د. ضرغام الدباغ - برلين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4186
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
النظام السوري يتداعي، ينهار، ولأنه نظام بنى خططه، على أنه كسفينة تايتنيك لا يقوى القدر على إغراقها، وهكذا فهمها حلفاؤه، وهم ليسو كثر، وهكذا فهمها أصدقائه وهم قلة، وحتى أعداؤه وهم كثر، ولأنه هكذا فإن انهياره سيكون مدوياً مصحوباً بغبار عال وفرقعة. سيسقط رغم أنه فعل كل شيئ كي لا يسقط، تخلى عن الأرض الوطنية التي لم يحسن الدفاع عنها، ولم يقدر على استعادتها، تخلى عن مبادئ العروبة التي تحص بها دهراً، بل تخلى حتى عن الحزب الذي أوصله للقمة وتفنن في تفكيكه، حكم على أمين عامه ومؤسسه بالإعدام ونجا بأعجوبة، ولكن الأمين العام الثاني لم ينجو، فمات كمداً وراء القضبان. هو نظام ليس كالأنظمة، ولا كالعصابات، نظام تجاوز كل المحرمات داخلياً وعربياً ودولياً من أجل أن لا تغرق سفينته، ومع ذلك ها نحن نشاهد ركاب السفينة يغادرونها، طواعية أو أرغاماً، وبعد سقوطه سينشر الغسيل القذر للنظام وياللهول ما أوسخه، وما أوسعه.
سيقف عشرات الألوف من أسر الضحايا الذين قتلهم النظام وغيبهم في سجونه التي لا يساوي الباستيل أمامها شيئاً، ضحايا اغتيلوا في عواصم عربية، وفي عواصم أوربية، مجازر نظمت بحرفية إجرامية عالية لا يجيد النظام غيرها، في لبنان، وفي المدن السورية، دولة بلغ الاسفاف فيها أن تغتال سجناء في سجونها، تعتقل رموز دولة من رئيس البلاد ورئيس الحزب الحاكم إلى رئيس وزراء، إلى وزراء وقادة الجيش إلى قادة الحزب بدون تحقيق ولا محاكمة لما يقارب الربع قرن، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من يحمل أمراض السجن وآلامه طوال ما تبقى من عمره، مواطنون اختطفوا من دول أخرى وغيبوا في سجنوها لا أحد يعرف اسمائهم ولا معلومات عنهم، مثقفون اغتيلوا، قادة سياسيون تمزقوا أشلاء، مؤامرات حيكت في فروع المخابرات ضد أعداء وخصوم، حتى تحولت التصفيات السياسية وغير السياسية فن أبدع فيه نظام لم يتقن سوى التآمر والاغتيال.
سورية تحت حكم العصابة ليست دولة لديها جهاز مخابرات، بل جهاز مخابرات لديه دولة، وطوال اثنان وأربعون عاماً تفنن النظام في أن يجعل من نظام مخابراته آية في متاهات الزمان والعصر، أبدع في تشييد السجون وأساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات، وسحق البشر بطريقة فنية مذهلة في تفاصيلها. حتى توصل النظام إلى تكوين جيل من الجلادين لا علاقة لهم بالبشر أو الانسانية، وتوصلوا إلى اكتشاف أخطر المعادلات في الهندسة الوراثية في تربية عناصر بعيدة عن الصفات الإنسانية، وذلك بأن استحثوا كل المكنونات الوحشية والواطئة عند البشر وأرغموهم أن يتخلوا نهائياً عن كل ما له علاقة بالتعامل البشري.
اليوم كل هذا ينهار بطريقة عجيبة ...كيف !
التفسير الوحيد علمياً لانهيار النظام الروبوتي(البشر الآليون) هو أن عمود التراكم قد بلغ حده الأقصى، النظام أسترخى وأعتقد أنه بنى مؤسسة سجناً هو أمنع من عقاب الجو، بالغ في الاستهتار، بالغ في ازدراء الناس واحتقار قيمتهم وكراماتهم، بل أعتبر البلاد ضيعة صغيرة قابلة للتوريث والاستخلاف بعيداً عن كل القيم الدستورية والدينية والأخلاقية. جلبوا المساكين اعضاء ما يسمى بالقيادتين الرهائن في ظلام الليل فعدلوا دستور البلاد والحزب ونظامه، وصنعوا رئيساً وهم صاغرون، بل وضع عينيه على ضيعة مجاورة ولم يتركها إلا مطروداً مشيعاً بالصفير .
بالغ في الفساد حتى وزع البلاد ومواردها، جهاراً نهاراً على أبن الخالة وأبن العمة، أستولى على ما يرد للبلاد من أموال دون أن يعترض أحد، لأن زمن الاعتراض كان قد فات، وما فات قد مات، إلا عين الشعب التي لا تنام، تحسب، وتعد وتحتسب، ويوم يثور البركان، ى ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الوطن بقلب سليم.
النظام شاء له أن ينسى أو يتناسى أن هذا الشعب تأسست على يديه دولة امتدت من حدود الصين حتى جنوب فرنسا، بلاد يسير فيها الفارس اثنا عشر شهراً ..! وتلك خطيئته الكبرى، النظام أعتقد أنه أستطاع أن يروع شعب روع التاريخ قروناً، النظام أعتقد أن السوري فاقته الكرامة وعزة النفس وفاته أن هذا الشعب: شجاع بسيفه الصارم أشاد به خليفة راشدي شجاع (علي ابن أبي طالب)، شعب عبقري يقول فيهم خليفة عبقري (معاوية بن أبي سفيان) أنه لا يقدر على اغضابهم، اعتقد النظام وهنا نقطة المقتل أن الترويع وليس سواه سيطيل عمر عرش بناه بالدماء والجماجم وفروع الأمن والمخابرات.
هذا الشعب العبقري الشجاع اليوم يضع قائمة طويلة لا نهاية لها من أسماء الضحايا ويريد الإجابة عنها، أسماء تضم بعثيين وشيوعيين ووطنين، وإسلاميين، أسماء ضحايا سوريين وفلسطينيين ولبنانيين وعراقيين وبعد ... الله أعلم بضحايا نظام لم يوفر أحداً من شره.
لسان التاريخ يقول: كما قتلت بالسيف ...... فبالسيف تقتل
حان موعد الحساب.......!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: