ما أن يحل الثامن من مارس من كل عام حتى تعم الاحتفالات معظم أنحاء العالم ابتهاجا باليوم العالمي للمرأة، ويكتسي الاحتفال هذا العام طابعا خاصا ومميزا وذلك لأننا نشهد تتمة المئوية الأولى لليوم العالمي للمرأة (1911-2011م)، بالإضافة إلى أن الاحتفال يجري في ظل متغير تاريخي نسائي هام ألا وهو تأسيس "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"UN WOMEN [1] التي قيل أنها تستهدف تحقيق غايتين أساسيتين هما: إنجاز المساواة بين الجنسين، والعمل على تمكين المرأة، فما هي حقيقة هذا اليوم وما هي جذوره التاريخية.
السياق التاريخي
تعود الجذور التاريخية ليوم المرأة العالمي إلى تلك التظاهرات التي قامت بها عاملات النسيج في المصانع الأمريكية في الثامن من مارس (1857م) للمطالبة بخفض عدد ساعات العمل ورفع الأجور، وهي التظاهرات التي تجددت في نيويورك بعد مرور ما يقرب من نصف قرن وتحديدًا عام (1909م) حين تظاهرت النساء للمطالبة بحقوقهن الاقتصادية التي أضيفت إليها الحقوق السياسية وبخاصة منح النساء حق الاقتراع العام. وقد اصطبغت تلك التظاهرات النسائية بصبغة يسارية واضحة إذ أن الغالبية العظمى من المشاركات فيها كن عضوات في الحزب الاشتراكي الأمريكي ورددن الشعارات الماركسية، وبسبب ذلك قررت الاشتراكية الدولية المجتمعة في كوبنهاجن عام (1910م) الاحتفاء بهذه التظاهرات فأعلنت -للمرة الأولى- عن عزمها تخصيص يوم للمرأة يوم يكون ذا طابع دولي، وقد تمت الموافقة بالإجماع على هذا الاقتراح الذي شاركت فيه ما يزيد على مائة امرأة من سبعة عشر دولة.
وبناء على هذا جرى الاحتفال بصفة رسمية بهذا اليوم للمرة الأولى عام (1911م) في أربعة بلدان غربية هي: الدانمارك والنمسا وسويسرا وألمانيا وتتحدث المصادر عن أن ما يربو على مليون امرأة قد خرجت في هذا اليوم وهو ما يكشف عن عمق الحركة المطلبية النسائية والتفاف النساء حولها، وما لبثت روسيا أن لحقت بهذه الدول عام (1917م) وقد اتخذت مشاركة المرأة الروسية في هذا اليوم شكلا مغايرا إذ تمت تحت دعوى رفض فكرة الاستمرار في الحرب العالمية الأولى التي أودت بحياة كثير من الروس، وفي السنوات التالية اعترفت بقية الدول الغربية تباعا بهذا اليوم.
الأمم المتحدة وعولمة يوم المرأة
لم يتخذ الاحتفال طابعه الأممي إلا مع إقراره من قبل الأمم المتحدة يوما "عالميا" للمرأة عام (1977م) بعد أن ظل الاحتفال به قاصرا على العالم الغربي لعقود طويلة، والمعلوم أنه منذ السبعينات طرأ تحول ملموس على أجندة الأمم المتحدة فبدلا من تركيزها على القضايا وثيقة الارتباط بالسلم والأمن الدوليين شرعت في الاهتمام بالقضايا الإنمائية، ويشكل عام (1975م) عاما فارقا في هذا السبيل فهو العام الذي خصصته الأمم المتحدة ليكون عاما دوليا للمرأة وفاتحة العقد الخاص بها.
ومما ينبغي الالتفات إليه أن تلك الدعوة الأممية لتخصيص يوم عالمي للمرأة لم تلق استجابة من الدول العربية والإسلامية في حينه ولم يتم الالتفات إليها إلا في أعقاب مؤتمر بكين (1995م) حين صارت جزءا من المنظومة الدولية المتعلقة بالمرأة واتخذ الاحتفال به طابعا دوليا شبه إلزامي.
وفي إطار احتفالاتها بهذا اليوم تحرص الأمم المتحدة على تقديم التقارير التي تكشف عن مدى التقدم الذي تحرزه نساء العالم، ومن التقاليد المتبعة في هذا اليوم أن يوجه الأمين العام للأمم المتحدة كلمة إلى النساء، وبدورها وجهت مارسيل باشليت المدير العام التنفيذي للأمم المتحدة للمرأة هذا العام كلمة أخرى إلى النساء، وعلى هذا تجاورت الكلمتين على موقع الأمم المتحدة.
ومن المعتاد أن تصوغ الأمم المتحدة شعارا عالميا ليكون عنوانا لهذا اليوم ويراعى في اختياره أن يتسم بطابع عام فضفاض بحيث يعبر عن جموع النساء في العالم، وأن يشكل هدفا نسائيا ينبغي العمل على تحقيقه، وقد جرت القاعدة على ذلك فالشعارات السابقة ركزت على تحقيق المساواة ورفض العنف ضد المرأة، والتمكين الاقتصادي، فيما يدور شعار العام الحالي حول "المساواة في الحصول على التعليم والتدريب والعلم والتكنولوجيا سبيل توفير العمل اللائق للمرأة.
وليس هناك استثناء يذكر لهذه القاعدة سوى شعار عام 2002م الذي جاء تحت عنوان "المرأة الأفغانية اليوم: الحقائق والفرص"[2] وهو الأمر الذي يثير التساؤلات حول الدور الذي تلعبه المنظمة الدولية في تبني أجندات بعض الدول الكبرى والشروع في تنفيذها باعتبارها أجندة أممية.
التوظيف الأيديولوجي
جاء تخصيص عام 2002 للمرأة الأفغانية ولم يكد يمضي على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان بضعة أشهر ليعزز من الادعاء القائل بأن يوم المرأة العالمي يجري توظيفه ليكون أداة في يد الولايات المتحدة لتسهيل مهمتها في العراق وأفغانستان، إذ تبدي الإدارة الأمريكية حرصا على استقبال وفود نسائية من العالم الإسلامي في هذا اليوم، وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد التقى شخصيا وفودا نسائية من البلدين عام 2006م.
وفي هذا الصدد نشير أن نهج الإدارات الأمريكية لا يخرج عما ذهب إليه اللورد كرومر (ممثل الاستعمار القديم) حين جعل من مسألة تحرير المرأة المسلمة من ربقة الرجل المسلم أحد مبررات قدوم جحافل الاستعمار الغربي إلى الشرق الإسلامي، وتكرر الولايات المتحدة اليوم نفس الديباجات الاستعمارية؛ فتزعم أن تمكين المرأة ورفع الغبن الواقع عليها أحد دوافعها لاحتلال العراق وأفغانستان، في محاولة لإضفاء الطابع الأخلاقي على الاستعمار الأمريكي.
ملامح رؤية إسلامية
قبيل أن نتطرق لموقف الناشطات الإسلاميات من هذا اليوم وكيف يتعاطين معه يمكن أن نقدم ملاحظتين أساسيتين تحكمان الرؤية الإسلامية في النظر إلى هذا اليوم
الأولى: أفضى تخصيص الأمم المتحدة يوما عالميا للمرأة إلى تحوله إلى احتفالية كبرى تشارك فيها النساء على اختلاف أجناسهن وثقافتهن، وهنا لابد أن نشير إلى أن فلسفة الاحتفال في الإسلام لا تقوم على تلك النظرة التجزيئية؛ فليس هناك أياما تحتفل فيها النساء وأياما أخر يحتفل بها الرجال؛ فالاحتفال يرتبط بمناسبة دينية ويشمل الأمة بأسرها رجالها ونساءها وأطفالها؛ فيصبح أداة للتوحيد بدلا من أن يكون معولا للتفريق والتمزيق بين عناصر الأمة، من جانب آخر فإن تخصيص يوم للمرأة يعني أن هذا اليوم يعد "استثناء" بين الأيام حيث تحظى فيه النساء بالتكريم أما بقية الأيام فإنهن محرومات من التقدير، وهذه الرؤية تتنافى مع الرؤية الإسلامية التي تنظر للإنسان ذكرا كان أم أنثى باعتباره مستحقا للتكريم والاحترام انطلاقا من مبدأ الاستخلاف الإلهي.
الثانية: يرتبط هذا اليوم بمناسبة تدور حول الحق المادي؛ فالنساء اللواتي تظاهرن تحركن بدافع مادي، ورغم أن الشريعة الإسلامية تقر بأن الحقوق المادية هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وأن حفظ المال مقصد من مقاصد الشريعة، إلا أن الحقوق المادية هي مجرد جزء من منظومة الحقوق الإنسانية؛ فلا ينبغي أن يطغى الجزء على الكل أو أن يختزل الجزء الكل. وإذا كان هذا له ما يبرره في الحضارة الغربية التي تعلي من شأن الحق المادي وتجعل منه أهم حقوق الإنسان على الإطلاق، فإن هذا غير جائز إسلاميا إذ أن للإنسان حقوقا متعددة تتساوى في الأهمية، ولا يمكن أن يحل أحدها بديلا عن بقية الحقوق.
في محاولات "أسلمة" يوم المرأة
يتخذ الموقف من يوم المرأة العالمي داخل التيارات النسائية الإسلامية موقفا متباينا فبينما تنحو التنظيمات النسائية ذات المنحى السلفي – وبخاصة الوهابي- إلى الرفض المطلق لهذا اليوم على اعتبار أنه ليس في الشريعة أو في الممارسات التاريخية الإسلامية ما يمكن أن يستشف منه وجود هذا اليوم، فإنه على الجهة الأخرى تتخذ التيارات النسائية الإسلامية المرتبطة بأحزاب أو حركات إسلامية ذات برامج سياسية واجتماعية كحزب الله أو العدالة والتنمية أو الإخوان المسلمين موقفا أكثر مرونة واعتدالا، فالنشاطات لا يرفضن من حيث المبدأ تخصيص يوم للمرأة أو تنظيم فاعليات للاحتفال بهذا اليوم.
ولكن هذا لا يعني قبولاً منهن لهذا اليوم على إطلاقه إذ نلحظ أن الفاعليات التي يتم تنظيمها يراعى فيها أن تكون ذات مدلول إسلامي واضح متمايزة بذلك عن غيرها من الفعاليات النسوية الأخرى، وعلى سبيل المثال تحتفي حركة (حمس) الجزائرية بتخصيص هذا اليوم للاحتفاء بتخريج دفعات جديدة من النساء الحافظات لكتاب الله تعالى، من جهة أخرى تحرص ناشطات حركة حماس الفلسطينية أن تتخذ من هذا اليوم وسيلة لتذكير العالم بمعاناة المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال.
وهذه المحاولات الرامية لصبغ هذا اليوم بصبغة إسلامية وتفريغه من مضامينه العلمانية تجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية التفكير في تخصيص يوم للمرأة المسلمة يكون أكثر ارتباطا بمنظومتها العقدية والحضارية وأكثر تعبيرا عن تطلعاتها، بحيث يحمل أجندة تتعلق بالقضايا التي تهم هذه المرأة دون غيرها وعلى رأسها إعادة قراءة النص الديني المتعلق بالمرأة من منظور أكثر رحابة، والكشف عن مواطن فعاليتها التاريخية، وبيان أن المنظورات الفقهية المقيدة للمرأة هي تعبيرات ثقافية محلية عن عصرها ولا تعبر عن روح الشريعة المشبعة بالمساواة والعدالة.
وهذه الدعوة لا تعني أننا نتحفظ على يوم المرأة العالمي انطلاقا من رفضنا دعاوى العالمية أو المشتركات الإنسانية التي يمكن أن تشكل أرضية ملائمة لتجمع دولي يتم خلاله تبادل الخبرات النسائية فهذا بحد ذاته مطلب مشروع بل وضروري، وإنما تحفظنا ينصب حول بعض أسسه ومضامينه وأنه بات يوظف سياسيا من جانب بعض القوى الدولية.
--------------
[1]طالع موقع الأمم المتحدة للمرأة
[2]انظر موقع يوم المرأة العالمي عام 2002
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: