البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

سلسلة كيف كانوا وكيف أصبحنا (1)

كاتب المقال د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6747


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى سيدهم وقدوتهم الحبيب المصطفى، وعلى أله وصبحه أهل المكارم والوفا، والتابعين لهم على طريق الإيمان والصفا،
أما قبل :
ترى من هم أولئك الذين أشرنا إليهم في عنوان هذه السلسلة ؟

إنهم سادتنا وكبراؤنا أعلام الحق ومنارات الهدى من سلفنا الصالح عليهم سحائب الرحمة والرضوان، والمتمثلون في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان من الأئمة الأعلام من أولي النهى والأحلام - رحمة الله عليهم أجمعين – ولا أغالي إذا قلت – من باب الإعتراف بالحق – أنني لم أكن يوما أهلا للحديث عنهم، فأين الثرى من الثريا، وأين حضيض الغبراء من باذخ الجوزاء، فهم ولا شك مصابيح الدجى، ومنارات الهدى، ومنائر العلا، وأعمدة العلم والفتيا، ومحاريب التقى، وساحات البصيرة والألباب النهى، أولئك الأخيار الذين بعلمهم تستنير القلوب، وبفضلهم ومناقبهم تلهج الألسنة، إنهم دعاةَ الهدى والخيرٍ، الذين سطَّروا صحائفَ من ضياء، فما نسيَ الزمانُ ولا نسينا، نعم إنهم الرجال الأفذاذ الذين منهم نتعلم، ومن غزير علمهم وفقههم وآدابهم ننهل، وعلى موائدهم نربي أنفسنا ونزكيها لتتعرف على الطريق الحق الى الله عز وجل كما عرفوه، ونتأسى بهم في كريم الاخلاق والسجايا، مستهدفين بذلك القاء بعض الضوء على فضلهم ومكانتهم، ومناقبهم ومواقفهم المشهودة، وما كانوا عليه في القرون المفضلة من العلم النافع، والعمل الصالح، وما قدموا لهذه الأمة من أعمال أعلوا بها قدرها، ورفعوا بها ذكرها بين الأمم, ولقطع الطريق على من تسول له نفسه النيل منهم، والطعن بهم خدمة لأعداء الأمة ومريدي الشر والهوان بها.

انهم سادتنا وقادتنا وأسوتنا فهم ورثة الأنبياء، ومأنس الأصفياء، وملجأ الأتقياء، ومركز الأولياء، الذين حملت إلينا كتب التاريخ والمناقب عنهم دررا ولآليء ما أحوجنا إليها اليوم في زمن قست فيه القلوب، وتمكنت منها الأهواء، إلا من رحم الله عز وجل،

أما بعد :

فهيا بنا أعزائي القراء إلى رحاب أولئك القوم أصحاب الأيادي البيضاء لنعيش معهم بعض اللحظات، نذكر ببعض مناقبهم ومواقفهم وأحوالهم في حياتهم الزاخرة بكل ما هو نافع ومفيد، وصالح ورشيد، تلك الحياة التي كانوا يعيشونها بكل جوانبها الدنيوية كما نعيشها، غير أنها كانت دائما محروسة بقيم السماء الخالدة، لعلنا نستقي منها العبر، ونأخذ منها الدروس التي تعيننا على صلاح ديننا ودنيانا، وأسأل الله سبحانه أن يعمر قلوبنا بعلم سلفنا الصالح وأخلاقهم وآدابهم، وأن يرزقنا ويمن علينا بالفقه في الدين، وأن يجعلنا ممن يقيم راية التوحيد والسنة على منهاج سلفنا الصالح، وأن يكفي الأمة شر أهل البدع والضلالات، ومن كان ورائهم من أهل الكفر والجهالات ، وأن يزيدنا من العلم النافع وأن يوفقنا لحسن الظن به، وحسن التوكل عليه، وعِظَمْ العلم به، وحسن العمل بما نعمل إنه سبحانه جواد كريم سميع قريب مجيب،

الحلقة الأولى: حوار ما أروعه بين الإمامين الشافعي وأحمد في محبة الصالحين :


لقد كان بين الإمام الشافعى والإمام الجليل أحمد بن حنبل رحمهما الله - وهما من هما في العلم والفقه والزهد والتقوى والإيمان واليقين والورع ولا نزكيهما على الله – كان بينهما من المحبة فى الله، والأخوة الإيمانية الصادقة، والمودة الشديدة، ما زينت به الصحائف، وتشرفت بتسطيره أقلام المحبين، و كان ذلك الأمر معلوماً ومشهورا بين الناس يعرفه العامة والخاصة على السواء في زمانهم، وما بعده , وإلى يوم الناس هذا، ولهذا كانت هناك الكثير من الحكايات والمواقف التى تروى في هذا المقام، لتجسد تلك المحبة الخالصة، و تشهد بروعة وعظمة وجلال تلك العلاقة الفريدة التي كانت تربط بينهما في رحاب الإيمان بالله، والسير على نهج وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإليكم إخوة الإيمان جانبا مما حملته الينا كتب التاريخ والسير في هذا الصدد

لقد حدث أن اجتمع الإمامان رضي الله عنهما في جلسة من جلسات المودة والوئام، ولحظات تدارس العلم بين الأستاذ النابغة، وتلميذه النجيب – وما اكثرها بينهما – حيث كان الإمام أحمد تلميذا للشافعي يتلقى العلم عليه، فقال الإمام الشافعي مخاطبا لتلميذه بتواضع العلماء وإخبات الفضلاء :

أحب الصالحين ولست منهم*** لعلي أن أنال بهم شفـــــاعة
وأكره من تجارته المعاصي *** وإن كنَّا سوياً في البضاعة

وعلى الفور جاء رد التلميذ الإمام ابن حنبل بأدب طالب العلم حيث قال مرتجلا وهو يخاطب استاذه الشافعي :

تحبُ الصَّالحين وأنت منهم*** ومنكم سوف يلقون الشفاعة
وتكره من تجارته المعاصي*** وقاك الله من شر البضاعة (1)
وانظر معي - يا رعاك الله - إلى القائل إنه الإمام الشافعي، وهو من هو إنه من الصالحين، بل من أئمة الصالحين رضي الله عنه وأرضاه ولا تزكي على الله أحدا،

فوائد ودروس نستقيها من هذا الموقف :

1- فضيلة تواضع العلماء :

أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع هذا الموقف أن قول الإمام الشافعي ( أحب الصالحين 00 ولست منهم ) يشي بفرط تواضعه – رحمه الله - ومدى معرفته لنفسه على حقيقتها، رغم علو مقامه، وغزير علمه، وعميق فقهه الذي شهد له به أكابرعصره من العلماء المحققين ومن جاء بعدهم (2)، ومن ثم فلا مجال للعجب فقد عرف الشافعي نفسه، ومن عرف نفسه، وكمل وعيه بذاته تواضع لله عز وجل حق التواضع، فآفة الإنسان أن يفتقد الوعي بالذات، وأن يغفل عن حقيقة نفسه، وهنا يبرز السؤال : أما آن لنا أن نعرف أنفسنا كما كانوا يعرفون أنفسهم حق المعرفة ؟ هكذا كانوا فانظر كيف أصبحنا نحن اليوم، (3)

وللتعرف على المزيد عن حقيقة تواضع الإمام الشافعي، فلنتأمل قوله في إحدى نصائحه الغاليات التي تحث المؤمن على التواضع وخفض الجناح وترغبه في ذلك فيقول :"لا ترفع سعرك فيردك الله إلى قيمتك، ألم تر أن من طأطأ رأسه للسقف أظله وأكنه، وأن من تنادى برأسه شجه".
يا لها من كلمات بليغة كافية وافية شافية في مقام الحث على التواضع والترغيب فيه.. إنها كلمات تؤثر في العقل.. وتخترق النفس.. وتصل الى أعماق القلوب..

2- المغالاة في الشيوخ والتعصب لهم :

لقد اشتمل هذا الموقف على درس عظيم، وعبرة بليغة للناس عامة، ولطلبة العلم على وجه الخصوص أن لا يغالوا في شيوخهم، وألايتعصبوا لهم بالحق والباطل، وألا ينزلوا آراء هؤلاء الشيوخ واجتهاداتهم وأقوالهم منزلة المقدس – وهو أمر عمت به البلوى، وكثرت منه الشكوى في زمان الناس هذا - وأن على من يقع في هذا الأمرأن يلتفت إلى ما قاله الإمام مالك ابن أنس رحمه الله يوم أن سُئل أن يحمل الناس على كتابه الموطأ، فقال في تواضع العلماء وعلم المتواضعين : " إن الناس عندهم ما ليس عندنا " أي من العلم (4)، هذا وقد سئل بعض السلف رحمهم الله : من يعلم كل العلم؟ فقال: كل الناس.

3- المرء مع من أحب :

أن وقوع الإنسان في فِعْلُ المعاصي والتلبس بها – وهو أمر قل أن ينجو منه أحد من الناس لأن الإنسان خطاء بطبعه - لا يسوغ له بغضَ الطاعةِ وأهلِها، وحبَّ المعصيةِ وأهلها، بل يجب عليه أن يجاهد نفسه على حب الطاعة وأهلها، وإن كان مقصراً فيها ولم يلحق بأهلها، وأن يبغض المعصية وإن كان واقعاً فيها ومعدوداً من أهلها، فالمرء كما نعرف يحشر مع من أحب، ويؤجر على حب الخير وأهله وبغض الشر، وتجنب أهله بعد تقديم النصح لهم.(5)، فمن سمات المؤمن الحرص على تجنب المعاصي وأهلها ولنعتبر بما قاله الشافعي في ذانك البيتين وهو – بلا شك – ليس عنده من المعاصي مثلما عندنا رضي الله عنه ورحمه، وإن كان " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " كما جاء في الحديث، ومن هنا فعلى الإنسان ألا يكون مقيما على المعاصي والسيئات، ويدعي أنه يحب الصالحين، ويجالسهم ويقول: أنا أجلس مع الصالحين، ومن جلس معهم فانه يقال لهم : ( قوموا مغفوراً لكم )، فمغفور لكم أي: للصالحين 00للتائبين والمجاهدين أنفسهم، المعترفين بتقصيرهم، وغير المصرين على الذنوب، ولا المجاهرين بها، أما المقيمون على الذنب والمصرون عليه والمجاهرون به فلا يطمع في ذلك، لأن عنده موانع تمنع من ذلك،


4- فضل محبة الصالحين وثمراتها :

أن محبة الصالحين والتودد إليهم هي في حقيقتها من محبة الله عز وجل، وهي دأب عباد الله الصادقين المتقين، قال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر:10)، وقد صح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ: الْمُوَالاةُ فِي اللهِ وَالْمُعَادَاةُ فِي اللهِ، وَالْحُبُّ فِي اللهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللهِ) (6)، وكما في الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ) (7).

كما وأن حب الأبرار الأتقياء الصالحين من عباد الله تعالى يبلغ بالمرء أكرم المنازل، وأرفع المقامات، فعن أنس - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟) قَالَ : لاَ شَيْء إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْء فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم : (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ " (8)،
وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه – قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) (9)،

قال الإمام القرطبي المفسر: " وهذا الذى تمسك به أنس - رضي الله عنه - يشمل من المسلمين كل ذي نفس، فكذلك تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين، ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين، وقد ذكر الله تعالى قصة كلب أحب قومًا فذكره الله معهم، فقال سبحانه : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) (الكهف: 18)، فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان، وكلمة الإسلام، وحب النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء:70)"......انتهى (10).
اللهم ارزقنا محبة الصالحين من عبادك.. آمين.

5- شفاعة الإخوان :

أن قول الشافعي : " لعلى أن أنال بهم شفاعة " يعني أنهم قد يشفعون له يوم القيامة وقد يتقبل الله شفاعتهم فيه، وفي هذا إشارة لما ورد فى الأحاديث الصحيحة من أن المؤمنين يناشدون الله يوم القيامة على أصحاب لهم فى النار - بسبب سيئات عملوها - يقولون ربنا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فيناشدون الله مناشدة إلحاح شديد حتى يقبل الله مناشدتهم، ويخرجهم لهم من النار فإذا القوم لا يشقى بهم جليسهم (11)

6- فضيلة التبرؤ من الحول والقوة :

ومن الدروس النافعة – في هذه الواقعة - أيضا أن على المسلم أن يكون حريصا أشد الحرص على أن يتبرأ – على الدوام - من حوله وقوته والإلتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية، وذلك في كل أوقاته وأحواله، وأن يكون حاله مع القرآن الكريم أنه إذا تلا الآيات التي تحمل أنوار الوعد والمدح والثناء وطيب الذكر للصالحين والأتقياء من المؤمنين فعليه ألا يشهد نفسه عند ذلك، بل يشهد الموقنين والصديقين فيها، ويتشوق إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم، وأن يوفقه للتخلق بأخلاقهم والسير على نهجهم، وإذا تلا الآيات التي تحمل نيران الوعيد والمقت، وذم العصاة والجبابرة والمقصّرين شهد نفسه هناك، وقدّر أنه المخاطب خوفًا وإشفاقًا، ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "اللهم إني أستغفرك لظلمي وكفري "، فقيل له : هذا الظلم فما بال الكفر، فتلا قوله عز وجل: {...........إن الإنسان لظلوم كفار}( إبراهيم : 24 )، وقيل ليوسف ابن أسباط : إذا قرأت القرآن بماذا تدعو؟ فقال: " أستغفر الله عز وجل من تقصيري سبعين مرة "، فإذا رأى نفسه بصورة التقصير في القراءة كانت رؤيته سبب قربه، فإن من شهد البعد في القرب لُطف به في الخوف، حتى يسوقه الخوف إلى درجة أخرى في القرب وراءها، ومن شهد القرب في البعد مُكِر به في الأمن الذي يفضي به إلى درجة أخرى في البعد أسفل مما هو فيه والعياذ بالله، ومهما كان مشاهدًا نفسه بعين الرضا صار محجوبًا بنفسه عن الله عز وجل (12)، وبهذا المعنى نفهم قول الشافعي رحمه الله :
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة
ونفهم أيضًا قوله رحمه الله تعالى :
فعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ **كما أن عين السخط تبدي المساويا

7- الحرص على القرب من الصالحين في المواقف والمناسبات المختلفة :

فعلى المسلم أن يكون حريصا على حضور مجالس الصالحين، وأن يحرص على دعوة الصالحين لحضور مجالسه الخاصة كالمناسبات السارة والولائم التي يقيمها، وللشباب المقبل على الزواج نقول إجتهد في دعوة الصالحين لحضور حفل زفافك، وابتعد عن الفسقة والعصاة والغافلين وأهل البدع والفسق والفجور – كما يحدث اليوم - وإياك أن تدعوا الرجل لمكانته الاجتماعية أو الحكومية أو المادية أو...غيرها فحسب دون النظر إلى طبيعة ونوعية صلته بربه ومولاه، إذاً من الأهمية بمكان أن تدعو الصالحين ومن فيهم سمة الصلاح والايمان والتقوى عملا بما قاله الإمام الشافعي في محبة أهل الصلاح والتقوى ومجالستهم والقرب منهم،

8 – إلى الشباب أهمية الإعتناء باختيار الجليس الصالح :

لقد حض الإسلام على ضرورة وأهمية اختيار الجليس الصالح والرفقة الصالحة، ففي الحديث : { مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، فبائع المسك إما أن يحذيك من طيبه، أو تشتري منه، ونافخ الكير إما أن تكسب منه رائحة منتنة، أو يحرق ثيابك }، وهذا الجليس الصالح، الشاب الصالح الداعية العالِم العابد الزاهد تكتسب منه خلقاً، وتكتسب منه ديناً، وتكتسب منه فضلاً، أما الجليس والرفيق الشقي - والعياذ بالله - فلن تكتسب منه إلا بُعداً من الله، ولن تكتسب منه إلا غضباً من الواحد الأحد - نعوذ بالله من ذلك – ولذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } ( الزخرف:67 )، ويقول أيضا : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } ( الشعراء:100-101 )، وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه : " تزودوا من الإخوان فإنهم ذخر في الحياة وفي الآخرة، قالوا : في الحياة صدقت، أما في الآخرة فكيف؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكافرين والمنافقين والفجرة : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } ( الشعراء:100-101 )، فلو كان له صديق صالح لنفعه "،

9 – نسب الإمام الشافعي :

أن قائل هذا هو الإمام الشافعي القرشي الهاشمي النسب الذي ينتمي إلى نسب رسول صلى الله عليه وسلم، إلى جانب علمه وصلاحه وتقواه، وفي هذا درس بليغ لكل مسلم يبحث عن القدوة والأسوة في اتهام النفس، وعدم تزكيتها، ويشير الإمام أحمد إلى هذا النسب الكريم حين يقول وهو يخاطب الشافعي فيما أثر عنه : " من داركم خرج البز الأبيض، ومن نهركم جرى ماء الحياة، ومن عُمْلتكم أتى الصيرفي الممتاز محمد عليه الصلاة والسلام، أنت تحب الصالحين وأنت من الصالحين، ومنكم قد أتتنا الشفاعة، من الشافع المشفع محمد صلى الله عليه وسلم "،

* ومن مواقف العظمة بين الرجلين ( الشافعي وأحمد ) :

- هناك العديد من المواقف والروايات التي تذخر بها المصادر والمؤلفات عن العلاقة الفريدة التي كانت تربط بين كلا الإمامين الجليلين، والتي تمثل نبراسا يستضيء به كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، نذكر بتوفيق الله تعالى بعضا منها فيما يلي :

- غزارة علم الشافعي في نظر الإمام أحمد وفضيلة طلب العلم :

- يروى أن ( يحيى بن معين ) رأى يوما الإمام ( أحمد بن حنبل ) رحمهما الله يمشي خلف بغلة يمتطيها الشافعي، فقال يحيى : يا أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد ) تركت حديث سفيان بعلوه وتمشي خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه ؟!! فقال له الإمام أحمد : لو عرفت ما أعرف لكنت تمشي من الجانب الآخر، إن علم سفيان إن فاتني بعلو أدركته بنزول.. وإن عقل هذا الشاب لو فاتني لم أدركه بعلو ولا نزول (13)

- وقال أحمد بن حنبل يوماعن نفسه وعلمه :

هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي - يعنى معظم ما لدي من فقه و علم جعله الله – أي الشافعي - سببا فيهما، ما بتُّ مدة أربعين سنة إلا وأدعو الله للشافعي وأستغفر له (14)، ولشدة حرصه على ذلك، وكثرة دعائه له.. قال له ابنه يوما : أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء ؟ فقال أحمد : يا بني كان الشافعي رحمه الله تعالى : " كالشمس للدنيا وكالعافية للناس.. فانظر هل لهذين من خلف "، يا الله.. لله درك يا إمام... نعم الوفاء و نعم التواضع و نعم الأدب، تنسب جل ما أنت فيه من المكانة والعلم والفقه للشافعى !!! المتحدث هو أحمد بن حنبل !!! العقل !و القلب ! و النفس، لا أحد يرفع أنفه حين تقول ابن حنبل... إنه قمة من قمم التاريخ..ورغم هذا يقول عن الشافعي تلك المقولات...فلله درهما،

- وانظر إلى فرط الإعتراف بالجميل والفضل لذويه :

يقول الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه : " ما مس أحد بيده محبرة إلا وللشافعي رحمه الله في عنقه منة "

- ومما يروى أيضاً أن الإمام الشافعى بلغه أن الإمام أحمد ألم به مرض...فذهب الشافعى لزيارة أحمد فوجده مريضا مرضا شديدا........
فرجع الشافعى حزينا يخشى أن يموت العلم بموت أحمد......فمرض الشافعى من شدة حزنه على أحمد، فبلغ الإمام أحمد أن الشافعى صار مريضا فتحامل على نفسه وذهب للشافعى ليعوده ويطمئنه على نفسه، فلما رأى الشافعى الإمام أحمد هتف قائلا له :.......
مرض الحبيب فعدته.***.فمرضت من خوفى عليه
فأتى الحبيب يزورنى*** فبرءت من نظرى اليه،

- وذات يوم نزل الشافعي ضيفاً على تلميذه أحمد بن حنبل , وكان الإمام أحمد معروف بكثرة التهجد , و يطيل فى صلاة القيام , و أخذت إبنة الإمام أحمد تتطلع لغرفة الشافعي رحمه الله متشوقة لترى كيف تكون عبادته ! وهو أشهر الفقهاء والعلماء، لتقارن حاله بحال والدها العلامة الشهير، فرأت غرفة الشافعي بقيت مظلمة , و لم تشعر بأى حركة داخلها ! و لم تسمع تلاوة طيلة الليل كما توقعت، فلما أصبحت قالت لأبيها: أهذا هو الشافعي ؟ فلم يجبها , ولما دخل على الإمام الشافعي قال : كيف كانت ليلتك يا أبا عبد الله ؟ فقال له: لقد تفكرتُ الليلة في بضع آيات من كتاب الله تعالى , وروايةٍ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فاستخرجتُ منها فوق الستين حكماً....!!!فقال الإمام أحمد لابنته: لضجعة واحدة من الإمام الشافعي خير من صلاة أبيكِ الليل كله!!

- الإمام الشافعي‏ العالم القدوة في نظر الإمام أحمد :

ذكرالإمام أحمد بن حنبل أن الشافعى (16) هو العالم القدوة , للمائة عام الثانية بعد النبى صلى الله عليه وسلم.. فقال : " إن الله يقيض للناس فى رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن وينفى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الكذب، فنظرنا فإذا فى رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفى رأس المائتين الشافعى " ، و قال : " لولا الشافعى ما عرفنا فقه الحديث "، كما قال أيضا : " ما مس أحد محبرة ولا قلما الا للشافعى فى عنقه منه "، يعنى له فضل على كل من تعلم العلم بما له من قواعد أصولية صارت مرجعا و أساسا للفقه (17)

- وكان الإمام الشافعي شغوفا بطلب العلم، مبينا لفضله ومكانته وشرفه فكان يقول : من اشتغل عن العلم بشراء بصلة لم يتعلم،

- ملكة الحفظ عند الشافعي : كان الشافعي إذا أراد أن يحفظ وضع المسطرة على السطر الثاني من أجل ألا تنتقل عينه للسطر الثاني فيحفظه قبل الأول، ويروى أنه – رحمه الله - حفظ موطأ مالك في ستة أيام، وهو أعقد كتاب من كتب الحديث، ولما رآه مالكاً قال له : " ما أرى إلا أن الله قد نور قلبك بالإيمان فلا تطفئه بظلمة المعاصي ".

- قصة الشافعي مع وكيع ابن الجراح : وخرج الشافعي يوماً يريد أن يشتري سلعة، فمرت امرأة وكشفت الريح عن عقبها، لأن عباءتها طويلة والرياح هبت عليها فكشفت طرف رجلها، فنظر إليها نظرة عفوية، النظرة الأولى المسموح بها، وغض بصره، ولما رجع إلى البيت، أراد أن يقرأ ويحفظ، فإذا به لا يحفظ ولا يستطيع الحفظ على غير عادته فتعجب لذلك، فذهب إلى شيخه وكيع بن الجراح، وقال له: لم أعد أحفظ كما كنت أحفظ، قال : أين ذهبت؟ قال: إلى السوق، قال: وماذا رأيت؟ قال: لا شيء إلا امرأة مرت وهبت الريح فكشفت عن ساقها فرأيتها، قال: لو أنك كررتها ما حفظت حرفاً واحدا، فعبر الشافعي عن ذلك قائلا :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العـــــــــلم نور ** ونور الله لا يهدى لعاصي

- من حكم الإمام الشافعي وروائع أقواله :
- يقول الإمام الشافعي :" شربنا ماء زمزم للعلم فتعلمناه، ولو كنا شربناه للتقوى لكان خيرا لنا ". أوتدري من يقول هذا الكلام.. إنه الإمام الشافعي فماذا نقول نحن..!؟ نعم من عرف نفسه تواضع لله.

- ومن درره أيضا قوله :
يخاطبنـي السفيـه بكـل قـبـح**فأكـره أكــون لــه مجيـبـا
يزيـد سفاهـة فـأزيـــد حلـمـا**كعـود زاده الإحـراق طيـبـا

- وقال أيضا :
شكوت إلى وكيـع سـؤ حفظـي ** فأرشدني إلـى تـرك المعاصـي
وأخبرنـي بـأن العـــــلـم نــور **ونـور الله لا يـهـدى لعـاصـي

- ومن روائع كلمه أيضا :
علـي ثيـاب لـو يبـاع جميـعهـا **بفلس لكان الفلس منهـن أكثـرا
وفيهن نفس لـو تقـاس ببعضهـا**نفوس الورى كانت أجل وأكبرا

- وقال
وما ضـر السيـف إغـلاق غمـده **إذا كان عضبا أين ما وجهته فرى

- وأيضا :
وقال :
نعيـب زماننـا والعيـب فيـنـا **ومـال زماننـا عـيـب سـوانـا
ونهجو ذا الزمـان بغيـر ذنـب**ولـو نطـق الزمـان لنـا هجانـا
وليس الذئب يأكـل لحـم ذئـب**ويأكـل بعضنـا بـعـض عيـانـا

- وقال
تموت الأسد في الغابـات جوعـا **ولحـم الضـأن تأكلـه الـكـلاب
وعبـد قـد ينـام علـى حـريـــــــر**وذو نسـب مفارشـه الـتـراب

- وقال أيضا :
الدهر يومان ذا أمن وذا خطـر **والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقـه جيـف**وتستقـر بأقصـى قاعـه الـدرر
وفي السماء نجـوم لا عـداد لهـا **وليس يكسف إلا الشمـس والقمـر

وقال :
أخي لـن تنـال العلـم إلا بستـة **سأنبيـك عـن تفصيلهـا ببـيـان
ذكاء وحـرص واجتهـاد وبلغـة**وصحبـة أستـاذ وطـول زمــان

- ومن روائعه أيضا
قالو سكت وقد خوصمت قلت لهم **إن الجواب لبـاب الشـر مفتـــــــــــاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرفا**وفيه أيضا لصون العـرض إصـلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة **والكلب يخسى لعمري وهو نبـــــاح

- وقال :
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى ** وحظك موفور وعرضك صــــــــين
لسانك لا تذكر به عورة امـــريء** فكلك عورات وللناس ألســــــــــــــن
وعيناك إن أبدت إليـــــــك مسـاوئا ** فصنها وقل يا عين للنـاس أعيـــــــن
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى**وفارق ولكن بالتي هـي أحسـن

ومن أقوال الإمام الشافعي في أدب النصيحة :

قيل أنه قال للإمام أحمد يوما :
تعمدني بنصحك في انفراد **وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع **من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري **فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

فمن آداب النصيحة ما نأخذه من قوله رحمه الله " تعمدني بنصحك في انفراد "، وكأنه يتساءل، أتريد أن تفضحني على رءوس الأشهاد لكي تقودني إلى الجنة؟ قلبي لا يرضى بذلك أبداً، هذه طبيعة فطرالله الناس عليها، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم أسلوب التورية فيقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " فيعرف صاحب الخطأ خطأه ولا يدري الناس أن صاحب الخطأ أخطأ، انها تربية دعوية، وموقف تربوي، فالفضيحة ليست بنصيحة أبدا، إنما الفضيحة علامة فشل، والداعية لا يفضح الناس ولا يصرح بالأسماء على رءوس الأشهاد، ولذلك قالت " أم الدرداء" : من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه "،

طرفه :
من الطرائف المرتبطة بهذه القصة : أن رجلا من الظرفاء صاحب طرفة سمع أخا له يقول :
" أحب الصالحين ولست منهم "، فقال له : " أحبك الله الذي أحببتني له ". أي أنه عد نفسه من الصالحين الذي يعنيهم القائل 00000000،

وفي الختام كلمة لابد منها
لقد سطرت ما سطرت وفي يقيني أني لست بعالم ولا طالب علم، ولكني أعرف من نفسي يقينا أنني ما كنت يوما إلا من المقصرين، ولكن نفسي تحب العلماء، وتأنس بمجالسة طلبة العلم، ولسان حالها يشدو بقول الشافعي : " أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة"
أحسن الله إلينا وإليكم، وجمع بيننا في مستقر رحمته في الفردوس الأعلى مع نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وورثته من أهل العلم والفضل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


***********
الحواشي
=====
(1) – : المعتز بالله أبو محمد رضا أحمد صمدي : " القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان "، ط3، مكتبة الفهيد، مدينة جدة، السعودية، 1420هـ، ص : 103
(2) - فلقد لقي الشافعي تقديرًا كبيرًا من فقهاء وعلماء عصره ومن بعدهم، سأل عبد الله بن أحمد بن حنبل والده عن الشافعي فقال: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للبدن، وقيل فيه :
ومَنْ يَكُ عِلمُ الشافعي إمَامهَ *** فمرتعه في باحة العلم واسع
انظر : علي بن نايف الشحود : " المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى " ج4، ص : 24، برنامج الموسوعة الشاملة،
http://ba7th.net/cached-version.aspx?id=10455-6-1

(3) - وينبغي أن نلاحظ أن الشافعي يقول هذا على سبيل التواضع، لكن ينبغي أن نقوله نحن على سبيل الحقيقة والواقع : أحب الصالحين ولست منهم،
(4) – حيث روي أن مالكاً لما أراده الرشيد ( هارون الرشيد ) على الذهاب معه إلى العراق، وأن يحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن. فقال مالك: " أما حمل الناس على الموطأ فلا سبيل إليه لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم افترقوا بعد موته صلى الله عليه وسلم في الأمصار فحدثوا، فعند أهل كل مصر علم وقد قال صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة "، هذا على الرغم مما قيل في تقريظ " كتاب الموطأ " من العديد من العلماء والمحققين، إذ يقول عنه الامام محمد ابن ادريس الشافعي : ( لا أعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك)، ومن قبله قالَ مثل قوله الإمامان البخاري ومسلم، وغيرهما من العلماء والمحدّثين؛
(5) – حول بغض المعاصي والعصاة في الله : لا بد من الإشارة هنا إلى إن بغض المعاصي وكراهيتها لا يعني بغض العصاة والمخطئين إلا في حال جرأتهم ومجاهرتهم بتلك المعاصي، وتجرؤهم عليها، وعدم الإنصياع للنصيحة والإرشاد، ذلك أننا حتى حين نبغض هؤلاء العصاة، فلا نبغضهم لذواتهم، بل الأمر خلاف ذلك، نبغض تلك المعاصي، ونغار لله الغيور، الذي يغار أن تنتهك محارمه، ولكن ينبغي ان تمتلئ قلوبنا بالرحمة والشفقة على هؤلاء العصاة، وبذل الجهد في دعوتهم وهدايتهم، أنظر إلى نبي الله لوط حين قال لقومه وقد اقترفوا جريمة نكراء، وفاحشة تولوا كبرها : " {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ }( الشعراء : 168 )، فلم يقل إني لكم من القالين، بل قال إني لعملكم من القالين، أي من المبغضين لهذا العمل بغضا شديدا، وما كانوا يقومون به من إتيان الذكور،
(6) - محمد ناصر الدين الألباني : " صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته "، المكتب الإسلامي، بيروت، ج10، ص : 251
(7) - رواه أبو داود في سننه، وصححه الألباني،
(8) – الحديث متفق عليه
(9) – الحديث متفق عليه
(10) – أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (المتوفى : 671هـ) : " الجامع لأحكام القرآن "، تحقيق : أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، الجزء العاشر، تفسير سورة الكهف
(11) – إشارة إلى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري وجاء فيه : " إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة و أمنوا، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة له من المؤمنين لربهم، في إخوانهم الذين أدخلوا النار. قال : يقولون : ربنا ! إخواننا كانوا يصلون معنا و يصومون معنا و يحجون معنا، فأدخلتهم النار. قال : فيقول : اذهبوا فأخرجوا من عرفتم، فيأتونهم، فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه و منهم من أخذته النار إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون : ربنا أخرجنا من أمرتنا.00 الحديث " ( الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 316 )، وأخرجه البخاري أيضا عن ابي سعيد الخدري وجاء فيه " يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا؛ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفوا " قال ابو سعيد الخدري فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا (إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) (النساء : الآية : 40 )، فَيَشْفَعُ النَّبِيُونَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي00 الحديث،
(12) - المعتز بالله أبو محمد رضا أحمد صمدي : القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان، ط3، مكتبة الفهيد بجدة – السعودية، 1420م، ص : 101، نقلا عن : الإمام أبي حامد الغزالي : " إحياء علوم الدين " بتصرف واختصار (1/280- 288).
(13) – أبو حامد الغزالي : " إحياء علوم الدين "، ج1، ص : 282
(14) – ابن حجر : " تهذيب التهذيب "، ج9
(15) - علي بن نايف الشحود : " الوقت وأهميته في حياة المسلم "، ج1، ص :233 (16) – الإمام الشافعي قرشي هاشمي الأصل ينتمي نسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام،
(17) – من كتاب : " روائع الشافعى رحلة العمر مع عبقرى الأمة "

-----------
أحمد يوسف بشير
جامعة حلوان


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإمام الشافعي، النماذج الإسلامية، التواضع، العلماء،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-07-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  محاضرة تمهيدية حول مقرر مجالات الخدمة الاجتماعية والرعاية الاجتماعية لمرحلة الدراسات العليا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -44- الميثاق الاخلاقي للخدمة الإجتماعية Social Work Code Of Ethics
  وقفات مع سورة يوسف - 5 - المشهد الأول - رؤيا يوسف – أحد عشر كوكبا
  من روائع مالك بن نبي -1- الهدف أن نعلم الناس كيف يتحضرون
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -43- خدمة الجماعة المجتمعية : Community Group Work
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -42- مفهوم البحث المقترن بالإصلاح والفعل Action Research
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -41- مفهوم التقويم Evaluation
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -40- مفهوم التجسيد – تجسيد المشاعر Acting out
  نفحات ودروس قرآنية (7) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 7 ثمان آيات في سورة النساء ....
  نفحات ودروس قرآنية (6) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 6 ثمان آيات في سورة النساء .... أ
  من عيون التراث -1- كيف تعصى الله تعالى وانت من أنت وهو من هو من نصائح ابراهيم ابن ادهم رحمه الله
  وقفات مع سورة يوسف - 4 - أحسن القصص
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 5 ثمان آيات في سورة النساء ....
  طريقتنا في التفكير تحتاج إلى مراجعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -39 - الانتقائية النظرية في الخدمة الاجتماعية Eclecticism
  قرأت لك - 1 - من روائع الإمام الشافعي
  نماذج من الرعاية الاجتماعية في الإسلام – إنصاف المظلوم
  وقفات مع سورة يوسف - 3 - قرآنا عربيا
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -38- مفهوم التقدير في التدخل المهني للخدمة الاجتماعية Assessment
  الشبكات الاجتماعية Social Network
  نفحات قرآنية ( 4 ) ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة 4 ثمان آيات في سورة النساء ....
  وقفات مع سورة يوسف - 2 - تلك آيات الكتاب المبين - فضل القرآن الكريم
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -36- مفهوم جماعة النشاط Activity Group
  رؤية تحليلية مختصرة حول الإطار النظري للخدمة الاجتماعية (9)
  وقفات مع سورة يوسف - 1 - مع مطلع سورة يوسف " الر " والحروف المقطعة
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -35- مفهوم الهندسة الاجتماعية Social Engineering
  نفحات قرآنية ابن عباس ونماذج من العطاءات القرآنية للأمة المحمدية 3 ثمان آيات في سورة النساء ....
  قائمة مختارة لمصطلحات الخدمة الاجتماعية -34- مفهوم التثاقف – او المثاقفة - التثقف Acculturation
  من عجائب القران – نماذج وضاءة لجماليات الأخلاق القرآنية
  من عجائب القرآن الكريم والقرآن كله عجائب –1- الأمر بالعدل والندب إلى الاحسان والفضل في مجال المعاملات

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
طلال قسومي، د. صلاح عودة الله ، عبد الله الفقير، وائل بنجدو، أحمد بوادي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد اسعد بيوض التميمي، رمضان حينوني، كريم فارق، محمد الطرابلسي، العادل السمعلي، نادية سعد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد محمد سليمان، أبو سمية، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، مجدى داود، فهمي شراب، جاسم الرصيف، عراق المطيري، علي الكاش، صلاح المختار، مصطفي زهران، سامر أبو رمان ، منجي باكير، د - محمد بن موسى الشريف ، عمر غازي، د. أحمد بشير، حسني إبراهيم عبد العظيم، ياسين أحمد، الهادي المثلوثي، إيمى الأشقر، أنس الشابي، عمار غيلوفي، مراد قميزة، حسن الطرابلسي، د. خالد الطراولي ، محمد العيادي، د. طارق عبد الحليم، سلام الشماع، صفاء العربي، د - مصطفى فهمي، محمد شمام ، حاتم الصولي، ضحى عبد الرحمن، سفيان عبد الكافي، محمد الياسين، سيد السباعي، د - محمد بنيعيش، عواطف منصور، د. عادل محمد عايش الأسطل، سعود السبعاني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صالح النعامي ، فتحي الزغل، د - الضاوي خوالدية، صلاح الحريري، محمد يحي، رضا الدبّابي، إياد محمود حسين ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صفاء العراقي، رافع القارصي، محمود سلطان، صباح الموسوي ، محمد أحمد عزوز، أحمد الحباسي، أحمد ملحم، المولدي الفرجاني، خالد الجاف ، محمود فاروق سيد شعبان، عزيز العرباوي، سامح لطف الله، رافد العزاوي، عبد الرزاق قيراط ، حميدة الطيلوش، أشرف إبراهيم حجاج، علي عبد العال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - عادل رضا، د - المنجي الكعبي، تونسي، الهيثم زعفان، سليمان أحمد أبو ستة، سلوى المغربي، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي العابد، رشيد السيد أحمد، حسن عثمان، أ.د. مصطفى رجب، محرر "بوابتي"، فتحـي قاره بيبـان، د - شاكر الحوكي ، يحيي البوليني، فوزي مسعود ، د.محمد فتحي عبد العال، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- محمد رحال، محمود طرشوبي، عبد الغني مزوز، يزيد بن الحسين، محمد عمر غرس الله، عبد الله زيدان، ماهر عدنان قنديل، مصطفى منيغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- هاني ابوالفتوح، أحمد النعيمي، د- جابر قميحة، د. عبد الآله المالكي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة