البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المجتمع كالطّفل في تطوّره الدّيمقراطي

كاتب المقال فتحي الزغل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4852


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يعيش المجتمع في دول الرّبيع العربي منذ نجاح ثوراته الشّعبية و إطاحته بحكّام كانوا يستبدّون به و يقهرونه و يعبثون بمقدرّاته ، حالةً من التّجاذبات السّياسية الحادّة، وصلت درجة الاحتقان و العنف في بعض تلك البلدان. حتّى أنّ بعض الفُرقاء أضحى لا يستحي من الترحّم على أيّام المقبور أو المخلوع أو الهارب من هؤلاء الحكّام المجرمين.

و عندما بحثتُ عن أوجه الشّبه بين ما يحدث في ديارنا، و ما حدث في الدّول و الشّعوب التي انتفضت على نظامها السّياسي مثلنا من القرن الثّامن عشر في فرنسا إلى القرن العشرين في أمريكا اللاّتينية و أوروبا الشّرقية و آسيا، وجدتُ أنّ تلك الأمم قد ماثلتنا في التّجاذب الحادّ بين فصائلها السياسيّة و رؤاها الفكرية إبّان خلعها نظامها السّياسي. تجاذبٌ وصل للاحتقان الذي نعيشه اليوم في بعض بلداننا. و أقصدُ ذاك الذي وقع في رومانيا حديثا أو في فرنسا - بلد أوّل ثورة شعبيّة مكتملة ناجحة – قديما. تجاذبٌ بعضه لا يزال قائمٌ إلى الآن في الدّول الحديثة بالثّورة، و تطوّر في الدّول العريقة في الدّيمقراطية اليوم ليصبح نقاشا سياسيًّا راقيا لا يصل درجة العنف و الاحتقان.

و ما الشّبه الواضح بين تلك الشّعوب إلاّ لأنّ التّشنّج و التّناكف و النّقاش الحادّ الذي طبع و يطبع المرحلة، لا يعدو أن يكون سوى تعبير فرديّ نفسيّ اجتماعيّ لقانون واحد يحكم تلك الظّاهرة...
فالشّعب أو الأمّة أو مجموعة البشر التي تعيش تحت نظام سياسيّ واحد يتطوّر سلوكُه الجماعيُّ و يتغيّرُ و يتكيّفُ بالتّعلّم و بالتّجربة، شأنه شأن سلوك الطّفل منّا، عندما يبدأ في بناء علاقاته الخارجيّة مع إخوته في عائلته، فجيرانُه من أقرانه، فأصدقاؤُه من مدرسته، وصولا إلى نضجه الكامل في بيئة عملــــــــه و أسرته. و بالتالي فنحن إذا ما اقتربنا أكثر من ذاك السّلوك في تطوّره، نجده مطبوعا في مراحله الأولى بالأنانيّة، و المركزيّة الذّاتية، و عدم قبول الآخر مطلقا. قبل أن يتطوّر في مرحلة ثانية لا تعكس إرادته الحقيقيّة في اتجاه التّعامل مع الآخر إذا كان يخدم مصلحته و يمنحه ما يريد. ثمّ في مرحلة لاحقة يتطوّر إلى بداية تعايش كلّ طفل مع بيئته الضيّقة و عدم الاعتراف بغيرها من البيئات التي يلحظها هو بنفسه. ليصل في نهاية مراحل نموّه الذّهني و النفسيّ النهائيّة إلى الوعي بأنّه جزء من نسيج بشريّ كبير، يخدم بعضه بعضا، فيتّسم سلوكه باحترام كلّ مكوّنات ذلك النّسيج بما في ذلك من يُخالفهم و يعاكسهم الرّأي.

و هذا التّطور الخطّي نحو لجم عنف الأنانيّة، يتشكّلُ بعينه في الوعي الجماعيّ لكلّ مجتمع حديث العهد بالدّيمـــــقراطيّة و الحرّيّة. فتبدأ الخلافات الجماعيّة داخله تأخذ شكلا عنيفا يغلب عليه إرادة كل فصيلٍ فيه إقصاءَ غيره ممّن يحمل خلاف فكره. مع ما يُخلّفه ذلك السلوك الاجتماعيّ العنيف الأناني المتمركز على ذاته من خسائر و ضحايا، قبل أن يتطوّر الوعيُ الجماعيّ لنفس المجتمع لتُدرك فصائله الفكريّةُ أنّ اختلاف غيرها معها في الرأي لا يعني بالضرورة الخيانة و التّوجّه نحو الكارثة، و إنّما الاختلاف ذاك من اختلاف المرجعيّة و التّجربة و المصلحة.

فتبدأ نبرة الحدّة في النّزول شيئا فشيئا إلى أن تصل تلك الأممُ أو الشّعوب في قمّة وعيها الجماعيِّ إلى مرحلة نضج جماعيٍّ يفرض احترام كلّ فصيل أو فرقة أو مجموعة من البشر لغيرهم و لو اختلفوا معهم. كما يفرض عليهم نقاشات راقية معهم، لا مكان فيها لفرض الرأي سوى بالإقناع ومقارعة الفكرة بالفكرة و رمي الحجّة بالحجّة تُفحمها. و تلك مرحلة أظنّني مقتنعٌ بأنّ شعوب ربيعنا العربيّ لم تصلها بعد، لحداثة عهدها بالدّيمقراطية. مثلها مثل شعوب أخرى سبقتها بعهود في هذا المجال. لأنّ الصّيرورة الاجتماعية تتطلّب وقتا يطول ويقصر حسب معطيات خارجيّة موضوعيّة أخرى، لا يتّسع وقتُ المحاضرة لذكرها الآن. و إنّما يكفي لأن أشــيرَ إلى أنّ كلّ الظاهرة الاجتماعيّة هي خاضعة لنفس القانون لا محالة، و بفهمنا للقانون... نُشاهدُ العربة و نتلمّسُ الطريق و نفهمُ سلوك السّائق.

--------
فـــتـــحي الزّغل
كاتب و مُحلّل سياسي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الربيع العربي، الثورات العربية، تونس، التحول الديموقراطي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-11-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إنذارات بمجتمع يهوي
  أنا اللّص الذي عنه تبحثون
  قراءة في المشهد الانتخابي البرلماني التونسي بعد غلق باب التّرشّحات
  السّياسةُ في الإسلام
  ماذا يقع في "وينيزويلّا"؟ حسابات الشّارع وموازين الخارج
   بعد تفجير شارع بورقيبة ... ألو... القائد الأعلى للقوات المسلّحة؟
  إلى متى تنفرد الإدارة في صفاقس بتأويل خاصّ لقوانين البلاد 2؟
  "التوافق" في تونس بين ربح الحزب وخسارة الثورة
  "ترامب"... رحمة من الله على المسلمين
  حكاية من الغابة... حكاية اللئيم و الحمير
  بقرة ينزف ضرعـــها دما
  تعليقا على مؤتمر النهضة... رضي الشيخان ولم يرض الثّائر
  بعد مائة يوم على الحكومة... إلى أين نحن سائرون؟
  الغرب و الشّرق و "داعش" و "شارلي"
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج3
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج2
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج1
  كيف تختار الرّئيس القادم؟
  قراءة في الانتخابات البرلمانية التونسية
  سكوتلاندا لا تنفصل... درس في المصلحيّة
  قراءة في النّسيج الانتخابي التّونسي
  "أردوغان" رئيسا لتركيا... تعازي غلبت التهاني
  "غزّة" و الإسلاميّون
  الانتخابات الفضيحة
  أُكرانيا و مصر و نفاق الغرب
  رئيسٌ آخر و حكومة جديدة.... قراءة في ما بعد الحدث
  بيان بخصوص رفض الأطبّاء العمل في المناطق الدّاخليّة
  بيان بخصوص إضراب القضاة
  سلطتنا التّنفيذيّة وعلامات الاستفهام
  سلطتنا القضائيّة و علامات الاستفهام

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد ملحم، د - محمد بن موسى الشريف ، سامح لطف الله، العادل السمعلي، المولدي الفرجاني، ياسين أحمد، أحمد الحباسي، مجدى داود، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، عمار غيلوفي، د. عبد الآله المالكي، د - الضاوي خوالدية، فوزي مسعود ، أشرف إبراهيم حجاج، عمر غازي، مراد قميزة، محمد اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، فتحي الزغل، حاتم الصولي، عبد الرزاق قيراط ، د.محمد فتحي عبد العال، محمود طرشوبي، محمد الطرابلسي، نادية سعد، إسراء أبو رمان، محمود سلطان، تونسي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - المنجي الكعبي، كريم فارق، محمد العيادي، د. أحمد بشير، عزيز العرباوي، حميدة الطيلوش، عبد الله زيدان، ماهر عدنان قنديل، صلاح المختار، سيد السباعي، أ.د. مصطفى رجب، د. طارق عبد الحليم، محمد شمام ، خبَّاب بن مروان الحمد، أبو سمية، سليمان أحمد أبو ستة، إياد محمود حسين ، صفاء العربي، عراق المطيري، عواطف منصور، علي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، محمد عمر غرس الله، صفاء العراقي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد أحمد عزوز، إيمى الأشقر، الهيثم زعفان، منجي باكير، سعود السبعاني، د - محمد بنيعيش، مصطفي زهران، د - شاكر الحوكي ، د - صالح المازقي، أنس الشابي، فهمي شراب، يحيي البوليني، د- محمد رحال، فتحـي قاره بيبـان، د- جابر قميحة، رمضان حينوني، طلال قسومي، خالد الجاف ، أحمد بوادي، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، محمد يحي، الناصر الرقيق، رافع القارصي، علي الكاش، كريم السليتي، رحاب اسعد بيوض التميمي، مصطفى منيغ، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحي العابد، صلاح الحريري، وائل بنجدو، عبد الغني مزوز، د- هاني ابوالفتوح، جاسم الرصيف، سفيان عبد الكافي، رشيد السيد أحمد، سلوى المغربي، د- محمود علي عريقات، د. صلاح عودة الله ، أحمد النعيمي، سلام الشماع، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن الطرابلسي، محرر "بوابتي"، سامر أبو رمان ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. خالد الطراولي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، يزيد بن الحسين، د - عادل رضا، محمود فاروق سيد شعبان، د - مصطفى فهمي، عبد الله الفقير، رافد العزاوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صالح النعامي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة