السياسة الاجتماعية لرعاية المسنين فى مصر، دراسة لبعض الأبعاد الاجتماعية
د. أحمد يوسف محمد بشير - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9319
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حظيت قضايا الكبر وأوضاع المسنين باهتمام واضح ومتزايد عالمياً ومحلياً منذ بداية النصف الثانى من القرن العشرين، وإلى اليوم، سواء كان هذا على صعيد الدراسة والبحث العلمى وعقد ورش العمل والندوات، المؤتمرات الدولية والإقليمية، أو على صعيد وضع السياسات والبرامج التى تتوخى رعاية هذه الفئة وتوفير الخدمات اللازمة له،
ويرجع هذا الإهتمام المتنامي بقضايا المسنين ومشكلاتهم إلى التزايد المضطرد فى حجم شريحة المسنين بالنسبة للحجم الكلى للسكان عالمياً ومحلياً، وأيضاً فى متوسط أعمارهم، حيث تتراوح هذه النسبة فى الدول المتقدمة بين (6 - 8%)، ورغم ارتفاع هذه الشريحة السكانية فى الدول النامية أيضاً إلا أنها ـ فى معظمها ـ ما تزال لا تشكل مشكلة اجتماعية حادة، وإن كانت هذه الصورة قد بدأت تأخذ منحنى مختلفاً فى كثير من الدول النامية (1)، وتشير مصادر الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع خلال الفترة من عام 1950م وحتى عام 2025م أن تتزايد أعداد من هم فوق سن الستين فى العالم من 214 مليون نسمة عام 1950م، إلى 1121 مليون نسمة عام 2025م (2)، وهكذا يحتل المسنون مساحة تزداد اتساعاً فى الخريطة السكانية العالمية، أما فى مصر فتقدر نسبة المسنين حالياً بين (6-7%) من مجموع السكان، والمتوقع أن تزداد هذه النسبة إلى أكثر من (10) مليون مواطن فى أوائل القرن الحادي والعشرين كنتيجة للتحولات الديموجرافية التى يتعرض لها المجتمع المصرى حيث تتجه نسبة المسنين للارتفاع بسبب زيادة توقعات الحياة (65 عاماً فأكثر) (3).
وهكذا تشير تلك الأرقام والاحصاءات إلى الإرتفاع المتزايد والمضطرد فى حجم المسنين سواء على المستوى العالمى والاقليمى أوعلى المستوى المحلى فى المجتمع المصرى، ولا شك أن لهذا الأمر انعكاساته المؤثرة، وآثاره المقلقة سواء على الهيكل العام للهرم السكاني وتركيبه العمومى، أو فى إنتاجية المجتمع ومعدلات الإعالة فيه، أو فى حجم ونوعية برامج وخطط التنمية وإنجازاتها، فضلاً عن صيغ وأهداف سياسات الرعاية الاجتماعية واستراتيجياتها(4).
وتأسيساً على ذلك تزايد الإهتمام بقضايا المسنين من قبل كافة التخصصات والعلوم الإجتماعية، ومهن المساعدة الإنسانية (ومن بينها مهنة الخدمة الاجتماعية)، خاصة مع التحضر الزائد، وما نتج عنه من تحلل الروابط الأسرية، واستقلالية الأبناء، وسيادة نمط الأسرة النووية من ناحية، وتدهور أوضاع المسنين فى المجتمع الذى أصبح يشكل مشكلة اجتماعية، مما جعل توفير الحد الأدنى من المعيشة والرعاية لهم مسئولية قومية بالدرجة الأولى من ناحية أخرى.
وترتب على ذلك أن تبنت معظم دول العالم سياسات اجتماعية لرعاية المسنين تستهدف فى المقام الأول إشباع ما لديهم من احتياجات، ومواجهة أو التخفيف مما يعترضهم من مشكلات، والعمل على دمجهم فى المجتمع والإستفادة من جهودهم فى تحقيق التنمية المنشودة، ولا شك أن المراجعة المستمرة لهذه السياسات والتعرف على جوانب القصور التى تشوبها، والعمل على تطويرها وتحسين جودتها وتفعيلها بما يحقق الارتفاع بمستوى العائد منها يعد أمراً ضرورياً،
والبحث الذى نحن بصدده يعد محاولة علمية فى هذا الاطار، حيث ينطلق من إعتقاد راسخ لدى الباحث - له ما يبرره عالمياً ومحلياً - مؤداه : أن العقود والسنوات القادمة (كما تشير هاريس: Harris) سوف تشهد تغيرات كبيرة فى جمهور المسنين كجماعة فى حاجة إلى الإهتمام والرعاية الخاصة، وأن لهذه التغيرات تأثيرها البالغ على اهتمامات واحتياجات المسنين وعلى إدراك المجتمع واتجاهاته نحوهم (5)، ومن ثم فإن مراجعة وضعية السياسات والخطط والبرامج القائمة حاليا لرعاية المسنين ومحاولة تفعيلها يصبح من الأمور الجوهرية التى ينبغى أن يوليها المجتمع اهتمامه.
ومن هنا تأتى هذه الدراسة كمحاولة علمية لاستجلاء بعض الأبعاد الاجتماعية المرتبطة بالسياسة الحالية الرعاية المسنين فى مصر، توخياً لوضع بعض التصورات وتقديم بعض التوصيات التى من شأنها أن تعمل على تطوير هذه السياسة بما يكفل تحقيق متطلبات الرعاية الاجتماعية المتكاملة لهذه الفئة.
وتتمثل الأهداف التى يسعى البحث الراهن إلى تحقيقها فيما يلى:
1) التعرف على الوضعية الحالية لسياسة رعاية المسنين فى مصر، والتحقق من صحة ما أشارت إليه بعض الكتابات والدراسات من وجود قصور فى هذه السياسة تتمثل فى عدم تحقيقها لأهدافها على الوجه المطلوب.
2) التعرف على جوانب هذا القصور إن وجد وعوامله من وجهة نظر المشاركين فى وضع هذه السياسة من ناحية، والقائمين على تنفيذها من ناحية أخرى.
3) التعرف على علاقة بعض الأبعاد الاجتماعية بقصور السياسة الحالية لرعاية المسنين، وبيان درجة تأثير كل متغير من هذه المتغيرات.
4) محاولة الخروج بمجموعة من التوصيات والمؤشرات التى من شأنها أن تساعد فى تطوير السياسة الحالية لرعاية المسنين فى مصر فى ضوء ما تكشف عنه نتائج الدراسة الميدانية بالنسبة لكل متغير من المتغيرات المجتمعية محل الدراسة.
وانطلاقاً من مشكلات البحث، وفى ضوء استعراض الباحث للتراث النظرى والميدانى حول موضوع البحث أمكن صياغة الفروض التالية لتنطلق منها الدراسة :
1) من المتوقع أن السياسة الحالية لرعاية المسنين لا تفى بمتطلبات رعايتهم من وجهة نظر المبحوثين.
2) من المتوقع وجود فروق ذات دلالة احصائية بين الممارسين المباشرين وغير المباشرين للعمل مع المسنين فيما يتعلق بآرائهم حول قصور السياسة الحالية لرعاية المسنين.
3) من المتوقع وجود ارتباط موجب بين قصور السياسة الحالية لرعاية المسنين وإغفال بعض الأبعاد الاجتماعية والخدمية.
ويتفرع من هذا الفرض مجموعة الفروض الفرعية التالية:
أ ـ من المتوقع وجود ارتباط موجب بين قصور السياسة الحالية لرعاية المسنين واعتمادها على النظرة التقليدية للمسنين.
ب ـ من المتوقع وجود ارتباط موجب بين قصور السياسة الحالية لرعاية المسنين وإغفالها الاهتمام بالتوعية المجتمعية بقضايا المسنين ومشكلاتهم.
ج ـ من المتوقع وجود ارتباط موجب بين قصور السياسة الحالية وإغفالها الاهتمام ببرامج دعم دور الأسرة فى رعاية المسنين.
د ـ من المتوقع وجود ارتباط موجب بين قصور السياسة الحالية لرعاية المسنين وعدم اهتمامها بمشاركة المسنين فى صنع السياسة، وبرامج ومشروعات التنمية.
هـ ـ من المتوقع وجود ارتباط موجب بين قصور السياسة الحالية لرعاية المسنين وتركيزها على المؤسسات الإيوائية بوضعيتها التقليدية.
وتندرج الدراسة الراهنة تحت ما يعرف "بالدراسات الوصفية التحليلية" وفقاً لموضوع الدراسة وأهدافها وطبيعتها حيث تسعى هذه الدراسة إلى اختبار فروض علاقية وإن كانت ليست من النوع الذى يقول أن متغيراً ما يحدث أو يسبب متغيراً آخر، وبعبارة أخرى تسعى هذه الدراسة إلى اختبار فروض سبق التوصل إليها دون التحكم فى المتغيرات أثناء اختبار تلك الفروض(6)، ولاختبار هذه الفروض استخدم الباحث المسح الاجتماعى بطريقة الحصر الشامل باعتباره المدخل المنهجى الملائم لطبيعة موضوع الدراسة.
وفيما يتعلق باختبار فروض الدراسة انتهت الدراسة إلى النتائج التالية :
1) ثبتت صحة الفرض الأول والقائل بأن السياسة الحالية لرعاية المسنين لا تفى بمتطلبات احتياجاتهم من وجهة نظر المبحوثين.
2) عدم صحة الفرض الثانى القائل: بأن من المتوقع وجود فروق جوهرية احصائياً بين الإداريين، ومديرى المؤسسات فيما يتعلق بآرائهم حول وجود قصور فى السياسة الحالية لرعاية المسنين.
3) صحة الفرض الثالث القائل بأن من المتوقع وجود ارتباط موجب بين إغفال بعض الأبعاد الاجتماعية والخدمية وبين قصور السياسة الحالية لرعاية المسنين من وجهة نظر المبحوثين، وذلك بعدما ثبتت صحة الفروض الخمسة المتفرعة عنه كما أسلفنا.
واختتم الباحث دراسته بتقديم تصور مقترح لتطوير السياسة الحالية لرعاية المسنين في مصر تأسيسا على :
• أدبيات المسنين ونتائج الدراسات السابقة المرتبطة بموضوع البحث، وكذلك ما تم التوصل إليه من نتائج ومؤشرات فى الدراسة الحالية.
• الإطار النظرى المتعلق بأوجه رعاية المسنين، والسياسات الاجتماعية فيما يتعلق برعاية المسنين فى المجتمعات العربية والغربية.
• ما كشفت عنه مقابلات الباحث مع بعض المسؤولين عن وضع سياسة رعاية المسنين وكذا بعض الخبراء فى مجال العمل مع المسنين.
********
الهوامش :
======
1) نادية حليم، على مراد: "نحو رعاية متكاملة للمسنين"،
(أعمال ندوة المسنين فى الفترة من 3-5 مارس 1991، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية)، القاهرة، 1991م ص: 194.
2) United Nations; “Demographic Year Book”, N.Y., 1996), p: 18.
3) المجالس القومية المتخصصة - المجلس القومى للخدمات :
"الرعاية المتكاملة للمسنين"، (شعبة الخدمات الصحية بالمجلس، القاهرة، 1995م)، ص: 2.
4) كمال أغا: "الخصائص والملامح العامة للمســـــــــــــنات"
(الكتاب السنوى للكبر وصحة المسنين، الجمعية المصرية لصحة المسنين، القاهرة، 1988م)، ص: 7.
5) D.K. Harris; “The Sociology of Aging an Annotated Bibliogrophy and Source Book”, (N.Y.; Garl and Publishing, Inc., 1985), p: 105.
6) T. Tripodi, P. Fellin and H. Heyer; “The Assenment of Social Research”, (III., F.E. Peacock Publishers, 1982), p. 34.
--------- دكتور / أحمد بشير – جامعة حلوان
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: