البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

بعض من الكفر حلال!

كاتب المقال د. أكرم حجازي   
 المشاهدات: 4593



ما أنْ سقط العقيد القذافي حتى عمت احتفالات الفرح بسقوطه مدينتي طرابلس وبنغازي بصورة لافتة. وما هي إلا لحظات من الزمن حتى خرج من ينادي بتدخل دولي مماثل في سوريا للتخلص من النظام الطائفي فيها. بل أن هنالك من القوى السورية من بات يحرض على التدخل الدولي، ويعلق عليه الأمل!!!

يحدث هذا في سياق عجيب تبدأ فيه الثورات بمطالب بسيطة ما تلبث أن تتصاعد حتى تستقر عند الهدف النهائي لها ممثلا بإسقاط النظام. ورغم أننا لا نؤمن بهذا المنطق باعتبار أن ما يجري ليس سوى دورة تاريخية تجري في إطار سنة الله في خلقه، إلا أن التوقف عند مطلب إسقاط النظام أخذ يتبلور حتى في سياق الاستعانة بالغرب!!! وكأن الغرب بريء من هذه النظم أو أن هذه الأخيرة معادية له من الأصل!!!

هذا يعني ببساطة أن الثورات لا تضع في حسبانها حتى هذه اللحظة هدف التخلص من الهيمنة والتبعية والتحرر من القيود التاريخية التي كبلتها بها القوى الكبرى. بل أن العكس هو الصحيح. إذ أن ما يجري هو الحرص التام على البقاء في دائرة المركز.
الغريب أن أوروبا المتنوعة والمتصارعة تاريخيا دفعت أثمانا باهظة من دماء أبنائها كي تتحرر من طغيان الكنيسة والحروب النازية والفاشية، والتاريخ القريب يشهد أنها وشرق آسيا كانتا مسرحا لحربين عالميتين فقدت فيها الشعوب عشرات الملايين من البشر. وفي أعقاب هذه الحروب خرجت دول كثيرة من الهيمنة والتبعية والاستغلال ليست الهند والصين واليابان إلا أشهرها وأكبرها.

في المقابل، ما هي التضحيات التي قدمتها الأمة بعد كل هذه الكوارث والنوازل العظيمة التي حلت بها؟ وكيف يمكن تصور حال أمة لا تبدو، حتى اللحظة، راغبة في التضحية أو الاعتراف بحقيقة معركتها أو عدوها بقدر ما تبدو منشغلة بالبحث عن الوصاية والحماية الدولية؟ وما هو الوصف الدقيق لمثل هذا الحال إلا أن يكون شهادة من الأمة على نفسها، وأمام العالم أجمع، والتاريخ، بأنها غير قادرة على الحياة بمفردها، وغير جديرة بالحياة إلا كخاضعة وذليلة ومنحطة في هذه اللحظة من الزمن!!! وماذا بقي لأمة تسعى للتحرر بأسهل الطرق وأقل التكاليف غير الطعام والشراب!!!؟ وما هي إذن قيمة الثورات العربية إذا كانت النظم الجديدة ستغط، في المحصلة، في سبات جديد؟ وما هو الفرق بين « سايكس – بيكو» قديم وآخر جديد؟
قد يظن البعض أن « سايكس – بيكو» هي منظومة استعمارية طبقتها فرنسا وبريطانيا على العرب دون غيرهم!!! والحقيقة أنها طبقت، في نفس التوقيت، على أربع أمم أخرى، كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها الضحية الأولى والأعظم لها. لكن من الواضح أن غالبية الأمة غافلة عن هذه الحقيقة ماضيا وحاضرا. وعليه فمن الجدير التذكير في الأمر:

• بلاد الترك. كانت أول الضحايا. فهي تشمل اليوم: (1) تركيا الحديثة، و (2) تركستان التاريخية التي تضم الجمهوريات الخمس: أوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجكستان، التي استأثر بها الاتحاد السوفياتي قبل أن تستقل بعد انهياره سنة 1991، بالإضافة إلى (3) تركستان الشرقية التي سيطر عليها الصينيون، وأطلقوا عليها اسم « إقليم سينكيانغ - 1949»! وغني عن القول أن زوال الخلافة الإسلامية جاء في أعقاب انهيار بلاد الترك وتفكك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

• بلاد الكرد. لا يخفى على الأمة دور الأكراد في الحضارة والتاريخ الإسلاميين أو الدين، كما أن الغرب لم ينس ثأره التاريخي مع الأكراد لاسيما في معركة حطين وطردهم من فلسطين. وليس هناك أشهر من حادثة قائد القوات الفرنسية الجنرال هنري غورو الذي احتل دمشق بعد معركة « ميسلون - 8 ذي القعدة 1338هـ / 24 يوليو 1920م »، وتوجه نحو قبر الفاتح صلاح الدين الأيوبي، وركله بقدمه قائلا: « ها قد عدنا يا صلاح الدين»!!!! لكن ما ليس مألوفا للعامة، وحتى للكثير من الخاصة، أن القوى الاستعمارية حرمت الأكراد من أي كيان سياسي في بلادهم التاريخية، التي تم توزيعها على أربعة بلدان إقليمية قوية هي إيران وتركيا وسوريا والعراق. ولعل أخبث ما في التقسيم أنه وزع بين بلدان عربية وأعجمية لتشتيت الجهد الكردي، وحتى لا يكون للأكراد أمل في كيان إلا إذا اضطروا لخوض صراع مستحيل مع أكثر من قومية.

• بلاد العرب. بينما كانت المفاوضات بين الشريف حسين والسفير البريطاني في القاهرة، السير هنري ماكموهون، خلال الحرب العالمية الأولى، تجري على أساس انفصال العرب عن الحكم العثماني في إطار دولة عربية كبرى؛ كانت بريطانيا وفرنسا تتفقان على تقاسم التركة العثمانية، في صيغة معاهدة استعمارية وقعها وزيرا خارجية البلدين، مارك سايكس وجورج بيكو لتقسيم شبه الجزيرة العربية، وتقاسم بلاد الشام، وفصل العراق عنهما، وإزاحة بلاد النيل جانبا، وعزل المغرب العربي عن مشرقه. وفي المحصلة انتهى العالم العربي إلى اغتصاب فلسطين وتسليمها لليهود في دولة أسميت بـ « إسرائيل - 1948» تم زرعها في قلب الأمة التي تفككت جغرافيا واجتماعيا إلى 21 شعب ودولة أو إمارة أو سلطنة.

• بلاد الهند. ثلثها، على الأقل، كان من المسلمين حتى نهاية سنة 1948!!! لكن أطرف ما في تقسيم الهند أن الهندوس والسيخ رفضوه بينما وافق عليه المسلمون وحرضوا عليه!!! وكانت المرحلة الأولى منه إعلان استقلال باكستان في 14 /8 / 1947، ثم بدأت المرحلة الثانية سنة 1971، إثر حرب أهلية طاحنة، انتهت بتقسيم باكستان نفسها إلى غربية ( باكستان الحالية) وشرقية اتخذت من بنغلادش اسما لها فيما بعد. واليوم فإن عدد المسلمين في الهند، وفقا لإحصاءات العام 2009، يصل إلى161 مليون نسمة، بنسبة تقارب 13.5% من إجمالي السكان، و 174 مليون نسمة في باكستان، بالإضافة إلى أزيد من 145 مليون في بنغلادش. وفي المحصلة لدينا أكثر من 480 مليون نسمة على الأقل في إجمالي الهند التاريخية. فماذا لو بقيت الهند موحدة وسط نسبة من المسلمين يقاربون 50% من السكان؟ نسبة لا يعادلها إلا كل مجموع السكان من الطوائف الأخرى!!!

هذا ما فعلته القوى الاستعمارية الكبرى في بلاد المسلمين، من الهند إلى المغرب الأقصى. لذا فإن كل التقسيمات والنظم القائمة هي نتاج تاريخية استعمارية صريحة. قسمة ضيزى، قادتها بريطانيا، أخطر دولة على البشرية. بل هي الدولة التي يشهد التاريخ والواقع أن ثأرنا وحساباتنا معها لا تندمل ولا تواريها العقود ولا القرون. مع ذلك ثمة من يسعى بكل جهد جهيد إلى تجديد عقد الوصاية والانتداب، اعتمادا على ذات القوى، وبنفس الأدوات والمنطق الذي ضاعت به الأمة وبلادها!!! فأي خير يُرتجى من هؤلاء أو من الغرب؟

لنكن صريحين بما يلزم من القول:
فقد بات من المخزي أن يتداعى البعض على الغرب، طلبا للحماية والنصرة والتدخل وتجديد شباب الوصاية والانتداب، في الوقت الذي تخرج فيه الشعوب عن بكرة أبيها. فأي عار هذا الذي سيلازمنا ويلازم أجيالنا القادمة، ونحن نسعى بأيدينا لنجدة الغرب الرأسمالي، وإنقاذه من ورطته الاقتصادية وإفلاسه وهزيمته العسكرية في ساحات الجهاد؟ وأي إنجاز نهديه إلى الغرب أثمن من تجديد الثورات لـ « شرعية» الوصاية والدولة اليهودية ونظم الانتداب المدمرة؟!!! لكن إنْ كانت الوصاية كفر .. فهل بعض من الكفر حلال؟ أم هو الكفر كله؟

كثير من القوى الراعية للثورات أو المتسلقة عليها أو الغاصبة لها إما أنها جاهلة في التاريخ والدين أو عاجزة أو عمياء أو مغرورة أو عميلة. وبالتالي فما من مشروعية لأية ثورة أو نظام جديد يحتفظ بذات العلاقة التاريخية مع الغرب، أو يقبل بهيمنته. لا مشروعية أبدا، لأننا سنكون حينها كمن يؤمن بكون الوصاية كفر .. لكن بعضا من الكفر حلال!!! وعليه؛ فإذا لم يعتدل سمت الثورات، وتنضبط أهدافها، وتُنتزَع مساراتها أو إنجازاتها، من هؤلاء، فسنفقد فرصة عظيمة للانعتاق من الهيمنة، وستكون أمة الإسلام، والعرب على الخصوص، أكثر أمم الأرض استغفالا وانحطاطا في التاريخ.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

ليبيا، سوريا، الثورة الليبية، القذافي، التدخل الغربي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-09-2011   www.almaqreze.net

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
إيمى الأشقر، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سليمان أحمد أبو ستة، مصطفي زهران، مراد قميزة، د- هاني ابوالفتوح، ياسين أحمد، د - صالح المازقي، حسن الطرابلسي، عمر غازي، رشيد السيد أحمد، كريم السليتي، د. صلاح عودة الله ، حاتم الصولي، سعود السبعاني، د- محمد رحال، رافع القارصي، فهمي شراب، رمضان حينوني، عبد الله زيدان، أنس الشابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن عثمان، كريم فارق، د- جابر قميحة، سلوى المغربي، سامح لطف الله، د.محمد فتحي عبد العال، رضا الدبّابي، صالح النعامي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، إسراء أبو رمان، رافد العزاوي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عراق المطيري، محمد عمر غرس الله، محمد يحي، عبد الغني مزوز، عمار غيلوفي، د - الضاوي خوالدية، محمود طرشوبي، سفيان عبد الكافي، محمود فاروق سيد شعبان، صلاح المختار، محمود سلطان، أشرف إبراهيم حجاج، جاسم الرصيف، د - مصطفى فهمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، خالد الجاف ، الهادي المثلوثي، سلام الشماع، العادل السمعلي، مصطفى منيغ، المولدي الفرجاني، محرر "بوابتي"، محمد شمام ، أحمد ملحم، د- محمود علي عريقات، محمد العيادي، سيد السباعي، رحاب اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، خبَّاب بن مروان الحمد، وائل بنجدو، صفاء العراقي، نادية سعد، د. طارق عبد الحليم، علي عبد العال، أ.د. مصطفى رجب، حسني إبراهيم عبد العظيم، صلاح الحريري، يزيد بن الحسين، د - المنجي الكعبي، عواطف منصور، أحمد النعيمي، د. خالد الطراولي ، إياد محمود حسين ، الهيثم زعفان، محمد الياسين، عزيز العرباوي، أحمد بوادي، منجي باكير، د. عبد الآله المالكي، علي الكاش، د - محمد بنيعيش، ماهر عدنان قنديل، أبو سمية، سامر أبو رمان ، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، د - محمد بن موسى الشريف ، تونسي، محمد اسعد بيوض التميمي، طلال قسومي، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. أحمد محمد سليمان، فتحي الزغل، فتحـي قاره بيبـان، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، عبد الله الفقير، يحيي البوليني، د. أحمد بشير، فوزي مسعود ، د - عادل رضا، مجدى داود، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي العابد، د - شاكر الحوكي ، صباح الموسوي ، الناصر الرقيق،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة