالقلب ، بأن تنسب إلى غير من أنعم بها ، إما أن تنسب إلى الأسباب ، وإما أن تنسب إلى الأصنام والآلهة ، وإما أن تنسب إلى الآباء والأجداد ، وإما أن تنسب إلى كد العبد وكسبه وحذقه ومعرفته ، وإما بصرفها في معصية الله عز وجل ،
ويفسر مجاهد بن جبر ( الإمام التابعي الجليل ) الآية بقول الرجل : "هذا مالي ورثته عن آبائي" فلا ينسب حصول المال إلى الله سبحانه وتعالى ، وإنما ينسبه إلى آبائه وأجداده ،
وكذلك إذا نسب النعمة إلى كده وكسبه وحذقه ومعرفته ، فإن هذا جحود لنعمة الله ، لأن المال فضل من الله سبحانه وتعالى ، أما الحذق والكسب ومعرفة الصنعة فهذه أسباب قد تنتج مسبباتها وقد لا تنتج ، فكم من حاذق وكم من عالم وكم من صانع يحرم من الرزق ولا تغنيه صنعته شيئا ، فهذا فضل من الله سبحانه وتعالى ، وأما هذه فهي أسباب إن شاء الله نفعت ، وإن شاء لم تنفع ،
وعلمنا الإسلام أن جزاء جحود النعمة وإنكارها وكفرها هو ذهابها وسلبها ، وهذا ما أوضحه القرآن الكريم في قصة صاحب الجنتين التي نحن بصددها ، فالله تعالى بعدما نقله إلينا من الحوار الذي دار بين المؤمن والكافر في قصة صاحب الجنتين ، قال : {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً }( الكهف : 42 ) ،
وهكذا تحَقَّقَ ما قاله المؤمن لصاحبه الكافر ، ووقع الدمار بالحديقة ، فهلك كل ما فيها ، فصار الكافر يُقَلِّب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها ، وهي خاوية خربة قد سقط بعضها على بعض ، ويقول ( أي الكافر ) : يا ليتني عرفت نِعَمَ الله وقدرته ، فشكرت نعمه ، وآمنت به فلم أشرك به أحدًا ، وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم ،
- وقوله تعالى :{ ...وَأُحِيطَ بثمره ...} عبارة عن إهلاكه وتدميره ، وأصله من إحاطة العدو بعدوه وهي استدارته به من جميع جوانبه لإِهلاكه واستئصاله والقضاء عليه ، لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ، فاستعملت في الاستيلاء والغلبة ثم استعملت في كل إهلاك ، ومنه قوله تعالى في سورة يوسف : { ....إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } ( يوسف : 66 ) ، أي إلا أن تُغْلبوا عليه فلا تستطيعوا تخليصه , ومثله قولهم : " أتى عليه " ، إذا أهلكه ، من أتى عليهم العدوّ : إذا جاءهم مستعلياً عليهم ، وجاء الفعل { أحيط } مبنيا للمجهول ، للإِشعار بأن فاعله متيقن وهو العذاب الذى أرسله الله - تعالى - أى : وأحاط العذاب بجنته بسبب جحوده وكفره ،
- وقوله تعالى : { فأصبح يقلب كفيه } تقليب الكفين : كناية عن الندم والتحسر ، لأنّ النادم يقلب كفيه ظهراً لبطن ، والمعنى أنه ندم ندما شديدا على ذهاب جنتيه ، وما كان يفاخر به على صاحبه من كثرة المال ، وندم على ما أنفقه في عمارتها ، ولاشك أن هذا من أعظم الجوائح مقابلة ومجازاة له على بغيه وكفره ، وفي الآية تصوير بديع لما اعتراه من غم وهم وحسرة وندامة ،
- واستظهر أن الإهلاك كان ليلاً لقوله تعالى : { فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ } ويحتمل أن تكون أصبح بمعنى صار فلا تدل على تقييد الخبر بالصباح ، ويجري هذان الأمران في { تصبح } ( الكهف : 40 ) و { يصبح } ( الكهف : 41 ) السابقين ،
- قالوا والظاهر أن إهلاكها واستئصال نباتها وأشجارها كان دفعياً بآفة سماوية ، ولم يكن تدريجياً بإذهاب ما به النماء وهو الماء ، فقد قال ( الخفاجي ) : إن الآية تدل على وقوع استئصال نباتها وأشجارها عاجلاً بآفة سماوية صريحاً لقوله تعالى : { فَأَصْبَحَ } بالفاء التعقيبية والتحسر إنما يكون لما وقع بغتة فتأمل ،
- وقوله تعالى :{ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىا عُرُوشِهَا } ( الكهف: 42 ) خاوية : أي خَربة جَرْداء جَدْباء، كما قال سبحانه في آية أخرى:{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىا قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَة على عُرُوشِهَا }( البقرة: 259 ) ، ومعلوم أن العروش تكون فوق ، فلما نزلت عليها الصاعقة من السماء دكَّتْ عروشها، وجعلت عاليها سافلها، فوقع العرش أولاً، ثم تهدَّمتْ عليه الجدران.
- وقوله تعالى : { ياويلتا لَيْتَنِى } أنه تذكر موعظة أخيه المؤمن وما ذكره به من نصائح ، فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه وتمرده وغروره ، فتمنى لو لم يكن مشركاً حتى لا يهلك الله بستانه ، وقيل : يجوز أن يكون ذلك توبة من الشرك ، وندماً على ما كان منه ، ودخولاً في الإيمان ، وقال بعضهم : ربما كان قوله { يا ليتني لم أشرك بربي أحدا } " مجرد ندم لما شاهد من الشدة المترتبة على شركه ، فقد يقول : أما إذ هلكت ففاتت فلا حاجة إلى التوحيد مع ذهابها ، فيصير مغاضبة لله عز وجل ، فذلك كقوله عز وجل : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }( العنكبوت : 65 ) ، أي : فإذا ركب الكفار السفن في البحر, وخافوا الغرق , وحَّدوا الله , وأخلصوا له في الدعاء حال شدتهم , فلما نجَّاهم إلى البر, وزالت عنهم الشدة , عادوا إلى شركهم , إنهم بهذا يتناقضون , يوحِّدون الله ساعة الشدة , ويشركون به ساعة الرخاء ، وشِرْكهم بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر، وهو نفس المعنى في قوله تعالى : {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }( الروم : 33 ) ، وقوله تعالى : { مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }( النحل : 54 ) ،
وجميع تلك الآيات تبين نوعاً من طغيان الإنسان بحيث أنه إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة ، وإذا مسه الشر ابتهل إلى الله وتضرع ،
- وقيل : أن قوله : { يا ليتنى لم أشرك بربى أحداً } حكاية لما يقول الكافر يوم القيامة ،
ويقول ( طنطاوي ) تعقيبا على الآية : " وهكذا حال أكثر الناس ، يذكرون الله - تعالى - عند الشدائد والمحن ، وينسونه عند السراء والعافية ، والمتدبر لهذه الآية الكريمة يراها قد صورت فجيعة الرجل الجاحد فى جنته تصويرا واقعيا بديعا ، فقد جرت عادة الإِنسان أنه إذا نزل به ما يدهشه ويؤلمه ، أن يعجز عن النطق فى أول وهلة ، فإذا ما أفاق من دهشته بدأ فى النطق والكلام ، وهذا ما حدث مع ذلك الرجل - كما صوره القرآن الكريم - فإنه عند ما رأى جنته وقد تحطمت أخذ يقلب كفيه حسرة وندامة دون أن ينطق ، ثم بعد أن أفاق من صدمته جعل يقول : يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا ، فيا له من تصوير بديع ، يدل على أن هذا القرآن من عند الله تبارك وتعالى (1) ،
ومن روائع ما قيل في فوائد تلك القصة أنه " إذا ظَهَرَ خسرانُ مَنْ آثر حظَّه على حقِّ الله ، قَرَع بابَ ندامته ، ثم لا ينفعه ، ولو قرع باب كَرمِه في الدنيا - حين وقَعتْ له الفترةُ - لأشكاه عند ضرورته ، وأنجاه من ورطته ، ولكنه رُبِط بالخذلان ، ولُبِّسَ عليه الأمرُ بحُكْمِ الاستدراج ، وضاعت منه الدنيا وحُرم الدنيا والآخرة معا ، وعظُمت حسرته وقال : ليتَني لم أشرك بربّي أحد (2) ،
- وهكذا كما رأينا في هذه القصة تباين موقف كل من الإيمان والكفر ، والمؤمن والكافر إزاء قضية نعم الله على الإنسان وكيف يقابلها ، رأينا الكافر وموقفه إزاء نعم الله تعالى عليه وهو موقف متكرر في كل زمان ومكان وسيظل يتكرر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، موقف نراه ونعاينه ونلمسه كثيرا في حياتنا المعاصرة ، ينعم الله تعالى على الواحد من هؤلاء فيتلقى نعم الله عليه بالجحود والنكران والتعالى والغرور الذي يقوده في كثير من الأحيان إلى ما لا تحمد عقباه ، وهذا الرجل في المثل القرآني تلقى النعمة أولا بالغرور والعجب بالنفس ، الذي قاده إلى الصلف والتعالي والكبر والتباهي بما يملك ، واعتقاد أن ما في يده لن ينفد أبدا ، ثم تمادى حتى أنكر القيامة والبعث ، ثم بلغ به الغرور حدا جعله يظن أن القيامة لو قامت فسيجد فيها أفضل مما ناله في الدنيا ، لأنه – ببساطة – يعتقد أنه مستحق لذلك كله وأهل له ، وأن القضية ليست في أن الله هو المالك الحقيقي لكل شيء ، وهو سبحانه الذي يعطي ويمنح ويمن على من يشاء ، وإنما هي في الإنسان نفسه وقدراته وملكاته ومواهبه ، تماما كما قال قارون : {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ...... }( القصص : 78 ) ، قال قتادة : على علم مني بوجوه المكاسب ، وقال آخرون : على علم من الله أني له أهل ، وهذا معنى قول مجاهد : أُوتيته على شرف ،
فكانت النتيجة أن خسف الله تعالى به وبداره الأرض قال تعالى : {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ }( القصص :81 ) ،
وتماما كما قال فرعون : {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }( الزخرف : 51 ) ، ففرعون ينادي ويصيح في عظماء قومه متبجحًا مفتخرًا بمُلْك "مصر" والأنهار التي تجري من تحته ، ويلوم عليهم كيف لا يبصرون ما هو عليه من الغنى والعظمة والقوة ، فماذا كانت النتيجة ، أغرقه الله وجنده أجمعين ، وجعلهم عبرة لم يعتبر ، ولم ينفعه ندمه وإعلانه الإيمان عندما أدرك أنه هالك لا محالة قال تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ{90} آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{91} فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ{92}( يونس 90 – 92 ) ، فلم تنفعه التوبة ساعة الاحتضار ومشاهدة الموت والعذاب ،
- أما بالنسبة لصاحب الجنة المغرور المتكبر فكانت النتيجة أن لقنه الله تعالى درسا لن ينساه ، في لمح البصر ذهب كل ما كان يتباهى به ، وهلكت أمواله وثماره ، وخربت جنتيه بقدرة من يقول للشيء كن فيكون ، وتفرق عنه أعوانه وحلفاؤه الذين كان قد طغى بهم ، وخدع بالتفافهم حوله ، وهكذا انقلب حاله وتحول من الصلف والغرور إلى الذلة والصغار ، ومن الإنكار والجحود إلى الإعتراف والإقرار ، ومن التباهي والعلو إلى الندم والانكسار ، ندم على ما كان منه من الإشراك بربه ، ولكن هيهات أن ينفع الندم بعد فوات الأوان ، وأما موقف المؤمن فكما رأينا إيمان وتوحيد ، وبصيرة وهدى ، ويقين راسخ في الله عز وجل ، وثبات على الحق ، وأمل ورجاء في الله تعالى الذي إليه يرجع الأمر كله ،
- والعجيب في القصة كما رأينا إنتقال الأمر من الرجاء إلى التنفيذ، وكأن الله تعالى قد استجاب للرجل المؤمن ولم يكذب توقعه ،
* التحذير من الوقوف عند النعمة ونسيان المنعم جل جلاله :
إن من أسباب الغرور والإعجاب الوقوف عند النعمة ونسيان المنعم : إذ أن هناك صنفا من الناس إذا حباه الله نعمة من مال أو علم أو قوة أو جاه أو ولد وعشيرة نحوه وقف عند النعمة ، ونسى المنعم وغفل عنه ، وتحت تأثير بريق المواهب وسلطانها تحدثه نفسه أنه ما أصابته هذه النعمة إلا لما لديه من مميزات تميز بها على غيره ، على حد قول قارون : { إنما أوتيته على علم عندي } ( القصص : 78 ) ، ولا يزال هذا الحديث يلح عليه حتى يرى أنه بلغ الغابة أو المنتهي ، ويسر ويفرح بنفسه وبما يصدر عنها ولو كان باطلا وذلك هو الإعجاب بالنفس ،
ولعل هذا هو أحد الأسرار في تأكيد الإسلام على أن مصدر النعمة أي نعمة إنما هو الله عز وجل قال تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله .....} ( النحل : 53 ) ، وقال أيضا : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } (النحل : 78 ) ، وقال عز من قائل : {ألم ترو أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنه}( لقمان : 20 ) ، وقوله تعالى : {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم }( فاطر : 3 ) ، بل وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يناجى المسلم ربه كل صباح ومساء قائلا ثلاث مرات : " اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر" (3) ،
- إن المؤمن الحق لا تزيده النعمة إلا تواضعاً وشكراً للنعمة ، وثناءا وحمدا للمنعم جل جلاله ، كما قال نبي الله سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام :{قَالَ هَـ?ذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى? أَءَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ}، ( النمل : 40 ) ، وقد نص في نفس السورة أنه شكر الله تعالى : {فَتَبَسَّمَ ضَـ?حِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى? أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ?لَّتِى? أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى? وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـ?لِحاً تَرْضَـ?هُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ?لصَّـ?لِحِينَ}( النمل : 19 ) ،
وفي العموم فإن قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـالِحاً تَرْضَـاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى إِنَّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ( الأحقاف : 15 ) ،
قال الإمام ابن القيم يرحمه الله : احذر كُلَّ الحذر مِن طغيان " أنا " و " لي " و " عندي " ، فإنّ هَذِهِ الألفاظَ الثلاثةَ ابتُلي بِهَا إبليسُ ، وفرعون ، وقارون ، " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " لإبليس ، و " لِي مُلْكُ مِصْرَ " لفرعون ، و " إِنّما أُوتِيتهُ عَلَى عِلْم عِندِي " لِقارون ، وأحسنُ مَا وُضِعَت " أنا " فِي قول العبد : أنا العبدُ المذنب ، المخطئ ، المستغفر ، المعترِف ونحوه ، " لي " ، فِي قوله : لي الذنب ، ولي الجُرم ، ولي المسكنةُ ، ولي الفقرُ والذلّ ، ونحوه ، " عندي " فِي قوله : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي ، وَهَزْلِي ، وَخَطَئِي ، وَعَمْدِي ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ) ( رواه البخاري (6399) ومسلم (2719) مِن حديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه ) ،
وصفوة القول - ونحن في زمن طغت فيه المادة وسيطرت على قلوب العباد ، حتى أصبحت هي الميزان الأساس للتفاضل بين الناس – ينبغي أن ينتبه المسلم إلى التفكر في نعم الله عليه ، ونسبتها إلى مسديها ، والشكر عليها ، قال تعالى : { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } ( البقرة : 243 ) ، ولا شك أن العجب والغرور يجعل الإنسان ينسب النعمة إلى غير المنعم جل جلاله ، وهذا فعل الأشقياء لا شك ، الغافلين عن حقيقة الأمور ، المعرضين عن كتاب الله عز وجل الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصدر كل النعم التي ينعم بها العباد هو الله تبارك وتعالى ، وأمرنا أن نتفكر في تلك النعم ، وبخاصة قوله تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله } ( النحل : 53 ) ، وقوله تعالى : { فلينظر الإنسان مما خلق } ( الطارق : 5 ) ، وقوله تعالى : { فلينظر الإنسان إلى طعامه } ( عبس : 24 ) ، وقوله تعالى : { أءنتم أنزلتموه من المزن }( الواقعة : 69 ) ، وقوله تعالى : { وما أنتم له بخازنين } ( الحجر : 22 ) ، { أفرءيتم الماء الذي تشربون ، أءنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ، لو نشاء لجعلناه أجاجاً فلولا تشكرون } ( الواقعة : 70 ) ،
************
يتبــــــع إنشاء الله ،
الهوامش والاحالات :
===========
(1) - محمد سيد طنطاوي : " التفسير الوسيط للقرآن الكريم " ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة ، 1977م ،
(2) - القشيري : " تفسير القشيري " ، ج4 ، ص : 354 ، مصدر الكتاب : موقع التفاسير ، http://www.altafsir.com
(3) - الحديث عن عبد الله بن غنام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من قال حين يصبح : اللهم ما أصبح بي من نعمة ( أو بأحد من خلقك ) فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد و لك الشكر فقد أدى شكر يومه و من قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته " ( قال الألباني : ضعيف ، أنظر : مشكاة المصابيح ) ،
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: