سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4874
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن الدعوة إلى تكنوقراطية الدولة هو إرساء لنظام تسيير حقيقي فعلي وتقني. لتفادي حكومة الظل التي تجعل الخيارات السياسية المعتمدة هي نفسها حتى عندما تتغير الرموز القيادية، لا تنتهي منظومة الفساد.
في الدولة التكنوقراطية اجبارا يكون المسئول ملما بميدانه، مستحقا لمنصبه، فعالا في قرارته، وأي تغيير ينتج حتمية التعديل حيث لا يتولى أحد مسئولية دون أن يكون لديه برنامجا عمليا واضحا ناجعا وفعّالا ومترجما داخل برمجة معلوماتية، تؤسس لشفافية المحاسبة، تجعل المسئول لا يتلاعب ولا يزيغ، فهناك منظومة كاملة تراقب وتفرّق بين الصالح والفاسد.
الدولة التكنوقراطية اساسها حوكمة الكترونية مفتوحة شفافة مرتكزة على قاعدة بيانات محينة تتفاعل مع كل القطاعات مما يجعلنا نأمن على حسن سير ادارتنا التي تلفظ كل دخيل مفسد يتربّح من موقعه.
في الدولة التكنوقراطية، تكون الإداراة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، ولا يبقى قطاع في غنى عن القطاع الآخر، فالعمل متكامل في هياكل الدولة، كل عليه ان يحافظ على نسق تنموي ونجاح متوازي مع النجاحات الأخرى.
إننا نرى الفرقاء السياسيون عند الأزمات ينادون بالتكنوقراط للمرور بالدولة بسلام إلى برّ الأمان، فإذا كانت الثقة في هذا التوجّه زمن الوقت الصعب فمن باب اولى أن نستكين إلى هذا التوجه زمن الإستقرار.
إن التكنوقراطيين هم عادة أشخاص يستثاق بهم، ويأمنهم الناس على مستقبلهم، فالدولة التكنوقراطية تفرض بنيتها الأساسية على كل الفعاليات السياسية لتقدم الكفاءات في موقع التسيير والقيادة.
أما القول بان التكنوقراط ليس لهم انتماءات واديولوجيات هو غير صحيح، لا يوجد شخص عاقل ليس له انتماء او تعاطف لمرجعية ما، والفارق فقط هو في اظهار الممارسة، اي ما نسميه الإستقلال والإنتماء.
التكنوقراطية تستوعب كل الإديولوجيات، أما الإديولوجيات فلا تستوعب التكنوقراطية وقوانينها، التكنوقراطية تبحث في الفعل وطريقة العمل بمقاييس علمية وليس بمقاييس اديولوجية او شعارتية او تنظيرية، فهي فعل عملي تحقيقي وليس فعل دعوى اشهاري.
التكنوقراطية تبني على الموجود، ومتحولة إذا ما كانت الدواعي تستوجب التحول، ومتراجعة إذا ما كانت الدواعي التنفيذية تستوجب التراجع للحصول على ثمرة العمل والإنتاج.
ولأن مطلب الشعب في هذه الظروف هو الفعل العملي وليس التأدلج، ولأن الشعب يريد محاسبة علمية واضحة وشفافة على الفعل المنجز وليس محاسبة المرجعيات الإديولوجية، تجد دعوتنا سبيلها كتنفيذ منهجي لهذ المطالب.
التكنوقراطية هي طريقة حكم بالعلوم وتسيير بالتقنيات، لهذا تمثل مسلكا تنمويا سليما، وتنفيذا تطبيقيا لتشريك المواطن في الحكم من خلال ما نسميه بالديمقراطية التشاركية، تتنافس الأحزاب داخل مؤسساتها. وتسمح لكل الشرائح السياسية من خلال تدفق المعطيات العامة من قاعدة البيانات لأعداد برنامج سياسي واقتصادي منهجي واضح ومقبول تطبيقيا استنادا إلى مرجعيتها الإديولوجية تحت راقبة مباشرة من المواطن والمجتمع المدني.
ان تواجد منظومة تكنوقراطية في البنية التحتية للدولة متمثلة في حوكمة إلكترونية مرتبطة بقاعدة بيانات محينة ومتواصلة ومترابطة ببعضها، مبرمجة بطريقة تمكننا من سهولة الولوج إليها والتشارك داخلها يعني آليا القطع مع المركزية، واللامركزية هي قتل لعروق الإستبداد وسماد الزراعة التنموية الشاملة والعادلة لتطال كل الجيهات.
في هذه المنظومة العلمية التقنية وفيها من يسميها الحكومة الإلكترونية المفتوحة يكون المسؤول ذا علم وكفائة اجباريا ليستطيع التعامل مع النظم المبرمجة، وهذا المخزون العلمي التقني والفكري يعطيه اهلية كاملة لاتخاذ القرار المناسب دون العودة إلى المركز، لأن القرار يكون معروفا وحتميا اعتماد على القوانيين والاجراءات والبرمجة الموضوعة سلفا، ويمكن للمواطن ان يستشرف مستقبله ومستقبل جهته التنموي، فلا تعدو المعاملة ان تكون عملية حسابية معلومة النتائج، فنرى المواطن والمسئول على نسق وعي واحد كل واع وعارف بمجرى القراره وما سيترتب عليه.
المنظومة التكنوقراطية في الحكومة الإلكترونية المفتوحة التشاركية تفترض على المسؤول في هرم السلطة وصولا إلى العامل في قاعدة المجتمع تحيين ملكاته ومعارفه العلمية باستمرار بما يدعيم خبراته تتحسن بالتالي نوعية خدماته التي يقوم بها في مجال عمله، وهذا هو التنفيذ الفعلي لقاعدة التعلم مدى الحياة.
هذا الفعل الحركي التحييني المستمر الذي لا يتوقف والذي تفرضه هذه المنظومة على الأطراف الفاعلة في الحياة الوطنية تجعل امر التداول على السلطة حتميا. أي إذا وصل القائد السياسي إلى مرحلة من عدم القدرة على الإبتكار والتجديد لأنه استنفذ مخزونه الكامل من التجربة والخبرة، يصبح غير قادرا على مجارات نسق متطلبات التنمية فتلفضه هذه المنظومة ويظهر امام الراي العام والشارع كعاجز ويجبر آليا على تسليم السلطة لقيادة أخرى.
تمكن هذه المنظومة، بما تحتوية من سهولة التواصل فيها، من نقل الخبرات وتدريب الكفاءات الشابة، وليس فقط من هم في حالة عمل مؤسسة الحكومة، بل كل مواطن مهما كان موقعه في الحياة المهنية والإجتماعية. يفتح فيجد ما يريده ويتعلم ما يريده.
اذا مارس المواطن منظومة الحكم منذ الصغر والشباب وهو في مكانه فاذا ارتقى يوما إلى مهمة رسمية في صلب الدولة يكون اهلا لها بعد ان حصّل الزاد والخبرة اللازمة بحكم ان الحكومة والعمل القيادي السياسي التنموي ليس محجوبا عليه ويطلع عليه دوما منذ النشاة.
هذه المنظومة تسهل على الفعاليات السياسية ان تجد دوما كفاءات علمية مؤطرة قادرة على فعل ابداع الحلول السياسية الجديدة، فالصغير والشاب عموما يعتبر محينا علميا اكثر من الكبير والمسن والشيخ، لأنه من المفترض ان يكون تلقى آخر ما صدر من التقنيات والعلوم التي تتطور باستمرار.
عموما داخل هذه المنظومة يرتبط بقاء قيادة سياسية ما بمدى إبتكارها وابداعها للحلول الجديدة وليس اعتمادا على اديولوجيتها وتاريخها.
ان الشباب المتعلم هو من قاد الثورة، وتصرف كأنه كان مبرمجا كالحاسوب، لم يخطئ في قرارته وعرف كيف يصعد طلباته، والأكيد ان البرمجة كانت نتاجا لهذه العلمية التعليمية، فهو تكنوقراطي بالبناء العلمي والتعليمي، وهو قادر على انشاء هذه المنظومة في الدولة التاسيسية وقادر على التعامل معها.
إننا نسعى من خلال هذا البرنامج إلى محاولة تأطير هذا المنهج العلمي التقني الموجود فينا ونسمه بالحداثة ليكون لنا آلية تنمية فعالة، نرسم حدوده وآلياته ليكون تيارا جديدا مستحدثا يرتقي لتطلعات الشعب المتعطش إلى منهجية ترضي طموحاته وتستجيب لتطلعاته.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: