(135) مؤشرات الارتباط بين الماسونية وعلم الاجتماع (*)
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
أخيرًا، سلَّم أحدُ رجال الاجتماع في بلادنا واعتَرَف بأنَّ الشُّكوك تحيطُ بنشأة علم الاجتماع؛ شكوكٌ تتعلَّق باختِيار اسمه ومَجالاته، ومَناهِجه وإجْراءاته، ولماذا تفجَّرَ التبشيرُ بهذا العِلم الجديد في الرُّبع الأوَّل من القَرن الماضي بالذات؟ هل لإقناع الناس بضَرُورة وُجودِه ومشروعيَّته، أم لأنَّ هُناك أهدافًا حقيقيَّة كانت تعمَل من وَراء سِتار؟ يَكفِينا هذا الاعتراف كنُقطةِ بِدايةٍ، وإن توَقف صاحبه عند هذا الحدِّ في كتابه الذي كرَّسَه لخِدمة توجُّهاته الماركسيَّة[1].

واقع الأمر أنَّ تأسيس عِلم الاجتماع - ذلك الذي يُدرَّس في كلِّ جامعاتنا، بما فيها الجامعات الإسلاميَّة - يرتَبِط ارتِباطًا وثيقًا باسم الفيلسوف الفرنسي (أوجست كونت)، وقليلاً ما يُشار إلى هذا الدور المهمِّ الذي لَعِبَه أستاذُه (سان سيمون) في تأسيس هذا العلم، إنَّ (سان سيمون) هذا هو مِفتاحُنا في بَيان مُؤشِّرات العلاقة بين الماسونيَّة وتأسيس علم الاجتماع.

الماسونيَّة في حقيقتها حركةٌ تنظيميَّة ذات طابع عالمي، ولكنَّها ذات هدفٍ يهودي على وجه التحديد تكرِّس كلَّ صور العصر وأدواته للحِفاظ على الإنسان اليهودي، وتُمكِّنه من السَّيْطرة على مَسار المجتمعات الإنسانيَّة، وتوجيه خُطاها بالتحرُّر من كلِّ ضَوابط الإيمان بالله، وهي أيضًا حركةٌ سياسيَّة تعمَل على تَقوِيض أركان كُلِّ سُلطة، دينيَّةً كانت أم مدنيَّةً، وهي في أصلها مؤسَّسة يهوديَّة في تاريخها ودَرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها؛ أي: إنها يهوديَّة من الألف إلى الياء، وكل ماسوني ما هو إلا تجسيدٌ للعامل اليهودي، وهي في مُعتَقداتها ومُثُلِها ولُغتها وتنظيمها تُعبِّر عن الرُّوح اليهوديَّة، وتَتطلَّع إلى الآمال التي تَتطلَّع إليها إسرائيل وتدعَمُها، وخاصَّة ما يتعلَّق منها بالقدس[2].

أمَّا (سان سيمون)، فهو مفكِّر فرنسيٌّ، وُلِدَ في باريس في 17 أكتوبر 1760 م، كان منذ طُفولته ميَّالاً إلى التحرُّر من الدين ومن سُلطة الأسرة، ألحَقَه والدُه بدير (سان لازار) فترةً من الوقت، لكنَّه كان يُفضِّل السجن عن الالتزام بتعاليم الدِ...