البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الإيمان بين الجسد والروح؟

كاتب المقال - طلال قسومي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7671


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


محزنة هي أيام الكلمة اليوم، فبعد أن انتهي عصر سجنها وتم الإعلان عن ميثاق حريتها هاهي اليوم تقف على عتبة باب شيخ ليس ككل الشيوخ طلبا لجواز العبور فالكلمة في وطني أصبحت "تحتاج إلى جواز عبور"، ففي وطني تحزن الكلمة ويشكر أصحابها بالبصاق، فهل معقول أن نشكر من ساهم في ميلاد ترياق لقاح العقل وإنارة السبيل بمثل هذه الطريقة؟ أليس عيبا علينا يا أبناء وطني أن نقف في طابور منع الكلمة من المرور، وهل لأصحابها من إثم غير كونهم أناس كرموها وألوها حقها، في زمن غابت و انتفت فيه الحقوق، زمن تقدمت فيه الشعوب إلى الساحات لتقدم قرابين للحرية.

عشنا زمنا طمست فيه الآراء، في زمن كان فيه السجن والقضبان نصيب الكلمة، في زمن الزبانية تخشى فيه الكلمة الحرة، وتعرف مقدار تأثيرها في الشعوب حينها كان رواد القلم يسرقون الورق والحبر ليكتبوا على البياض معاناة المرء، ويكشفون الأقنعة لإنارة السبيل. ولكن اليوم أضحى هؤلاء في مرمى الأفواه لتقذفهم بشتى أنواع النعوت وتتهم بمعادة العقيدة، ويكفرون من شيوخ البدعة، فهل هذا هو المصير الذي يستحقون؟ أم أننا عدنا لعصر التقصير في فهم الفكر والتعاطي مع منتجيه بالنفي والطرد والحرق؟ ذاك العصر الذي لم يحترم فيه "ابن رشد" وحرقت فيه كتب المفكرين، أم أننا في عصر تنشط فيه الأجساد بعضلاتها ويفند فيه الفكر، عصر تحول فيه الحوار لحوار العضلات وليس للفكر من أهمية.

هذا هو زمننا يا سادة، هذه الثورة يا إخوتي، أو كما قال المناضل الحقوقي بالأمس وسيد قرطاج اليوم "هذه الثورة يا مولاتي" فقولوا ما شئتم وافعلوا ما أملته عليكم أجسادكم ولكن بلادي لها من العزة والشرف ما يجعلها تقدم مرة أخرى على طرد أبناءها الضالين، فلا تحسبنها غافلة، فقد صنعت التاريخ ببسالة أحفاد "خير الدين" وعظمة نضال أبناء "الحشاد" ولن تتولى على زعزعت التراب تحت أقدام الظالمين فكما عودتنا لا صبر لها على الظلم والقهر، فلست بلادي من يعدم فيها "كوبارنيكي"، وليست بأرض يستباح فيها الطغيان باسم الجلباب أو باللحية، مهما طالت اللحي وقدست، فمن المحال يا سادة أن ترسم نسخة أخرى من جنوب اليمن أو افغانستان في تونس، ولا يمكن أن نمضي نحو النسيان، نسيان كون هذه الأرض الكريمة هي من سمحت بحلول الجلباب والعمامة في شوارعها بعدما تكاتفت وطردت السيدة الحلاقة ومن كان يؤكد وجوده تحت مظلة اللحية وإرهابها، طردتهم هذه الأرض بل إنها أنكرت نسبهم لأنهم ضالون ولم يفهموا عزة أرضهم وواجهة تاريخهم و لها من الشرف والقوة ما يجعلها تفرش مرة أخرى الشوك في شوارعها وترفع صوتها العظيم بكلمة "ارحل" إن جاء من يفسد عليها نكهة ونشوة ثورتها المجيدة.

وبالصبر ترد على من تساوره نفسه أن يبني شكل جديد من الطغيان والعربدة بفرض أفكاره الملتحية فهي تعرف كون "السفساري" و"البرنس" لباس أبناءها الأوائل ولم تشهد يوما في تاريخها الممتد أبناءها يغطون أنفسهم بألوان وأقمشة فصلت في موطن غير موطنها ولا تتماشي مع طباعهم، تصبر وترد بالقلم والحجاج على من يرونا في أنفسهم أقرب إلى الرب من غيرهم، فبلادنا تعلم كون الرب للجميع دون تفرقة ولا مجال لفرض الأفكار بالقوة والتجمع تحت غطاء فرض النظام الأوحد بالسيطرة على أماكن العبادة التي تنزه من كل فعل مشين. وبلادي تحبذ السجال الفكري بدل الصراع الجسدي فاللغة التي بعثتها في أكاديميتها العلمية هي لغة الحوار والإقناع، ثم يا إخوتي في الجغرافيا والتاريخ ألم يكن المنهج الجسدي المتصادم سببا في خشية الناس من ديننا؟ ألم يمنع سيد البشر وخيرهم "محمد" ( صلى لله عليه وسلم) أن تسيطر لغة الجسد والقتال يوم دخوله مكة المكرمة بالرغم من الترسانة العسكرية العظيمة التي كانت تحت آمراته إلا أنه فضل الحوار والسلم بدل التطاحن الجسدي، ثم لماذا لا نقتنع بكون لغة الجسد هي سلاح الضعفاء فلماذا لا نخير لغة الترغيب بدل الترهيب، فعصر الوساطة بين الرب والعبادة ولّى ولم يعد مجال للتفاضل بين العباد إلا بالعمل الصالح وحسن التصرف. فلا مجال للعربدة وفرض الفكر الواحد في بلاد ترعرع أبناءها في الأكاديميات العلمية ويعرفون جيدا قيمة السجال في بزوغ الحقيقة، فلنترك القلم والحوار الفاصل بين المختلفين بدل من التسلح باللحية والإدعاء بالقرب من الرب، ليكن الفيصل السجال المتكافئ وكل يطرح وجهة نظره فالإيمان الحق هو إيمان الروح وليس الأجساد، فالجسد يبقي مجرد أداء لنشر أفكار الروح والتقرب من الرب لا يكون بالمظهر دون التطهر من نجاسة النفس، لنترك إيمان الأجساد لمن يتعطرون بالمظاهر لغاية في نفس يعقوب، فالجسد اليوم أصبح مطية لتمرير راغبات ونزوات الذوات بغية تحقيق الآمال المرجوة من الدنيا بدل التقرب من الذات الإلهية فهل نحن في زمن تكون فيه العبادة بالجسد بدل الروح؟ ثم أليس هذا الجسد هو شأن دنيوي فحين تفارقه الروح يردم في الأرض وهي ترتقي للسماء، فإن كان سميا ومقدسا لدرجة أن يكون هو وسيلة لإبراز الإيمان من الكفر فلماذا يتركه ملك الموت ويأخذ الروح؟ أليس هو موطن النجاسة فلماذا نريد تحويل وجهة ديننا السامية من الإيمان بالعمل الصالح وتقبل الأخر إلى إيمانا يفرق بين الكافر والمؤمن بهيئة الجسد؟

---------
- طلال قسومي
- باحث أكاديمي متحصل على الماجستير في علوم وتقنيات الفنون
- أستاذ متعاقد بالمعهد العالي للفنون والحرف بالقيروان.
- بصدد إعداد أطروحة الدكتوراه إختصاص نظريات الفن


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، الجماعات السلفية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-05-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  صراع الجسد بين الحلم والواقع في الفضاء التشكيلي: قراءة في تجربة "كمال بن عبد الله" (1)
  رسالة مفتوحة لدعاة التفرقة بين التونسيين
  فضاء التلاقي والحوار بين السريالية والثورة قراءة في تجربة الفنانة التشكيلية "إبتسام بالكيلاني"
  السياسة ما بين السلطة والمعارضة في بلدان الربيع العربي
  معرض "قطوف" (1) "بنيابوليس": وسؤال الوجود
  على قارعة الإنتظار
  العنف السياسي بين الأمس واليوم
  حكاية ثورة، "مرة أخرى"
  حكاية ثورة
  الإيمان بين الجسد والروح؟

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صالح النعامي ، د. أحمد بشير، مراد قميزة، عزيز العرباوي، د- جابر قميحة، منجي باكير، د- محمد رحال، محمود فاروق سيد شعبان، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، رافد العزاوي، سامر أبو رمان ، فتحي العابد، عراق المطيري، تونسي، المولدي الفرجاني، حسن الطرابلسي، صفاء العربي، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، د. صلاح عودة الله ، د- محمود علي عريقات، د - عادل رضا، إياد محمود حسين ، محمد أحمد عزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد الياسين، محمود سلطان، علي عبد العال، فوزي مسعود ، صباح الموسوي ، العادل السمعلي، أ.د. مصطفى رجب، علي الكاش، د. خالد الطراولي ، كريم فارق، أبو سمية، محمد عمر غرس الله، حسن عثمان، طلال قسومي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رحاب اسعد بيوض التميمي، جاسم الرصيف، سيد السباعي، أحمد بوادي، د - شاكر الحوكي ، وائل بنجدو، سليمان أحمد أبو ستة، إسراء أبو رمان، فتحي الزغل، رمضان حينوني، فتحـي قاره بيبـان، صلاح المختار، سلوى المغربي، يزيد بن الحسين، د - محمد بنيعيش، مصطفي زهران، الهادي المثلوثي، عبد الله زيدان، كريم السليتي، عواطف منصور، عبد الرزاق قيراط ، رافع القارصي، رضا الدبّابي، ماهر عدنان قنديل، نادية سعد، عبد الغني مزوز، سامح لطف الله، أشرف إبراهيم حجاج، يحيي البوليني، أحمد ملحم، د- هاني ابوالفتوح، د - الضاوي خوالدية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - مصطفى فهمي، د - المنجي الكعبي، د. أحمد محمد سليمان، سلام الشماع، د. عبد الآله المالكي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد العيادي، ياسين أحمد، د. طارق عبد الحليم، ضحى عبد الرحمن، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، سعود السبعاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد يحي، محمد شمام ، أحمد الحباسي، عبد الله الفقير، سفيان عبد الكافي، فهمي شراب، مجدى داود، الناصر الرقيق، د.محمد فتحي عبد العال، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود طرشوبي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، الهيثم زعفان، د - صالح المازقي، عمار غيلوفي، صلاح الحريري، حميدة الطيلوش، رشيد السيد أحمد، أحمد النعيمي، أنس الشابي، عمر غازي، حاتم الصولي، صفاء العراقي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة