البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

في ذكرى ناجي العلي

كاتب المقال د. ضرغام عبد الله الدباغ    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8887


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في 22 تموز 1987 أطلق مجهول النار على رسام الكاريكاتور العربي الفلسطيني ناجي العلي بهدف قتله. وقد نجح القاتل في ذلك. ولكن من نافلة الكلام القول، أن ناجي العلي لم يكن بذاته هو الهدف، بل كان فنه وريشته، ونحن بحضورنا هنا وعرضنا لأعماله التي لا تنسى، نثبت أن تلك الرصاصات لم تصب الهدف.

لقد قتل ناجي العلي باستخدام سلاح ناري ولاذ القاتل بالفرار. بينما كان ناجي العلي يرسم علانية، مستخدماَ فكره وريشة بسيطة، ولكن ريشته تلك كانت تفضح القتلة وأساليب القتل والتدمير، إن الجناة وجدوا أن هذه العبقرية لا يمكن مقابلتها إلا بالرصاص وهذه الريشة لا يمكن مبارزتها إلا بالسلاح، لذلك قرروا قتله، وهنا أصبح الصراع غير متكافئ: ريشة مقابل أسلحة فتاكة، كما شعبه الأعزل في المخيمات مقابل أحدث الأسلحة من الطائرات والدبابات.

لقد أعلن القتلة أن ليس بوسعهم الرد على الفن بالفن، وعلى الرأي بالرأي، والحجة بالحجة.

ثم اكتشفنا لاحقاً أن أسم ناجي العلي كان قد وضع على قائمة الإرهاب. ولذلك قتل ناجي ألعلي. وسوف نواصل نحن محبي الفن والحوار والتفاعل الإنساني، حمل القلم والريشة، أما فن ناجي العلي فسيبقى معلقاَ كإفادة شاهد عيان.

ناجي العلي لم يمت، بل تحول إلى دين ثقيل في ذمة الذين اغتالوه وعلى محبي الحرية والكلمة والفن, وأكتسب أسمه ميزة خاصة، فهو من الرسامين النادرين في التاريخ الذين تعرضوا للاغتيال بسبب رسومهم. نعم لقد قتل مفكرون وطورد محررون، فقد أعدم جوردانو برونو Giordano Brono ، وكاد أن يلاقي غاليلو غاليلي نفس المصير. وطورد مارتن لوثر، ثم أعدم يوليوس فوجيك Julius Fucik، وأغتيل مارتن لوثر كينج، أما على الصعيد الفلسطيني، فقد أستشهد قبله الروائي غسان كنفاني والشاعر كمال ناصر والناقد وائل زعيتر والأديب محمود الهمشري وآخرون غيرهم...

ولكن أن يطال الاغتيال رساماَ فهذه سابقة لا مثيل لها، أفتتحها ناجي العلي ورسم آخر لوحة له بدمائه.

كان ناجي العلي، وهنا تبرز عبقريته فنان كاريكاتور، ذلك الفن الذي تلتحم فيه قوة الخطوط مع الفكرة العميقة التي تهز المشاهد بقوة، أنه الفن الذي لا يعتمد على سحر الألوان والضلال، بل إنه فن إعطاء الأحداث والشخصيات، بما في ذلك المؤلم منها، طابع السخرية . والفنان ربما يريد بذلك منح القوة والقدرة على احتمال ما لا يمكن احتماله عبر السخرية والابتسامة، وفي الوقت نفسه، ينطوي هذا الفن على إمكانية توجيه النقد إلى الشخصيات والأحداث ( سياسية على الأغلب) عبر فن الرسم.
وتعبر انطلاقة هذا الفن في عصر النهضة Renaissance التعبير عن القيمة الفنية والإنسانية التحررية لهذا الضرب من الفنون، حيث ابتدأ بتوجيه النقد إلى الكنيسة وأمراء الإقطاع، وأزدهر في القرن السادس عشر والسابع عشر، في عصر التنوير والليبرالية ثم أنتشر الكاريكاتور بصفة فعالة مع ازدهار عصر الصحافة حيث أحتل الكاريكاتور مكاناَ بارزا في ممارسة تأثيراَ واسعاَ على الجماهير في القرن التاسع عشر.

ناجي العلي أقتحم هذا العالم الرحب، عالم الكاريكاتور، وهو المهندس الميكانيكي وأبدع فيه. فبالإضافة إلى الرؤية الشاملة العميقة والتصميم الذي امتازت به أعماله، وإلى جانب قوة العمل التكنيكي وارتفاع مستوى وعي الموضوع Motivation، أنطوت على رؤية بانورامية عريضة. وبموجب هذا التقيم العالي، أعتبر ناجي العلي مبدعاً ليس في وطنه العربي أو الفلسطيني فحسب، بل على الصعيد العالمي. وأني لأعتقد أن ذكرى ناجي العلي وأعماله ستبقى حية زمناَ طويلاَ، وهو وإن سقط، لكن الضوء الذي أطلق سراحه سيبقى مشعاَ لن يقوى الرصاص على إخماده.

هكذا عمل ناجي العلي ممسكاَ بالريشة يحاول وضع الابتسامة على أفواه المعذبين، وأن يفتح نوافذاَ للضوء والريح. وكان مدركاَ أنه يزعج الطغاة، ولكنه كان يقبل الخطورة والمجازفة من أجل الحرية، ولم يكن ليقبل الأمان مع الخضوع. ولكن الذين اغتالوه ما يزالون حتى اليوم يخشون ضلال ريشته. فقد قال الأديب الفرنسي البير كامو : " أن الخير هو حلم مشروع، مؤجل بلا انقطاع وملاحق بجهد مضن، أنه حد لا يمكن الوصول إليه قط وامتلاكه مستحيل. والشر وحده يستطيع أن يمضي حتى حدوده " .

لقد قذف ناجي العلي بريشته وسط بستان وطنه وأمته، فأنبتت آلاف الريشات، فقد حاولوا عبثاَ أن يمنعوا فنانين عرباَ من إنتاج فلم سينمائي، عنوانه يتألف من كلمتين فقط :

ناجي العلي .

يرقد ناجي العلي في مقبرة بلندن حيث اغتيل، ينتظر أن يعود يوماَ إلى وطنه في قرية الشجرة شمال فلسطين.

فمن يدري، لعل موت ناجي العلي الجسدي خطوة على الطريق ؟

ألم يقل بول أيلوار في أحد شهداء المقاومة الفرنسية :

لقد هوى ..... ثم أشرق النهار .


سلاماً عليك ناجي العلي ... سلاماً

طب نفساً ... فأنك لن تموت أبداً


 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-08-2008  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الخطوط الدفاعية
  غيرترود بيل ... آثارية أم جاسوسة ..؟
  أمن البعثات الخارجية
  الحركة الوهابية
  ماذا يدور في البيت الشيعي
  الواقعية ... سيدة المواقف
  زنبقة ستالينغراد البيضاء هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء
  اللورد بايرون : شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي
  حصان طروادة أسطورة أم حقيقة تاريخية
  دروس سياسية / استراتيجية في الهجرة النبوية الشريفة
  بؤر التوتر : أجنة الحروب : بلوشستان
  وليم شكسبير
  البحرية المصرية تغرق إيلات
  كولن ولسن
  الإرهاب ظاهرة محلية أم دولية
  بيير أوغستين رينوار
  المقاومة الألمانية ضد النظام النازي Widerstand gegen den Nationalsozialismus
  فلاديمير ماياكوفسكي
  العناصر المؤثرة على القرار السياسي
  سبل تحقيق الأمن القومي
  حركة الخوارج (الجماعة المؤمنة) رومانسية ثورية، أم رؤية مبكرة
  رسائل من ملوك المسلمين إلى أعدائهم
  وليم مكرم عبيد باشا
  ساعة غيفارا الاخيرة الذكرى السادسة والستون لمصرع البطل القائد غيفارا
  من معارك العرب الكبرى : معركة أنوال المجيدة
  نظرية المؤامرة Conspiracy Theory
  نوع جديد من الحروب
  نبوءة دقيقة
  الولايات المتحدة منزعجة من السياسة المصرية ...!
  لماذا أنهار الغرب

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد ملحم، د. أحمد محمد سليمان، د - صالح المازقي، يزيد بن الحسين، عبد الله زيدان، محمد الطرابلسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود سلطان، صلاح الحريري، د- محمد رحال، رحاب اسعد بيوض التميمي، أنس الشابي، سليمان أحمد أبو ستة، فتحـي قاره بيبـان، فهمي شراب، العادل السمعلي، محمد الياسين، أبو سمية، حميدة الطيلوش، إياد محمود حسين ، إيمى الأشقر، صفاء العربي، مراد قميزة، د - محمد بنيعيش، محمود فاروق سيد شعبان، رضا الدبّابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، مجدى داود، محرر "بوابتي"، د - مصطفى فهمي، محمد يحي، فتحي الزغل، رشيد السيد أحمد، وائل بنجدو، د. طارق عبد الحليم، طلال قسومي، صفاء العراقي، علي عبد العال، د. صلاح عودة الله ، جاسم الرصيف، أحمد النعيمي، د. خالد الطراولي ، د - المنجي الكعبي، ياسين أحمد، سفيان عبد الكافي، عبد الرزاق قيراط ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد أحمد عزوز، أحمد بوادي، د- هاني ابوالفتوح، فتحي العابد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد شمام ، الهيثم زعفان، أحمد الحباسي، الناصر الرقيق، كريم السليتي، صلاح المختار، كريم فارق، خبَّاب بن مروان الحمد، إسراء أبو رمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سيد السباعي، عمر غازي، د - محمد بن موسى الشريف ، رافع القارصي، د- محمود علي عريقات، أشرف إبراهيم حجاج، محمود طرشوبي، حسن عثمان، عبد الله الفقير، رمضان حينوني، د - الضاوي خوالدية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د.محمد فتحي عبد العال، عراق المطيري، المولدي الفرجاني، محمد عمر غرس الله، تونسي، علي الكاش، د. عادل محمد عايش الأسطل، ضحى عبد الرحمن، نادية سعد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فوزي مسعود ، الهادي المثلوثي، د - شاكر الحوكي ، ماهر عدنان قنديل، سلام الشماع، عزيز العرباوي، صالح النعامي ، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، عواطف منصور، حاتم الصولي، سلوى المغربي، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، د - عادل رضا، د. عبد الآله المالكي، سامح لطف الله، محمد العيادي، منجي باكير، صباح الموسوي ، حسن الطرابلسي، أ.د. مصطفى رجب، رافد العزاوي، سعود السبعاني، سامر أبو رمان ، د- جابر قميحة، مصطفي زهران، عمار غيلوفي، د. أحمد بشير، يحيي البوليني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة