البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الانقلاب.. أو نهاية وهم "الاستثناء التونسي"

كاتب المقال عادل بن عبد الله - تونس   
 المشاهدات: 2022



خلال حملته الانتخابية، أو ما يسميها هو وأنصاره "حملة تفسيرية"، كان الرئيس التونسي قد بشّر بنهاية زمن الديمقراطية النيابية أو التمثيلية. وكان يرى أن اندثار الأحزاب – باعتبارها الأجسام الوسيطة الأهم في الديمقراطية النيابية "المفلسة" - سيكون ذاتيا، ولذلك لن يحتاج إلى حلها أو إلغائها بمرسوم رئاسي. فمجرد وصوله إلى قصر قرطاج سيعني تمكين الشعب من فرصة التنظم بأشكال جديدة مطابقة للزمن السياسي الجديد، أي زمن الديمقراطية المجالسية أو القاعدية بقيادة "الزعيم الملهم".

ورغم أن الرئيس لم يتراجع عن وعده بعدم حل الأحزاب، ورغم عدم وضوح أشكال التنظم البديلة، فإن مواقفه منذ تولي الرئاسة تدل على أن استراتيجيته كانت تهدف إلى إعادة هندسة الحقل السياسي بإقصاء كل الأجسام الوسيطة، وخاصة الأحزاب عن إدارة حالة الاستثناء أو الاستفادة من مخرجاتها.

مهما كان رأينا في الموقف الراديكالي للرئيس من الأحزاب ومن الديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة، فإن شعبية هذا الموقف، أو على الأقل قدرته على فرض الأمر الواقع على كل الأجسام الوسيطة في الحقول السياسية والمدنية والنقابية وغيرها، تنسف سردية نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس، خاصة في المستوى السياسي.

وقد يكون من باب المفارقة أنّ أول من تحدث عن "نجاح الانتقال الديمقراطي السياسي" وضرورة المرور إلى الملفّين الاقتصادي والاجتماعي؛ هو السيد إلياس الفخفاخ الذي ترأس الحكومة بعد سقوط مرشح حركة النهضة (الحزب الأغلبي في البرلمان) وفشله في الحصول على الأغلبية لأسباب تتعلق بمناكفات أيديولوجية وبترسبات الصراع الهوياتي بين النهضة وأغلب مكونات البرلمان. وقد يكون من باب المفارقة أيضا أن يختار الرئيس قيس سعيد السيد إلياس الفخفاخ – الذي لا يمتلك حزبه أي نائب في البرلمان - ليرأس حكومة تقاوم الفساد؛ فإذا بها تسقط بملف شبهات فساد وتضارب مصالح يتعلق برئيسها ذاته.

منذ أن انتقل حق اختيار رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية، اختار السيد قيس سعيد شخصية من داخل الترشيحات الحزبية ولكن بلا أي سند حزبي قوي، أو على الأقل حرص على ألا تكون تلك الشخصية (السيد إلياس الفخفاخ) من بين مرشحي حركة النهضة، ثم حرص على تعميق المسافة بينه وبين الأحزاب ليقع اختياره على شخصية من خارج الترشيحات الحزبية كلها (السيد هشام المشيشي)، وهو مجرد موظف يدين بصعوده السياسي إلى رئيس الجمهورية. وقد أريد له أن يلعب دور "رجل القش" في القصبة، فلمّا أبى واستعصم بالدستور وغرّه حزام حكومته السياسي جاء "الانقلاب" أو "تصحيح المسار" ليخرجه من القصبة ومن الحياة السياسية كلها، وليعيد حق المبادرة مرة أخرى للرئيس الذي عيّن السيدة نجلاء بودن - وهي موظفة بلا انتماء حزبي ولا تاريخ نضالي - وزيرة أولى دون أية صلاحيات.

فالرئيس قد احتكر كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية بعد صدور المرسوم 117 المؤرخ في 22 أيلول/ سبتمبر 2021 والمتعلق بالإجراءات الاستثنائية، تلك الإجراءات التي حوّلها الرئيس إلى قاعدة قانونية لإدارة "المرحلة الانتقالية" بين الديمقراطية التمثيلية وبين مشروعه للديمقراطية المجالسية.

قبل إسقاط حكومتي السيدين إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي، كان الالتجاء إلى "حكومة الرئيس" دليلا على وجود أزمة جوهرية في الانتقال الديمقراطي السياسي. وهي أزمة استطاع رئيس الجمهورية أن يعمّقها، وأن يجعل منها حدثا أو معطى يتجاوز الأحزاب إلى مجمل المنظومة السياسية وإلى جميع مظاهر مأسسة الثورة. فـ"تصحيح المسار" ليس حربا على الأحزاب ولا مجرد شيطنة لهذا الجسم الوسيط في الديمقراطية التمثيلية، إنه أساسا حرب على كل الأجسام الوسيطة التي قد لا ترتبط مباشرة بالانتقال الديمقراطي السياسي ولكنها تمثل – على الأقل نظريا - ضمانة ضد مشاريع الانقلاب والاستبداد.

رغم أن مشروع الديمقراطية المجالسية يقوم على إلغاء الحاجة إلى الأحزاب، فإن ذلك المطلب لا يقبل التحقق إلا بالتمهيد له عبر ضرب باقي وسائط الديمقراطية التمثيلية. ولذلك سارع الرئيس بعد 25 تموز/ يوليو، إلى حل أغلب الهيئات العليا وإلى التحريض على المؤسسات أو الهيئات التي لا يمكن حلها. وكي لا نجانب الموضوعية، فإن علينا أن نعترف بأن نجاح الرئيس في ضرب وسائط الديمقراطية التمثيلية يعود في جزء كبير منه إلى قابلية تلك الوسائط للضرب، أي هشاشتها وسوء سمعتها عند عموم المواطنين بحكم فشلها - من جهة أولى - في تحقيق انتظاراتهم ولو في حدودها الدنيا، وعجزها - من جهة ثانية - عن التحرك والفعل في الواقع بعيدا عن التأثيرات السامّة للوبيات الفسادين الأيديولوجي والاقتصادي.

لقد جاء الانقلاب لينهيَ وهْم نجاح الانتقال الديمقراطي و"الاستثناء التونسي"، كما جاء ليُظهر هشاشة الديمقراطية التمثيلية وضعف مؤسساتها، ومحدودية التأثير الذي تمتلكه نخبها في تشكيل الرأي العام وتحريره من قبضة اللوبيات المتحكمة في تزييف الوعي وتوجيهه للمحافظة على مصالحها المادية والرمزية. فأغلب "القوى الديمقراطية" قد ساندت الانقلاب وتأويله المتعسف للفصل 80 من الدستور التونسي، وقد كانت وما زالت محكومة بوعي سياسي لا يقاوم الانقلاب بقدر ما يبحث عن موقع في إدارته والاستفادة من مخرجاته.

أما "أنصار الشرعية" فإنهم قد عجزوا إلى حدود هذه اللحظة عن أخذ مسافة من منظومة ما قبل 25 تموز/ يوليو وإقناع باقي الفاعلين الجماعيين - ومن ورائهم الرأي العام الداخلي والقوى الخارجية المتداخلة في الشأن التونسي - بأنهم "خيار ثالث"، خيار مواطني حقيقي، لا مجرد طابور خامس في خدمة مشاريع غيرهم لإعادة التموقع والانتشار في ظل الدولة الريعية الزبونية التابعة.

ختاما، يمكننا أن نقول إن نجاح الرئيس قيس سعيد في تكريس انقلابه دون الحاجة إلى إشراك الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني أو حتى الإعلام؛ في إدارة "حالة الاستثناء"، يدل على هشاشة المنجز الديمقراطي خلال العشرية السابقة، سواء من جهة الوعي أو من جهة المأسسة. فغياب مشروع وطني حقيقي وفشل المصالحة بين الإسلاميين والعلمانيين وغلبة الصراعات الهوياتية على السجال العمومي؛ كل ذلك قد مهّد لنجاح المشروع الانقلابي وأمدّه بدعم شعبي حقيقي لا يمكن إنكاره. وهو ما يعني أن مواجهة الانقلاب ستكون بلا أي أفق استراتيجي - حتى لو سقط الرئيس ومشروعه - ما لم يشتغل الديمقراطيون الحقيقيون على فهم أسباب فشل الانتقال الديمقراطي في المستوى السياسي، وبالتبعية في المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وما لم يحددوا بكل وضوح وبلا مجاملة مسؤولية مختلف الفرقاء في ذلك.

ورغم أن يوم 14 كانون الثاني/ يناير لن يكون مناسبة لسقوط الانقلاب - كما تمنى البعض من باب إسقاط مبدأ الرغبة على الواقع - فإنه يمكن أن يكون مناسبة للتفكير الجماعي في أسباب قابلية الانتقال الديمقراطي للانقلاب، ومناسبة للتفكير "معا" في كيفية بناء مشروع مواطني جامع لكل المؤمنين بالدولة المدنية، تلك الدولة التي لا تتعارض مع الانفتاح على المرجعية الدينية أو مع الإسلام السياسي الذي قبل بقواعد اللعبة الديمقراطية، بل تتعارض بالضرورة مع كل مشاريع عسكرة الفضاء العام أو "بَولسته"، مهما كانت الادعاءات الحداثية أو الوطنية الزائفة لمن يقفون خلفها في الغرف المظلمة الحقيقية لا المتخيلة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-01-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد بوادي، محمد الياسين، سلام الشماع، طلال قسومي، صفاء العربي، فهمي شراب، يزيد بن الحسين، د- محمد رحال، سيد السباعي، عبد الله زيدان، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - الضاوي خوالدية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد النعيمي، ياسين أحمد، علي الكاش، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح الحريري، أبو سمية، محمد شمام ، مصطفي زهران، د. أحمد محمد سليمان، محمد عمر غرس الله، فتحي الزغل، عبد الرزاق قيراط ، محمود طرشوبي، عمر غازي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- محمود علي عريقات، حاتم الصولي، إياد محمود حسين ، أنس الشابي، د. خالد الطراولي ، د - صالح المازقي، صلاح المختار، د. أحمد بشير، رافع القارصي، عراق المطيري، محمود فاروق سيد شعبان، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بنيعيش، رمضان حينوني، كريم السليتي، جاسم الرصيف، رشيد السيد أحمد، محمد أحمد عزوز، يحيي البوليني، سفيان عبد الكافي، نادية سعد، أحمد ملحم، إسراء أبو رمان، د.محمد فتحي عبد العال، خالد الجاف ، مجدى داود، سامر أبو رمان ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله الفقير، د - المنجي الكعبي، حميدة الطيلوش، العادل السمعلي، الهيثم زعفان، أحمد الحباسي، أ.د. مصطفى رجب، محمد اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، ماهر عدنان قنديل، د - عادل رضا، د. صلاح عودة الله ، عمار غيلوفي، د- هاني ابوالفتوح، سليمان أحمد أبو ستة، محمد يحي، علي عبد العال، محمود سلطان، صالح النعامي ، الهادي المثلوثي، مصطفى منيغ، صباح الموسوي ، رافد العزاوي، د. طارق عبد الحليم، د- جابر قميحة، حسن عثمان، د - شاكر الحوكي ، فتحـي قاره بيبـان، فتحي العابد، د - محمد بن موسى الشريف ، المولدي الفرجاني، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد العيادي، منجي باكير، د. عبد الآله المالكي، سلوى المغربي، محمد الطرابلسي، تونسي، مراد قميزة، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، سعود السبعاني، محرر "بوابتي"، حسن الطرابلسي، عزيز العرباوي، سامح لطف الله، الناصر الرقيق، عواطف منصور، ضحى عبد الرحمن، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، وائل بنجدو، رضا الدبّابي، كريم فارق، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، د. عادل محمد عايش الأسطل، صفاء العراقي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة