(241) الطريق إلى خروج المسلمين من مخطط الأمركة أو الإبادة
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5083
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
فى السادس والعشرين من شهر أكتوبر 2010 نشر الكاتب البنغالى الدكتور " فيروز محبوب كمال " تحليلا متطورا لظاهرة تحول المسلمين إلى ثقافة الغرب محذرا من خطورة هذه الظاهرة على الإسلام والمسلمين.
استند الدكتور " ف. كمال" فى تحليله على الحقائق الآتية :
أولا : أن الحدود الثقافية لأى بلد من بلدان العالم ترتبط ارتباطا وثيقا بحدودها الجغرافية. وأن الشعوب ما تشكل دولا، ولا تخوض حروبا، ولا تدخل فى تحالفات مع دول أخرى إلا لحماية ثقافتها الخاصة التى تميزها عن الثفافات الأخرى.
ثانيا : أن الحضارة الغربية أشبه بوعاء كبير يذيب ويصهر بقوة ما بداخله من عقائد وثقافات مختلفة ثم يقولبها فى كيان واحد، وتستند فى ذلك إلى هذا الطوفان الغامر من برامج التلفزة والأفلام والإعلام ومهارات الدعاية الأخرى. والمثال الواضح هنا هو أن الألمان والفرنسيين والإيطاليين والأسبان وغيرهم فى أمريكا الشمالية فقدوا خصائصهم المميزة لهم، وأعلنوا ميلاد الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثا : أن الدول ليست اليوم فى حاجة إلى غزو دول أخرى إلا إذا كانت تهدف إلى قلب نظام حكم معين أو القيام بعملية تطهير عرقى. كما تستطيع دولة ما أن تقهر دولة أخرى دون أن تستخدم طلقة واحدة. فإذا زالت الحدود الثقافية بين الدول لم تعد هناك حاجة إلى استخدام القوة المسلحة. ويدعم ذلك أن الغرب بعد أن حقق سيادته العسكرية على العالم يعمل الآن على تحقيق سيطرة ثقافية كاسحة يستأصل بها كل الثقافات الأخرى وما تتضمنه من قيم تقليدية.
رابعا : هذه الظاهرة هى ظاهرة أمريكية بحتة، نجحت فى ابتلاع أوربا، وهى فى طريقها لابتلاع أجزاء أخرى من العالم. وتسمى هذه الظاهرة بـ ( الأمركة )، لكن الغرب يطلق عليها اليوم ( العولمة ). وهى فى حقيقتها استراتيجية أمريكية خفية تقوم بها الولايات المتحدة للسيطرة على العالم. ولا تهدف هذه "الأمركة " أو " القولبة الثقافية " إلى مجرد إحداث تغييرات فى نمط حياة الناس وزيهم وأطعمتهم، ولكن فى قيمهم وتقاليدهم ونظرتهم إلى العالم أيضا. ويطلق على هذه "القولبة الثقافية" أيضا مصطلح "القرية العالمية ". إن هذا التحول الثقافى سيمكن الغرب من السيطرة على العالم دون الدخول فى صراع سياسى أو اقتصادى. ولهذا لا يهتم الغرب اليوم كثيرا بالقضاء على الحدود الجغرافية قدر اهتمامه بالقضاء على الهويات الثقافية للشعوب الأخرى.
( Firoz Mahboob Kamal , Muslims Cultural Conversion in the West , Blog.firozmahboobkaml.com/english-articles.html
وهناك من الكتاب من يفرق بين ظاهرتى " الأمركة" و" العولمة" وهناك من يراهما نفس الشيئ. فالبعض يرى أن " العولمة " هى انتشار كل الأفكار عبر العالم. بينما " الأمركة" هى جهد بلد ما لنشر أفكاره سواء أكانت صحيحة أم خاطئة.
Guslits.blogspot/…/is-globalization-americanization.html
ولا يختلف مفهوم " الأمركة والعولمة"عند " محمد عابد الجابرى " عن موقف " ف. كمال " حيث يرى " الجابرى " أن " الأمركة " هى المضمون العملى والنتيجة المقصودة من العولمةعند دعاتها فى الولايات المتحدة، وهى مشروع أمريكى معلن ومطبق وفق سياسة امبريالية استعمارية جديدة. استند " الجابرى" إلى ما كتبه "روث كويف" من أن " الهدف المركزى للسياسة الأمريكية الخارجيه فى عصر الإعلام يجب أن يكون كسب معركة تدفق المعلومات وذلك بالسيطرة على الأمواج تماما كما كانت بريطانيا العظمى تسيطر على البحار... أما بالنسبة للثقافة فإن سياسة الولايات المتحدة فى مجال الاقتصاد والسياسة تسير على مايأتى :
1- إذا كان للعالم لغة مشتركة فلتكن هى اللغة الإنجليزية.
2- إذا كان على العالم أن يتبنى معاييرا مشتركة فى مجال الاتصال والأمن فلتكن هى المعايير الأمريكية.
3- إذا كان لأجزاء العالم أن ترتبط مع بعضها البعض بواسطة التلفزة والموسيقى فإن البرامج يجب أن تكون أمريكية.
4- إذا كان لمجموعة من القيم أن تصبح قيما مشتركة فلتكن هى القيم التى يتعارف عليها الأمريكيون أنفسهم.
5- على الأمريكيين ألا يتجاهلوا الأمر الواقع التالى : هو أنه من بين جميع الأمم التى عرفها تاريخ العالم، فإن أمتهم وحدها هى أكثر الأمم عدالة وأكثرها تسامحا، وأشدها رغبة فى مراجعة أوضاعها اقتصاديا، وفى التطلع إلى ما هو أحسن، وأنها أفضل نموذج للمستقبل "( محمد عابد الجابرى : العولمة بوصفها أمركة
www.algabriabed.net/ terrorism13.htm)
خامسا : الإسلام هو أقوى العوائق التى تقف فى وجه هذه "الأمركة " أو "القولبة الثقافية "وهو الذى يحول دون سيطرة الغرب الكاملة على العالم. ولا ينظر الغرب إلى الإسلام على أنه مجرد منافس له، ولكن كقوة مناقضة له فى كل شيئ. ومن هنا يشعر الغرب أنه فى حاجة ملحة إلى تدمير الإسلام من داخله وذلك بتدمير القيم الإسلامية.
سادسا : لا يقولب الإسلام معتقدات معتنقيه فى إطار روحى فحسب، بل يقدم لهم نمط حياة خاص فى الطعام، والزى، والسياسة، والاقتصاد والتعاملات الدولية.....الخ، فالإسلام شريعة كاملة، وليس مجرد شعائر تؤدى، وهو يأمر المسلمين باتباع هذه الشريعة فى كل شأن من شئون حياتهم ويحظر عليهم الخروج عنها. وينظر الإسىلام إلى الدنيا على أنها مزرعة للآخرة، وأن الأخيرة هى شطر الحياة الأكبر. ومن ثم فإن نمط حياة المسلم ودافع بقائه فى الحياة وسلوكه ومنهجه لا يسير وفق هواه، وما يريده لنفسه، وإنما وفق ما حددته له شريعته. ولا ينطبق ذلك على المسلمين فى البلاد الإسلامية، ولكن على المسلمين فى مختلف بقاع الأرض.ولهذا فإن هذا النمط من أنماط الحياة يختلف اختلافا بينا عن نمط حياة الإنسان الغربى.
سابعا : يعتمد الغرب فى عملية ضرب الإسلام من داخله فى البلاد الإسلامية على القوى العلمانية المتعددة بها. ومن المعروف أن تركيا هى أوضح نموذج لذلك، وهى إلى عهد قريب جدا كانت تحظر على النساء ارتداء غطاء الرأس سواء فى البرلمان أو الجامعات أو أماكن العمل. وتسير سياسات الحكومات العلمانية فى البلاد الإسلامية على نفس خطى تركيا الكمالية فتشجع وتساهم فى انتشار أنماط الثقافة الغربية. كما أن المؤسسات التربوية والتعليمية موجهة لذات الغرض ومصممة على تشجيع المعايير الغربية التى لا تتفق مع القيم الإسلامية.
ثامنا : المعروف هو أن الحكومات العلمانية فى العالم الإسلامى ليس محايدة فى موقفها من الإسلام، بل إنها تتحالف مع أعداء الإسلام. ولهذا يحتفى الغرب احتفاء بالغا بقيادات الدول الإسلامية التى تساعده على تحقيق أهدافه. وتلقى هذه القيادات من الغرب كل الترحيب، كما يمنحها الأوسمة والجوائز ويشيد بها. وقد كانت احد هذه القيادات فى زيارة لبريطانيا منذ عدة سنوات مضت لحضور احتفال تعرض فيه لكل عناصر ثقافة بلادها إلا الإسلام، وأحضرت معها عددا كبيرا من الفنانين والراقصين والمطربين لإحياء هذا الاحتفال. وأسرفت فى الانفاق على هذا الاحتفال رغم فقر شعبها مما أثار الانتقادات عليها فى داخل وخارج البلاد. ( تابع blogfairoz.. ). وكان الغربيون قد ألفوا أكثر من ستمائة كتاب تمجيدا فى " كمال أتاتورك " ومنحه الإنجليز والفرنسيين لقب البطل لنجاحه فى القضاء على الخلافة العثمانية وتأسيسه لدولة تركيا العلمانية الحديثة. ( مصطفى صبرى، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين،ج 4 ص 284دار التراث العربى، بيروت ).
تاسعا : قد يكون من غير المعروف أن الممارسات الثقافية فى الهند مثلا قد أدت إلى تأسيس ديانة جديدة هى الهندوسية. وهذا الأمر نفسه قد يحدث بالنسبة للثقافة الغربية. فإن نمط الحياة الغربى المتحرر سوف يتحول بدوره إلى ديانة جديدة تحت مسمى القرية العالمية للسيطرةعلى العالم ثقافيا. وسيظل هذا الاتجاه فى التوسع حتى يستأصل الحدود السياسية والثقافية للمعتقدات الأخرى.
عاشرا : من الملاحظ اليوم أن المئات بل الألوف من المسلمين فى الغرب قد فقدوا هويتهم الإسلامية بالفعل. وهذه ظاهرة حديثة يطلق عليها بظاهرة التحول الثقافى لكل ما هو مناقض للإسلام. والخطر هنا هو أن تشرب المسلمين لأفعال وتقاليد الغرب وتغير اتجاهاتهم يشكل فى ذاته معتقدا جديدا. ولذلك يمثل التحول الثقافى إلى كل ما يناقض الإسلام تحديا عظيما للهوية الإسلامية. والعدوان الغربى على هذه الهوية لا يقتصر على منطقة جغرافية معينة بل يمتد ليشمل المسلمين فى كل بلاد العالم. صحيح أن المسلمين نجحوا حتى فى ظل حقبة الاستعمار على مقاومة المؤامرة الى كانت تستهدف تحويلهم عن عقيدهم. لكنهم الآن عاجزون عن مواجهة الاستهداف الثقافى الغربى بل إنهم يستجيبون له بسرعة كبيرة.
حادى عشر : إن التغير فى وجهة نظر الإنسان عن الحياة يؤثر دائما على دافع البقاء عنده. وينعكس كل ذلك فى ثقافته. إن الإسلام منذ ظهوره وهو يغرس فى أبنائه ما يعرف بـ ( إصلاح طريقة الحياة )، ومن ثم لم ينزل الإسلام لمجرد تعليم الناس شعائر العبادة من صلاة وصيام وزكاة وحج أو لإحداث تغييرات فى اصطلاحات معينة، وإنما ليحدد لهم أيضا كيف يعيشون، وماذا يأكلون ويشربون، وماذا يلبسون، وكيف يسيرون علاقاتهم الاجتماعية، وكيف يتعاملون، وكيف يتطورون، وماذا يتعلمون. إنها سلسلة كاملة فى كيفية البقاء على ظهر هذه الأرض. إن الثقافة هى تعبير خارجى عما هو فى داخل الإنسان من معتقد وإيمان.وهى مقياس يقاس به التغيرات الداخلية البشرية. فالعقيدة والإيمان يظهران عبر نمط الحياة التى يعيشها الفرد. وليست الاختلافات الثقافية بين الناس إلا محصلة للعقيدة والإيمان المختلف. وهذا الأمر يحدث مع المعتقدات المادية أيضا، ويفعل فعله فى ثقافة الناس ولكن بشكل مختلف.ومن هنا يناقض الإسلام الثقافة المادية الغربية تناقضا كبيرا.
ثانى عشر : ربما يكره المسلمون التخلى عن عقيدتهم الموروثة علنا، لكنهم قد يخضعون بسهولة لعملية التقولب الثقافى. وهذا التقولب الثقافى يؤثر حتما على المعتقد الداخلى، وقد يترتب عليه التحول الدينى النهائى. لكن الملاحظ هو أن كثيرا من المسلمين تحولوا ثقافيا إلى الغرب ولم يتحولوا دينيا. لكن المشكلة الكبرى الآن هو أن المحصلة النهائية لكل من التحولين هى نفسها قريبا، وهى تدمير الإسلام فى نفوس معتنقيه ".
ينتهى " ف. كمال " إلى القول بان العقيدة لا تحيا بدون وجود بيئة مساعدة تمكنها من البقاء. ومن هنا كان تأسيس أسرة مسلمة ومجتمع مسلم، ودولة إسلامية أمرا إلهيا حتميا لبقاء الإسلام. هذه البيئة بعناصرها الثلاث هى التحدى الفعال الذى يحول دون ذوبان المسلمين فى الثقافات المخالفة لهم. إن هجرة المسلمين إلى مختلف بقاع العالم ظاهرة تاريخية معروفة منذ القدم، ومن المعروف أيضا أنه أينما وجد المسلمون فى أى مكان فى العالم فإنهم يوجدون لأنفسهم مجمتعا خاصا بهم للحفاظ على أنفسهم وأطفالهم يمكنهم من الحفاظ على ثقافتهم وعقيدتهم. ويتمتع الإسلام بإمكانيات خاصة تحول دون تحول معتنقيه إلى ديانات أخرى، وقلما يحدث ذلك، ولا يهتم المسلمون بهذا الأمر كثيرا. لكن المسلمين يحتاجون إلى هذا الحد الأدنى من البنية التحتية من مجتمع إسلامى وتعليم وثقافة للحفاظ على عقيدتهم، والقصور فى تدعيم هذه البيئة التحتية سيجعل أبناء المسلمين غير محصنين فى مواجهة هذا الإغواء القوى لهذه الثقافة الغربية المتحررة.(تابع blogfairoz.. )
لكل هذه الأسباب كان العمل على قيام جديد لـ "دولة إسلامية كبرى" أمرا حتميا للحفاظ على عقيدة المسلمين وثقافتهم المنبثقة منها. وللمسلمين فى آخر دولة للخلافة قبل ضعفها والقضاء عليها المثل والنموذج والمعين الذى لا ينضب. لقد وقفت آخر دولة للخلافة كما يقول الشيخ " مصطفى صبرى" فى طريق الغرب حاجزًا منيعًا، وسورًا حصينًا، وحالت دون أطماعه، وألزمته بكفِّ غاراته على العالم الإسلامي، وهـي التـي نقلت الحرب إلـى بلاد الصليبيين أنفسهم، ووضعت الحصار على "فيينَّا" فـي قلب أوربَّا مرتين، وبسطت عزة الإسلام وسلطانه على القارات الثلاث، ودولة الخلافة هي التـي هزمت جيوش الرافضة، وحملت عرش الشاه إسماعيل الصفوي وحفظته فـي خزينة المتحف التركي، وهي التـي أجبرت الرافضة فـي معاهداتهم معها علـى الكفِّ عن شتم أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولم تقم لدولة ولاية الفقيه قائمة إلا بعد اختفاء دولة الخلافة.
(أحمد إبراهيم خضر : فكرة الخلافة ونقض سياسة مهادنة المسلمين www.alukah.net/Social/8/19900/ - )
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: